
“العنف” يتزايد في الأقاليم الحدودية الإثيوبية.. و”النبرات” تتصاعد حول “سد النهضة”
يبدو أن وعود آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي الدائمة، غالبا ما يقابلها غموض واضح وتراجع في التنفيذ؛ فلعل كلمته في مؤتمر السلام ديسمبر 2019 أنه “على أتم الاستعداد لتسليم السلطة وفقا لمتطلبات العملية الانتقالية عن طريق إجراء انتخابات نزيهة ودون إراقة دماء”، ضرب بها عرض الحائط إثر حملة الاعتقالات التي قادها لدحض المعارضة من أجل التمديد لحكمه والبقاء في السلطة، مما جدد الفرصة أمام خلق قضية وطنية جديدة يحاول التفاف الشعب حولها في ظل فوضى الاحتجاجات التي تشهدها البلاد ولم يكن سد النهضة والتلويح بالتهديدات التي سيشهدها السد جويا إلا بمثابة تمويه جديد يحاول أن يلهو به الشعب الإثيوبي.
وفي ظل حملات الاعتقالات في الإقليم الأكبر الأورومو وتحدي حكومة التيجراي للحكومة الفيدرالية، وتجدد الصراعات في إقليم بني شنقول جوميز المقام به سد النهضة، وكذا في الجنوب وآثار الفيضانات في العفر، فما حقيقة المشهد في الدولة الإثيوبية وموقف حكومة آبي أحمد الهش في ظل فقد شعبيته المتلاحقة، عقب انتهاء الصلاحية الدستورية للحكومة الفيدرالية في الخامس من شهر أكتوبر الجاري.
فقد تجددت أعمال العنف في إقليم بني شنقول جوميز غرب الدولة الإثيوبية في هجوم متكرر في تحد أمني جديد لحكومة رئيس الوزراء آبي أحمد الذي يعاني من تناقص شعبيته الملحوظة، وذلك وسط اضطرابات تشهدها الاقاليم الحدودية في الدولة الإثيوبية انتقدتها المنظمات الحقوقية، وحملة اعتقالات انتهجتها السلطات الإثيوبية.
الإقليم الإثيوبي بين النزاعات على السلطة والموارد
شهدت الدولة الإثيوبية على مدار العام الماضي عدة اضطرابات تمثلت في المعاناة من الكوارث الطبيعية وسط ضعف الامكانيات والبنية التحتية والمتمثلة في انتشار الجراد الذي وصفته الامم المتحدة بأنه قد يؤدي لحدوث الجفاف في البلاد، هذا إلى جانب ما تسببت فيه فيضانات نهر أواش والخسائر المادية في إقليم عفار الذي يربط إثيوبيا الدولة الحبيسة بدولة جيبوتي التي تشككت في علاقتها مع جارتها الإثيوبية عقب اتفاقية السلام غير المكتملة مع اريتريا والتي تهددها قومية التيجراي التي تتمسك بقرية بادمي المتنازع عليها بين البلدين وهو ما اوقف اتفاقية الجزائر لترسيم الحدود بين البلدين مسبقا.
هذا إلى جانب النزاع في إقليم الأورومو القومية الأكبر في الدولة الإثيوبية والمنحدر منها آبي أحمد، والتي بدأت منذ أكتوبر ٢٠١٩ عقب تصريحات آبي أمام البرلمان بتقييد الإعلام، واعلان جوهر محمد المعارض الأبرز محاولة اغتياله من الحارس الشخصي، وخرجت الاحتجاجات المنددة بحكم آبي أحمد وتم حرق كتابه “التآزر ميديمير”.
وتجددت الاحتجاجات داخل الإقليم عقب اغتيال المطرب الأورومو هاشالو هونديسا وانتقدت المنظمات الحقوقية اعتقال ٩٠٠٠ شخص خلال تلك الاحتجاجات، وكان من بينها اعتقال الإعلامي والناشط والمعارض البارز جوهر محمد، وبيكيل جربا، في حملة ممنهجة لمحاولة تقييد المعارضة واتهام جبهة تحرير أورومو بالتعاون مع جبهة تحرير التيجراي في عملية الاغتيال، وتراجع الاتهامات إلى التحريض على عمليات ارهابية.
وترجع تلك الاتهامات والزج باسم جبهة تحرير التيجراي باعتبارها الأقلية الأكثر تأثيراً، والتي انسحبت من الائتلاف الحاكم عقب تدشين حزب الازدهار الموحد، وتحدت الحكومة الفيدرالية وأجرت انتخابات الإقليم بمعزل عن الانتخابات العامة المؤجلة قبل تصديق البرلمان على إجرائها في 25 سبتمبر الماضي، كما اختارت حاكما للإقليم ديبرصيون جبر ميكائيل، وتم عقد أول جلسة للبرلمان الذي أسمته حكومة آبي أحمد بغير الدستوري وهددت باستخدام القوة ثم تراجعت بعد الاستعراض العسكري للقومية.
انتخابات التيجراي وتفتت الدولة الفيدرالية
وجاء تصعيد إقليم التيجراي، عقب سحب كل أعضائه من مجلسي النواب والاتحاد الفيدرالي، احتجاجاً على الدعوة لانعقاده عقب انتهاء الولاية الفعلية للحكومة الحالية، ودعوات المعارضة بتشكيل حكومة انتقالية، فيما هدد قائد أركان الجيش باستخدام القوة حال انتهاك الدستور، أشار مجلس النواب في إعلانه الأخير إلى أن هناك أسسًا دستورية لنشر أجهزة الأمن الفيدرالية بعد تعليق عمل المشرع والسلطة التنفيذية للإقليم وتشكيل حكومة مؤقتة لتكون مسؤولة أمام الحكومة الفيدرالية.
وأعلنت الحكومة الفيدرالية مقاطعة حكومة إقليم التيجراي على خلفية رفض حكومة الإقليم لمد الحكم للحكومة الفيدرالية عقب إعلان رئيس المجلس الفيدرالي الإثيوبي، السلطة الدستورية العليا، أدم فرح بإمكانية حل حكومة تيجراي المنتخبة وتشكيل حكومة فترة انتقالية بالإقليم تخضع للحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، فيما جاءت الجلسة المنعقدة برئاسة مجلسي النواب والمجلس الفيدرالي في إثيوبيا في 5 أكتوبر (شهر مسكرم)، والذي كان يفترض أن تكون في إطار حكومة جديدة منتخبة لولا تأجيل الانتخابات بمثابة إعلان عن تمديد ولاية الحكومة ومجالس الولايات وحكوماتها، والتي رفضتها المعارضة.
وعلى الرغم من الدعوات المتزايدة لحوار وطني شامل وتشكيل حكومة انتقالية من مختلف أحزاب المعارضة، أعلنت الرئيسة سهلي وورك زودي عن بدء ولاية حكم رئيس الوزراء آبي أحمد علي، والتي ستكون حكومة منطقة تيجراي “غير شرعية” اعتبارًا من اليوم ، والتي كانت ستمثل نهاية فترة الخمس سنوات.
وكان قد أشار عضو اللجنة التنفيذية في تيجراي، جيتاتشو رضا، في حديثه مع تليفزيون تيجراي في 3 أكتوبر 2020 ، إلى أن الحوار الوطني هو الحل النهائي لحل الوضع السياسي في البلاد؛ فيما دعا قداسة البابا أبونا ماتياس، بطريرك كنيسة التوحيد الإثيوبية الأرثوذكسية، في خطابه بحفل الافتتاح في 26 سبتمبر 2020.
تقييد المعارضة ودعوات سجناء الرأي لإسقاط حكومة آبي أحمد
ولم تكن التيجراي القومية الأولى التي لم تعترف بتمديد حكومة آبي أحمد، بل حثت مجموعة من المعتقلين من سجناء الرأي من قومية الأورومو على الإفراج عنهم في رسالة لإدارة السجن، وكان من أبرزهم نائب رئيس حزب المؤتمر الأورومو الاتحادي بكيلي جيربا، والناشط والمعارض الأبرز جوهر محمد، وبعض الصحفيين والناشطين البارزين، مشيرين بأنه لا مكان لبقاء سجناء الاحتياط داخل السجون في ظل “انتهاء الفترة الدستورية للحكومة المؤقتة” واعتبروا آبي أحمد من دون صلاحيات دستورية تخوله من البقاء في المنصب. وطلبوا منه تسليم السلطة نتيجة انسداد أفق الانتخابات.
وصرحت شرطة إقليم أوروميا باعتقال 500 شخص يزعم أنه مشتبه بهم للقيام بأعمال لتخريب احتفالات “عيد الشكر Irrecha”، واتخذت الحكومة الفيدرالية إجراءات تأمينية مشددة منعت الأفراد من التوافد والاحتفال بالعيد، وذلك لأنه إيريشا كانت نقطة اشتعال سياسية في عام2016 على خلفية الاحتجاجات المناهضة ضد الحكومة والتي جاءت على إثرها حكومة آبي أحمد، وتسبب اطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والأسلحة النارية في خلف مئات القتلى بين الحشود التي تجمعت للاحتفال بالمهرجان.
الدعوات الانفصالية في الجنوب والاتجاه نحو الإقليم الـ 11
وفي الجنوب مازالت الدعوات الانفصالية وخاصة بعد انفصال قومية السيداما، فطالبت ولايتا الجنوبية بالانفصال، وبالرغم من المظاهرات السلمية إلا أنها عانت من التدخلات الأمنية.
وعلى النقيض هناك اتجاه لتكوين الإقليم الـ 11 بعد موافقة المجلس الفيدرالي الإثيوبي على طلب 6 قوميات بإقليم منطقة شعوب جنوب إثيوبيا بإجراء استفتاء من قبل المجلس الوطني للانتخابات للحصول على الحكم الذاتي في إقليم خاص بها تحت مسمى “شعوب غرب إثيوبيا” مسببين اللب بأنه تجمعهم منطقة جغرافية واحدة وثقافة وتاريخ مشترك، وكان قد تم الإعلان عن ضم خمس أقاليم جنوب البلاد عام 1992 إلى إقليم واحد دون العودة لحوار شامل، وعكفت الحكومات على دحض الدعوات الانفصالية لسكان الإقليم الذي يضم أكثر من 50 قومية.
وفي الغرب وبجانب هجمات قومية الشفتة على إقليم الشفقة السوداني، والهجمات العسكرية وخاصة في مواسم الحصاد، جاء تعرض إقليم بني شنقول “السوداني الأصل” للضربات والهجمات المتكررة على الإقليم، وسط اتهامات للقوميات.
من هو إقليم بني شنقول وعلاقته بالسودان “أخر الأقاليم الإثيوبية المضطربة”، وماذا حدث؟
شهد الإقليم هجوماً مسلحاً ضمن هجمات متكررة، أسفرت عن مقتل 15 مدنياً في هجوم مسلح استهدف منطقة متكل بالإقليم.، وإعلان الحكومة الإثيوبية عن إقالة 45 مسؤولا، بسبب التقصير الأمني خلال الهجوم المسلح الذي شهده الإقليم، وذلك وفقاً لتصريحات كامل حميد، رئيس القطاع السياسي لحزب “الازدهار” الحاكم وأرجع السبب لفشلهم في الوفاء بمسؤولياتهم الأمنية في ظل ما أسماه جهود الحكومة لمعالجة الوضع الأمني في منطقة متكل.
وأشار إلى أن من بين المقالين مسؤولين في إدارة مقاطعات دانجور ومبيرا وبولين بالإقليم؛ فيما لفت بيان لجنة حقوق الإنسان بأن الهجوم يعتبر الأحدث ضمن سلسلة من عمليات القتل الممنهج التي تستهدف المدنيين، خلال شهر سبتمبر الماضي، من قبل مليشيات مسلحة بالمنطقة.
وقال مدير منطقة ميتيكل، أتينكوت شيتو إن الجناة قد يكونون مجموعة منظمة من أعضاء أحزاب المعارضة وضباط عسكريين تم تسريحهم، لكنه عجز عن تحديد الجناة وطعن في عدد الضحايا الذي يزيد عن 150 شخصًا تم تداولهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وبحسب قوله فإن حوالي 300 شخص فروا من منازلهم بعد الهجمات الأخيرة قد عادوا بالفعل إلى منازلهم. أصبحت الهجمات التي يشنها رجال الميليشيات المسلحة أمرًا شائعًا في الأسابيع الأخيرة، وفي 8 سبتمبر الماضي تم إدخال خمسة من أفراد قوة الدفاع الوطنية الإثيوبية وثلاثة أفراد من قوة الشرطة الخاصة بني شنقول جوموز إلى مستشفى محلي، ثم تمت إحالتهم لاحقًا إلى مستشفيات باوي وباهر دار للإصابات التي لحقت بهم بعد تعرضهم لهجمات من قبل رجال مسلحين في منطقتين منفصلتين.
فيما تداول نشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تزعم أن المستهدفين هم من قبيلة أمهرا، فيما صرح نائب رئيس مكتب ولاية أمهرة الإقليمي للسلم والأمن العام ، جيديبي هايلو ، للإذاعة الإقليمية أن العنف لم يكن بين مختلف أفراد المجتمع العرقي وأن قوات حكومة إقليم أمهرة كانت تساعد شرطة منطقة بني شنقول قوات الدفاع الوطني لاستعادة السلام والاستقرار و إعادة تأهيل الضحايا.
وتقول السلطات الإقليمية الأخرى إن المعتدين هم لصوص مرتبطون بأحزاب سياسية.
فيما يعتبر أبناء بني شنقول إحدى القوميات السودانية والتي كونت “جبهة تحرير بني شنقول” بأن الإقليم السوداني الأصل باعتباره جزءًا من أراضي سلطنة سنار الزرقاء التابعة للحدود الإدارية السودانية، محتلاً من إثيوبيا، والذي توظفه الحكومة الإثيوبية لصالح الأهداف الإمبراطورية للأمهرا والتيجراي على حساب أبناء الشعوب والأقاليم الأخرى التى تم ضمها إلى إثيوبيا فى عهد منليك الثانى، والتي وعدتها حكومة التيجراي بالحكم الذاتي عقب سقوط هيلا ميريام ووصول التيجراي للحكم، إلا أن الثروات التي يمتلكها الإقليم حالت دون تنفيذ هذا الوعد.
وظهرت دعوات في تسعينات القرن الماضي إلى وجوب عودة إقليم بني شنقول المغتصب إلى الدولة السودانية، بينما سعى البشير للتحالف مع إثيوبيا بعد اتفاق “نيفاشا”، فتوقفت إثيوبيا عن دعم فصائل المعارضة السودانية و(جون قرنق) مقابل توقف السودان عن مطالباته بإقليم (بني شنقول) ودعم جبهة تحرير بني شنقول التي تحالفت مع إريتريا واستأنفت حربها ضد إثيوبيا.
ووسط مخاوف تجدد دعوات الإقليم بالانفصال أو العودة للحدود الإدارية السودانية، والنزاعات على السلطة ودعوات انفصال قومية التيجراي القومية الأكثر تأثيراً، والنزاعات والاعتقالات والاحتجاجات في القومية الأكبر الأورومو ودعوات الانفصال في الجنوب سيؤدي إلى سيناريو تشرذم الفيدرالية الإثيوبية، وسط ضعف الحكومة الحالية بقيادة آبي أحمد والتي أسقطتها المعارضة شرعيتها أمام سيناريو السقوط، مما جعلها تخلق من سد النهضة قضية جديدة والادعاء بوجود تهديدات جوية جعلت السلطات تدعو لمنع الطيران فوق سد النهضة، وغيرها من المزاعم لخلق قضية وطنية يلتف حولها الداخل الإثيوبي بعيداً عن الوضع الهش للحكومة الفيدرالية، والذي تواجهه بمزيد من التعنت والعنف بالرغم من دعوة المعارضة لحكومة انتقالية، والحوار الوطني عقب الإفراج عن السجناء السياسيين، وسط تهديدات بقطع الإمدادات المادية عن إقليم التيجراي.
باحثة بالمرصد المصري