
سرطان التعدي على الأراضي الزراعية يهدد الأمن القومي للدولة
حديث الرئيس السيسي خلال افتتاح عدد من المشروعات القومية بمحافظة الإسكندرية، عن كون التعدي على الأراضي الزراعية مساوٍ لخطورة سد النهضة -المشكلة التي أثارت الكثير من اللغط خلال السنوات الأخيرة، وبدأت تتعالى الأصوات بوسائل الإعلام المصرية والأجنبية عن مخاوف تضرر الأراضي الزراعية نتيجة نقص المياه، بل زعمت بعضها بدء الفلاحين ملاحظة نقص المياه، وتلف عدد من الأراضي الزراعية ونزوح عدد من الفلاحين من أماكن إقامتهم لهذا السبب- يجعلنا نطيل النظر إلى حجم مشكلة التعدي على الأراضي الزراعية ومدى خطورتها، وهل تمثل تهديدًا للأمن القومي المصري أم لا؟ خاصة في ظل انخفاض المساحة المزروعة بالجمهورية والتي أصبحت لا تتعدى 10.5 مليون فدان تقريبًا من إجمالي 238 مليون فدان (مساحة مصر الإجمالية) أي ما يمثل أقل من 4% من إجمالي المساحة تقريبًا.
حجم المشكلة
بلا شك سد النهضة يمثل تهديدًا للأمن القومي المائي، ويشكل خطرًا واضحًا على حق مصر في المياه. ونقض لكافة القوانين والاتفاقيات الدولية بشأن الانتفاع بالأنهار الدولية في الأغراض غير الملاحية، لكن التعدي على الأرض الزراعية قد يكون بنفس مستوى الخطورة أو أكثر فداحة.
فإذا كان نقص 5 مليار متر مكعب مياه يساوي تبوير مليون فدان، فنحن فعلنا ذلك وأكثر بأيدينا كمصريين من خلال التعدي على الأراضي الزراعية والبناء غير المخطط، الذي أصبح سرطانًا ينهش موارد الدولة وسيادتها ومستقبلها. وزادت حدة الظاهرة بعد يناير 2011، وحدوث فترة من الانفلات الأمني وتجنب الاحتكاك والصدام مع المواطنين، استغلها البعض في التعدي على ما يزيد عن 19 ألف فدان على مدار 18 شهرًا، بإجمالي حالات تعدي بلغت 459 ألفًا و595 حالة على مستوى الجمهورية. وقد وصل حجم التعديات منذ يناير 2011 حتى الآن إلى 90 ألف فدان.
وتنقسم المشكلة إلى محورين رئيسيين:
- التعديات على الأراضي الزراعية
وهو المحور الأخطر في ظل الأزمة، فوفقًا لبيانات صادرة من وزارة الزراعة عام 2019، فإن حالات التعدي على الأراضي الزراعية خلال الفترة من 25 يناير 2011 حتى يوليو 2018 بلغت مليون و900 ألف حالة، بمساحة تتخطى 66 ألف فدان. فيما بلغ إجمالي حالات التعدي على الأرض الزراعية في الفترة من 11/6/2018 حتى 1/7/2019 ” عدد 58179 حالة بمساحة حوالي 3036 فدانا.

ولفتت دراسة منشورة بكلية الزراعة، جامعة أسيوط، إلى أن حجم الأراضي الزراعيـة المـصرية المفقـودة خلال الفترة ١٩٨٣ـ٢٠٠٥ قد بلغت نحو ٦٩٧,٩٣ ألف فدان، منهـا حـوالي ٩٧٠,٤٦ ألف فدان (أي حوالي 1.5% من جملة الأراضي) تم البناء عليهـا، وحـوالي ٢,٣٨ ألف فدان أي حوالي ٨,٤٦ % من إجمالي المساحات المستقطعة تم استقطاع جزء منهـا وتركـه بدون زراعة لفترة زمنيه طويلة رغم توافر مقومات صلاحيتها للزراعة كمقدمة لتحويلها لأنشطة أخرى غير زراعية تدر عائدًا اقتصاديًا أكبر (التبوير)، فضلا عن نحو ٥٢,٨ ألـف فدان حوالي ١,١٠ %من إجمالي المساحات المستقطعة من الأرض الزراعيـة تـم اسـتعمالها فـي أغراض أخرى غير زراعية كصناعة الطوب.
- البناء غير المخطط:
أصدرت وزارة التنمية المحلية تقريرًا عام 2017، خاص بمحافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية ورد فيه أن عدد المباني المخالفة بلغ 257 ألف مخالفة مما يعنى تقليل مساحة الرقعة الزراعية المستخدمة للزراعة. وفقا لتقديرات لجنة الإسكان بمجلس النواب تنتشر العقارات والمناطق العشوائية في 226 مدينة تشكل القطر المصري، ووصلت نسبة العشوائية من المباني إلى 40% وذلك في محافظات الإسكندرية والشرقية والقاهرة والجيزة والقليوبية والتي تعد أكثر المحافظات في انتشار المباني العشوائية.
وتحاول أجهزة الدولة الآن تدارك الأمر وإحكام السيطرة مرة أخرى على ربوع الدولة قبل التحول إلى “دولة فاشلة” تفقد سيطرتها، وتفتقر إلى قوة إنفاذ القانون ببعض مناطق الدولة مما يهدد أمنها القومي عمومًا، من خلال إزالة التعديات على الأراضي الزراعية، وقد وصلت نسبة الإزالات إلى 49.5% في منتصف عام 2018.
بؤرة أمراض مجتمعية
عشوائية البناء غالبًا ما تكون مؤشرًا على عشوائية التفكير، والذي ينعكس بدوره على نمط حياة المواطن بالأماكن العشوائية، فقد أدت الزيادة السكانية المطردة وزيادة الطلب على المساكن مـن ناحيـة وعـدم وجـود أراضي فضاء صالحة للبناء عليها بعيدا عن الرقعة الزراعية وقريبة للعمران، على حد ما توصف به مناطق الظهير الصحراوي بأنها أماكن مهجورة تفتقر للخدمات والمواصلات أو ارتفاع تكلفتها حال وجودها من ناحية أخرى، هذا فضلا عن الموروث الثقافي والاجتماعي بضرورة وجود الأبناء بالقرب من آبائهم حتى بعد استقلالهم السكني والمعيشي، كذلك انحصار الكتلة السكنية وضيقها نظرا لعدم قدرة المواطنين علي التوسع الرأسي في منازلهم لضعف الإمكانيات لجؤوا إلي التوسع الأفقي في بناء مساكن لهم ولأبنائهم علي ربوع شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة دون وعي وتخطيط ودراسة لمستقبل حياتهم و حياة أبنائهم من بعدهم.
وهو ما يؤكده الشكل البياني السابق، والذي أوضح أن محافظة الغربية –المحافظة الوحيدة بدون ظهير صحراوي- هي المحافظة التي حظت على أكبر مساحة تعديات على الرقعة الزراعية بين محافظات الجمهورية، الأمر أدى إلى نشوء العديـد مـن البـؤر والمناطق العشوائية في العديد من محافظات الجمهورية.
فتكمن مشكلة التعدي على الأراضي الزراعية والبناء العشوائي غير المخطط أو حتى بناء أدوار مخالفة للارتفاع المخطط في أن زيادة المنطقة السكنية عن عدد الوحدات السكنية والسكان المقدر لها يتطلب بالضرورة تعديل تصميم شبكات المرافق المتناسبة مع العدد المقدر مسبقًا للمنطقة. وذلك نظرًا لعدم كفاية المياه التي تضخ بالمنطقة، كذلك عدم قدرة مواسير الصرف الصحي على تلقى تلك الكميات التي تضخ فيها من جميع الوحدات السكنية بالمنطقة.
كما تتسبب المخالفات في زيادة استخدام التيار الكهربائي وزيادة الطلب على خطوط التليفون وسائر الخدمات المرفقية، وزيادة صيانة الطرق ونقص الخدمات العامة. فالبنية التحتية للطرق والمياه والكهرباء لا تتناسب مع النمو الكبير الذي يحدث بشكل مخالف ما ينتج عنه انقطاع الكهرباء والمياه بشكل متواصل، فعند إنشاء محطة تحلية مياه أو كهرباء يتم وضع طاقة استيعابية لها.
ويتطلب تصحيح الوضع القائم إعادة تقييم للمرافق المخططة وتعديلها بما يتناسب مع الزيادة المطردة والعشوائية، هذا فضلا عن أن تصحيح الوضع بإدخال مرافق إلى أماكن غير مخططة كأراضٍ صالحة للبناء قد يؤدي إلى الجور على أراضٍ أخرى لإنشاء محطات كهرباء، ومياه وغاز لتغذية بؤرة عشوائية.
فعشوائية البناء حولت هذه المناطق إلى مناطق تفتقر إلى الخدمات والمرافق الأساسية اللازمة لمعيشة كريمة ولائقة لقاطنيها، مما ترتب علـي وجودهـا العديد من المشاكل والأمراض الاجتماعية في المجتمع (كالإرهـاب، والاغتـصاب والإدمـان والجرائم غير المنظمة). هذا فضلا عن الأثر السلبي لهذه المناطق العشوائية في زيـادة معـدلات النمو السكاني في المجتمع، حيث تتسم هذه المناطق بارتفاع معدلات المواليد بهـا.
شبكة من الآثار الاقتصادية
الزيادة السكانية المطردة وزيادة الطلب على الموارد الاقتصادية، وضعتنا أمام حاجة ملحة للحفاظ على الموارد المتاحة وتنميتها واستغلالها الاستغلال الأمثل. ومن بين هذه الموارد التي تحتاج إلى تنمية بالتزامن مع التزايد السكاني، توفير أراضي ومساكن بديلة في مناطق جديدة مع توفير البنية التحتية الأساسية، لسد الطلب على المساكن. بالاعتماد على الظهير الصحراوي لكل محافظة، للحد من الجور على الأراضي الزراعية.
فزيادة معدلات الزحف العمراني على الأراضي الزراعية يترتب عليه ارتفاع أسعار المنتجات والمحاصيل الزراعية وتدبير العملات الأجنبية لاستيراد وتوفير الغذاء للشعب المصري، ففي لقاء سابق أكد العالم المصري الدكتور فاروق الباز أن التعدي على الأراضي الزراعية خطر يهدد الأجيال القادمة لأنه سيقضي على الأرض الزراعية خلال 150 سنة، وإن الرغيف سيباع بالدولار لأن كل مكوناته سنشتريها من الخارج وأن الجنيه المصري سوف يكون بقيمة التراب لعدم وجود محاصيل زراعية لا للتصدير ولا حتى لإطعام المصريين إذا استمر التعدي بنفس المعدل. مطالبًا بحماية أراضي الوادي والدلتا من التعديات، مؤكدًا أنه من الصعب تعويض خصوبتها التي تكونت منذ 20 مليون سنة.

وسبب جوهري آخر للحفاظ على الرقعة الزراعية، هو أن قلة المساحات المنزرعة تؤدي إلى قلة المحاصيل الزراعية، وبالتالي عدم القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من عدد من المنتجات الغذائية، هذا فضلا عن تأثر بعض الصناعات الغذائية نتيجة انخفاض الموارد الزراعية اللازمة لإتمام الصناعة، كصناعات السكر واللحوم والتي تتأثر بشكل مباشر بحجم الثروة الحيوانية المعتمدة في الأساس على الأعلاف الزراعية بشكل أساسي.
تفاقم أزمة الخبز خاصة مع انخفاض حجم الاكتفاء الذاتي من القمح ووصوله إلى 35.5% خلال عام 2018. الأمر الذي ينعكس بشكل قومي على زيادة عجز موازنة الدولة نتيجة ازدياد الاستيراد لسد العجز الغذائي، وبالتالي انهيار معدل النمو الاقتصادي. كما أن انخفاض المساحة المنزرعة ونصيب الفرد من الأرض الزراعية يؤدي إلى قلة العائد المادي للفلاح، مما يدفعهم إلى التخلي عن مهنة الزراعة (والتي يعمل بها حوالي 22% من إجمالي العاملين بكافة القطاعات المختلطة) أو تسريح عدد من الفلاحين المساعدين، مما يؤدي لتزايد معدلات البطالة نتيجة لعدم توافر مجالات العمل أمام المزارعين العاملين بتلك الأراضي.
الأبواب الخلفية للتعدي على الأراضي الزراعية
إلى جانب التعدي على الأراضي الزراعية هناك عوامل أخرى أثرت على حجم الرقعة الزراعية سواء بشكل متعمد أو نتيجة لسوء الأساليب الزراعية المستخدمة. فقد أدت حُمى البناء على الأراضي الزراعية نتيجة عدم فاعلية القوانين والتشريعات التي تجرم البناء على الأراضي الزراعية، وضعف تنفيذها ببعض الفترات، وحركة البيع الناتجة عن ذلك، وذلك لارتفاع أسعار الأراضي الخاصة بالبناء مقارنة بأسعار الأراضي الزراعية. كلها عوامل أسفرت عن تفتيت الرقعة الزراعية مما أدى إلى هدر المزيد من المياه الناتج عن استخدام وسائل ري وزراعة تقليدية نتيجة كثرة الحدود والفواصل والمصارف والمشايات، وذلك لانخفاض نصيب الفرد من الأراضي الزراعية.
وأدى الإسراف في استخدام مياه الري من ناحية وعدم الاهتمام بالصرف الزراعي من ناحية أخرى إلى نشوء مشكلة “تملح الأرض” والتي أثرت على خصوبة وجودة حوالي 3 مليون فدان. هذا فضلا عن أثره في إنتاجية الأراضي الزراعية، وأثره على المساهمة في الناتج القومي الإجمالي. فغالبًا ما يتم زراعة المساحات الصغيرة للأراضي الزراعية بمحاصيل استهلاكية وليس (استراتيجية أو نقدية) لتحقيق الاكتفاء الذاتي للمزارع وليس للدولة، وهو ما يزيد الفجوة بين المطلوب والمنتج من بعض السلع الاستراتيجية والقومية كالقمح وقصب السكر.
فقد استغل بعض الانتهازيين الثغرات بقانون 53 لسنة 1966 وتعديله (قانون 116 لسنة 1983) باستثناء حظر البناء على الأراضي الزراعية في حالة: (الأراضي البور. غير القابلة للزراعة ومشروعات النفع العام والمشروعات التي تخدم الإنتاج الزراعي والحيواني)، بأن يتقدموا للجهات الحكومية للتبرع بأراضٍ زراعية بدعوى إقامة مشاريع نفع عام بغية توصيل المرافق من مياه وكهرباء وطرق لأرضٍ زراعية لتحويلها فيما بعد لمجمعات سكانية. والبعض الآخر يتقدمون بطلبات للبناء على الأراضي الزراعية بدعوى إقامة مشاريع تخدم الإنتاج الزراعي والحيواني. مما أدى لفقد نحو 2901 فدان في عام فقط تحت ذريعة النفع العام وخدمة الإنتاج الزراعي.
فخلال الفترة من 11/6/2018 حتى 1/7/2019، أوضح تقرير لحماية الأراضي أنه تمت الموافقة على إقامة عدد 612 مشروعًا من المشروعات ذات النفع العام التي تقيمها الحكومة بمساحة حوالي 2607 فدانًا والتي وردت من الوزراء والمحافظين المختصين لوزير الزراعة. أما بالنسبة لمشروعات النفع الخاص التي تخدم الإنتاج الزراعي والحيواني، تمت الموافقة على إقامة عدد 2815 مبنى ومشروعًا بمساحة حوالي 294 فدانًا منها 1096 مبنى بمساحة 98 فدانًا عبارة عن إحلال وتجديد لمبانٍ قديمة وتقنين أوضاع لمبانٍ مقامة طبقًا للقوانين والقرارات المنفذة لها في هذا الشأن.
ولجأ البعض الآخر إلى تبوير الأرض وعدم زراعتها بدعوى ارتفاع أسعار الأسمدة والبذور، كذلك ارتفاع أسعار المواد البترولية والكهرباء اللازمة لتشغيل الماكينات الزراعية، مما خفض من ربحية الإنتاج الزراعي، أو عدم تغطية الأرباح لمصاريف الزراعة. على الرغم من أن إنتاجية الفدان الواحد من الأراضي الطينية القديمة تعادل تقريبا إنتاجية 10 أفدنة من الأراضي الصحراوية المستصلحة حديثًا، وبالتالي فإن التعديات على الأرض الزراعية تفقد الدولة أراضٍ لا يمكن تعويضها بأي حال من الأحوال، فضلًا عن أنها تخالف مخالفة صريحة لنصوص الدستور التي ألزمت الدولة بحماية الرقعة الزراعية.
القوانين الحاكمة للتعدي على الأراضي الزراعية
ثغرات قانون 53 لسنة 1966 وتعديلاته التي تم ذكرها تجعلنا نلقى الضوء على أبرز القوانين ذات التأثير على الحفاظ على الرقعة الزراعية، بداية نص الدستور المصري في مادته (29)، أن “الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني”؛ فالقطاع الزراعي يمثل 11.66% من أجمالي الناتج القومي الإجمالي.
وقد نصت المادة أيضًا، على التزام الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتجريم الاعتداء عليها، كما تلتزم الدولة بتنمية الريف ورفع مستوى معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية. كذلك العمل على تنمية الإنتاج الزراعي والحيواني، وتشجيع الصناعات التي تقوم عليهما.
وبخلاف الدستور صدرت عدة قوانين بشأن إدارة الرقعة الزراعية، وأبرزها:
- قانون رقم 53 لسنة 1966: والصادر في 8 سبتمبر 1966، ويعتبر حجر الأساس لقوانين الزراعة بمصر، وتكون من كتابين: الأول يختص بالثروة الزراعية، ومكون من 8 أبواب تهتم بتنظيم الإنتاج الزراعي، وتسجيل أصناف الحاصلات الزراعية ومساحات الزراعة، وتقنين استخدام المخصبات الزراعية ووقاية المزروعات، والعقوبات المقررة حال مخالفة أي من هذه المواد.
فيما اختص الكتاب الثاني من القانون بالثروة الزراعية، واشتمل على 4 أبواب تختص بتنمية الثروة الحيوانية وحمايتها وإجراءات ذبح الحيوانات وسلخ وحفظ الجلود، والعقوبات المقررة حال مخالفة أحد مواد القانون.
- قانون 116 لسنة 1983: وهو يعد تعديلًا على قانون رقم 53 لسنة 1966 بإضافة كتاب ثالث عنوانه (عدم المساس بالرقعة الزراعية والحفاظ على خصوبتها)، وحظر القانون في مادته (150) تجريف الأرض الزراعية أو نقل الأتربة لاستعمالها في غير أغراض الزراعة. وفي هذه الحالة تضبط كافة الأدوات المستخدمة في نقل الأتربة، على أن يجوز تجريف الأرض الزراعية ونقل الأتربة منها لأغراض تحسينها زراعيًا أو المحافظة على خصوبتها.
ووفقًا للمادة (154) يعاقب على مخالفة المادة (150) من هذا القانون بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة.
كما حظرت المادة (153) إقامة مصانع أو قمائن الطوب في الأراضي الزراعية، ويمتنع على أصحاب ومستغلي القمائن الاستمرار في تشغيلها بالمخالفة لمادة 150، ويعاقب المخالف لأحكام هذه المادة بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه، مع الحكم بإزالة المصنع أو القمينة على نفقة المخالف.
كما حظرت المادة (152) من القانون إقامة أية مبان أو منشآت في الأرض الزراعية أو اتخاذ أية إجراءات من شأنها تقسيم هذه الأراضي لإقامة مبان عليها. واعتبرت المادة في حكم الأراضي الزراعية، الأرض البور القابلة للزراعة داخل الرقعة الزراعية ويستثنى من هذا الحظر:
- الأراضي الداخلة في نطاق الحيز العمراني للقرى، والذي يصدر بتحديده قرار من وزير الزراعة بالاتفاق مع وزير التعمير.
- الأراضي التي تقيم عليها الحكومة مشروعات ذات نفع عام بشرط موافقة وزير الزراعة.
- الأراضي التي تقام عليها مشروعات تخدم الإنتاج الزراعي أو الحيواني والتي يصدر بتحديدها قرار من وزير الزراعة.
- الأراضي الواقعة بزمام القرى التي يقيم عليها المالك سكنًا خاصًا به أو مبنى يخدم أرضه، وذلك في الحدود التي يصدر بها قرار من وزير الزراعة.
ويعاقب على مخالفة أي من أحكام هذه المادة بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه. وتتعدد العقوبة بتعدد المخالفات، وفقًا للمادة (156).
- قانون رقم 2 لسنة 1985: ويختص بالمواد المنظمة لعملية تبوير الأرض الزراعية، إذ استبدل بنص المادتين 151، 155 من قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم 53 لسنة 1966 معدلا بالقانون رقم 116 لسنة 1983 النصان الآتيان:
“مادة 151 – يحظر على المالك أو نائبه أو المستأجر أو الحائز للأرض الزراعية بأية صفة ترك الأرض غير منزرعة لمدة سنة من تاريخ آخر زراعة رغم توافر مقومات صلاحيتها للزراعة ومستلزمات إنتاجها التي تحدد بقرار من وزير الزراعة. كما يحظر عليهم ارتكاب أي فعل أو الامتناع عن أي عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها”.
“مادة 155 – يعاقب على مخالفة حكم المادة 151 من هذا القانون بالحبس وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه عن كل فدان أو جزء منه من الأرض موضوع المخالفة.
وإذا كان المخالف هو المالك أو نائبه، وجب أن يتضمن الحكم الصادر بالإدانة تكليف الإدارة الزراعية المختصة بتأجير الأرض المتروكة لمن يتولى زراعتها عن طريق المزارعة لحساب المالك لمدة سنتين، تعود بعدها الأرض لمالكها أو نائبه، وذلك وفقا للقواعد التي يصدر بها قرار من وزير الزراعة.
وإذا كان المخالف هو المستأجر او الحائز دون المالك وجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة إنهاء عقد الإيجار فيما يتعلق بالأرض المتروكة وردها للمالك لزراعتها. وفى جميع الأحوال لا يجوز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة. ولوزير الزراعة قبل الحكم في الدعوى أن يأمر بوقف أسباب المخالفة وإزالتها بالطريق الإداري وعلى نفقة المخالف”.
تبعه قرار وزاري رقم 195 لسنة 1985، وينص على أنه على أصحاب ومستغلى مصانع وقمائن الطوب القائمة قبل العمل بأحكام القانون رقم 116 لسنة 1983 المشار إليه الراغبين في توفيق أوضاعهم باستخدام بدائل أخرى للطوب المصنع من أتربة التجريف الحصول على الترخيص اللازم من وزارة الزراعة (الهيئة العامة للجهاز التنفيذي لمشروعات تحسين الأراضي). على أن تتولى الهيئة فحص ما يقدم إليها من طلبات، ولها في سبيل ذلك تشكيل اللجان اللازمة للانتقال والمعاينة على الطبيعة. ويراعى ألا تزيد المساحة المرخص بها على ستة آلاف متر مربع للمصنع أو القمينة الواحدة القائمة. كما تتولى الهيئة اتخاذ الإجراءات اللازمة لزراعة المساحة الزائدة عن المساحة المرخص بها على نفقة طالب الترخيص.
- أمر رئيس مجلس الوزراء ونائب الحاكم العسكري رقم 1 لسنة 1996: ويحظر على مالك الأرض الزراعية أو حائزها أيا كانت صفته ما يلي:
- ارتكاب أي فعل، أو الامتناع عن أي عمل من شأنه تبوير الأرض الزراعية أو المساس بخصوبتها.
- تجريف الأرض الزراعية، أو نقل الأتربة منها لغير أغراض تحسينها زراعيا أو المحافظة على خصوبتها.
- إقامة أية مبانٍ أو منشآت على الأرض الزراعية، أو اتخاذ أي إجراءات بشأن تقسيمها لهذه الأغراض.
وتضبط جميع وسائل النقل والآلات والمعدات المستخدمة في ارتكاب الجريمة والمواد المتحصلة منها بالطريق الإداري، وتودع المضبوطات في المكان الذي تحدده الجهة الإدارية المختصة.
مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات كل من يخالف أي حكم من أحكام المادة السابقة.
ويحكم فضلا عن العقوبة بمصادرة جميع وسائل النقل والآلات والمعدات المستخدمة في ارتكاب الجريمة والمواد المتحصلة منها. وفى جميع الأحوال لوزير الزراعة أن يأمر بوقف الأعمال المخالفة وبإعادة الحال إلى ما كان عليه بالطريق الإداري على نفقة المخالف لحين صدور الحكم في الدعوى. لكن تم إلغاء القرار بعد أقل من عِقد.
- قانون الزراعة 2018: وفيه تم تغليظ العقوبة الخاصة بإقامة مبان على أرض زراعية، بأن يعاقب على مخالفة أي حكم من أحكام المادة 152 من قانون رقم 53 لسنة 1966 أو الشروع فيها بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسة ملايين جنيه وتتعدد العقوبات بتعدد المخالفات.
ويجب أن يتضمن الحكم الصادر بالعقوبة الأمر بإزالة أسباب المخالفة على نفقة المخالف. ولوزير الزراعة قبل الحكم في الدعوى أن يأمر بوقف أسباب المخالفة بالطريق الإداري.
مشاكل تحتاج إلى حل
من استعراض الموقف الراهن، اتضح عدد من المشاكل التي تستوجب تحرك الأجهزة المعنية لتوفير بدائل لها، ومنها:
- توفير حصة مدعمة من المواد البترولية للفلاحين، على غرار الأسمدة المدعمة، لدعم صغار المزارعين في الحفاظ على استمرارية زراعة أراضيهم.
- توفير حصة من شقق مشروعات الإسكان أو أراضٍ بديلة صالحة للبناء بقروض ميسرة لصغار المزارعين، للقضاء على ذريعة “الحاجة للسكن”.
- عمل حملات إعلامية وتثقيفية، للقضاء على بعض الموروثات الثقافية والاجتماعية، بضرورة النمو العنقودي للأسرة داخل نفس المنطقة السكنية وتوسيع ثقافة التأجير بالمناطق الريفية.
- تبني الدولة مشروعًا لتجميع الحصص الزراعية الصغيرة، والتي غالبًا ما يلجأ المزارع إلى تبويرها أو البناء عليها لأن تكاليف زراعتها أعلى من عوائدها، من خلال إتاحة شرائها من قبل وزارة الزراعة بأسعار عادلة (قيمة وسطية بين سعري أراضي البناء والأراضي الزراعية) لتجميع أكبر قدر ممكن من الأراضي الممكن فقدها، ووضعها تحت رعاية الدولة وزراعتها بمحاصيل تتماشى مع السياسة الزراعية للدولة.
- ضرورة وضع قاعدة بيانات واضحة ومحددة مرفق بها صور فضائية للحيازات الزراعية ويتم مراجعتها بشكل دوري لمراقبة وكشف أي حالات تعدٍ على الأراضي الزراعية كذلك كشف أي حالة تقصير رقابي بأي منطقة.
خلاصة القول، إن سد النهضة قد يكون تهديدًا خارجيًا للأمن القومي المائي لمصر، لكن الحقيقة التي أصبحت واضحة للعيان الآن أن التعدي على الأرض الزراعية هو تهديد داخلي للأمن القومي المائي والغذائي والاقتصادي المصري، هذا فضلا عن تهديد الأمن والاستقرار الداخلي.
باحث أول بالمرصد المصري