دول المشرق العربي

كيف نقرأ بدء مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل؟

في الأول من أكتوبر 2020، خرج نبيه بري عميد السياسيين اللبنانيين ورئيس مجلس النواب ليعلن عن التوصل لاتفاق إطاري بين لبنان وفلسطين المحتلة (يقصد دولة إسرائيل) لبدء مفاوضات ترسيم الحدود البرية والبحرية.

إعلان بري أتى في مؤتمر صحفي بحضور وزيرة الدفاع زينة عكر التي تشعل أيضًا منصب نائب رئيس الوزراء، بالإضافة إلى العماد جوزيف عون قائد الجيش اللبناني والجنرال ستيفانو دل كول القائد العام لقوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة العاملة في الجنوب اللبناني (يونيفيل).

بري أشار إلى أن الجيش اللبناني ممثلًا في قائده هو المكلف بملف ترسيم الحدود، وذلك برعاية رئيس الجمهورية ميشال عون والحكومة الجديدة متى شكلت، وأن الاتفاق المبدئي قد جرى بوساطة أمريكية.

فتش عن الغاز

كان ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل محل حديث لمجلس الوزراء اللبناني منذ عام 2010 حينما خرجت التقارير الدولية تتحدث عن خزان ثروات الغاز القابع في أعماق البحر الأبيض المتوسط، وبدء دول المتوسط واحدة تلو الأخرى في حسم ملف ترسيم الحدود البحرية، بينما تأخر لبنان بترتيبات من سوريا وإيران في التحرك حيال ترسيم حدوده البحرية.

وعلى ضوء الأزمة الاقتصادية التي راحت تنهش الواقع اللبناني، سواء انهيار شبكة الكهرباء أو المبالغ الهائلة التي ينفقها لبنان سنويًا لاستيراد الغاز والنفط، وارتفاع الدين العام، أصبح “ملف الغاز” هو طوق النجاة الرئيسي والأخير للبنان بدلًا من الذهاب إلى الإفلاس، رغم أن لبنان مجتمع إقطاعي يضم ثروات متوارثة، ربما لا توجد في بعض مجتمعات الخليج العربي النفطية الحديثة.

وساهمت الحرب السورية في تداعي الداخل اللبناني، إذ قامت إيران وسوريا بـ”تجميد لبنان” إلى حين حسم المعركة في المحافظات السورية، وأدت حالة الشلل في لبنان سياسيًا واقتصاديًا واستثماريًا وسياحيًا إلى تداعٍ سريع لبلاد الأرز، حتى وصل الحال إلى اندلاع انتفاضة شعبية عام 2019 لاقت تعاطفًا دوليًا واسعًا.

الغاز طوق النجاة الأخير

حينما تولى الرئيس ميشال عون رئاسة الجمهورية ومعه الرئيس سعد الحريري رئيسًا للوزراء، سعى كلاهما تحت راية حكومة العهد أن يحركا ملف الغاز، وفى 9 فبراير 2018 وقع رؤساء شركات توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية أولى الاتفاقيات للتنقيب عن النفط والغاز مع الرئيس عون.

هذا الـ “كونسورتيوم دولي” في مجال الطاقة أزعج الغرب على ضوء وجود الشركة الروسية التي تستخدمها روسيا في أسواق الطاقة العالمية، وتخوفت العواصم الأوروبية من وجود نوايا روسية للوجود عسكريًا في لبنان على ضوء قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس في سوريا، كذلك تخوفت إسرائيل من تدفق عوائد الغاز إلى خزائن حزب الله.

عقدة وزارة المالية

ولعل الشؤون المالية للدولة اللبنانية وحتمية فصلها عن مسارات الفساد وخزائن حزب الله هي التي جعلت فرنسا تصر على فصل وزارة المالية عن حصة الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) حلفاء إيران وسوريا في لبنان، بينما تمسك الثنائي الشيعي بحقيبة المالية ما أدى إلى انهيار المبادرة الفرنسية في سبتمبر 2020 وتنحي مصطفى أديب عن تشكيل الوزارة اللبنانية خلفًا للمستقيل حسان دياب.

لماذا الدور الأمريكي في ترسيم الحدود؟

إعلان الرئيس بري المفاجئ وإن سبقه تمهيد من الرئيس عون حينما صرح في لقاء متلفز عن استعداده للتفاوض من أجل ترسيم الحدود البحرية أتى مصحوبًا بإعلان مفاجئ هو رعاية الولايات المتحدة الأمريكية لهذا الاتفاق المبدئي، وتأتي المفاجأة في ظل ابتعاد واشنطن عن فكرة حل مشاكل لبنان طالما النفوذ الإيراني السوري موجود بهذه القوة في مفاصل الدولة اللبنانية.

الرعاية الأمريكية لن تتوقف عند ترسيم الحدود البحرية فحسب، ولكن على ما يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -قبل إصابته بفيروس كورونا– يرى أن الاتفاق اللبناني الإسرائيلي حول الحدود سوف يمثل إضافة لاتفاقيات السلام الخليجية الإسرائيلية التي توصل لها بين إسرائيل من جهة ومملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى.

والهدف الأمريكي الثاني هو الحضور على تلك الطاولة من أجل استمرار الحضور على طاولة الغاز بعد أن غابت الشركات الأمريكية وحضرت الشركات الفرنسية والإيطالية والروسية.

والهدف الثالث أن رعاية واشنطن لهذا الاتفاق ذي الطابع العسكري على ضوء مشاركة الجيش اللبناني ممثلًا للجانب اللبناني هو رسالة إلى موسكو بأن تمدد العلاقات العسكرية اللبنانية الروسية أو ظن موسكو أنها يمكن أن تظفر بأي مكاسب لوجستية من موانئ لبنان لصالح الجيش الروسي في شرق المتوسط هو مجرد أوهام.

والهدف الرابع لمشاركة اليونيفيل في هذا الاتفاق هو دعم الرؤية والتوجه الغربي لأن تلعب قوة يونيفيل دورًا مستقبليًا في لبنان أكبر من مجرد حفظ للسلام على الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ تأسست القوة في 19 مارس 1978.

لماذا القبول اللبناني بترسيم الحدود الآن؟

أما عن دوافع النخب السياسية اللبنانية للذهاب إلى ترسيم الحدود الآن، بعيدًا عن حقيقة أن ملف الغاز هو أمل لبنان الأخير لتجاوز عثرته الاقتصادية، فإن أول تلك الدوافع هو رغبة قوي 8 آذار الموالية لإيران وسوريا في تخفيف الضغط الأمريكي والعقوبات الامريكية عليها بالموافقة على إحدى المطالب الأمريكية.

وثانيًا كسب الوقت على ضوء انهيار المبادرة الفرنسية وتنحي مصطفى أديب واستقالة وزارة حسان دياب، لذا لجأت قوي 8 آذار إلى القبول بإحدى المطالب الدولية حتى لا يصبح رصيدها في التفاهم مع الغرب قد وصل إلى مستوي الصفر.

مستقبل التفاهم اللبناني الاسرائيلي

رغم الترحيب الدولي والصدمة العربية من إعلان الرئيس بري، على ضوء أن لبنان كان استلهم من سوريا البعثية مواقف صادمة وعنيفة حيال أي اتصال عربي إسرائيلي ولم يتم عنونته إلا تحت يافطات التطبيع والخيانة منذ عام 1977 حتى اليوم، إلا أن مستقبل هذا التفاهم المبدئي غير مضمون كما يتصور البعض.

إن فريق 8 آذار بإيعاز من طهران ودمشق يمكن أن يسحب الحكومة اللبنانية من المفاوضات المشتركة مع تل أبيب في أي وقت، حتى أن بعض الأطراف في لبنان وتحديدًا حزب القوات اللبنانية نشر عبر مواقعه تحليلات سياسية مفادها أن تحرك الرئيسين عون وبري باتجاه ترسيم الحدود هو إجراء مؤقت للمماطلة في تشكيل الحكومة اللبنانية إلى حين الأسبوع الأول من نوفمبر المقبل حينما تعقد الانتخابات الامريكية الرئاسية قبل أن يجمد الجانب اللبناني مشاركته في المفاوضات أو يرهنها إلى أحداث مستقبلية بعيدة مثل تشكيل الوزارة اللبنانية.

ختامًا إن جدية مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل هي الفيصل في فهم هل تريد قوي 8 آذار اخراج لبنان من عثرته ام أن الرؤية الإيرانية السورية بتجميد لبنان مهما كان الثمن على حساب شعب لبنان هي عقيدة قادة 8 آذار أمثال حسن نصر الله ونبيه بري وميشال عون وجبران باسيل وسليمان فرنجية الحفيد وفيصل كرامي وطلال أرسلان؟

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى