
د. جهاد عامر تكتب: حلول جذرية.. لا مسكنات
على مدى عقود طويلة كانت أزمة مصر الحقيقية أنها تواجه أى مشكلات تظهر بالمسكنات وليس بالحلول الجذرية التي تضمن انتهاء المشكلة وعدم ظهورها مرة أخرى، ربما لأن استخدام المسكنات في حل المشاكل الجماهيرية له بعض المميزات بالنسبة للحكومات، فهو حل غير مكلف ولا يحتاج إلى إمكانيات كبيرة مقارنة بالحلول الجذرية، كما أنه لن يواجه أى مقاومة من المنتفعين من استمرار المشكلة، ولا من بعض قطاعات الرأي العام التي تخشى من تحمل أى اعباء يتطلبها الحل الجذري للمشكلات المختلفة، وبذلك تضمن الحكومات المختلفة استقرار الأوضاع وانتهاء فترات توليها المسئولية بأمان وسلام.
ولكن الحقيقة أن اللجوء للمسكنات على مدى عقود طويلة أدى إلى تفاقم الأوضاع وتعقد المشكلات وانهيار كثير من الخدمات الجماهيرية، ليدفع الشعب وحده في النهاية الثمن أضعافا مضاعفة، ونكتشف أن الاستقرار الوهمي الذي خلقه العلاج بالمسكنات يخفى في طياته بركانا من الأزمات والقنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في وجوه الجميع بشكل مفاجئ، وقد تصل بنا إلى حد الانهيار الكامل لكل مرافق الدولة لا قدر الله.
لذلك كان منهج الرئيس عبد الفتاح السيسى في التعامل مع كل التحديات واضحا منذ اللحظة الأولى، وهو اللجوء إلى الحلول الجذرية لكل المشكلات بعد دراسة علمية مستفيضة، والبعد تماما عن سياسة العلاج بالمسكنات التي أورثتنا كوارث عديدة في مختلف المجالات، حتى لو أدى هذا إلى عدم تفهم بعض قطاعات الرأي العام لأهمية الحلول الجذرية أو إدمان البعض لسياسة المسكنات التي تعودنا عليها لعقود طويلة، وكان الرئيس السيسي واضحا وصريحا عندما قال: لن أبيع الوهم للناس تحت اعتبارات السياسة والحفاظ على الشعبية .. وعملنا كده في الاقتصاد وهو ده الرصيد اللي عدينا بيه .. أى عمل صالح حتى لو الناس مش راضيه عنه انا هعمله .. احنا قدامنا تحدى وطلعت قدامكم وقلت لكم التحدي ده خطير علينا والاستمرار عليه يدمر الدولة المصرية.
وقد اثبتت الايام صحة هذا النهج وأهميته في عبور كثير من الكوارث والأزمات، فعمليات الإصلاح المالى والاقتصادي بشكل جذري واجهت مقاومة من البعض خاصة مع تحرير سعر الصرف، لكن بمرور الوقت اكتشف الجميع أن هذا الإصلاح هو الذى مكن مصر من عبور أزمة فيروس كورونا بعد أن ساهمت نتائج عمليات الإصلاح فى تعزيز قدرات الدولة على امتصاص الآثار الكارثية للفيروس، والاستمرار فى عمليات البناء والتنمية مع إشادات دولية متعددة من المنظمات المتخصصة، وهو ما أوضحه
التقرير الذي أصدرته وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية حول رؤية المؤسسات الدولية لواقع الاقتصاد المصري، والذى أشار إلى تحقيق مصر معدلات نمو متقدمة على مستوى العالم، وهو ما انعكس على إشادات تلك المؤسسات الدولية بالاقتصاد المصري وتوقعات هذه المؤسسات بأن يستمر معدل النمو في مصر إيجابيًا رغم أزمة فيروس كورونا على خلاف كثير من الاسواق الناشئة التي ستشهد نموًا سلبيا بنهاية العام.
ولا ننسى ما حدث عندما طرح الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم مشروعه الطموح لتطوير منظومة التعليم كاملة بشكل جذري، بما يتماشى مع ثورة التكنولوجيا والاتصالات التي حولت العالم إلى قرية صغيرة تتحكم فيها شبكة الانترنت والتطبيقات المختلفة التي تغطى كافة المجالات، فقد واجه مشروع التطوير مقاومة عنيفة ممن لهم منافع وعلى رأسهم مافيا الدروس الخصوصية، إلى جانب بعض اولياء الأمور الذين اعتادوا على النظم التقليدية القديمة ويخشون من أى جديد لم يألفوه من قبل، وانتشرت الشائعات وتعالت بعض الأصوات التي تشكك في جدية ومصداقية المنظومة الجديدة وإمكانية نجاحها، لكن هذه المنظومة هي التي اتضحت أهميتها عندما اضطرت الحكومة إلى إغلاق المدارس بسبب جائحة كورونا، واللجوء إلى التعليم عن بعد واستخدام التقنيات الإلكترونية الحديثة، وعندما اعلن السد وزير التربية والتعليم خطة التعليم للعام الدراسي الجديد والتي حررت التعليم المصري لأول مرة من ضغط الفرصة الواحدة ورهبة الثانوية العامة، بعد أن اصبحت الامتحانات الكترونية دون تدخل عامل بشرى، مع منح الطلاب في جميع المراحل منتج تعليمي عالي الجودة يتماشى مع المناهج العالمية وباستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية، واختفت تماما الأصوات التي كانت تشكك في قدرة منظومة التطوير الجديدة على النجاح.
وعندما أثار قانون التصالح في مخالفات المباني ضجة من المتضررين منه، تكشفت الحقائق عن الكوارث التي حاقت بمصر خلال العقود الماضية نتيجة التعامل بسياسة المسكنات مع هذه المشكلة، فقد أدى التغاضي عن المخالفات بالتزامن مع انتشار الفساد في أجهزة المحليات إلى فقدان مصر أكثر من 90 ألف فدان من أجود الأراضي الزراعية منذ عام 2011 حتى الآن و400 ألف فدان منذ الثمانينات، في الوقت الذى تنفق فيه الدولة مليارات الجنيهات على عمليات استصلاح الأراضي لزيادة الرقعة الزراعية لمواجهة الاستهلاك المتزايد من المواد الغذائية نتيجة الزيادة المستمرة في عدد السكان، إلى جانب الضغوط الكبيرة على المرافق العامة مثل المياه والصرف الصحى والكهرباء، وهنا كان لابد من وقفة للتعامل مع مخالفات المباني بشكل جدى وتقنين المباني المخالفة التي لا تشكل خطورة على السكان، واستعادة أراضي الدولة من مغتصبيها وانقاذ الأراضي الزراعية من عمليات التبوير.
وقد تدخلت الدولة لتخفيض قيمة المخالفات وتيسير إجراءات التصالح مراعاة لمصالح المواطنين وحفاظا على السلام الاجتماعي، وتشجيعا لهم على تقنين أوضاعهم، بعد أن فشلت محاولات أهل الشر في استغلال هذا القانون للوقيعة بين المواطنين والدولة، وتبين للجميع أن الحل الجذري لمخالفات المباني يحفظ حق المواطن والمجتمع.
إن المشروعات القومية العملاقة التي يشهدها كل شبر على أرض مصر الآن، يعنى اننا أمام حركة تنمية غير تقليدية وغير مسبوقة، وتشكل نقلة نوعية كبيرة للدولة المصرية بقيادة سياسةٍ حكيمة والتي ستمكن مصر من استعادة مكانتها المستحقة في العالم المتقدم، حاضرا ومستقبلا.
نقلا عن صحيفة “الأهرام”