روسيا

كاتب روسي يستعرض دلالات رياح التغيير والسلام في الشرق الأوسط

عرض- – داليا يسري

اعتبر الكاتب الصحفي أندريه إيساييف أن منطقة “الشرق الأوسط”، أو كما وصفها هو بكلمة “الشرق الأوسط الكبير” شهدت في الآونة الأخيرة رياح التغيير، التي اصطحبت معها عددًا من التغيرات السلمية.

وقال الكاتب – في مقال نشرته مجلة الحياة الدولية الروسية تحت عنوان “هل يحل السلام إلى الشرق الأوسط؟“، إنه من غير الواضح ما إذا كان السبب وراء هذه التغييرات يعود الى تفشي الوباء، أو إلى جهود حفظ السلام المبذولة من قبل مختلف الجهات الفاعلة، أو ما إذا كان السبب وراءها ببساطة يُعزى إلى أن هذا الوقت المناسب للتغيير.

في البداية، يشير الكاتب إلى محادثات السلام التي بدأت بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بتاريخ 12 سبتمبر في العاصمة القطرية الدوحة.

ويرى الكاتب أن نتائج الاجتماعات بين الجانبين كانت مرضية إلى حد ما. كما يشير الى أن وزارة الخارجية الروسية قد أكدت أن الجانب الروسي يؤيد إقامة دولة أفغانية سلمية ومستقلة، وكشفت عن اعتزامها مواصلة الجهود لأجل إتمام عملية المصالحة الوطنية بقيادة أفغانية.

وسلط الكاتب الضوء على الاتفاقية التي كان قد تم توقيعها في وقتٍ سابق من هذا العام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، والتي تقدمت الاجتماعات الأخيرة في العاصمة القطرية.

ووفقًا لما ورد بهذه الاتفاقية، تقوم واشنطن بسحب معظم وحداتها العسكرية من أفغانستان في غضون عدة أشهر. كما وعدت طالبان بعدم السماح بقيام أفغانستان بارتكاب أفعال من شأنها أن تُهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها.

لكن على الرغم من ذلك، يوضح الكاتب أن المسلحين الأفغان توقفوا عن ارتكاب هذه الأفعال، إلا أن اشتباكاتهم مع قوات انفاذ القانون الأفغانية لم تتوقف. وهذا ما ترتب عليه أن علق مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي خلال اجتماعات الدوحة، ساخرًا “من الواضح أن مستويات العنف في أفغانستان قد انخفضت الى مستويات مقبولة”.

وردد الكاتب مُعلقًا على موقف بومبيو من هذا الأمر، قائلاً “يبدو أن وزير الخارجية الأمريكي يعتقد أن المستوى المقبول من انخفاض العنف يكون فقط هو هذا المستوى الذي لا يموت بسببه الأمريكيون!”.

انتقل الكاتب بعد ذلك الى الحديث عن بقعة أخرى من بقاع منطقة الشرق الأوسط. وأشار الى أن الإرهابيين في سوريا يضطرون في الوقت الراهن القيام بتقليص أنشتطهم بشكل كبير، نظرًا لتقدم السلطات المركزية وقيامها ببسط المزيد من السيطرة على معظم أراضي الدولة. فيما عدا استثناءات يشير اليها الكاتب بأنها تقتصر على بقاع أخرى من سوريا، مثل الشمال الشرقي المحكوم من قبل النظام السياسي العسكري الكردي، والمنطقة العازلة التي تقع تحت سيطرة القوات التركية والممتدة على طول حدودها المشتركة مع سوريا. بالإضافة الى ذلك، فإن النظام الكردي يعتمد على المساعدات الشاملة التي يحصل عليها من الأمريكيون.

يرى الكاتب، أن هناك عددا من العوائق تحول دون عملية إحلال السلام في سوريا. وهذه العوائق لا تقتصر فقط على وجود القوات الأمريكية هناك، وإنما أيضًا وجود القوات التركية التي حضرت الى البلاد من دون أن تتلقى دعوة من الحكومة الشرعية تطلب منها ذلك.

وسرد الكاتب بعد ذلك، كيف أنه قد تم نشر ميليشيات مسلحة موالية لأنقرة في مناطق انتشار القوات التركية، بالإضافة الى تشكيل إدارة محلية تركية تسير جنبًا الى جنب مع فرض التعامل بالعملة التركية في هذه المناطق.

استعرض الكاتب كذلك مشهدا آخر من ملامح التغييرات التي تجري في المنطقة. وعلق على عملية التطبيع التي جرت بين إسرائيل ودولتين عربيتين.

 ولفت الكاتب إلى تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حفل التوقيع على المعاهدات في واشنطن، والذي كشف من خلاله أن دولتي فلسطين والمملكة العربية السعودية سوف يقيمان نفس نوع العلاقات مع إسرائيل في القريب العاجل.

وأوضح أن هذا التصريح حدث بالتزامن مع قيام المملكة العربية السعودية بفتح مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية. وحول هذه الخطوة، طرح الكاتب تساؤل. وقال لماذا يحتاج الأمريكيون اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والعرب؟!

عن هذا التساؤل، رد الكاتب لافتًا الى الاعتراف الصريح الذي صدر عن مايك بومبيو. حيث أوضح الأخير أن كلاً من الإمارات وإسرائيل قد اتفقتا على انشاء تحالف عسكري ضد إيران بغرض حماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وعلق الكاتب، مؤكدًا أن الوضع بالفعل يتغير، وأنه لم تعد هناك دول خليجية عربية تركز على المواجهة مع إسرائيل. بل أن خصومهم الرئيسيون في الوقت الراهن قد أصبحوا هم تركيا وإيران، اللتان تتباهيان وتتدعيان موقف القيادة الإقليمية. وهو الأمر الذي لا يثير الدهشة حول ما أبدته طهران وأنقرة من احتجاج وشجب شديد على المصالحة العربية الإسرائيلية الأخيرة.

وعلى صعيد عربي آخر، انتقل الكاتب ليتناول الحديث عن ليبيا. حيث قال إن هناك توجهات إيجابية جديدة تظهر في ليبيا الآن. فقد توقفت الأعمال العدائية في بداية شهر يونيو، خاصة بعد أن أصدرت القاهرة خطابها ووعدت بتوقيف الجماعات الإرهابية والميلشيات في دولة الجوار الليبي حتى وإن تطلب الأمر التدخل بالقوة. فقد تم بعد ذلك إعلان وقف إطلاق النار في طرابلس. وقد حظيت مبادرة القاهرة بدعم من مجلس النواب الليبي ممثل في رئيسه المستشار عقيلة صالح. وبالإضافة الى ذلك، خاضت الأطراف المتناحرة نقاشات في المغرب وسويسرا. حددوا من خلالها طبيعة توزيع الحقائب والمناصب في الهيئات الحكومية الموحدة فيما بين عدد يتألف من ثلاث مناطق ليبية. كما تقرر مواصلة المفاوضات بعد فترة وجيزة، وبعد مرور فترة ليست بعيدة أعلن فايز السراج وحكومته في طبرق عن قرارهما بالاستقالة. مما يمهد الطريق أمام شخصيات جديدة للظهور على مسرح الدراما الليبية.

هناك أيضًا ساحة أخرى للنزاع بين أطراف دولية ولكنها تنعكس على دولاً في المنطقة. يُقدم الكاتب هذه الساحة باعتبارها حلبة الصراع بين موسكو وأنقرة. ويشير إلى تصريح مولود جاويش أوجلو وزير الخارجية التركي خلال لقاء له عبر شبكة “سي.إن. إن الأمريكية”، بشأن اقتراب المفاوضين الروس والأتراك من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار وعمل تسوية سياسية في سوريا. ثم يعلق الكاتب على إجمالي الأوضاع في المنطقة بالكامل، ويقول على الرغم من هذه التقييمات الإيجابية التي تسود المنطقة ككل. إلا أن بيئة الخبراء والمحللون تسودها شكوك حول مجموعة متشابكة من التناقضات السياسية والاقتصادية والعرقية والدينية. ويضيف الكاتب لافتًا إلى أن الأوضاع تزداد تفاقمًا بسبب المستوى العالي من الاعتمادية لدى الجهات المحلية الفاعلة على الجهات الخارجية، التي عادة ما ينتج عنها تعارض في المصالح بين الأطراف الخارجية. مما ينعكس في النهاية على مدى استقرار المنطقة ككل.

ومثال على ذلك، أن بعد كل شيء. لازالت حركة طالبان ترفض الاعتراف بشرعية حكومة كابول، كما أنها تواصل إعلانها عن أن تأسيس الدولة الإسلامية هو الهدف النهائي للحركة. مما يعني أن حركة طالبان لديها حجة تسمح لها بالتخلي عن أي اتفاقيات مبرمة مع حكومة كابول في المستقبل. والأرجح أنهم يخوضون في عملية المفاوضات فقط بغرض المماطلة وكسب المزيد من الوقت وصولاً الى لحظة انسحاب القوات الأمريكية وحلفاؤها من البلاد. علاوة على ذلك، هناك عوائق أخرى. من ضمنها أن حركة طالبان نفسها تتألف من عددًا من الجماعات المتطرفة، التي غالبا ما تشوب علاقاتهم الداخلية فيما بينهم بروح من التنافس العالية. وعادة ما تنتهي هذه المشاحنات الى تعارض مصالحهم مع بعضهم البعض وفشلهم في العمل بشكل جماعي. كما أن هناك تنامي كبير لشبكة حقاني وأتباعها، وهي الجماعة التي ينظر اليها العديد من الخبراء باعتبارها الذراع المباشر للمخابرات الباكستانية في أفغانستان، وتلك بالطبع تقود تأثير ليس هين على ما يحدث في دولة الجوار الأفغاني.

وبالنسبة لسوريا، فإن الأكراد يبتعدون بشكل تدريجي عن تبعية الحكومة الرسمية في دمشق بفعل شعورهم بالأمان المستمد من الدعم الأمريكي لهم. فيما لا يسعى الأكراد إلا إلى تحقيق الحكم الذاتي فقط، ويرفض الرعاة الأمريكيون أي تعامل قد يربط حلفاؤهم مع نظام الأسد، بل أنهم يعملون بنشاط على تفكيك البلاد. وعلى هذا الأساس، ينظر الكاتب الى شكاوى دونالد ترامب المتكررة من أن قرار الرئيس الذي سبقه بإرسال قوات أمريكية الى الشرق الأوسط “كان أكبر خطأ في التاريخ الأمريكي”، تبين الآن أنه في الواقع دهاء.

فقد شرح الكاتب أن القوات التركية غزت سوريا جنبًا إلى جنب مع القوات الأمريكية تحت شعار “محاربة الإرهاب”، ولكن وفقًا لما أشارت اليه وزارة الخارجية الروسية مرارًا وتكرارًا. فإن أنقرة تُماطل وتؤخر الوفاء بالتزاماتها بموجب مذكرة تطبيع الأوضاع في منطقة خفض التصعيد في إدلب، حيث يتركز معظم المتطرفين في الوقت الراهن. في نفس الوقت الذي يعلق فيه العديد من الخبراء –بمن فيهم الخبراء الأتراك- النصيب الوافر من المسؤولية في استمرار الأزمة السورية الداخلية على عاتق القيادة التركية، التي ترفض باستمرار التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد وتتعهد بعدم إعادة الأراضي المحتلة إلا في حال تغيير السلطة الرسمية في البلاد. لكن السلطة الرسمية في دمشق تُصر على رفض أي مساومات حتى مع المحسوبون على تيار المعارضة المعتدلة. وبناءً عليه، يرى الكاتب أنه بدون اتفاقيات جادة سوف يكون من الصعب إنهاء الحرب الأهلية والبدء أخيرًا في محاولة استعادة الاقتصاد المُدمر. مما يؤدي الى اضطرار موسكو لتكثيف الجهود الرامية الى تنظيم عملية المفاوضات السورية الداخلية، وتعزيز الاتصالات مع المعارضة “المتعقلة”، التي تتألف أفراد محسوبون على منصة موسكو والقيادات الكردية.

ثم يشرح الكاتب كيف أن أحدًا لا يُحب التطبيع الإسرائيلي مع الإمارات والبحرين، وبوجه خاص الفلسطينيين. فقد علق محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية على ما جرى من مراسم توقيع في واشنطن قائلاً، “لن يكون هناك سلام في المنطقة حتى تعترف إسرائيل والولايات المتحدة بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة”. فيما اكتفى المتطرفون الفلسطينيون من قطاع غزة بإطلاق صواريخ على مدينتي عسقلان وأشدود. كما أنه لا شك في أن هؤلاء المتطرفون المنتمون الى حركة حماس سوف يتلقون دعمًا أكبر من قبل أنقرة وطهران.

أما على الساحة الليبية، هناك حالة من الاستياء البالغ اجتاحت السكان المحليون، سواء من سياسات فايز السراج أو خليفة حفتر. إذ أن السكان يعتقدون أن كلاهما يتجاهلان المشكلات الاجتماعية والاقتصادية للبلد الذي مزقته الحرب على مدار سنوات ممتدة. بحيث أصيب المحليون بالتعب والوهن من وراء كل ما يحدث. كما أن الجيش الوطني الليبي ينأى بنفسه عن أي محاولات لإبرام سلام. مثال على ذلك أن أحمد المسماري المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني، كان يرى أن مبادرة السراج لإنهاء الأعمال العدائية ليست أكثر من مجرد غطاء إعلامي يخفي وراءه نوايا طرابلس الحقيقية.

ويرى الكاتب، أن في هذه الحالات تزداد فرص نجاح قوة ثالثة، تكون بالنسبة لليبيا متمثلة في شخص سيف الإسلام القذافي نجل القائد الليبي السابق معمر القذافي، والذي كان قد أعلن عن طموحاته السياسية قبل عامين. وفرص نجاحه الكبيرة تعود ايضًا الى قبيلة قذاف ذات النفوذ الكبير داخل ليبيا، والتي كانت قد سمحت لأبنائها بالانضمام الى صفوف الجيش الوطني الليبي. إذ أن هذه القبيلة تملك القدرة على دعم سيف الإسلام، بالإضافة الى اقناع عددً من القبائل الأخرى بالانحياز اليه. وهو الأمر الذي من المحتم أنه سوف يغضب القائد القوي خليفة حفتر، الذي سوف يفقد في هذه الحالة تأثيره على مجريات الأحداث.

وختامًا، طرح الكاتب نهجين تم تطويرهما  لحل الأوضاع في المنطقة. الأول من وجهة نظره أن يتم الاعتماد على “نظرية الفوضى المنضبطة”، والتي تفترض مسبقًا بعض التدخلات المحورية، التي سوف يترتب عليها عمل تحولات في مسارات العمليات التدميرية، ثم إعادة توجيهها مرة أخرى في الاتجاه الصحيح.

ويرد الكاتب على هذا النهج قائلاً، إنه وفقًا للمصطلحات الطبية الشائعة في عصر كورونا، فإن هذا النهج لن يكون أكثر من مجرد علاج مُسكن ولن ينجح في علاج المرض بشكل نهائي. علاوة على ذلك، يقول الكاتب أن من يظل لفترة طويلة من الزمن مشتبكًا في تداخلات الأحداث على ساحة الشرق الأوسط، فإن هذا يعني أنه عاجلاً أم آجلاً سوف تنعكس بعض الأضرار عليك. وهو الأمر الذي حدث بالفعل من خلال تدفقات المهاجرين التي تقدر بالآلاف نحو دول أوروبا على سبيل المثال.

أما عن النهج الثاني، فهذا يقتضي أن يتم بموجبه التغلب على جميع الصعوبات وتحليل جميع الإخفاقات. بحيث ينبغي على المرء أن يبدأ في محاولة تقديم المساعدة للمعارضين بغرض دفعهم نحو التوصل الى اتفاق. إذ نستخلص من هذه النقطة حقيقة، أنه عندما يصمت الدبلوماسيون تبدأ المدافع في الحديث. مما يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك أي حلول بعيدة عن إجراء حوار شامل في منطقة الشرق الأوسط. كما أنه لا يمكن إجراء حوار شامل قبل أن يتم وقف فتيل بؤر النيران المحلية التي يصعب إخمادها.

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى