آسيا

الثورة الثالثة.. ماذا يجري في قيرغيزستان؟

شهدت قيرغيزستان تطورات سياسية سريعة منذ بدء المظاهرات الشعبية في 5 أكتوبر 2020 رفضًا واستباقًا لما رأته المعارضة تزويرًا للانتخابات البرلمانية في 6 أكتوبر، والتي أسفرت عن فوز الحزبين الكبيرين المقربين من روسيا.

قيرغيزستان جمهورية سوفيتية سابقة تقع غرب الصين، حيث تتاخم حدوها إقليم شينج يانج الصيني أو ما يطلق عليه بالصينية مقاطعة المغرب او الحدود، والذي يشهد اضطرابات ما يعرف بـ “مسلمي الايجور”، ويفصل قيرغيزستان عن روسيا الفيدرالية شمالًا كازاخستان الجار السوفيتي السابق.

وقد حصلت على استقلالها عن موسكو عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وإن ظلت العلاقات السياسية والتاريخية والثقافية تهيمن على العلاقة بين البلدين، حتى أن اللغة الروسية هي لغة رسمية في البلاد بجانب اللغة القيرغيزية، وتعتبر الجمهورية السوفيتية السابقة هي الوطن القومي لعرقية وقومية القيرغيز وهي قبائل من أصول تتارية تحاول تركيا نسبها إلى الثقافة التركية.

مظاهرات 5 أكتوبر 2020 أو ما يمكن تسميته بالثورة الثالثة في تاريخ قيرغيزستان قد أسفرت عن غموض سياسي يتعلق بالرئيس “سورونباي جينبيكوف” الموالي لموسكو والذي تولى السلطة في 24 نوفمبر 2017، إذ أعلن الرئيس في الساعات الأخيرة من 6 أكتوبر أن هناك محاولة من المعارضة للاستيلاء على السلطة، وقد تصدت لها القوى الأمنية، ثم انقطعت أخباره عقب ذلك.

أما المتظاهرون فقد اقتحموا مقر البرلمان ومجلس الوزراء ووزارة الداخلية وبعض السجون، وأطلقوا سراح الرئيس السابق “ألمازبيك أتامباييف” والذي حكم البلاد ما بين عامي 2011 و2017 والمسجون عقب خروجه من الحكم في تهم فساد.

ومع استمرار اختفاء رئيس الدولة، أعلن رئيس الوزراء “كوباتبيك بورونوف” استقالته في 6 أكتوبر ونصبت المعارضة “صدر جباروف” رئيسًا للوزراء، وكذلك استقال رئيس البرلمان وأعلن إلغاء نتائج انتخابات 6 أكتوبر 2020 البرلمانية.

تاريخ الثورات في بلاد قيرغيز

عاشت قيرغيزستان عقب الاستقلال عن الإمبراطورية السوفيتية في حالة من الجمود السياسي الى أن قررت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن تطبيق استراتيجية الثورات الملونة في الدول السوفيتية السابقة من أجل تطويق الصعود الروسي في زمن الرئيس الجديد –وقتذاك– فلاديمير بوتين، وبدأت بجورجيا ثم أوكرانيا وأخيرا قيرغيزستان.

لم يكن الغرض هو بث بعض الفوضى وخلع أنظمة موالية لموسكو فحسب ولكن أيضًا إفساح الطريق أمام المعارضة الموالية للغرب من أجل الصعود إلى السلطة وإبرام اتفاقيات سياسية وأمنية وعسكرية مع أوروبا وأمريكا وحلف الناتو، ما أدى إلى إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في قيرغيزستان، وبدء مفاوضات أوكرانية أوروبية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وتنسيق شامل ما بين جورجيا وبوش الابن فيما يتعلق بالحدود الروسية الجورجية المشتركة، في زمن الزلزال الاستراتيجي والجيوسياسي في الكرملين عقب الاحتلال الأمريكي لأفغانستان عام 2001.

إذا كانت الولايات المتحدة الامريكية بالتعاون مع القوى الغربية قد حركت ثورة قيرغيزستان الأولى (22 مارس 2005 – 11 أبريل 2005)، فإن روسيا انتظرت هدوء الأوضاع ودبرت ثورة قيرغيزستان الثانية (6 أبريل 2010 – 14 ديسمبر 2010) بعد خمس سنوات من الثورة الأولى، واستغرقت أكثر من 8 شهور من الأحداث الملتهبة التي أعادت تثبيت النفوذ الروسي في بلاد القيرغيز لعشر سنوات كاملة قبل خلخلة هذا النفوذ بالثورة الثالثة.

مسرح العمليات في دول الجوار الروسي

تأتي ثورة قيرغيزستان الثالثة على يد المعارضة الموالية للغرب كثالث حدث سياسي في أقل من شهرين في دول الجوار الروسي أو الجمهوريات السوفيتية السابقة يستهدف زعزعة استقرار النفوذ الروسي وتصدير التوتر والفوضى إلى الداخل الروسي.

قبل الثورة القيرغيزية كانت هناك ثورة بيلاروسيا التي لا تزال تشعل شوارع روسيا البيضاء المتاخمة لروسيا الفيدرالية، ثم اشتعلت الحرب في إقليم أوراسيا بالقرب من القوقاز الروسي بين أرمينيا وأذربيجان مع انحياز تركي مدعوم غربيًا لأذربيجان، وبدء نقل المرتزقة الموالين لتركيا من سوريا وليبيا إلى أذربيجان لمهاجمة جمهورية آرتساخ وأرمينيا.

يشهد الجوار الروسي عام 2020 تزاوجًا بين استراتيجية بوش الابن الساعية لنشر الفوضى الخلاقة والثورات الملونة في الجمهوريات السوفيتية السابقة بغية نقلها إلى الداخل الروسي واستراتيجية باراك أوباما الساعية لنشر إرهاب الجماعات الإسلامية انطلاقًا من الربيع العربي إلى نفس الدول التي استهدفتها استراتيجية بوش الابن.

وهكذا ما بين صناعة الثورات وحقن الجوار الروسي بالحركات الإسلامية المسلحة، فإن الكرملين على موعد جديد مع محاولة الغرب صناعة موجة من الفوضى في الجوار، بعد تهدئة بين روسيا والغرب منذ صعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2017، ولكن ما إن انشغل البيت الأبيض بالانتخابات الرئاسية 2020 وتداعيات وباء كورونا حتى بدأ الغرب ودوائره في التحرك بمنأى عن دوائر البيت الأبيض في تطبيق رؤية إدارتي بوش الابن وباراك أوباما في تطويق روسيا.

ويلاحظ أن قيرغيزستان تحمل أهمية خاصة في الفترة المقبلة، على ضوء حدودها مع إقليم شينج يانج الصيني، الذى يضم أقلية مسلمي الإيجور والتي يحاول الغرب استخدام مشاكلها من اجل محاصرة الصين وسن بعض العقوبات، بينما لا تزال رؤية أوباما سارية في هذا الملف، وتحديدًا قيام الحزب الإسلامي التركستاني وبعض الحركات الإسلامية التي تطلق على الإقليم الصيني اسم “تركستان الشرقية” أو “تركستان الصين”، وتلك الجماعات شاركت في الحرب السورية بتدريب ودعم وتمويل وتسليح من تركيا التي تتولى وفقًا لرؤية أوباما مسؤولية إرسالها إلى غرب الصين من أجل القيام بأعمال مسلحة تحت ادعاء مظلومية مسلمي الإيجور في الصين، وأنهم يدافعون عن أنفسهم، وأن القمع الصيني هو سبب إرهاب الجماعات الإسلامية وفقًا لرؤية كونداليزا رايس.

هكذا تتشابك الحرب في آرتساخ بين أرمينيا وأذربيجان وتركيا مع ثورات شعبية ملونة في شوارع بيلاروسيا وقيرغيزستان؛ إذ تسعى كافة عناصر تلك التطورات السياسية في تحسين موقفها التفاوضي انتظارًا لما سوف تسفر عنه صناديق اقتراع الرئاسة الامريكية نوفمبر 2020.

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى