
ما بين دعم إثيوبيا وفرض عقوبات عليها…ازدواجية النص وغموض الموقف لنائبة بالكونجرس الأمريكي
قدمت عضو الكونجرس الأمريكي ورئيس اللجنة الفرعية المعنية بالشؤون الإفريقية، ورئيسة التجمع الأسود بالكونجرس “Black Caucus“، مشروع قانون متعلق بحالة الديمقراطية في إثيوبيا. ويستهدف المشروع دعم حقوق الإنسان ودفع التقدم الديمقراطي في إثيوبيا، باعتبار إثيوبيا دولة شريكة للولايات المتحدة وشريكًا اقتصاديًا وحليفًا أمنيًا مهمًا، فضلًا عن مساهمتها بقوات في حفظ السلام الدولي. هذا فضلًا عن الدفع بمفاوضات سد النهضة لآفاق عادلة لكافة الأطراف.
وعود إصلاحية
وجاء هذا المشروع، باعتباره كشف حساب ومراجعة، لإجراءات التحول الديمقراطي، المفترض اتباعها من قبل إثيوبيا، بداية من يناير 2020، مع إعلان الجبهة الديمقراطية مواصلة الإصلاحات الديمقراطية، كآلية للاستجابة للاحتجاجات التي اجتاحت البلاد، أواخر عام 2015. وبالرغم من تصدر آبي أحمد لقيادة جهود الإصلاح منذ اختياره في إبريل 2018؛ بما في ذلك وعوده بإطلاق سراح السجناء السياسيين واستدعاء المعارضة من المنفى، فضلًا عن اختراق ملف السلام مع إريتريا، ورفع الحظر عن أكثر من 200 موقع إلكتروني وتحسين وسائل الإعلام، وإغلاق سجن الميكلاوي سيء السمعة، ودعم جهود مكافحة الإرهاب، وتشكيل حكومة متوازنة بين الجنسين، وإصلاح القوانين الانتخابية والمجلس الانتخابي الوطني لإثيوبيا، فضلًا عن اتخاذ خطوات لخصخصة الاقتصاد والنهوض بالقطاع الخاص.
تحديات قائمة
بخلاف ما سبق من وعود، أشار التقرير إلى استمرار التحديات الرئيسية، بما في ذلك الصدامات العرقية والطائفية المتكررة، واستمرار حالة الاستقطاب السياسي المتزايدة، التي حفزت العنف، وهددت التحول الديمقراطي بالبلاد. إذ تسببت التهديدات العرقية منذ عام 2017 في تشريد أكثر من ثلاثة ملايين إثيوبي حتى عام 2019. هذا فضلًا عن تأجيل الحكومة الانتخابات التي كانت مقررة في أغسطس لأجل غير مسمي، ومقتل المغني الأورومي”هاشالو هونديسا” في التاسع والعشرين من يونيو، ما تسبب في أسبوع من العنف والاعتقالات، دفع إلى تزايد المخاوف وتصاعد عدم الاستقرار بشكل عام؛ مع استهداف الأقليات العرقية والدينية بهجمات عنيفة، ونهب وتدمير المنازل والشركات والمؤسسات الدينية في حين قُتل مئات الأشخاص في أعمال العنف والاضطرابات العرقية الأخيرة ، بعضهم على أيدي قوات الأمن الإثيوبية ؛ في حين اعتقلت قوات الأمن الإثيوبية أكثر من 7000 شخص منذ بدء الاضطرابات ، بما في ذلك العديد من الصحفيين والسياسيين المعارضين البارزين. وقد أدى استمرار احتجازهم إلى مزيد من الاحتجاجات والعنف. هذا فضلًا عن استخدام الحكومة الإثيوبية تكتيكات، مثل الاعتقالات الجماعية وإغلاق الإنترنت والاحتجاز دون تهم.
وهو الأمر الذي يعكس حالة الارتداد لحالة الانغلاق السياسي المعهودة قبل 2018، مما يهدد التقدم الديمقراطي الذي تم إحرازه على مدى العامين الماضيين، وينذر بمزيد من الاستقطاب والتوترات وازدياد احتمالات العنف بين الأعراق والأديان.
ومع انغلاق قنوات الحوار بين الأحزاب الحاكمة والمعارضة حول الانتخابات والتحول الديمقراطي، تبقى آليات العدالة الانتقالية بإمكانها معالجة المظالم وتعزيز الأمن والتنمية والمصالحة والحكم الرشيد.
وانتقالًا إلى السياق الخارجي، أشار التقرير إلى مشروع سد النهضة، باعتباره مشروعًا تنمويًا، بإمكانه مساعدة البلاد على توليد الكهرباء وتحقيق ملايين الدولارات من صادرات الطاقة؛ إلا أن المفاوضات المتعلقة بحقوق مياه نهر النيل لها تاريخ طويل ومعقد يتضمن اعتبارات إقليمية ومحلية من قبل مصر وإثيوبيا والسودان؛ وحيث أن الاتفاق المقبول للطرفين أمر بالغ الأهمية للاستقرار الإقليمي والنمو الاقتصادي في المستقبل، في حال تم التوصل إليه.
وعليه، يوصي التقرير، مجلس النواب الأمريكي بجملة من التوصيات،
- الوقوف إلى جانب الشعب الإثيوبي ودعم السلام، والإصلاحات الديمقراطية والحقوق التي ينص عليها الدستور.
- دعم التدابير الإصلاحية التي بدأها آبي أحمد عام 2018، بما في ذلك الجهود المبذولة لتعزيز حقوق الإنسان، وخصخصة الاقتصاد، وإلغاء القيود المفروضة على حرية التعبير، وتنظيم أول انتخابات رئاسية متعددة الأحزاب وحل النزاعات الإقليمية.
- إدانه جملة من مظاهر القمع على النحو التالي
- إدانة العنف المستهدف للممتلكات الموجهة ضد الأقليات العرقية والدينية.
- الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن الإثيوبية ضد المتظاهرين المسلمين.
- اعتقال واحتجاز الصحفيين والمتظاهرين المسلمين، الذين مارسوا حقوقهم الدستورية في حرية التجمع والتعبير.
- إدانة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة التي تغذي الإثنية وسياسة العنف.
- حث المحتجين في إثيوبيا على الامتناع عن العنف والامتناع عن التحريض والعنف في التظاهرات.
- حث القادة والسياسيين على التهدئة ونبذ العنف.
- حث جميع الفصائل المسلحة على وقف النزاع مع حكومة إثيوبيا والدخول في مفاوضات سلمية مباشرة أو من خلال وسطاء.
- تشجيع الجهود التي تبذلها المؤسسات الوطنية ولجنة حقوق الإنسان لدعم حقوق الإنسان.
- دعوة حكومة إثيوبيا إلى
- إجراء تحقيقات شفافة وذات مصداقية حول عمليات القتل والتعذيب التي وقعت في إقليم أوروميا وأديس أبابا والجنوب أثناء الاحتجاجات، بما في ذلك التحقيق في مقتل هاشالو هونديسا.
- استخدام إجراءات فورية لمنع استخدام القوة المفرطة من قبل قوات الأمن وضمان مساءلة قوات الأمن.
- إظهار الاحترام للإجراءات القانونية السليمة وضمان العدالة، في محاكمة الصحفيين والسياسيين الذين تم اعتقالهم خلال الاضطرابات الأخيرة.
- احترام الحق في التجمع السلمي، وضمان حرية الصحافة ووسائل الإعلام بما يتوافق مع المادتين 29،30 من دستور إثيوبيا.
- استئناف الحوار مع أحزاب المعارضة بشأن القضايا المتعلقة بالتحول الديمقراطي، وتحديد جدول زمني للانتخابات الوطنية.
- النظر في استخدام مناهج وآليات العدالة الانتقالية وتدابير لمعالجة المظالم من أجل المساهمة في مستقبل ديمقراطي وسلمي مزدهر.
- يدعو مشروع القانون الولايات المتحدة إلى :
- لعب دور أكثر نشاطًا في دعم الحوار الشامل بين الإثيوبيين حول الإصلاحات الديمقراطية، والانتخابات والعنف العرقي والمحاسبة الجادة لانتهاكات حقوق الإنسان.
- حشد الدعم من الأطراف الثنائية الملتزمة بتقديم الدعم لإثيوبيا، وتوفير التمويل الضروري من أجل : دعم الأمن الصحي، والمجتمع المدني، والتأهب للانتخابات، والنمو الاقتصادي والأمن الغذائي، ومكافحة الإرهاب.
- النظر في تطبيق عقوبات الولايات المتحدة الحالية، المتعلق بالانتهاكات الدولية الجسيمة لحقوق الإنسان Global Magnitsky Human.
- دعم مفاوضات سد النهضة التي يقودها الاتحاد الإفريقي، بين مصر وإثيوبيا والسودان، لدعم عدالة النتيجة التي تتوصل إليها الأطراف.
- دعم زيادة استثمارات القطاع الخاص الأمريكي في إثيوبيا، بما في ذلك القطاعات السلكية واللاسلكية، والطاقة والزراعة وتشجيع الجهود لتحفيز النمو الاقتصادي وخصخصة الاقتصاد.
في الأخير، يعكس هذا القانون الوضع المتردي للأوضاع السياسية والإنسانية في الداخل الإثيوبي التي باتت محل انتقاد من كافة الأطراف الداخلية والخارجية. إذ وصل حال البلد، الذي حصلت قيادته السياسية على نوبل للسلام، بفضل الإصلاحات المزعومة التي تبناها، إلى وضع باتت معه العقوبات المتعلقة بحقوق الإنسان خيارًا مطروحا. هذا فضلًا عن انكشاف عدم عدالة السياسة التفاوضية التي تنتهجها إثيوبيا حول سد النهضة، وإن كان هناك إقرار بعدالة حقهم في التنمية. هذا فضلًا عن استمرار حالة الازدواجية في السياسة الأمريكية، التي تجلت أبرز معانيها، في المناشدة بتقديم كافة سبل الدعم لذات البلد التي يتعين فرض عقوبات عليها. وإن كان تبريره أن الدعم مقدم من أجل دعم التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان، مع تقييد السلطات المطلقة والقمية لنظامه، إلا أنه لا يعكس في الأخير حالة من التفاؤل بالموقف والدور الأمريكي، الذي ينظر إلى إثيوبيا كشريك اقتصادي وحليف أمني، لا يتصور أن تشهد العلاقات بينهما تحولًا يخدم المصلحة المصرية، إلا بإرادة واتجاهات القائمين على صناعة القرار الأمريكي نفسه، بانتهاج سياسة متسقة وواضحة.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية