
د. محمد حسين أبو الحسن يكتب: المشرق الجديد.. ضرورة استراتيجية
احتضنت العاصمة الأردنية عمان حدثا مهما، نهاية الشهر الماضي، لكنه مرّ مرور الكرام، قمة جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسى والعاهل الأردني عبدالله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بحثت تعزيز التعاون الاقتصادي، خاصة مجالات الطاقة والربط الكهربائي والبنية التحتية والاستثمار والتجارة؛ بغية تأسيس نوع من التكامل الاستراتيجي بين الدول الثلاث.
وقد أطلق الكاظمي مصطلح الشام الجديد أو المشرق الجديد على هذا التكتل، في تصريحات لصحيفة واشنطن بوست، ووصفه بأنه مشروع اقتصادي على النسق الأوروبي، من خلال المزاوجة بين القدرات البشرية والصناعية المصرية والثروات العراقية وموقع الأردن بينهما، باكورة هذا التعاون إنشاء خط بترول من البصرة، لمصر مرورا بخليج العقبة عبر الأردن، تحصل القاهرة وعمان على الخام بأسعار تفضيلية مخفضة، بينما تستورد بغداد منهما الكهرباء، والمشتقات البترولية المكررة.. إلخ.
ورغم غلبة الطابع الاقتصادي، فإن التكتل يعد خطوة بارعة، بينما يشتد الصراع الجيوسياسي على الشرق الأوسط، صارت بلدانه بيادق بأيدي القوى الإقليمية والدولية، تصنع بها ما تشاء، تجرى إعادة هندستها على قدم وساق وفقا لأجندات خارجية، سايكس- بيكو جديدة تضرب يمنة ويسرة، بإشعال بؤر التوتر الدائم بداخلها والصراع مع جيران الحيّز الجيو ثقافي، للسيطرة عليها. الصفقة الكبرى تدق الأبواب بعنف، التفتيت وتوزيع الغنائم على القوى الاستعمارية القديمة والجديدة، صارت المنطقة كومة حطب تلتهمها النيران، نار الحطب عندما تنطفئ لا تخلف سوى الرماد، ما دام العرب على ذاك المستوى من التصدع، بعدما تهاوت الأبنية الشائخة للنظام العربي، سواء الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي، أو الاتحاد المغاربي.
ومن ثمّ تتضح أهمية التكتل الثلاثي المشرع الأبواب لانضمام آخرين، كالسعودية أو سوريا بعد الاستقرار أو ليبيا أو السودان.. إنه التحام بين الهلال الخصيب ومصر وما حولها، يتوسط العالم ويتحكم بأهم خطوط اتصاله؛ دول تحوز قدرا هائلا من الفرص، إن أُحسن استثمارها. لكن الدول الثلاث تتعرض لتحديات قاسية على المستويات كافة، تقع فى قلب صراع المحاور فوق المسرح العربي، صراع يسعى لإنهاكها؛ فالعراق منذ خطيئة احتلال الكويت، ثم الغزو الأمريكي لبغداد وتدمير مؤسسات الدولة العراقية، وتسليمها على طبق من فضة للإيرانيين وغيرهم، يعيش في محن متجددة؛ هذه الدولة الأغنى في المنطقة صارت مرتعا للميليشيات الإرهابية، وفريسة لكل طامع، ينهشها الأمريكيون والإيرانيون والأتراك، بعض عرب الخليج لم يقصروا. وقد جاءت انتفاضة الشعب العراقي الأخيرة بحكومة الكاظمي، فشرع الرجل على الفور في مواجهة أزمات بلاده المزمنة، ساعيا لاستعادة العلاقات مع محيطه العربي، وإعادة تنظيمها مع الولايات المتحدة وإيران، أعلنت واشنطن سحب قواتها تدريجيا من هناك، بيد أن طهران لا تنظر إلى خطوات الكاظمي بارتياح، وصفها حسين شريعتمدارى رئيس تحرير صحيفة «كيهان» ومستشار المرشد على خامنئى بأنها امتداد للخيانات التي تعرض لها آل البيت بالكوفة. أما الأردن فإنه يعتبر تطورات القضية الفلسطينية وموجات التطبيع نذر خطر جسيم، مع تكرار الحديث عن فكرة الوطن البديل، أما مصر فإنها تمرق وسط عواصف تهب من جميع الاتجاهات، بالإضافة إلى تداعيات كورونا التي تربك الجميع. وعلى الرغم من كل تلك الحواجز، فإن الطريق مفتوح أمام مصر والعراق والأردن لبناء محور اقتصادي في المقام الأول؛ لدفع التنمية وحرية تدفق الأموال والتقنيات والعمالة، يقارب التبادل التجاري بينها نحو خمسة مليارات دولار… وذلك ضروري للتخفف من محاور الصراعات وكبح المشروعات التوسعية على حساب العرب؛ إسرائيلية أو إيرانية أو تركية، بالتعاون والتكاتف في وجه الأزمات.
وحتى يلامس هذا التجمع مشارف النجاح يتوجب عليه البحث عن تسويات سياسية فى ليبيا وسوريا واليمن حتى تستعيد عافيتها. إن إعادة الإعمار فى العراق وليبيا وسوريا، على سبيل المثال، تعد فرصة ذهبية للشركات المصرية والأردنية، تكفل تخليص الاقتصاد المصري من معاناته، هذا مجرد بند واحد، فما بالك ببقية الفوائد وللجميع. إن المشرق الجديد ضرورة استراتيجية ينبغي الوصول بها إلى غاياتها، خاصة أن غالبية الدول العربية باتت مجرد أحجار على رقعة شطرنج يحركها الصغار والكبار، على مقاسات مصالحهم، وتحولت المصالح العربية إلى ركام؛ نتيجة لعبة القبائل الدامية بين العرب وعلى أرضهم، بحيث صارت إسرائيل أمهر اللاعبين وأكثرهم نفوذا، إن أخطر ما يهدد أمة ما هو غياب الأمل، ولعل الشام الجديد يشكل بصيص أمل، يزيح جانبا من ظلمة التطورات بالشرق الأوسط التي تحكم قبضة الغرباء على قرارها وثرواتها!.
نقلا عن صحيفة “الأهرام”