شرق المتوسط

بلومبرج الأمريكية تسلط الضوء على مساعي تركيا لترسيخ تقسيم “قبرص” إلى دولتين

عرض-محمد هيكل

نشرت وكالة “بلومبرج” الأمريكية الخميس 17 سبتمبر، تقريرا سلطت من خلاله الضوء على المساعي التركية لترسيخ تقسيم قبرص لجزء “يوناني وجزء أخر تركي”، مستغلة تصاعد النزعة القومية في الجزء الشمالي من الجزيرة الواقع تحت سيطرتها منذ 1974، وتزامنا مع الانتخابات الرئاسية في الثلث الشمالي من البلاد والذي يتنافس فيها عدة مرشحين أبرزهم الرئيس الحالي “مصطفى أكينجي” الذي لا يروق لأنقرة، كما أن بينهما جولات من الشد والجذب وتبادل للاتهامات، وهو من حذر في فبراير الماضي من المحاولات التركية لضم الجزء الشمالي من البلاد الذي يرأسه، ورئيس الوزراء “إرسين تتر” زعيم المعارضة وقائد الحزب القومي المتحد ، الذي له عدة مواقف مؤيدة لتركيا، وهو من الوجوه المألوفة على شاشة هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية المعروفة باسم “TRT ”
تركيا طرحت الخميس مفهوم حل الدولتين لقبرص المقسمة وهو الاقتراح الذي من المؤكد أنه سيثير القلق للإدارة في جزيرة قبرص المعترف بها دولياً ويعرقل اقتراحا لاستئناف محادثات إعادة توحيد الجزيرة، قبل ذلك بيوم كان الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيرس” صرح أنه ينتظر عودة مفاوضات توحيد قبرص بعد انتخابات 11 أكتوبر الرئاسية المقبلة في الثلث الشمالي من جزيرة قبرص والتي يشكل القبارصة الأتراك الأغلبية فيها كما يستضيف هذا الجزء من الجزيرة عشرات الألاف من القوات التركية وفقاً لما ذكرته الوكالة.
المتحدث باسم الخارجية القبرصية “هامي أكسوي” صرح الثلاثاء 15 سبتمبر أن “تركيا ليس لديها أرضية مشتركة أو رؤية لحل في قبرص”
وأضاف أكسوي أن المفاوضات الخاصة بإعادة توحيد قبرص إذا لم تكون مبنية على مشاركة السلطة والمسؤولية بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين في مختلف المؤسسات والقطاعات الحكومية، إذاً ” فسيكون هناك حاجة ماسة لمفاوضات جديدة مبنية على المساواة في السيادة بين الطرفين” كما أشار المتحدث باسم الخارجية القبرصية إلى أن النهج التركي في التعامل مع المفاوضات أصبح مرفوضاً تماماً وهو ما أوضحته تصريحاته “لن تدخل تركيا في عملية مفاوضات جديدة تستند فيها إلى الأساليب التي ثبت أنها غير ناجحة في الماضي”.
تركيا كانت قد ألمحت لحل الدولتين في الماضي لكنها لم تفصح عنه بشكل صريح، كما لم يصدر رد فعل من نيقوسيا، لكن الرئيس القبرصي “نيكوس أناستاسياديس” قال يوم الأربعاء “نعتقد أن الحل الشامل وإعادة توحيد البلاد فقط هما اللذان سيكفلان السلام مرة واحدة مستدامة وإلى الأبد.”
كانت الحكومة القبرصية تمتلك كامل السيادة على أراضي الجزيرة حتى العام 1974 عندما تمكنت القوات التركية من احتلال الثلث الشمالي للبلاد في أعقاب محاولة انقلاب سعى فيها المجلس العسكري لأثينا لتوحيد قبرص واليونان وفقاً لبلومبرج، وهو ما استغلته تركيا لتتمكن من ثلث الأراضي القبرصية.
الأقلية التركية الموجودة في شمال قبرص استغلتها تركية لإعلان شمال قبرص دولة في العام 1983، هذه الدولة تعترف بها أنقرة فقط، كما أن النزاع يبن الطرفين ازدادت وتيرته بسبب التنافس على الثروات الطبيعية على شواطئ قبرص مؤخراً فيما بات يعرف بالنزاع على ثروات المتوسط.
وترى وكالة ” بلومبرج ” أن التحول الأخير في الموقف التركي جاء بعد فترة وجيزة من محاولة واشنطن لزعزعة موقف أنقرة من خلال تخفيف حظر السلاح لقبرص والإعلان عن خطط لبناء مركز تدريب عسكري على الجزيرة، وهو ما أستفز الجانب التركي . وزير الخارجية التركي “تشاويش أوغلو” من جانبه صرح لشبكة “سي إن إن” التركية مساء الأربعاء أن تركيا قد تزيد من وجودها العسكري في شمال جزيرة قبرص حسب احتياجها في شرق البحر المتوسط.”
الطرح التركي المتشدد بحسب “بلومبرج” يعكس النزعة القومية المتشددة لدى القبارصة الأتراك، فوفقاً لاستطلاع رأي أجارته شركة “جيزيك التركية” لاستطلاعات الرأي على 5000 ألاف شخص في شمال قبرص أوضح أن 81% منهم يؤيدون الطرح التركي الخاص بإنشاء دولتين متساويتين بينما يدعم البقية 9% البقاء في دولة موحدة مع الجانب القبرصي اليوناني.
الانتخابات المنتظرة بالجانب التركي من الجزيرة الشهر القادم ستشهد منافسة بين عدة مرشحين أبرزهم الرئيس الحالي مصطفى أكينجي ورئيس الوزراء إرسين تتر الذي تركز حملته على النزعة القومية لدى القبارصة الأتراك وتركز على دولة قبرصية تركية مستقلة بدلاً من نموذج تقاسم السلطة ، بلومبرج أشارت أنه إذا لم يحسم أحد المرشحين الانتخابات المقرر لها 10 أكتوبر المقبل سيتم إجراء جولة إعادة .
التصريحات الأخيرة للمرشح والمنافس القوي على رئاسة قبرص التركية إرسين تتر كانت بمثابة جرس إنذار لحكومة نيقوسيا، “تتر” أشار أنه ينتظر انتهاء الانتخابات لصالحه ليبدأ في خطته “لخطف” الثلث الشمالي لقبرص برعاية تركية وهو ما أكده الأسبوع الماضي خلال حملته الانتخابية بتصريحه يوم الأربعاء أنه “بعد الانتهاء من الانتخابات مباشرة، سأطرح حل بديل للمشكلة، غير الحل الفدرالي.” وأضاف “سيكون هناك عصر جديد حيث ستكون علاقاتنا أقوى مع تركيا “.

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى