دول المشرق العربي

لماذا يواجه لبنان أزمة في تشكيل الحكومة؟

في إطار المشاورات النيابية التي عقدت في 31 أغسطس في قصر بعبدا، تم اختيار سفير لبنان لدى ألمانيا مصطفى أديب لتشكيل الحكومة الجديدة، بعد استقالة حكومة حسان دياب في 10 أغسطس إثر أزمة انفجار مرفأ بيروت، وقد تم الاتفاق بين الكتل السياسية في لبنان خلال الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تشكيل الحكومة في غضون أسبوعين، وكان مقررًا الانتهاء من التشكيل في 15 سبتمبر 2020، لكن انتهت المدة المحددة دون خروج الحكومة إلى النور، وقدم مصطفى أديب اعتذاراً عن تشكيل الحكومة، لافتًا إلى أن التوافق الذى على أساسه قبل التكليف لم يعد قائمًا.

وقد عكست كلمات الرئيس اللبناني ميشال عون حجم الأزمة التي يشهدها لبنان فيما يتعلق بتشكيل الحكومة قائلا “نحن اليوم أمام أزمة في تشكيل الحكومة، ومع تصلب المواقف لا يبدو في الأفق أي حل قريب، وهو ما يوحى بأن عملية التشكيل سوف تستغرق وقتا طويلاً، فلماذا يواجه لبنان أزمة في تشكيل الحكومة؟

موقف القوى السياسية

هناك اتجاهان حول شكل الحكومة الاتجاه الأول ويمثله قوى التغيير والحراك الشعبي ويهدف إلى تشكيل حكومة كفاءات مصغرة، تخضع لمعيار الجدارة والاستحقاق والقدرة على تنفيذ مهام محددة ويحظى ذلك الاتجاه بدعم من المجتمع الدولي، وكان يرغب مصطفى أديب رئيس الحكومة المكلف في اعتماد مبدأ تدوير الحقائب الوزارية السيادية بين الطوائف المختلفة. الاتجاه الثاني ويضم كل من حزب الله وحركة أمل ويرغب في تشكيل حكومة وفقا للمحاصصة الطائفية.

لذلك تكمن المعضلة اللبنانية في اختلاف المعايير التي ينبغي أن يتم اختيار الوزراء وفقا لها؛ فهناك من يرغب في تحقيق تطلعات الشارع اللبناني وإخراج الدولة من الطائفية إلى الدولة المدنية، ومن يرغب في استمرار الطائفية وهو التوجه المتجذر في مؤسسات الدولة والذي يمسك بأطراف السلطة السياسية لكن الدولة بمشكلاتها من حيث الانهيار الاقتصادي والمالي وتداعيات أزمة مرفأ بيروت لا تحتمل هذه المراوغة في تشكيل الحكومة.[1]

بالإضافة إلى أن تعدد مواقف الكتل السياسية أدى إلى عرقلة عملية التشكيل وتتضح المواقف فيما يلي:

التيار الوطني الحر: عبر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن رغبة تكتل لبنان القوى في تأليف حكومة قادرة على إنجاز الإصلاحات، موضحًا أن الكتلة ليس لها شروط ولا مطالب وتقبل بكل ما يتفق عليه الآخرون، معربا عن أمله في أن يكون هناك مداورة في الوزارات، وألا تسلك المداورة خطًا واحدًا، وأن تكون الحكومة مصغرة، وقادرة على تنفيذ برنامج الإصلاح المطلوب، ويقترح التيار الوطني الحر توزيع الوزارات السيادية على الطوائف الأقل عددا كالدروز والعلويين والأرمن والأقليات المسيحية[2].

تيار المستقبل: عبرت كتلة المستقبل عن دعمها للحكومة مشترطة أن تكون حكومة اختصاصيين ومستقلين، وأكد سعد الحريري رئيس تيار المستقبل خلال زيارة ماكرون إلى لبنان واجتماعه مع رؤساء الكتل النيابية بأنه سيسحب دعمه بالكامل في حال أي تأجيل في تشكيل الحكومة المقبلة، أو أي محاولات سياسية لفرض أشخاص فيها أو عرقلة لبرنامج الإصلاحات بعد تشكيلها.

الثنائي الشيعي: ويتمثل في كتلة التنمية والتحرير التي تمثل حركة أمل وطالبت بالإسراع في تشكيل حكومة متجانسة تضم كفاءات مميزة لمباشرة ملف الإصلاح الذي تم الاتفاق عليه منذ فترة طويلة، وكذلك كتلة الوفاء للمقاومة التابعة لحزب الله التي دعت إلى تسهيل أمر تأليف الحكومة الجديدة من أجل التصدي للمهام الوطنية الملحة والطارئة وعلى رأسها أزمة جائحة كورونا وتبعاتها، بالإضافة إلى الملف الاقتصادي ومكافحة الفساد وما نتج عن أزمة انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020[3].

الحزب التقدمي الاشتراكي: عبر رئيس الحزب وليد جنبلاط عن الإسراع في تشكيل الحكومة بعيدا عن الحسابات الضيقة، قائلا كل دقيقة تمر ليست لصالح لبنان، لا تعطوا حكومة الوباء والكوارث الحالية مزيد من الوقت[4].

حزب القوات اللبنانية: عبر رئيس الحزب سمير جعجع عن ضرورة الخروج من المأساة التي يعاني منها لبنان منذ سنوات، لافتًا إلى أن السبب في هذه المأساة هي المحاصصة التي كانت تتم على مستوى السلطة التنفيذية، والتي تؤدي إلى بروز دويلات ضمن الدولة، وإلى شلل الحكومة والمؤسسات، وإلى الفساد الذي ساد وتمادى في صلب الدولة[5].

معوقات تشكيل الحكومة اللبنانية

تتنافى التصريحات المعلنة من الكتل السياسية تجاه تشكيل الحكومة مع موقفها الفعلى الذي يصر على شروط معينة أدت إلى عرقلة عملية التشكيل:

الصراع على الحقائب: يتمسك رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بوزارتي الطاقة والخارجية، ويصر الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله على تمثيل وزارة المالية من خلال تسمية الشخصية التي تشغل هذه الحقيبة، ورغبتها في تسمية ممثليها من خلال تقديم أسماء وزراء الطائفة الشيعية إلى مصطفى أديب، وترجع بعض التحليلات إلى أن السبب وراء تمسك الثنائي الشيعي بوزارة المالية هو أنها وزارة سيادية تملك سلطة اتخاذ القرار، وأن وزير المالية يملك حق النقض على الوزارات الأخرى في قرارتها وهو ما يضمن لحزب الله وإيران عدم الاستبعاد من السلطة واستمرار المشاركة في صنع القرار في لبنان.

حجم الحكومة: يصر حزب الله على تشكيل حكومة تكنو سياسية من 14 وزيرًا بدلا من 24 وزير على أن يكون ثلثا الحكومة للتكنوقراط والثلث الآخر للأحزاب السياسية، وكذلك يدعم تشكيل حكومة من 24 وزير جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر على أن تسمى الأحزاب السياسية 8 وزارات[6]. بينما يرغب رئيس الجمهورية ميشال عون في تشكيل حكومة ليست مصغرة ويشترط الموافقة على الأسماء التي يتم اختيارها قبل إقرارها.

ورفض رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب الأخذ برأي رؤساء الكتل في توزيع الحقائب وتسمية الوزراء ورأى طرح المداورة الشاملة، بينما رأى الرئيس اللبنانى ميشال عون أنه لا يجوز استبعاد الكتل النيابية من عملية تأليف الحكومة، لأن هذه الكتل هي التي تمنح الثقة أو تحجبها في البرلمان، واقترح الرئيس عون إلغاء التوزيع الطائفي للوزرات السيادية وعدم تخصيصها لطوائف محددة بل جعلها متاحة لكل الطوائف، أي توزيع الوزارات السيادية على جميع النواب سواء المسيحيين او المسلمين، أو الأقليات. وأن يكون اختيار الوزراء وفقا للقدرة على الإنجاز والكفاءة هو المعيار الأساسى وليس الانتماء الطائفي، وذلك لأن الدستور لا ينص على تخصيص أي وزارة لأي طائفة من الطوائف.

ومع إصرار الثنائى الشيعى على وزارة المالية، اقترح رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تسمية وزير مالية مستقل من الطائفة الشيعية لمره واحدة وأن يقوم بتسميته رئيس الوزراء، لكن اعترض كل من رؤساء الحكومات السابقة نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام على مبادرة الحريري واعتبروا أنهم غير ملزمين بها لأن الدستور لا ينص على أن تكون حقيبة وزارية حكرا على وزراء ينتموا لطائفة معينة.

وقد رفض أديب المقترح الخاص بتقديم رئيس البرلمان نبيه برى 10 أسماء شيعية إلى رئيس الحكومة مصطفى أديب لاختيار وزير للمالية، لأن ذلك يفتح المجال أمام الكتل السياسية الأخرى إلى التمسك بحقائب وزارية بعينها وهو ما يتعارض مع المبادرة التي تم الاتفاق عليها في بداية تكليفه من حيث تشكيل حكومة من الاختصاصين.

لذا قدم أديب اعتذاره عن تشكيل الحكومة قائلا في بيان اعتذاره “مع وصول المجهود لتشكيل الحكومة إلى مراحله الأخيرة، تبين لي أن هذا التوافق الذي على أساسه قبلت هذه المهمة الوطنية في هذا الظرف الصعب من تاريخ لبنان لم يعد قائمًا، وبما انّ تشكيلة بالمواصفات التي وضعتها باتت محكومة سلفا بالفشل، وحرصًا مني على الوحدة الوطنية بدستوريتها وميثاقيتها، فإنّي اعتذر عن متابعة مهمّة تشكيل الحكومة، متمنيا لمن سيتم اختياره للمهمّة الشاقة من بعدي، وللذين سيختارونه التوفيق في مواجهة الأخطار الداهمة المحدقة ببلدنا وشعبنا واقتصادنا”

في الختام يمكن القول إن هناك عدة خيارات فيما بعد اعتذار رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب هو أن تؤول رئاسة الحكومة المقبلة إلى سعد الحريري رئيس الحكومة السابق، أو استمرار أزمة التشكيل في ضوء عدم التوافق بين الكتل السياسية ومن ثم يرتب ذلك سحب المبادرة الفرنسية لدعم لبنان، وبالتالي تستمر الدولة اللبنانية في أزمتها المالية وكذلك السياسية.


[1] على الدين هلال، المُعضلة اللبنانية وتعثُّر تشكيل الحكومة، العين الإخبارية،21 سبتمبر 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 21 سبتمبر2020.

[2]مفاوضات تشكيل الحكومة اللبنانية.. خلافات بشأن الحقائب السيادية والتيار الحر يتشبث بشروطه، الجزيرة، 19 سبتمبر 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 21 سبتمبر 2020.

[3] مصالح متداخلة: تحديات تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات،8 سبتمبر 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 21 سبتمبر 2020.

[4] جنبلاط: آن الاوان لالتقاط ورقة الامس والبناء عليها وتسهيل التشكيل، التيار الوطني الحر،23 سبتمبر 2020، متاح على الرابط:  تاريخ الدخول 23 سبتمبر 2020.

[5] عون يقترح إلغاء التوزيع الطائفي وأديب يطالب بتسهيل حكومة اختصاصيين، الشرق الأوسط،22 سبتمبر 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 23 سبتمبر2020.

[6] Why Mustapha Adib may not succeed in Lebanon, Gulf News, 20 September 2020, available at: accessed on 21 September 2020.

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى