وصول إسلامي لرئاسة البرلمان الجزائري.. وإعادة إنتاج نماذج الربيع العربي
سابقة تاريخية شهدها البرلمان الجزائري، ولأول مرة يشغل منصب رئاسة المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) نائب إسلامي بعدما صوتت أغلبية نواب البرلمان لاختيار النائب سليمان شنين -من حركة “البناء الوطني” ذات التوجه الإسلامي- خلفا لمعاذ بوشارب الذي قدم استقالته تحت ضغط الشعب الجزائري، بجانب خطط الإخوان السياسية.
إذ ساهمت مساعي (محاولات) إخوان الجزائر على تحفيز الشارع الجزائري في احتجاجات الغضب من خلال نشر منهجهم للوصول لأهدافهم المتمثلة في التخلص من النظام الحاكم، فيما تبين ما أذاعته بين صفوف الشعب الجزائري أنها تقف خلفه في رفض قرارات الرئيس التي انتهت ولايته عبد العزيز بوتفليقة بتأجيل الانتخابات حتى نهاية العام الحالي، وعدم ترشحه في الانتخابات المُقبلة، وفقًا لتصريح القيادي الإخواني، عبد المجيد المناصرة، نائب رئيس حركة مجتمع السلم “إخوان الجزائر”.
“إني أعدكم أن تحققوا نتيجة انتخابية تجعلكم في الصدارة في الانتخابات التشريعية في 2022، تعودون من خلالها إلى الحكومة معززين مكرمين، تتوفر لكم فيها الشروط لتكونوا في الحكم في إطار الشراكة مثلما كنتم تدعون إليه، وليس في الحكومة فقط للتزيين”.. هكذا قال عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية؛ فيما تبين من خلال كلماته سياستهم التي تسير على نهج رمز الفكر الإخواني الشيخ محفوظ نحناح؛ المتمثلة في النضال السياسي، والتقارب للسلطة وشغل مناصب محورية في البلاد.
ربما فوز سليمان شنين مرشح حزب البناء الوطني برئاسة البرلمان رغم أن كتلة الحزب في البرلمان 15 نائبا فقط (من 462 نائبا)، مقارنة بالحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني)، الذي يستحوذ على 160 مقعدا، جاء مفاجئا لكثيرين في الداخل والخارج، يخلق تشكك على وجود حسابات سياسية بين الإخوان والأحزاب الجزائرية، وعلى وجه الخصوص بالنظام الحاكم.
من جانب سياسات الأحزاب السياسية التي تظهر معالم توجها من خلال التنازلات التي قدمها الأحزاب؛ حيث تنازلت أحزاب السلطة على غرار حزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم (160 مقعداً) و”التجمع الوطني الديمقراطي” وأمينه العام هو الوزير الأول السابق أحمد أويحيى (100 مقعد)، لأول مرة منذ تأسيس البرلمان سنة 1997، على رئاسة توافقهم على مرشح إسلامي متفق عليه من الجميع، بدل المرشحين المتنازع عليهم لرئاسة البرلمان، وانتزاع مكسب للثورة، ولتهدئة غضب الشارع، وصولا للحوار الشامل، الذي دعا إليه الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح في كلمته الأخيرة المجلس، رغم حيازتهما على الأغلبية المطلقة (260 مقعدا).
إلا أن القوى المعارضة لها وجهة نظر مختلفة بعض الشيء، في انتخاب نائب من التيار الإسلامي رئيسا للبرلمان، وتعتبر فوزه بمثابة صفقة.
وجاءت تصريحات النائب عن الإتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، لخضر بن خلاف، رفضه لوجهة نظر المعارضة، معبرا في حوار مع “سبق برس”، عن رفضه لمن يتصور أن حزبه قدم صفقة مع النظام أفضت لإنتخاب شنين رئيسا للمجلس.
وقال : ” ما يظن أن هناك صفقة فهو مخطىء، هناك مقاربة جديدة بأن أحزاب الموالاة والديكتاتورية العددية لم تعد صالحة بأن تسير البرلمان، المعطيات تغيرت بفعل الحراك فأصبحت قناعة أن تؤول هذه الرئاسة للمعارضة في هذه الظروف وهذه قناعة تكون قيادات أحزاب الأغلبية وصلت إليها”.
ومازالت الرؤية الصحيحة لأحداث لم تبين معالمها، إلا مع مرور عامل الوقت المساير مع أفعال الممثلين على الساحة السياسية بالجزائر.
انشقاق الإخوان في مساندة شنين
لم تساند الأحزاب الإسلامية سليمان شنين، رغم أنه محسوب تاريخيا وإيديولوجيا على التيار الإسلامي؛ حيث توصل الأمر لهجومه من بعضها؛ فيما جاء الهجوم من الطريقة التي جاء بها إلى رئاسة الغرفة السلفى للبرلمان، إلا أن الأحزاب ذات قناعات مخالفة عما يتبعه أوصلته لمنصب.
وجاءت تزكية شنين لتوضح موقف الأحزاب الإسلامية من فوزه؛ حيث تبين أن موقفهم في حالة انشقاق؛ كما قاطع الجلسة كل من حركة مجتمع السلم (أكبر كتلة للمعارضة 35 نائبا) وحزبا التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني) وجبهة القوى الاشتراكية (يسار) وحزب العمال (يسار).
فيما وصفت حركة مجتمع السلم ‘حمس’، (أكبر حزب إسلامي بالجزائر محسوب على تيار الإخوان المسلمين)، بـ “الهِبة” التي منحتها السلطة عبر أغلبية نيابية يرفضها الشعب الجزائري.
وأوضحت أن “الرئيس الجديد (شنين) رئيس أمر واقع مثل من سبقه ولا تمثل تزكيته حالة ديمقراطية إذ هو نتاج هبة منحتها بقرار فوقي أغلبية برلمانية مزورة ومرفوضة من الشعب الجزائري، كما اعتبر الأمين العام السابق لحركة النهضة فاتح ربيع، أن انتخاب شنين يعد لحظة فارقة.
كما قال رئيس الكتلة البرلمانية لجبهة القوى الاشتراكية صادق سليماني، “إن إجماع الموالاة على نائب من المعارضة سابقة تاريخية، وهي محاولة فاشلة لإضفاء نوع من المصداقية على المؤسسة التشريعية، مستنكر أن كتلة الجبهة تكون شريكة في خدمة مخططات غير بريئة، بينما أشار أستاذ العلوم السياسية زهير بوعمامة، إلى انتخاب سلميان شنين لرئاسة المجلس الشعبي الوطني “، معبرًا على رأيه خلال منشور له على فيسبوك “وصول السيد سليمان شنين للبرلمان كان أشبه بالحلم المستحيل قبل حراك الشعب، مضيفا أن ترأس شخصية نظيفة غير محسوبة على السلطة للمجلس الشعبي الوطني وفشل الأسماء المنبوذة في المرور بالأساليب القديمة هو خطوة أخرى في الاتجاه الصحيح”.
التقرب من السلطة في كثير من المواقف لم يكن أمرا مستحدثًا على نهجهم؛ ليحققوا الاستفادة من اللعبة السياسية بأقل خسائر ممكنة، بعد أن كانوا أكبر الخاسرين من قبل؛ فتعود بداية مشاركتهم بالسلطة في عام 1989، لتطبيق نهج الشيخ محفوظ النحناح، رئيس حركه مجتمع السلم “حمس”، حيث شارك اخوان الجزائر فعليًا في عام 1994 وحتى يونيو 2012 في تولي مناصب بالحكومة الجزائرية، إلا أنهم قرروا عدم المشاركة في الحكومة، ولم يتبعهم عدد من وزرائهم في قرارتهم وبقوا في الحكومة.
بالفعل أطلقت حركة السلم “حمس”، مبادرة في شهر يوليو الماضي 2018، تحت اسم “مبادرة التوافق”، رغم أن أغلب الأحزاب الجزائرية أعلنت رفضها لها، ويشمل مضمون المبادرة في انتخاب رئيس توافقي في 2019، الذي يقود اصلاحات مدعومة حزبيا وشعبيا؛ إذ استبعدت المحللة السياسية الجزائرية، حدة حسن، أن التقارب بين الاسلاميين والسلطة لم يتجاوز حدود رئاسة البرلمان، موضحة أن تزكية “شنين” لها عدة أسباب منها رغبة السلطة في الانفتاح على مناطق الجنوب.
رصدت المخابرات الفرنسية، وجود قوى إقليمية ودولية تدعم جماعة الإخوان في الجزائر، وأبلغت السلطات الجزائرية بدور أمريكي ـ تركي وتشكيل خلايا متابعة في دولة عربية مجاورة للجزائر وتشهد توترا في العلاقات مع الجزائر منذ سنوات، وفقا لرؤية استاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور منصور خليل.
منذ بداية الحراك السياسي في الشارع الجزائري ضد نظام الحكم في 22 فبراير الماضي، وحرصت التيارات الإسلامية ركوب الموجة والمشاركة عناصر أحزابهم في الانتخابات، كما تمسكوا بمطلب محوري على الساحة السياسية؛ المتعلق برحيل النظام ورموزه السياسية ‘ونتيجة قبول سليمان شنين أو إجباره على مسألة ترأسه للبرلمان، ومن المتوقع تبعا لقراءة تاريخ مشاركتهم السياسية يشير إلى أن الإسلاميين مقبلون على فترة عصيبة إن لم يتجنبوا أخطاء تجاربهم الماضية.
في أكتوبر 1988، يذكر أنه حدث انتفاضة بالجزائر لتحقيق مطالب سياسية واجتماعية؛ ولم يضيع الإسلاميون تلك الفرصة السانحة؛ لذا قفزوا إلى صدارة الانتفاضة وسيطروا على الشارع، ولكن تسبب نقص الخبرة السياسية لديهم في دفعهم إلى قراءة خطأ للواقع السياسي والاعتداد بالشارع، فيما تقدم الجيش باعتبارهم يترقبون المسار الديمقراطي، ما أدى إلى ضربه في يناير 1992 بالانقلاب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لعل ما شهدته الجزائر في العشرية السوداء يدفع الإسلاميون إلى التحفظ على أيدولوجياتهم الدموية حتى يتجنبوا ما حدث للإخوان بالدول المجاورة.
لمتابعة الأحداث، ربما تقف الإخوان أمام تجربتين: الأولى مع جماعة الإخوانية في مصر، حيث انتهت تجربتهم وملاحقة عناصرهم في السجون المصرية؛ نتيجة ارتكابهم جرائم بحق الشعب المصري، أو الهروب للدول الداعمة للإرهاب قطر وتركيا، أما التجربة الثانية تتمثل في إخوان تونس، الذين لم ينالوا نفس موقف إخوان مصر؛ حيث استفادوا من أخطاء التجربة المصرية، ولذلك نجحوا في التخلى عن الصفوف الأمامية، والمشاركة في الحكم بشكل غير مباشر، وأصبحت حركة النهضة التونسية “إخوان تونس” نموذجا تحتذى به حركة مجتمع السلم في الجزائر “حركة حمس الإخوانية”.
إذ استفاد إخوان الجزائر من تجربة حركة النهضة التونسية، في التخطيط مبكرا لإعادة هيكلة موضعهم على الوضع السياسي قبل عام من انتخابات الرئاسة، حيث طرحت حركة “حمس” الإخوانية مشروع “للتوافق الوطني” على الأحزاب السياسية لترتيب المرحلة المقبلة، ويتم تحقق من خلال تزكية مرشح تتفق عليه أحزاب السلطة والمعارضة معا.