
الخروج من الظل: من هو خليفة “داعش”؟
في نهاية أكتوبر 2019 عَيّن تنظيم “داعش” “أبي إبراهيم الهاشمي القرشي” زعيمًا له ليخلف “أبو بكر البغدادي” وذلك بعد مقتل الأخير في عملية عسكرية أمريكية في محافظة إدلب شمال غربي سوريا. وقد ظلت حالة من الغموض تحيط بالأول في محاولة لحمايته من أي هجوم أو استهداف. غير أن مؤخرًا ظهرت وثائق استخباراتية نشرها مركز مكافحة الإرهاب الدولي في الأكاديمية العسكرية الأمريكية “ويست بوينت”، تحمل معلومات عن”القرشي”، وتحتوي تلك الوثائق على ملخصات لاستجوابه من قبل القوات الأمريكية بعد ضبطه في الموصل عام 2008. ومن ثَمّ تسعى هذه المقالة إلى استعراض تلك المعلومات ومحاولة تقديم قراءه لها.
(صورة البطاقة الشخصية لقائد تنظيم “داعش”)
معلومات هو ية خليفة “داعش”
أشارت الوثائق الاستخباراتية سالفة الذكر التي تحمل اسم “تقارير الاستجواب التكتيكية”Tactical Interrogation Reports (تُعد تلك الوثائق جزءًا من الملف الورقي الذي يخص كل محتجز تم ضبطه واستجوابه من قبل الجيش الأمريكي أثناء العمليات العسكرية، وذلك بهدف توثيق المعلومات التي يتم الحصول عليها أثناء الاستجواب) إلى جُملة من المعلومات المتعقلة ” بالقرشي”.
هو “أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى”، من مواليد أكتوبر عام 1976، وُلد في قرية “المحلبية” التي تقع في منطقة “تلغفر” في العراق. تزوج من سيدة تدعى “إسراء عبد الرحمن” وأنجب ولد واحد. وقد خدم كجندي في الجيش العراقي في الفترة من 2001 إلى 2002. وفي يناير 2007 حصل على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة الموصل، وعمل بعد ذلك كأمام لمسجد الفرقان في الموصل.
انضم “القرشي” لتنظيم “دولة العراق الإسلامية” التابع لتنظيم “القاعدة” في عام 2007، وشهد عام 2007 تقدمًا سريعًا له داخل التنظيم؛ حيث بدأ في تدريس الشريعة لأعضاء التنظيم في مارس. ثم في يوليو عَيّن قائدًا شرعيًا عامًا للتنظيم في مدينة الموصل. وبحلول أكتوبر أصبح نائبًا لزعيم المدينة. وفي نوفمبر عاد قائدًا شرعيًا عامًا للمدينة ذاتها. وبحلول عام 2008 تم القبض عليه من قبل قوات الجيش الأمريكي.
وقد شارك ” القرشي” في عدد كبير من ممارسات وأنشطة التنظيم؛ حيث توسط في النزاعات مع الجماعات المسلحة الأخرى، وعمل على تعيين القضاة داخل التنظيم، وأشرف على النشرات الإعلامية الصادرة عن التنظيم، كذلك تولى إصدار أحكام قانونية ملزمة فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية في عدد من القضايا.
وقد لفتت الوثائق إلى دوافع انضمامه إلى تنظيم “دولة العراق الإسلامية” التي تبدو غير منطقية حيث ادعى في محاضر استجوابه انه انضم إلى التنظيم من أجل منع المقاتلين من مهاجمة الأبرياء، لا للحصول على المال، وتأتى عدم منطقية طرحه في ضوء ما افادت به تقارير عديدة حول مشاركته في مذابح ضد الأقلية الدينية الأيزيدية شمال غربي العراق.
كذلك جاء في تقارير استجوابه انه لم يبايع تنظيم “دولة العراق الإسلامية” لأنه كان صوفيًا. ويبدو أن هذا الادعاء غير منطقي هو الآخر لأنه تدرج بسرعة داخل صفوف التنظيم هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، نجد أن تنظيم “داعش” والتنظيمات التي سبقت تبلوره قد وصفت الصوفين بالزنادقة ونفذت أعمال عنف ضدهم. ولكن إن كان هذا الادعاء صحيحًا، فمعنى ذلك أنه جاء من خلفية مناقضة لمعتقدات التنظيم. ومن ثم فهو إما اخفى ذلك عن التنظيم أو تخلى عن تلك المعتقدات قبل الانضمام له.
وخلال جلسات الاستجواب تخلى “القرشي” عن العشرات من زملائه حيث ذكر أسماء 68 عضوًا من رفاقه، بالإضافة إلى أوصافهم، والمهام الموكلة إليهم، ومناصبهم داخل التنظيم. وقد شمل هؤلاء عناصر مسؤولين عن الأقسام العسكرية والإدارية والإعلامية والشرعية والأمنية
دلالات أساسية
في ضوء ما تقدم من معطيات، هناك جُملة من الدلالات التي يمكن إجمالها على النحو التالي:
أولًا: تُشكل تلك المعلومات عدسة مُهمة يمكن من خلالها فهم شخصية “القرشي” حيث تعطي مزيدًا من التبصر في تاريخ قائد تنظيم “داعش”. وعلى الرغم من قيمة تلك المعلومات، إلا أن هناك فجوات كبرى في سيرته الذاتية التي يغيب عنها الكثير من المعلومات. ومن ثم في حال توفر المزيد من المعلومات والتفاصيل والوثائق عنه يمكن أن يؤدي ذلك إلى فهم أكثر عمقًا لتطور دوره داخل التنظيم، وأسلوب قيادته، واستراتيجيات عمله.
ثانيًا: ذكرت الوثائق أن “القرشي” ادعى أنه “عربي” الأصل. في حين أن محل مولده كان في قرية “المحلبية” التي تقع في منطقة “تلغفر” في العراق، وتُعد تلك المنطقة هي موطن لسكان متنوعين عرقيًا من العرب والتركمان، غير أنها ذات أغلبية تركمانية. ما يُشير إلى تصاعد احتمالية كونه “تركماني ” الأصل. ومن ثم يستمر الغموض حول حقيقية عرقه ذلك المعطى الذي يمثل عنصرًا حاسمًا في شرعيته، لأن المناصب القيادية داخل تنظيم “داعش” تقتصر على العرب.
ثالثًا: زعمت بعض التقارير على وجود علاقة بين “البغدادي” و”القرشي”، حيث أشارت تلك التقارير إلى أن الاثنان التقيا في معسكر “بوكا”. وهنا تجدر الإشارة إلى معطيين يدحضا ذلك الزعم؛ أولهما أن الفترة التي قضاها “البغدادي” في معسكر “بوكا” بدأت في فبراير 2004، وتم الإفراج عنه بعد 10 أشهر من الحجز وذلك طبقًا لتصريحات البنتاغون في عام 2019. ثانيهما عدم احتواء الوثائق الحالية عن إي إشارة من قريب أو بعيد عن احتجاز سابق ” للقرشي” قبل عام 2008. الأمر الذي يُثير العديد من الشكوك حول فكرة وجود علاقة بين ” البغدادي” و “القرشي” نتيجة للاعتقال المشترك في معسكر بوكا عام 2004.
رابعًا: يُعد التقدم السريع “للقرشي” داخل تنظيم “دولة العراق الإسلامية” أمرًا جديرًا بالتأمل، ويمكن تفسير ذلك في ضوء ثلاث محددات؛ يتعلق أولها بان خلفيته الدينية لعبت دورًا كبيرًا في تقدمه السريع. وينصرف ثانيها إلى احتمالية وجود علاقات قوية تجمعه مع شخصيات مؤثرة داخل التنظيم. وينصرف ثالثها إلى استهداف مجالس الصحوات وقوات الجيش الأمريكي عددًا كبيرًا من أعضاء تنظيم “دولة العراق الإسلامية” في ذلك الوقت، ما افسح المجال له لتقديم نفسه كبديل.
خامسًا: تُشير الوثائق إلى أن “القرشي ” أفصح عن أسماء 68 عضوًا من رفاقه، الأمر الذي يقدم تصور عن طبيعة شخصيته التي تتميز بالبرجماتية الشديدة واستعداده للتكيف مع الظروف المتغيرة حتى لو وصل الأمر إلى الوشاية برفاقه في التنظيم. وبالتالي فإذا توصل تنظيم “داعش” إلى أن زعيمه الحالي خان رفاقه فمن المحتمل أن يتم قتله. كذا من المحتمل أن يزعزع الثقة في قادة التنظيم، ويثير تساؤلات حول مصداقيه القيادات التي دعمت “القرشي”.
سادسًا: يُمثل نشر تلك الوثائق عبر مركز مكافحة الإرهاب الدولي، توظيفًا لمراكز الفكر كأداة للضغط على التنظيمات الإرهابية عبر نشر المعلومات والوثائق التي تُثير الكثير من الشكوك حول قيادات التنظيمات. مما يحيلنا إلى أهمية تفعيل استراتيجيات “القوة الذكية” التي تجمع بين القوة الصلبة والناعمة لمكافحة الظاهرة الإرهابية.
مجمل القول، على الرغم من غياب المعلومات المؤكدة عن أسباب الكشف عن تلك الوثائق في الوقت الراهن إلى أنها قد تحمل الكثير من المعطيات التي تساعد في وضوح جزئي عن شخص يكتنفه الكثير من الغموض وعدم اليقين. كذا على الرغم من صعوبة الجزم بتداعيات الكشف عن تلك الوثائق سواء على صعيد نشاط التنظيم أو على صعيد مكافحته، إلا أنها تعد بذرة استراتيجية يمكن البناء عليها حال توافر المزيد من المعلومات.
يمكن قراءة وتحميل النصوص الكاملة لوثائق الاستجواب الثلاث من خلال:



باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع