
هدفها “التزييف” للسيطرة على العقول .. كيف واجهت الدولة المصرية حروب الجيل “الرابع” و”الخامس”
خلال كلمته اليوم في الندوة التثقيفية الـ 32 للقوات المسلحة، حذر الرئيس عبد الفتاح السيسي من المؤامرات التي تُحاك ضد مصر وشعبها. وأشار إلى أن حروب الجيل الرابع والخامس لاتزال مستمرة. مضيفا أنها تتناول قضايا تثير استفزاز الرأي العام، وتسعى للنيل من قيادة الشعوب وجيوشها.
في لافتة منه إلى طبيعة تطور النهج الذي سارت عليه البشرية خلال صداماتها منذ فجر التاريخ. حيث بدأ البشر في استخدام الحروب المباشرة التي تشتمل على مواجهة بين طرفين أو أكبر باستخدام الأسلحة البدائية. وكان هذا النمط من الحروب يُدعى بـ “الحروب التقليدية”، وكان من أبرز أشكالها ما خلده المصريون القدماء على جدران المعابد الفرعونية من مشاهد باسلة لحروب كان يقودها ملوك مصر لأجل طرد الأعداء ودفع الخطر عن البلاد.
انتقلت البشرية إلى حروب الجيل الثاني بمجرد أن ظهرت قوة البارود وأصبح السلاح المُعتمد عليه يتمثل في البندقية والمسدس والمدفع. ثم تطورت إلى نمط آخر، بمجرد أن ظهرت الدبابات والمدرعات والطائرات العسكرية وما رافقها من مدمرات وبوارج وغواصات، ولقد تزامن هذا التطور مع بدايات الحرب العالمية الأولى.
وعندما أشرفت الحرب العالمية الثانية على نهاياتها، لاحت في الأفق حروب الجيل الثالث، وتلك تتميز بانقسامها الى نمطين، أحدهما تقليدي والأخر نووي. ويُعد استخدام القنبلة الذرية ضد اليابان من أبرز معالم هذه المرحلة من الحروب.
جذور مصطلح “الحرب بالوكالة”
في عام 1955، بدأت حرب فيتنام. وكان طرفا الحرب هما الولايات المتحدة الأمريكية وفيتنام. وعلى خلاف جميع التوقعات التي كانت تقضي بحتمية فوز الدولة العظمى، إلا أن الحرب التي استمرت لمدة 9 سنوات ونصف قد انتهت بانتصار فيتنام.
وتكبدت الولايات المتحدة فيها مر الهزيمة بعد أن دفعت أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية الذي قد تكون عرفته في تاريخها العسكري، إذ فقدت واشنطن 58 ألف جندي مؤكد قتلهم بالإضافة الى ما يزيد عن 1600 جندي أمريكي كانوا جميعًا في عداد المفقودين بتوقيت نهاية هذه الحرب.
عند هذه المرحلة، بدأت واشنطن تتراجع عن فكرة الاعتماد على الحروب التقليدية باستخدام ضباط ومجندين أمريكيين. وبدأت تفكر في حلول بديلة كانت جميعها تدور حول ما يُفضي الى استخدام مجندين أجانب –أي غير أمريكيين- في الحروب والعمليات العسكرية الأمريكية بالخارج.
ومن هذا المنطلق ظهرت فكرة الحرب بالوكالة، وهو الشيء الذي رأيناه بوضوح في طريقة التعامل الأمريكية مع التعاون بين السوفييت والأفغان فيما بعد. فقد رأينا دعم أمريكي لمجاهدون غير امريكيون لأجل تطبيق الأفكار لأمريكية وتضييق الخناق على أعداء الولايات المتحدة في جبهة أخرى بعيدة عنها.
ما هي حروب الجيل الرابع؟ وكيف ظهرت؟
يبدو أن الولايات المتحدة في كل مرحلة تتعلم من أخطائها، وهذا ما يعكسه بوضوح مفهوم “حروب الجيل الرابع”، وطبيعة ظهوره. فقد خلفت الحرب في أفغانستان مجموعة كبيرة من المقاتلين المتشددين والقادرين على استخدام الأسلحة، وهؤلاء بعد الحرب انضموا الى تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي كان الهجوم على برجي التجارة العالميين في نيويورك من أبرز تحركاتهم الإرهابية. وكان هذا الهجوم كفيلاً بإعادة تصحيح المسار الأمريكي ونظرته للحروب، فقد اكتشفت الولايات المتحدة للمرة التالية أن مفهوم الحرب بالوكالة غير مجدي الى حد كبير. ووجب عند هذه المرحلة أن يتم خلق وصناعة مفهوم جديد للحروب.
وبهذه الطريقة، ظهر مفهوم حروب الجيل الرابع، الذي يقوم في الأساس على هدم الدولة الواحدة ولكن من الداخل، ومن دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية المباشرة. على أن تكون مرحلة هدم الدولة من الداخل هي أول خطوة من خطوات حروب الجيل الرابع، ويليها فرض إرادة أطراف خارجية عليها بسهولة، ثم املاء الشروط عليها والتحكم في مقدراتها والاستيلاء عليها وبيعها بالشكل الذي ترغب فيه الإرادة الخارجية، وجميع هذه المكتسبات كانت الدولة عادة ما تحققها بالاعتماد على الحروب التقليدية ولكن بتكبد خسائر أكبر.
وليس من الضروري أن تكون الأطراف المتحاربة في حروب الجيل الرابع دول، بل من الممكن أن تكون الأطراف هي جهات فاعلة وغير حكومية كذلك. كما يُعرف الخبراء هذا النمط من الحروب، بأنها حرب معقدة، طويلة الأمد وغير مركزية التخطيط، تقوم على أساس الحرب النفسية؛ وما تشتمل عليه من تدمير الروح المعنوية للدولة من الداخل، والعمل على تأجيج الصراع الديني، والعرقي، والثقافي، والتاريخي، واللاأخلاقي حتى يمتد ليشتمل على كافة أطياف الدولة، في منأى عن استخدام المواجهات العسكرية النظامية. كما أنها أيضًا “حرب ثقافية”، تستهدف الهجوم على ثقافة الخصم من خلال استخدام وسائل الإعلام الحديثة، وشبكة الإنترنت، واستغلال كافة الوسائل المتاحة لأجل الضغط على الخصم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريا. بحيث يُعد غياب التسلسل الهرمي من أبرز مميزات هذا النمط من الحروب، التي تعتمد على تكتيكات التخريب والإرهاب التي تصل في الكثير من الأحيان الى أن تبلغ حد حرب عصابات.
حروب الجيل الخامس
انبثق مفهوم “حروب الجيل الخامس”، في المقام الأول عما يسبقه من مفهوم “حروب الجيل الرابع”. ومن الممكن أن يُنظر إلى هذا المفهوم باعتباره حرب هجينة وهو ما يُعد أحد أفرع حروب الجيل الرابع. بمعنى آخر، يعتمد هذا النمط من الحروب على مجموعات صغيرة وباستخدام تكنولوجيا متطورة تعمل داخل الدولة بعيدًا عن مواجهة القوات المسلحة. وتستهدف هذه المجموعات المؤسسات والمواقع الحيوية في الدولة، متسببة في خسائر كبرى، وباهظة الثمن. كما أن تستهدف كذلك الروح المعنوية للعسكريين والمدنيين على حد سواء. ومن ضمن اساليبها، أن تعمل على تجنيد عدد كبير من أفراد الشعب وضمهم الى صفوفها، بالإضافة الى الاعتماد على قوى مُعارضة من جمعيات ونقابات ومنتديات، وعدد لا متناهي من أعمال الطابور الخامس لأجل بث الشائعات.
ويرجع إطلاق لفظة “الحروب الهجينة” على هذا النمط من الحروب، إلى أن حروب الجيل الخامس تعتمد على المزج بين العديد من الأنماط والأساليب القتالية المختلفة، كنموذج عصري لمزيج بين حرب العصابات، والعمليات الانتحارية، ونصب الكمائن، والأعمال الإرهابية المتطورة باستخدام التكنولوجيا الحديثة. وبالنسبة لكل من تم تجنيدهم في صفوف حروب الجيل الخامس، فإن هؤلاء يتم تدريبهم على فنون القتال عالية الكفاءة، وحرب الشوارع، وباستخدام تكتيكات الطعن والذبح والحرق، واستخدام السيارات المفخخة. كما تتميز الحرب بانتهاج أسلوب التحالفات مع الدول التي تتعارض مصالحها مع الدولة المستهدفة.
جهود الدولة المصرية لمجابهة حروب الجيل الرابع والخامس
بذلت الدولة كثيرا من الجهود التي تهدف إلى محاربة ومجابهة حروب الجيل الرابع والخامس على كافة الأصعدة. فقد تضمنت الاستراتيجية المصرية عددا من النقاط والمحاور الرئيسية في هذا الصدد، كان من أبرزها الاستثمار في العنصر البشري في مجالات تطوير البرمجيات ونظم الحماية، والعمل على مشروع وطني لأجل حماية البنية المعلوماتية التحتية من الاختراق، وتفعيل استراتيجية الأمن السيبراني في شكل استراتيجية قومية لمواجهة الخطر، والعمل على رفع الوعي المجتمعي لما نواجهه من حروب سيبرانية، ووضع خطة للتعامل مع السوشيال ميديا لأجل مجابهة الأعداء بنفس السلاح.
ومن الناحية الأمنية، شنت الدولة حربا على الإرهاب، قامت من خلالها بمواجهة التنظيمات الإرهابية والعصابات الممولة من الخارج والتي تنتشر تحديدًا في شمال سيناء.
أما على الصعيد التنموي، فقد دشنت الدولة المصرية عديدا من المشروعات التنموية خلال الأعوام القليلة الماضية فقط، وكان ذلك إيمانًا منها بأن التنمية تُعد أحد الركائز الأساسية لمكافحة الحروب الهجينة. ومن أبرز هذه المشروعات، كان مشروع تنمية قناة السويس، وتنمية ميناء شرق بورسعيد، ومشروعات التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء وغيرها.
وانطلاقًا من أن الوعي هو خط الدفاع الأول لمجابهة التدخلات الخارجية والحروب الهجينة وما يرافقها من شائعات. نشطت جهود الدولة في مجال التعليم، فقد وفرت الدولة عددً من المدارس الى جانب تنشيط مشروع محو الأمية لمرحلة التعليم ما قبل الجامعي. كما عملت على تأسيس المزيد من الجامعات والكليات ورفعت الموازنة العامة للتعليم بكافة أشكاله على حد سواء.
باحث أول بالمرصد المصري