السودان

السودان..ما بين التطبيع مع إسرائيل وتسارع خطوات رفعها من قائمة الإرهاب

مثّل تصنيف الولايات المتحدة للسودان كدولة راعية للإرهاب دافعًا مهمًا للمشاكل الاقتصادية الطويلة في البلاد، حيث تم تقييد الاستثمار الأجنبي في السودان وعلاقاته التجارية مع الدول الأخرى إلى حد كبير، حيث بلغ معدل التضخم في البلاد قرابة 170 في المائة بالتزامن مع استمرار السقوط الحر للجنيه السوداني وإعلان الحكومة السودانية حالة الطوارئ الاقتصادية.  

فوفقًا للأمم المتحدة، فإن أكثر من 9.6 مليون شخصًا (ما يقرب من ربع سكان السودان) يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ومن ثم يحتاج السودان إلى دعم الولايات المتحدة للمُساعدة في تخفيف الديون السابقة، ومُواجهة التضخم المرتفع وجائحة “كورونا”، وتداعيات الفيضانات المدمرة، وجذب المزيد من المساعدات الخارجية والاستثمارات.      

تطورات مُتلاحقة 

في أكتوبر 2017 رفعت الولايات المتحدة الأمريكية بعض من العقوبات المفروضة على السودان ومنها حظر شراء الأسلحة الأمريكية والمساعدات الاقتصادية الأمريكية، وحظر دخول المواطنين الأمريكيين في معاملات مالية مع السودان. ومنذ الإطاحة بنظام “البشير” في إبريل 2019، أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن دعمها للانتقال السلمي للسلطة بقيادة مدنية، وفى أغسطس من العام نفسه، التقى “ديفيد هيل” وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، رئيس مجلس السيادة الانتقالي “عبد الفتاح البرهان” في الخرطوم، لمناقشة الحاجة إلى تشكيل سريع لحكومة انتقالية بقيادة مدنية بما يتماشى مع الوثائق السياسية والدستورية المتفق عليها. 

 أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في ديسمبر 2019 تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع السودان من خلال المشاركة في تبادل السفراء لأول مرة منذ 23 عامًا. وأخذت العلاقات بعدها تطورات إيجابية حيث وافق السودان في إبريل 2020 على دفع تعويضات لضحايا 17 بحارًا أمريكيًا قتلوا على المدمرة الأمريكية ” كول” في هجوم عام 2000 في عدن.  كما عيّن السودان بعد ذلك بشهر واحد أول سفير له في واشنطن منذ أكثر من 20 عامًا، فيما قال وزير الخارجية الأمريكي “بومبيو” سَتعّين الولايات المتحدة سفيرًا في الخرطوم.   

وفى يونيو 2020 أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن تعيين “دونالد بوث” مبعوثًا خاصًا للسودان، كما أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأمريكية بيانًا بشأن دارفور في أغسطس 2020، يوضح فيه أنه لم يعد يمنع الأشخاص الأمريكيون من الانخراط في معاملات فيما يتعلق بالسودان أو حكومة السودان، التي كانت محظورة سابقًا بموجب لوائح العقوبات الأمريكية السودانية، ومع ذلك لا تزال حالة الطوارئ الوطنية المعلنة فيما يتعلق بالسودان سارية.   

مناقشات حول التطبيع مع إسرائيل 

ظهرت العديد من الإشارات التي تظهر تحسن العلاقات بين السودان وإسرائيل بالتزامن مع الاجتماع التاريخي بين “نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي و”البرهان” رئيس مجلس السيادة في السودان في فبراير 2020 بأوغندا لمناقشة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث بدأت الطائرات الإسرائيلية التحليق فوق السودان وازدادت الاتصالات بين المسؤولين الأمريكيين والقادة السودانيين، مما يشير إلى تكثيف الجهود للمساعدة في تحقيق اتفاق إسرائيلي – سوداني.     

في الثاني والعشرين من أغسطس 2020 أثير ملف تطبيع السودان العلاقات مع إسرائيل في اجتماع بواشنطن بين “نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي، و”مايك بومبيو “وزير الخارجية الأمريكي، حيث حثت إسرائيل إدارة “ترامب” على الالتزام بطلب السودان للحصول على مساعدات اقتصادية كجزء من أي صفقة تطبيع.   

وبعد هذا الاجتماع بيومين فقط جاءت زيارة “بومبيو” إلى الخرطوم في الخامس والعشرين من أغسطس 2020 بعد زيارته إلى إسرائيل بهدف تطبيع السودان العلاقات مع إسرائيل، بجانب مناقشة قضايا أخري؛ التأكيد على استمرار دعم الولايات المتحدة الأمريكية للمرحلة الانتقالية في السودان، وأيضًا السلام والأمن وتوفير الحماية للمدنيين خاصًة في إقليم دارفور الذي شهد سلسلة من الهجمات المسلحة أسفرت عن مقتل العشرات، وأن  هناك ثمة اتفاقًا أمريكيًا – سودانيًا لتحقيق اتفاق مفيد لكلٍ من السودان وإثيوبيا ومصر بشأن ملء وتشغيل السد الإثيوبي الذي يعد أمرًا حاسمًا للاستقرار الإقليمي.        

وفى هذا الصدد، أشار “حمدوك ” رئيس الوزراء السوداني، أن الفترة الانتقالية في السودان يقودها تحالف واسع بأجندة محددة لاستكمال المرحلة الانتقالية وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد وإجراء انتخابات حرة حتى تشكيل حكومة دائمة، وحكومته ليس لديها تفويض يتجاوز هذه المهام أو اتخاذ قرار بشأن التطبيع مع إسرائيل، مؤكدًا في الوقت نفسه على حق الفلسطينيين في أرضهم وفي حياة حرة وكريمة. 

وفي الثاني والعشرين من سبتمبر 2020 جاءت زيارة “البرهان” إلى الإمارات بجانب وزير العدل “نصر الدين عبد الباري” ووفد رفيع المستوي لمناقشة القضايا الإقليمية المرتبطة بالسودان، وبحث شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مع الوفد الأمريكي بأبو ظبي.        

رفع السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب

مثّلت صلات السودان بالمنظمات الإرهابية الدولية على خلفية استضافة مؤسس تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” خلال الفترة (١٩٩٢-١٩٩٦) مصدر قلق خاص للحكومة الأمريكية، مما أدى إلى تصنيف السودان عام 1993 كدولة راعية للإرهاب وتعليق عمليات السفارة الأمريكية في الخرطوم عام 1996، وفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية شاملة على السودان في أكتوبر 1997. وعليه، يمثل إلغاء تصنيف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أولوية ثنائية حاسمة لكلٍ من السودان والولايات المتحدة، حيث دخل البلدين في حوار ثنائي حول مكافحة الإرهاب في مايو 2000.    

في نوفمبر 2018، أعلنت واشنطن أنها ستنظر في إلغاء تصنيف الدولة الراعية للإرهاب في السودان إذا استوفت المعايير القانونية، وحققت مزيدًا من التقدم في المجالات الأخرى التي تثير انتقادات الولايات المتحدة مثل حقوق الإنسان والمزاعم المتعلقة بالإرهاب، وعلاقات السودان بكوريا الشمالية. حيث جاءت القائمة المحدثة الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية في الثالث عشر من شهر مايو 2020 لتخلو من اسم السودان، في حين أبقت على دول أخرى.   

 وضعت الولايات المتحدة جملة من المطالب الواجب تنفيذها من جانب السودان لاستكمال مسار رفع السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، من بينها ملف تسوية النزاعات والصراعات الداخلية المسلحة، فضلًا عن النظر في ملف أسر ضحايا هجوم المدمرة “كول”، وتعديلات تشريعية بحق قوانين النظام العام، بما يتسق مع ما صرح به “تيبور ناجي” مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشئون الإفريقية، من أن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ليس قرارًا بل عملية مركبة تستند إلى إجراءات يجب أن تراها الإدارة الأمريكية تنفذ على أرض الواقع وخطوة يتوجب تمريرها على الكونجرس الأمريكي للنظر فيها، حيث يحتاج الكونجرس إلى تمرير مشروع قانون من الحزبين بقيادة السيناتور “كريس كونز”، وبموجبه  سيحصل السودان على حصانة من الدعاوى القضائية المستقبلية في الولايات المتحدة ويعيد وضع السودان كدولة لا ترعى الإرهاب.   

 وعليه، اتخذت الخرطوم خطوات إيجابية على عدة مسارات؛ تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، ووقف الأعمال العدائية في مناطق الصراع (دارفور، جنوب كردفان، والنيل الأزرق)، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية، وإنهاء التدخل السلبي في جنوب السودان. 

 وعلاوة على ذلك التوصل إلى تسوية مع أسر الضحايا الأمريكيين في تفجير السفارة الأمريكية عام 1998؛ فقد أعلن رئيس الوزراء السوداني “حمدوك” في ديسمبر 2019 قبول حكومته الاعتراف بمسئولية السودان عن الأخطاء السابقة لحكومة “الإنقاذ”، وتفجير المدمرة الأمريكية ” كول” عام 2000 في اليمن.           

كما أبدت الحكومة السودانية موقفًا إيجابيًا تجاه حكم المحكمة العليا الأمريكية الصادر في التاسع عشر من مايو 2020 والذي تضمن إلزام السودان بدفع تعويضات لضحايا الهجمات الإرهابية التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في دار السلام ونيروبي في أغسطس 1998، وعلى ضوء ذلك القرار أصدرت وزارة العدل السودانية بيانات أوضحت تطلع السودان إلى تسوية قضايا التعويضات المالية مع واشنطن.      

وإجمالاً، أضافت زيارة وزير الخارجية الأمريكي “بومبيو” إلى الخرطوم مؤشرًا جديدًا للاتجاه العام لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والسودان خاصًة في أعقاب سقوط نظام “البشير”، وإن ظلت هناك قضايا عالقة لم يتم حسمها، ولا سيما وأن واشنطن تربط حلحلة هذه القضايا بشروط مطروحة على الخرطوم.  

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى