الاقتصاد الدولي

كيف تؤثر تطبيقات الـ”بلوك تشين” على قطاع الطاقة بعد أزمة “كورونا”

تسببت جائحة كورونا في تغييرات واضطرابات غير مُتوقعة في المجالات الاقتصادية والصحية والاجتماعية وعلى مستويات فردية ومجتمعية، كما أضرت بحركة سلاسل التوريد العالمية وكشفت ما تُعانيه من ضعف في تبادل المعلومات والتواصل بما يتنافى مع طبيعة عصر إنترنت الأشياء والثورة الصناعية الرابعة، الأمر الذي يوجه  إلى أهمية إعادة بناء شبكة التجارة العالمية وتشغيلها ، وأن انتشار جائحة “كوفيد-19″ ساهم في التغلب على العقبات التي تحول دون اعتماد التقنيات الحديثة مثل  تقنية البلوك تشين”Blockchain”.

 فقد كشف الفيروس عن نقاط الضعف في سلاسل التوريد، وعن عدم قدرتها على توزيع الموارد في المجالات التي تكون في أمس الحاجة إليها بهدف التصدي للجائحة والاستجابة السريعة للكوارث، و الصعوبات في استخلاص البيانات اللازمة بهدف اتخاذ قرارات سريعة،  وبدأت عملية تطويع حلول تقنية “البلوك تشين” التي كانت قيد التطوير منذ سنوات عديدة وتخصيصها لمواجهة هذه التحديات في كافة قطاعات الاقتصاد ، حتى تم الاعلان  اثناء المنتدي الاقتصادي العالمي عن ” ميثاق حقوق تقنية البلوك تشين ” الذي يهدف إلى بناء مجتمع عالمي يضم المطورين والشركات والحكومات التي بدأت تتجه الي استخدام تقنية البلوك تشين بهدف ادارة عملية انقاذ الاقتصاد بشكل لا مركزي وبفاعلية اكثر خاصة بعد ما مر به إثر جائحة كورونا ، يحاول المنتدى دفع المحافل الدولية كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى التصديق على معايير عالمية تنظم عمل البلوك تشين ، الذي انتهى بتشكيل مجلس عالمي للبلوك تشين تشارك فيه شركات ومؤسسات دولية بارزة مثل البنك الدولي وشركة بلوك تشين.

ما هو البلوك تشين “Blockchain”  أو السلاسل الرقمية:

ظهر عام 2008 مصطلح البلوك تشين على يد مخترع استخدم الاسم المستعار” ساتوشي ناكاموتو” ، ثم كتب هذا المخترع في السنه اللاحقة جزءا أساسيا من الشفرة المصدرية للعملة الرقمية “بيتكوين “، والتي أصبحت بعد ذلك دفتر حسابات عام  لكافة المعاملات النقدية.

وتعد تقنية البلوك تشين نوعا من قواعد البيانات الجديدة، أو قواعد البيانات الموزعة، وتتميز بأنَّها تستطيع إدارة عدد غير نهائي من البيانات، فهي عبارةٌ عن سجل إلكتروني يسجل المعاملات والصفقات ويقوم بإدارتها، كلّ معاملة تُسمى كتلة أو بلوك، وكلّ بلوك منها تحتوي على بعض المعلومات التي تشير إلى الكتلة السابقة، لذا يصفونها بكونها سلسلةً من الكتل المتتالية، ولا يتمّ تعديلها من أيّ طرف، فعندما يتمّ دخول البيانات وتسجيلها لا نحتاج لوجود طرف ثالث، أيّ أنَّها أسرع في معالجة البيانات وتخزينها، ويمكن لهذه التقنية أن تقوم بأيِّ نوع من التحويلات التي تفكّر بها، بدءًا من تحويل الأموال إلى نقل البضائع والملكيات والعديد من الاستخدامات الأخرى.

ما الذي تتميز به تقنية البلوك تشين

أصبح العالم مليئا بالهاكرز ولصوص البيانات، وخصوصًا بعد الحدث الكبير باختراق 50 مليون حساب فيسبوك إلكتروني، فأصبحت إحدى أهم الفوائد الكبرى للبلوك تشين هي الأمان والثقة العالية، نظرًا لأنَّ البيانات التي يتمّ نقلها باستخدام البلوك تشين، يتمّ تشفيرها قبل إرسالها أو انتقالها من مكانٍ لآخر، فإنَّها أكثر أمنًا من وسائل الحماية العادية ككلمة المرور واسم المستخدم.

ولعل أهم ما تتميز به البلوك تشين هو اللامركزية أي تعتمد معظم عمليات البلوك تشين من بيع وشراء وتداول، وغيرها من التعاملات على مجموعة من الشروط المحددة سلفًا بين الأطراف، ولا تخضع لأيِّ نوع من الرقابة، وليست بحاجة لوجود أيّ وسيط، فهي عمليةٌ رقميةٌ بالكامل وهي مرئيةٌ للجميع، فهي سجلات شفافة يستطيع أيًا كان الاطلاع عليها.

كما يعتبر إدخال البيانات بشكلٍ يدوي عمليةً مملةً للغاية وعرضه للخطأ، أمَّا باستخدام البلوك تشين، يتمّ تخزين كلّ هذه المعلومات والتحقق منها عند الحصول عليها مباشرة، أمَّا السرعة فتتجلى بوضوح ضمن تقنية البلوك شاين، ويتم التحقق من المعاملات بواسطة اجهزة الكمبيوتر التي يديرها مستخدمو الشبكة ويطلق عليها مصطلح العقد او ” Nodes”  ، تدار قاعدة بيانات البلوك تشين بطريقة مستقلة بسبب اعتمادها علي شبكة “Peer to Peer ” أو النظير الي النظير .

العملات الرقمية وتقنية البلوك تشين

تُعتبر العملات الرقمية “بيتكوين” وغيرها من العملات المشفرة أحد أشهر تطبيقات البلوك تشين، وربما كان للعملات المشفرة الفضل في ظهور البلوك تشين في البداية، فهي إحدى أشكال الأموال الرقمية للحصول على قدر عالي من الأمان بغرض استخدامها في تعاملاتنا المالية اليومية، بحيث يصعب التلاعب بالعملة الرقمية المشفرة وتزييفها.

كما تعتبر العقود الذكية او ما يسمي ” Crypto Contract”  إحدى أكثر التطبيقات المشهورة بالنسبة لتقنية البلوك تشين، حيثُ تستخدم العقود الذكية بشكلٍ عام لإتمام العمليات التجارية والمدفوعات والتحويلات المالية، فهو يتحكم بشكل مباشر في تحويلات العملات الرقمية وغير الرقمية او الاصول بين الاطراف وفقا لظروف معينة، ويتم تخزين هذه العقود علي البلوك تشين، فهي توفّر كميةً كبيرةً من الجهد والوقت والتكاليف لتنفيذ نفس المهمات التي كنّا نقوم بها بالسابق، فعلى الرغم من اعتمادنا القليل على العقود الذكية حاليًا، فمن المتوقع أن يزداد الطلب على هذه الخدمة بالتحديد لازدياد حجم التجارة باستخدام العملات الرقمية في جميع أنحاء العالم، كما انها واعدة جدا في قطاع الطاقة لتحفيز حلول الطاقة اللامركزية المعتمدة علي الافراد والشركات الصغيرة والمتوسطة او ما يطلق عليه ” ديموقراطية الطاقة”.

تطبيقات البلوك تشين في قطاع الطاقة

تأمل العديد من تطبيقات البلوك تشين في تحويل صناعة الطاقة إلى صناعة لامركزية، بهدف خفض تكاليف المعاملات والحفاظ على سجلات أكثر كفاءة، وهناك العديد من الشركات الناشئة التي أصبحت تستخدم تقنية بلوك تشين في صناعة الطاقة، كما أن هناك مبادرات تشارك فيها الشركات الكبيرة والحكومات ايضا.

ففي قطاع الطاقة بدأ المسار بالعملات المشفرة كوسيلة لدفع فواتير الكهرباء (المرحلة 0،1)، ثم امتد ليشمل العقود الذكية القائمة على المعاملات المادية (المرحلة 0،2) وربما العالم في طريقة للمرحلة (0،3) الذي يندمج فيها تقنية البلوك تشين مع منظومة البيانات الضخمة Big Data، والتي تنشأ عن طريق كل شيء حولنا وفي كل الاوقات مع كل عملية رقمية وكل تبادل في وسائل الاتصالات واجهزة الاستشعار او الاجهزة النقالة والتي ربما تحتاج لوقت وجهد وكلفة عالية جدا لتتم بكفاءة ودقة باستخدام تقنيات حوسبة عالية الدقة.

تركز الشركات التي تتطلع إلى تطبيق تقنية البلوك تشين في توزيع الكهرباء على توصيل المستخدمين النهائيين بالشبكة. تتيح تقنيات البلوك تشين المدمجة مع أجهزة إنترنت الأشياء للمستهلكين التجارة وشراء الطاقة مباشرةً من الشبكة بدلاً من تجار التجزئة، إن إضافة تجار التجزئة بمنصة قائمة على أساس البلوك تشين لديها القدرة على تقليص فواتير المستهلكين بحوالي 40٪ من خلال توصيل المستخدمين مباشرة بالشبكة ، تتيح  منصة Ethereum للمستخدمين شراء الطاقة من الشبكة بتكلفة يرغبون فيها، والنتيجة هي سوق طاقة أكثر إنصافا واستقرارا مع انخفاض تكاليف الكهرباء.

دعم المعاملات في مجال الطاقة

تركز غالبية مشروعات “بلوك تشين” على أسواق الطاقة القائمة على العمل من النظير للنظير”Peer  to Peer “، ولعل أهم المشروعات في هذا المجال:

  • تم عقد شراكة بين شركة ” LO3 Energy” و”سيمنز” لتأسيس Microgrid Brooklyn في بروكلين، والتي تسمح للعملاء بشراء وبيع الطاقة لجيرانهم عبر “بلوك شين”.  يعني ذلك أن العملاء لا يحتاجون إلى شبكة مركزية تمد المنازل بالكهرباء، وإنما بإمكان من لديهم مصادر لإنتاج الطاقة مثل الألواح الشمسية أن يبيعوا الطاقة غير المستخدمة لمن حولهم، وهي طريقة أرخص من شراء الكهرباء من الشبكة، وكذلك دعم استخدامات الطاقات المتجددة.
  • كما تسمح شركة ” Conjoule ” في مدينة إيسن الألمانية للمستخدمين ببيع الطاقة الشمسية غير المستخدمة عبر منصتها، وتُسجل المعاملات على منصة الشركة القائمة على تقنية “بلوك شين”.
  • و تعمل شركة ” Exchange Sun The ” على سوق الطاقة القائمة على العمل من النظير للنظير خارج المجتمع المحلي، حيث تسمح الشركة للمستخدمين بشراء الألواح الشمسية في الأجزاء المشمسة من العالم وتأجيرها للعملاء. كما في منتزه ” Elephant Knsyna ” في جنوب أفريقيا، وتم بيع 60 كيلو واط من الألواح الشمسية بالفعل.

 

تحسين نظام الطاقة الموجود

تستخدم بعض الشركات الأخرى “بلوك تشين” في تحسين نظم الطاقة والتكنولوجيا القديمة في الصناعة من خلال تقييم قدرات التوليد وشهادات الطاقة النظيفة  ومحطات الطاقة الافتراضية مثل:

  • شركة “إلكترون” Electron  تعمل على تطوير منصة “بلوك شين” بما يوفر المرونة في نظم الطاقة الموجودة، حيث تسمح الشركة للمستخدمين بالتحول بسهولة من مزود خدمة لآخر دون تعقيدات، وهي عملية مكلفة وتستغرق وقتًا طويلاً، ولأن هذه العملية تتطلب مشاركة عدة شركات طاقة، فقد أنشأت الشركة اتحادا يضم مجموعة متنوعة  من شركات المرافق البريطانية من بينها ” Baringa” و” Energi Open”.

العملات الرقمية في قطاع الطاقة

تستخدم منصة ” Power Ledger” القائمة على “بلوك تشين” العملات الرقمية، مما يتيح للعملاء من جميع أنحاء العالم الدفع لبعضهم البعض من خلال عملتها، حيث قامت بجمع 34 مليون دولار خلال الطرح العام الأولى لعملتها، كما تلقت دعمًا قدره 8 ملايين دولار من الحكومة الأسترالية.

  • كما  تقوم شركة ” SolarCoin” بمكافاة المستخدمين على إنتاج الطاقة الشمسية بعملات رقمية يمكن تحويلها إلى بتكوين أو إلى عملات تقليدية مثل الدولار.
  • و تسمح شركة ” Bankymoon” في جنوب أفريقيا بملء عدادات الكهرباء بالدفع مقدمًا بالعملات الرقمية، ويتم تسجيل جميع المعاملات باستخدام العقود الذكية.

دعم مشروعات الطاقة

تتسارع معظم الشركات حاليا علي تطوير “بلوك تشين” في 4 مجالات وهي فواتير المرافق، تحديد مصادر الطاقة، تلبية الطلبات على الطاقة، والتفاوض حول السعر في الوقت الفعلي.

كما انها تطلق مبادرات لاستخدام البلوك تشين في مجالات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربية وربطها بمحطات الشحن وتحديد الاسعار طبقا للأسواق العالمية.

  • حيث أطلقت شركة ” Innogy” محطات لشحن السيارات الكهربائية في ألمانيا ومتصلة بنظام عام قائم على “بلوك تشين”، وبمجرد أن يسجل المستخدم سيارته في النظام حتى يتم تقييم كل معاملاته التالية وتسجيلها في أي مرة يتوجه فيها إلى المحطة ومنذ 2016 وحتى الان تم تنفيذ 1400 محطة شحن في اوروبا والولايات المتحدة.

زيادة ذكاء الشبكات الكهربية

وأخيرا يمكن القول أن نشر استخدام تقنية البلوك تشين و الوصول إلى سلاسل توريد ذات كفاءه أعلي يتطلب تقبل تام من الأطراف المعنية وتنظيمات واضحة لمؤسسات الأعمال بالإضافة إلى عقد حلقات تعليمية توعوية في بداية المشروعات، وإلا ستستمر التحديات و التي ترتبط معظمها بمسائل تشغيلية وتنظيمية أكثر من العوامل الفنية، ولا تكمن المشكلة الرئيسية في تحديد تكنولوجيا بلوك تشين المناسبة لكل احتياج، بل في توفير البنية الداعمة للتكيف معها، وهو ما أظهره جهود مكافحة جائحة كورونا علي كافة القطاعات .

في الشبكات الكهربية لا يمكن التمييز بين الكهرباء المنتجة من المصادر الطبيعية مثل الشمس والرياح وتلك المولدة من المحطات التقليدية المعتمدة علي الوقود الاحفوري، لذا قامت بعض الحكومات حول العالم بتتبع انتاج المصادر الطبيعية عن طريق الشهادات القابلة للتداول ، ولكن المشكلة تكمن في سوء ادارة هذه الشهادات لذا تم استخدام تقنيات البلوك تشين في تتبع هذه الشهادات ، الامر الذي ساعد في حل مشكلات ادارة البيانات في قطاع الطاقة، وادارة الشبكات الصغيرة  وتداول الطاقة  بل ويمكنها في المستقبل اطلاق تحول جذري في شبكات الطاقة.

المصادر:

  1. https://modernconsensus.com/regulation/world-economic-forum-unveils-blockchain-bill-of-rights-will-it-work/
  2. https://www.un.org/ar/44863

أمل اسماعيل

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى