
الـ”مونيتور”: محاولات غير مسبوقة من الناتو لفض النزاع بين عضوي الحلف ” اليونان-تركيا”
عرض – نرمين سعيد
في مساع غير مسبوقة تدخل حلف شمال الأطلسي “ناتو” لتخفيف حدة النزاع بين البلدين العضوين فيه ” اليونان وتركيا”، وتعد هذه سابقة في عرف الحلف الأطلسي حيث لم يسبق أن اختلفت دولتان فيه إلى حد الإنذار بالتصعيد العسكري.
و حسب موقع Al-Monitor فقد تصاعدت الخلافات بين أثينا وأنقرة منذ منتصف يونيو الماضي على خلفية إصرار الأخيرة على التنقيب عن الثروات الطبيعية في مناطق لا تخضع لسيادتها مع الوضع بالاعتبار أن هذه الخلافات قد تصاعدت في الأسابيع الأخيرة.
وبتاريخ الثالث من سبتمبر الجاري قال أمين عام حلف الناتو ” ينس ستولتنبرغ” أن العاصمتين قد اتفقتا على الدخول في مفاوضات برعاية الحلف تضمن في النهاية توصلهم لآلية لفض النزاعات والتخفيض من التوترات المتصاعدة حول التنقيب عن الثروات الطبيعية في منطقة شرق المتوسط.
إلا أن الأمور لا تجري كما هو مأمول لها، ففي الثامن من سبتمبر الجاري تم تأجيل الاجتماع الذي كان مقررًا في بروكسل بين الوفدين العسكريين للبلدين في الوقت الذي كالت فيه أنقرة الاتهامات لأثينا مشيرة إلى أن تعنتها يعرقل الوصل إلى حل وخفض التصعيد.
الاجتماع الذي تم عقده في العاشر من هذا الشهر أسفر عن حدوث تبادل لوجهات النظر بين البلدين في إطار محادثات عامة عنوانها الرئيس ” منع أية تدخلات محتملة من قبل عناصر عسكرية”، ويعد هذا الاجتماع خطوة ضمن سلسلة اجتماعات أخرى تهدف على ما يبدو إلى ” كسر الجليد” وفتح سبل للحوار بين عضوي الناتو، ولكن على أية حال هل ينجح الأطلسي في جعل الأمور رهينة طاولة المفاوضات أم أن الأمور قد تخرج عن السيطرة؟
للإجابة على هذا السؤال، نجيب على جهود الوساطة.. حيث تعد برلين أولى العواصم الأوروبية التي سعت إلى خفض التصعيد بين اليونان وتركيا ولكنها لم تتوصل إلى أي نجاح يذكر حيث أن المفارقة في الأمر كانت ترحيب أنقرة بالوساطة الألمانية في الوقت الذي تحفظت فيه اليونان على تلك الوساطة رغم كون الدولتين عضوتين في النادي الأوروبي.
ربما لأن اليونان تجد أنها تتحدث من موقع قوة وأنها ليست في حاجة لأن تلهث خلف الوساطات بأنواعها كما أن أثينا تدرك أن برلين تمتلك علاقات قوية مع أنقرة، فملايين الأتراك يعيشون على الأراضي الألمانية ولذلك فإن المستشارة الألمانية حريصة على عدم الضغط على أنقرة.
إضافة إلى أن أثينا أصبحت تعي في الوقت الحالي أن أنقرة معزولة على الصعيد الدبلوماسي وأنه لم يعد لها رصيد كبير لدى الأوروبيين والدليل على ذلك أن الاتحاد الأوروبي الذي يجتمع في الخامس والعشرين من الشهر الجاري من المتوقع أن يخرج بقرارات تفرض عقوبات مشددة على أنقرة حيث يقود هذا التيار داخل النادي الأوروبي العاصمة الباريسية التي تتوتر علاقاتها بشدة مع أنقرة في الأسابيع الأخيرة. ومن ناحيتها ترى أنقرة أن أوروبا حادت عن الوساطة النزيهة.
أما على صعيد الوساطة الأمريكية، فصحيح أن واشنطن قد نجحت من قبل في عام 1996 في التهدئة بين اليونان وتركيا على خلفية التنازع حول مجموعة من الجزر في بحر إيجه ، وعدت وساطة الرئيس الأمريكي ” بيل كلينتون” ناجحة في ذلك الوقت حيث أبعد الدولتين عن حافة الوصول إلى نزاع عسكري إلا أن واشنطن اليوم لا تمتلك نفس النفوذ الدبلوماسي الذي يؤهلها لحل خلاف بين جدران الناتو.
وحسب مراقبين فإن نجاح الوساطة يتطلب تعاونًا على مستوى أعلى بين الجانبين كما يتطلب لهجة قسرية من حلف الناتو تتضمن فرض عقوبات على الطرف المتعنت على سبيل المثال، وذلك حتى لا يتم تفريغ المحادثات من مضامينها وتصبح مجرد حلقة متكررة من حلقات إضاعة الوقت وتفويت الفرص.
في سياق آخر، تعد حركة الطائرات بدون طيار لكل من أثينا وأنقرة من الأمور التي تزيد الأزمة تعقيدًا، ذلك أن كلتيهما لا تمتلكان أية خبرة في استخدام العمليات الاستطلاعية للطائرات بدون طيار في سبل تقويض النزاع، وحول ذلك صرح مسؤول عسكري تركي رفيع المستوى بأنه يأمل أن يكون لدى الناتو خارطة طريق بخصوص هذا الشأن.
بحيث تتوفر لدى الحلف الأطلسي صورة كاملة للدرونز المحلقة فوق بحر إيجة وشرق المتوسط مع الأخذ بالاعتبار أن الجهود التي ستبذل لدعم البلدين المتنازعين في هذا المجال سيعول عليها كثيرًا في التهدئة بشكل عام وستكون محددًا لنجاح جهود الناتو في احتواء الموقف من عدمه.
وفي مثار آخر للنزاع، يقول خبراء أن مسئوليات القيادة والتحكم وقواعد الاشتباك ربما تؤدي إلى مزيد من الأزمات بين العاصمتين وحسب تقارير إعلامية تركية فإنه في أواخر أغسطس الماضي اتخذت تركيا خطوة تصعيدية عندما فوضت سلطة الاشتباك لقواتها البحرية وطياريها مما يعني أن القوات البحرية والجوية يمكن أن تتخذ أي قرار بشأن الاشتباك في منطقة البحر المتوسط دون الرجوع لمقر الحكم في أنقرة. وعلى ما يبدو فإن القوات البحرية والجوية اليونانية قد تلقت أوامرًا مماثلة.
ولذلك يسعى الناتو بسلطاته العليا إلى وضع قواعد حاكمة لكل من أثينا وأنقرة فيما يتعلق بقواعد الاشتباك بحيث يكون هناك حد أدنى بخصوص تقرير مسافات معينة بين طائرات وسفن البلدين.
وبالفعل كادت أن تحدث مواجهة عسكرية بين الجانبين في الثاني عشر من أغسطس الماضي عندما اصطدمت مؤخرة فرقاطة يونانية بنظيرتها التركية التي كانت تجري مسحًا في المنطقة إلا أن الناتو استطاع تدارك الأمر. ومن ناحية أخرى فإنه يجب أن يكون هناك خطوط اتصال ساخنة بين الطرفين واتصالات ضمن المستويات العليا لضمان احتواء الأمور إذا ما ساءت.
عمومًا ، يقف الحلف العريق اليوم أمام معضلة حقيقية ، ذلك أن هندسة تصميمه لم يتم إيجادها بالأساس للتحكيم بين الدول الأعضاء، وما يهدئ قليلًا من روع أعضائه أن تركيا واليونان قد لا ترغبان في مواجهة عسكرية كما تحجمان على أن تكونا فتيل أزمة بين دول الأطلسي في سابقة نوعية ،ولكن على الجانب الآخر يرى مراقبون أن استمرار حركة الطائرات بدون طيار والاتجار بالبشر في محيط بحر إيجة يمكن أن يؤدي إلى نزاع مسلح وإن لم يكن وشيكًا.
حيث يعد العبور المستمر للمهاجرين غير الشرعيين من السواحل التركية باتجاه اليونان مصدرًا أكثر خطورة للتوترات والدليل هو المواجهة التي حدثت في أغسطس الماضي بين زورق تركي محمل بالمهاجرين الشرعيين في اتجاهه لليونان مما أسفر عن مقتل مواطنين سوريين على أيدي خفر السواحل اليونانيين والسيناريو البديل هو أن النيران اليونانية كان يمكن أن تسقط جنودًا من خفر السواحل التركي وفي هذه الحالة فإن المواجهة العسكرية بين الطرفين ستكون حتمية.
على أية حال يعد الخلاف اليوناني – التركي المعضلة الكبرى التي تواجه الحلف الأطلسي اليوم ولكنه ليس الخلاف الوحيد بين أعضائه، فتركيا أيضًا تثير الخلافات الاستراتيجية بين أعضاء الحلف فيما يتعلق بتدخلاتها في ليبيا.
باحث أول بالمرصد المصري