
سياسة الصين للتعافي فيما بعد جائحة كورونا
سياسة الصين للتعافي فيما بعد جائحة كورونا
نشر صندوق النقد الدولي مقال بقلم النائب الأول لمدير عام الصندوق “جيفري أوكاموتو” حول التوقعات الاقتصادية العالمية، والتحديات التي يفرضها فيروس كورونا المستجد، كما عرض استراتيجية لبناء اقتصاد أكثر ازدهارًا في ظل الجائحة، وتضمن المقال ثلاثة نقاط هم:
أولًا- توقعات نمو الاقتصاد العالمي:
خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي إلى – 4.9 % هذا العام، وتوقع الصندوق أن يُعاني الاقتصاد العالمي على مدار عامين من الأثار السلبية التي خلفها فيروس كورونا المستجد، وقُدرت خسارة الاقتصاد بأكثر من 12 تريليون دولار.
ومع اتخاذ معظم الدول قرارات بتخفيف إجراءات الإغلاق وفتح حركة الطيران الدولي بشكل جزئي، بدأ النشاط الاقتصادي العالمي في التعافي، لذا فمن المتوقع أن ينتعش الاقتصاد ولكن بصورة جزئية وغير منتظمة، أي أن البلدان سوف تتعافى بسرعات مختلفة، ومن المتوقع أيضًا أن تقل مستويات الإنتاج في كل دول العالم عما كانت عليه قبل وجود فيروس كورونا.
وفي المقابل توجد بعض المخاطر التي قد تمنع من الوصول إلى تلك التوقعات، من أبرزها انتشار حالة عدم التيقن في الأسواق بسبب عدم وجود مصل أو علاج فعال لفيروس كورونا المستجد، فضلًا عن وجود التوترات الجيوسياسية والاجتماعية في العديد من الدول.
ثانيًا- سياسة الصين في مواجهة كوفيد19 :
تتبع الصين سياسة مالية ونقدية تقوم على توفير الدعم الحاسم للنمو، و تركز جهودها على مساندة الأسر والشركات الخاصة والشركات المملوكة للدولة الغير قادرة على البقاء في ظل التحديات الجديدة، كما تعمل الصين على زيادة الاستثمارات، علاوة على ذلك تقوم بمساندة الشركات الصغيرة والمتوسطة لضمان استمرار عمل سلاسل التوريد الخاصة بها.
وساعدت هذه الإجراءات المالية والنقدية والمالية في التخفيف من الآثار الاقتصادية السلبية لفيروس كورونا، حيث بدأ الاقتصاد الصيني في التعافي، ونتيجة لذلك ارتفع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من (- 6.8٪) في الربع الأول إلى 3.2٪ في الربع الثاني، كما تشير كل التوقعات والمؤشرات الاقتصادية أن هذا الانتعاش سيستمر في الربع الثالث.
ومع ذلك ، فإن التعافي الكامل سيستغرق بعض الوقت، وذلك لوجود بعض التحديات الهيكلية القديمة والتي تُركت لفترة طويلة دون معالجة، وقد تؤدي هذه التحديات إلى تأخير الانتقال من الانتعاش المدعوم من الحكومة إلى نمو القطاع الخاص المدفوع بالطلب والاكتفاء الذاتي.
والجدير بالذكر أن، الصين تلعب دور قيادي في العديد من البلدان حيث تُقدم الإمدادات من المعدات الطبية والوقائية، كما قامت باكين بتقديم دعم لصندوق احتواء الكوارث وتخفيفها والذي يسمح لصندوق النقد الدولي بتقديم إعفاء من الديون لأعضائه الأشد فقراً و الذين تضرروا من الأزمة، علاوة على ذلك تعهدت الصين لمجموعة العشرين بأنها ستقدم إعفاء من ديون البلدان منخفضة الدخل، وقد يؤدى تعاون باكين مع شركائها التجاريين إلى مساعدة نظام التجارة والاستثمار العالمي على التكيف مع التغيرات في الاقتصاد العالمي الناتجة عن انتشار الفيروس.
ثالثًا- الطريق إلى الانتعاش المرن وإعادة التوازن:
يحتاج الاقتصاد والأفراد خلال هذه الجائحة إلى الحصول على دعم غير تقليدي ، لكن هذا الدعم قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات الديون، لذا فإن الهدف الأهم لدى دول العالم الآن هو إيجاد التوازن الصحيح بين الحفاظ على معدلات النمو والإصلاحات الاقتصادية التي تمت وبين تقديم الدعم والتخفيف من آثار الفيروس الاقتصادية والاجتماعية، وفي هذا الصدد يُمكن الاعتماد على سياسة الصين التي اتبعتها في مكافحة المرحلة الأولى من الوباء، والتي ساهمت في توجيه الاقتصاد نحو الانتعاش المرن، وهو ما يُمكن إيضاحه في النقاط الأربع الآتية:
1. دعم الاقتصاد الكلي: من خلال زيادة الطلب من قبل المستثمرين والمستهلكين، مع توفير كافة وسائل الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة الذي يجعلها تُزيد من استهلاكها، مما يؤدي إلى زيادة الطلب الكلي وبالتالي زيادة الإنتاج وتشغيل عجلة الاقتصاد مرة أخرى، وهذا يساعد الاقتصاد على التعافي بصورة أكثر استدامة وتوازناً.
2. تعزيز الاستقرار المالي: من خلال اتباع السياسات الاحترازية الجزئية والكلية لمنع تراكم المخاطر النظامية، وفي هذا الصدد يٌمكن تكثيف الإصلاحات التنظيمية في قطاع إدارة الأصول، و العمل على تعزيز رؤوس الأموال للبنوك.
3. رفع الإنتاجية، خاصة في قطاع الخدمات: عن طريق تقليل الحواجز أمام دخول الشركات الخاصة إلى السوق، والعمل على تصفية الشركات المملوكة للدولة الغير قادرة على البقاء، ويؤدي ذلك إلى توفير مجال جديد للقطاع الخاص وخلق فرص عمل جديدة مما يعمل في النهاية على دعم إعادة توازن الاقتصاد الكلي.
4. تعزيز النمو “الأخضر” المستدام: عن طريق زيادة الاستثمارات في البنية التحتية صديقة البيئة والتكنولوجيا الخضراء، وتعمل هذه الاستثمارات على تعزيز فرص العمل.
ختامًا، إن تحقيق هذه الأهداف ليس بالمهمة السهلة، لكن النجاح سيؤمن الانتعاش القوي للاقتصاد مما يؤدي إلى تخفيف التداعيات السلبية لفيروس كورونا على العالم، ويتطلع صندوق النقد الدولي الآن لفهم التحديات الاقتصادية التي يمثلها الوباء بشكل أفضل، لذا سيتم التواصل مع الفريق الصيني بشأن تنمية القدرات في مواجهة كوفيد 19.
والجدير بالذكر أن، صندوق النقد الدولي قدم تمويلًا طارئًا بسرعة وحجم غير مسبوقين، ويستعد لتقديم المزيد من الدعم لمجموعة أوسع من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ومن المتوقع أن يقوم الصندوق بمضاعفة حجم الائتمان الذي يقدمه بدون فائدة إلى ثلاثة أضعاف إلى البلدان منخفضة الدخل من أجل مساعدتها على تلبية احتياجاتها التمويلية الكبيرة في ظل انتشار الفيروس.