
أكدها الشعب مرارا ..”لا تصالح” على “دماء الشهداء”
“مقدرش اتصالح مع اللي عاوز يهد بلادي وبيأذي شعبي وولادي” بهذه الكلمات تعجب الرئيس عبد الفتاح السيسي من دعوات المصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، خلال مداخلة أثناء فعاليات الندوة التثقيفية للقوات المسلحة والمنعقدة في مركز المنارة، اليوم الأحد أكتوبر.
مستنكرًا كيف يتم التصالح مع من ضاع ضميره ودينه وانسانيته وهان عليه شعب مصر، وقام بالتخريب وقتل وتدمير حياة 100 مليون مصري، بما فيهم من أطفال وكبار سن وسيدات، ومستعد يشردهم أو أن يقتلوا أو يكونوا لاجئين بدول أخرى.
صخرة الوعي
بين الفينة والأخرى، تتجدد الدعوات التي تطالب بالتصالح من جماعة الاخوان الإرهابية ومن وراءها حلفاؤها الدوليون، بل تتصاعد الدعوات في بعض الأحيان للإفراج غير المشروط عن عدد من القيادات الاخوانية والمحكوم عليهم بعدد من القضايا تصل عقوباتها إلى حد الإعدام.
تستخدم هذه الأبواق- المطالبة بالتصالح مع الجماعة- الكذب والتدليس ولي الحقائق للوصول إلى مبتغاهم دون أي مراعاة لمشاعر من سالت دماء أبنائهم من أجل الوطن، وحجم الضرر الاجتماعي والاقتصادي والنفسي الذي وقع على الكثيرين نتيجة أفعالهم الشيطانية، التي أضرت بحياة 100 مليون مصري بشكل مباشر أو غير مباشر.
لكن غالبًا ما تتبدد هذه الاحلام على صخرة الوعي الوطني للمصريين مصطدمة بصخور الرفض، التي أصبحت عليها وحدة المصريين في مواجهة الإخوان وتاريخهم الأسود منذ أن ظهرت جماعتهم في بدايات القرن الماضي.
لا مصالحة على دماء الشهداء

غيمة من الأوهام تغطي عقول وقلوب الداعين إلى التصالح مع جماعة الاخوان المسلمين-الامر الذي لن يمر بدون إرادة الشعب- فمن المستحيل أن ينسى الشعب المصري الدماء التي سالت ومازالت تسيل بسبب غدر الجماعة وعملياتهم الإرهابية التي أزهقت الكثير من أرواح المصريين. فلن ينسى الشعب كل من حمل سلاحا أو هدد أو حرض ضده، حارقًا الممتلكات العامة، والدينية.
حتى باتت المصالحة نوعا من “الخيانة” في حق الوطن الذي يتصدى لمؤامراتهم المدعومة من قطر وتركيا. وأعلن الشعب ذلك جليًا في ثورة 30 يونيو، في مشهد يؤكد إنه لن يسمح بعودته للحياة مرة أخرى.

فالتصالح مع الجماعة هو بمثابة تصالح مع الإرهاب ذاته، فكافة الجماعات الإرهابية التي قتلت مئات من الأبرياء، ومازالت تستهدف ابناءنا في سيناء تخرج من عباءة وفكر جماعة الاخوان المسلمين الإرهابية.
هذا فضلا عن أن الموافقة على المصالحة والافراج عن أعضاء الجماعة دون شروط، هو بمثابة تقويض لدولة القانون، وإهدار لسيادة الأحكام القضائية، فمعظم هؤلاء الأشخاص ثبت تورطهم في العنف وإراقة دماء المصريين. كما ان الجماعة في حد ذاتها تم حظرها في مصر بموجب حكم قضائي بات في 6 نوفمبر 2013.
دعوات متكررة

بين الحين والأخر تظهر بلونة اختبار جديدة تدعو للتصالح مع الجماعة الإرهابية، وذلك باختلاف الأساليب والأسباب والمبررات، وحتى جنسية مطلق الدعوة وأيديولوجيته، ومن أبرز هذه الدعوات:
دعوة أطلقها عماد الدين أديب 2018، بحديثه عن ضرورة دمج شباب الإخوان داخل المجتمع والتصالح معهم، وهو ما اعتبره الكثيرون دعوة صريحة للمصالحة مع عناصر جماعة الإخوان الإرهابية المتورطة في الجرائم الإرهابية.
سبقها دعوة القيادي السلفي محمد حسان؛ لإجراء مصالحة بين جماعة الإخوان والحكومة المصرية، خلال اعتصام جماعة الإخوان الإرهابية في ميداني رابعة العدوية والنهضة، تحت هدف حقن الدماء والحفاظ على الشباب حتى لا يدخل أبناء التيار الإسلامي في صراع مع الجيش والشرطة.
ثم كرر الدعوة فى ١٤ يوليو ٢٠١٥، تحت شرط ” القصاص لمن تم قتلهم بلا حق، والعدل أولًا، كما يجب على كلا الطرفين أن يتنازل عن جزء من حقوقه لمصلحة مصر “
وفي ١٩ يونيو ٢٠١٥ أطلق عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب مصر القوية، مبادرة للتصالح مع الجماعة، تمثلت في تشكيل حكومة كفاءات انتقالية مستقلة، مقترحًا تعيين رئيس حكومة جديد مشترطًا فيه أن يكون شخصية توافقية مستقلة غير منحازة، ثم تفويض رئيس الجمهورية فى صلاحياته إلى رئيس الحكومة، ودعا فيها للإفراج عن المعزول محمد مرسى، وسجناء الإخوان، مع دخول الجماعة فى حوار وطنى مع السلطة حينها بعد التبرؤ من كل أشكال العنف.
وفى أكتوبر ٢٠١٥، دعا الدكتور محمد البرادعى إلى إشراك جماعة الإخوان فى مستقبل مصر السياسي وعملية التحول الديمقراطي، والإفراج عن محمد مرسى وسجناء الإخوان، في مقابل تخلى الجماعة عن العنف والعودة مرة أخرى إلى ما أسماه بأحضان الشعب.
وفي أغسطس ٢٠١٦، تبنى الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق للشئون الاقتصادية الأسبق، هو الآخر مبادرة تمثلت في عدم الإقصاء السياسي للإخوان طالما نبذوا العنف، والجلوس معهم للوصول إلى نقاط اتفاق تخرج الوطن من أزمته الحالية.
كما أعلن الدكتور سعد الدين إبراهيم، مؤسس مركز ابن خلدون، في مارس ٢٠١٧ أن جماعة الإخوان مستعدة للمصالحة، قائلًا: «الأجواء الآن مهيئة بالفعل لمصالحة وطنية تاريخية، وطي صفحة الماضي والتطلع للمستقبل، وأن هناك مؤشرات على قرب تحقيق مصالحة وطنية تاريخية في مصر».
ولم تتوقف دعوات المصالحة عند حدود الدولة المصرية، بل حاولت قوى ودول معادية لمصر الترويج لفكرة المصالحة مع الإخوان.
فكثيرًا ما تظهر تصريحات خبيثة ومتلونة منسوبة لقيادات الجانبين التركي، والقطري تدعو إلى و/أو تضغط على الدولة المصرية للتصالح مع جماعة الاخوان الإرهابية.
وفى نهايات عام ٢٠١٦، أعلن الرئيس السوداني الأسبق عبد الرحمن سوار الذهب، إمكانية قيام السودان بالوساطة بين النظام المصري وجماعة الإخوان لتحقيق ما أطلق عليه المصالحة الوطنية.
وفى يناير ٢٠١٧ كشف راشد الغنوشى، رئيس حركة النهضة الذراع التونسية للإخوان عن أنه طلب من السعودية التوسط لدى مصر للمصالحة مع جماعة الإخوان.
كما انطلقت الدعوات من داخل الجماعة نفسها، ففي نوفمبر ٢٠١٦، دعا إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حاليًا (ونائب مرشد الجماعة وقتها)، إلى ضرورة البحث عن أي وسيط بین الجماعة والدولة المصریة لحل الأزمة الموجودة، من خلال عقد عدد من الجلسات بین الطرفین للوصول إلى حل وسط.
كما كشفت وكالة «بلومبيرج» الأميركية، في تقرير لها في فبراير 2018، عن محاولات إجراء صفقة بين الجماعة الحكومة المصرية، يتم بموجبها إطلاق سراح قيادات الإخوان من السجون مقابل ابتعاد الجماعة عن ممارسة السياسة. الامر الذي حاولت الجماعة نفيه في بيان بعدما واجه الرفض القاطع.
وفي أغسطس 2019، أعلنت مبادرة لشباب الإخوان، تحت عنوان “اقتراح اتفاقية مستقلة لإطلاق سراح المعتقلين بالسجون المصرية”، والتي أعلنها الإخواني عمر حسن مالك، والتي حاول أن يصور انها جاءت بشكل فردي، حفظًا لماء الوجه، حال تم رفضها. والتي من خلالها اعلان التبرع بـ5 آلاف دولار لصندوق “تحيا مصر” عن السجين الوحيد على سبيل الكفالة أو «الدية» واعتزال العمل السياسي.
رفض متكرر

سنة واحدة من الحكم كانت كفيلة بكشف صدق نوايا جماعة الاخوان أمام القاصي والداني، والتي كشفت عن وجهها الحقيقي بسرعة كبيرة، ورغبتها في الاستيلاء على الدولة المصرية ومواردها وجعلها إمارة تابعة لرؤية المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين، وللأوامر التي تملى عليه من ممولي الجماعة.
منذ اللحظة الأولى لتولي الرئيس السيسي سدة الحكم في 2014، وقد تعهد بعدم السماح بوجود الإخوان خلال فترة حكمه. الأمر الذي أكده مرارًا وتكررًا أخرها اليوم، موضحًا إن محاولات استهداف الدولة المصرية لن تتوقف من قبل من يقومون بها، وذلك لأن هدفهم تدمير الدولة.
وأضاف الرئيس السيسي، خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة الذكرى 47 لانتصارات أكتوبر المجيدة، اليوم الأحد: “لو عايزين ترتاحوا من اللي بيتعمل فيكم كل يوم ده اتصالحوا، نعمل إيه.. اتصالحوا لو عايزين تتصالحوا قولولي، أنا مقدرش أتصالح”.
وتابع الرئيس: “طيب مش بيقولوا الصلح خير طيب مبتصالحش ليه، مقدرش أتصالح مع اللي عايز يهد بلادي ويؤذي شعبي وولادي، لو اختلف معايا اختلاف على أد الاختلاف أهلا وسهلا، لكن لو عايز تدمر وتخرب وتقتل أصالحك إزاي أنا، وشعب مصر هان عليك، الأطفال والسيدات والكبار هانوا عليك ومستعد تشردهم وتوديهم يقتلوا أو يبقوا لاجئين ومقولتش بلاش لأجل خاطر الناس في مصر، لو قولت كده هقول والله ضميرك ودينك وإنسانيتك موجودة لكن انت مبتعملش كده، لا عندك دين ولا ضمير ولا إنسانية”.
هكذا كان الرد صريح وواضح من قبل الرئيس السيسي، ولم تختلف ردود الشعب كثيرًا عن رد القيادة السياسية. فكانت البداية بإزاحة المصريين لنظام الاخوان بثورة ٣٠ يونيو، بعد أن اكتشف زيف دعواه وأكاذيبه، رافضين حكم جماعة أيديها ملطخة بدماء المصريين الأبرياء.
وظهر الحجم الحقيقي للجماعة ومؤيديها، من خلال الدعوات المتكررة للتظاهر لزعزعة استقرار الدولة. والتي لم تلقى قبول أو استجابة من قبل جموع الشعب، بل نشأت في المقابل دعوات مضادة تؤيد استقرار الدولة وتعبر عن رفضها للجماعة.
وقد تأكدت الجماعة مرارًا من فشلها في جذب الدعم الشعبي تحت أي ظروف، وظهر ذلك واضحًا من خلال الوثائق المسربة في أواخر 2016، والتي نسبت إلى القیادات التاریخیة بقیادة محمود عزت، القائم بأعمال المرشد سابقًا، لتعترف فیها بفشل العمل الجماهیرى، الذي قامت به الجماعة خلال السنوات الماضیة، مطالبة بتهيئة الجماعة للقبول بالمصالحة مع الدولة المصریة. وهو ما يفسر الاطلاق المتكرر للأبواق الناعقة بضرورة التصالح مع الجماعة ودمج أفرادها في العمل السياسي.
باحث أول بالمرصد المصري



