
“ما خفي كان أعظم”.. خبراء المركز المصري: قطر تستخدم حماس لتشويه وجود مصر العسكري في البحر الأحمر
يحاول الإعلام القطري بإلحاح شديد تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية، ويسخر كل إمكانياته الدعائية لمنع استعادة مصر لدورها التاريخي في مساندة الحقوق الفلسطينية، ومحاصرة سعيها المستمر لتحقيق المصالحة الفلسطينية والعودة لمائدة التفاوض ودفع عملية السلام.
وعبر فيلم وثائقي أذاعته الجزيرة بعنوان “ما خفي كان أعظم.. الصفقة والسلاح” حاولت القناة الإيحاء بوجود مصر ضمن تحالف إقليمي يمنع تهريب السلاح إلى الفصائل الموجودة في غزة، مقدمًا صورة مشوهة لما تقوم به مصر من عمليات لتأمين حدودها الشرقية مع القطاع وتعزيز قدراتها البحرية في البحر الأحمر بإنشاء قاعدة برنيس البحرية.
احتوى الفيلم على مقاطع دعائية تعكس أمورًا غير واقعية عن طبيعة وأداء حركة حماس التي تستخدم المقاومة كشعار ترويجي لنفسها بينما الواقع يقول عكس ذلك، بعد استخدمها للسلاح ضد عناصر فلسطينية أخرى تنتمي لحركة فتح، كما كانت هي الطرف الذي تسبب في تدمير مصداقية القضية الفلسطينية، وحوّلها إلى انقسام فلسطيني – فلسطيني بانقلابها على السلطة الفلسطينية الممثل الشرعي المعترف به للشعب الفلسطيني، ثم قبلت على نفسها أن تستخدم من جانب أطراف إقليمية أخرى كورقة ضغط على السلطة الفلسطينية وداعميها الإقليميين لصالح محور قطر وتركيا وإيران المعزول إقليميا ودوليا، والملاحق باتهامات دعم الإرهاب. وكانت النتيجة إدراج حماس على قوائم الإرهاب، وتجميد عملية السلام وتراجع الزخم العربي حول القضية الفلسطينية لتصل في النهاية إلى حالة الموت السريري.
تهريب السلاح الإيراني
تضمنت أحداث فيلم “الجزيرة” اعترافًا صريحًا من كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- بتلقيها أسلحة إيرانية عبر مسارات تهريب تمتد بطول سواحل البحر الأحمر، واحتوائها على صواريخ فجر الإيرانية، واستخدامها في ضرب أهداف داخل إسرائيل، بالإضافة إلى اعتراف آخر باستخدام أنفاق التهريب مع مصر في تهريب الأسلحة قبل إغلاقها من جانب مصر.
ووصف الدكتور خالد عكاشة مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية اعتراف حماس بأنه ينطوي على تهديد مباشر للأمن القومي المصري؛ إذ جرى استخدام الأسلحة الإيرانية التي تسربت إلى سيناء ووصلت إلى أيدي التنظيمات الإرهابية ضد الشعب المصري، وهو ما شكّل تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي المصري. وهو ما دفع مصر للتعامل بجدية مع ذلك التهديد، والدفع بالقوات المسلحة للاشتراك في جزء من أعمال مكافحة الإرهاب، بعدما وجدت أن الأمر له بعد إقليمي ودولي، وضخ للسلاح من أطراف كانت تراهن على أن تظل سيناء بؤرة توتر، وأن ذلك كان السبب المباشر في إطلاق العملية الشاملة سيناء 2018 لتطهير سيناء من الإرهاب.
ووصف عكاشة حديث حماس عن سلاح المقاومة بالخدعة، مؤكدًا أن مثل تلك الأمور لم تعد تنطلي على أحد، ولابد من إعادة النظر في تلك الشعارات، وتسمية الأمور بمسمياتها الحقيقة والصحيحة؛ فما يتحدث عنه الإعلام القطري هو سلاح غير شرعي، ويُستخدم في أنشطة غير شرعية، “فضلًا عن أننا لم نر ذلك السلاح وهو يُستخدم ضد إسرائيل على الإطلاق أو في اعمال المقاومة الحقيقية، حتى لو تعللت حماس بإطلاق بعض الصواريخ الشكلية التي لم تسفر عن تحقيق أي مصلحة للشعب الفلسطيني”.
وأضاف “حماس تمارس نوعًا من الضغط السياسي بهذه الأسلحة التي يتم تهريبها على مدار الساعة، وهي لم تخض حروبًا أو هجمات كما تدعي، بل تقوم كل عامين أو ثلاثة على أقصى تقدير بتوجيه ضربة بحزمة من الصواريخ لأهداف غير مؤثرة، وذلك ليس سلاح المقاومة وهذا ليس الهدف على الاطلاق”.
قاعدة برنيس
حول الأكاذيب التي رددها الفيلم عن قاعدة برنيس العسكرية قال الدكتور خالد عكاشة إن الإعلام القطري يمارس خلطًا واضحًا في الأوراق، وينقل تخوفات إيران من تواجد مصر القوي بالبحر الأحمر على لسان حماس، لافتًا إلى وجود إشادات دولية عديدة قادمة من مؤسسات عسكرية رصينة ومحترمة تمتلك القدرة على القراءة الاستراتيجية بإنشاء مصر لقاعدة برنيس؛ لأنها نقطة استراتيجية مهمة لها علاقة بأمن البحر الاحمر بالكامل، وتضع مصر كرقم مهم في معادلة تأمين خطوط المواصلات العالمية، خاصة وأن القاعدة أحدثت توازنًا عسكريًا في البحر الاحمر الذي يعتبره العالم من أهم الممرات الملاحية؛ فهو الطريق الرئيسي الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا، إذ تحتاج أوروبا إلى نقل 60% من احتياجاتها من الطاقة عبر البحر الأحمر، وأيضًا نقل نحو 25% من احتياجات النفط للولايات المتحدة الأمريكية عبره.
وأكد عكاشة أن للبحر الأحمر دوره في التجارة الدولية بين أوروبا وآسيا؛ إذ يقدر عدد السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر سنويًا بأكثر من عشرين ألف سفينة تحمل 13% من حجم التجارة العالمية، كل هذا يمر عبر البحر الأحمر، مشددًا على أنه من الطبيعي أن تنشئ مصر قاعدة عسكرية؛ لتؤمن المرور في قناة السويس، وتمنع أي شكل من أعمال القرصنة أو التهديد أو التعطيل فضلًا عن تعظيم قدراتها العسكرية والشاملة كدولة، وتلك الحقائق توضح أن ما يقوم به الإعلام القطري شكل من أشكال الاختزال والتضليل والتقييم العبثي بالحديث عن أن مصر تقوم بهذا العمل الضخم من أجل خنق قطاع غزة.
انزعاج قطري
رأى عكاشة أن إنتاج فيلم بهذه التكاليف الكبيرة وموافقة قيادات فلسطينية على الظهور فيه وطرح هذا الكم من المعلومات و”التوابل الإعلامية” ومصاحبته بكل ذلك الزخم الدعائي، ومحاولة الوصول إلى أقصى درجات الجودة للوصول إلى ذهنية المشاهدين والمتابعين والترويج المكثف للفيلم على قناة الجزيرة ومنصاتها الرقمية يؤكد حالة الانزعاج القطري من تنامي الدور المصري، ليس على صعيد ملف القضية الفلسطينية فحسب بل من تقدم مصر على كل المحاور الإقليمية، وحصدها لرصيد كبير من الثقة الدولية ودخولها في شراكات استراتيجية على أعلى مستوى، وتقدمها بخطوات واسعة في ملفات إقليمية كثيرة. في الوقت الذي تتعرض فيه قطر للحصار طوال الوقت باتهامات من كل الأطراف الدولية هي وتركيا واعتبارهما من المحاور المارقة، ثم زادت العزلة بتقاربهما مع إيران، موضحًا أن الدولتين إذا قيما وضعهما بشكل دقيق سيكتشفان أنهما في مشكلات مع كل الوطن العربي.
وذكر أن المحور القطري التركي الإيراني متورط في سوريا والعراق وليبيا، ويُلاحق باتهامات دعم الإرهاب، فيما تقوم الولايات المتحدة بتوجيه اتهام شديد اللهجة للجانب التركي في نفس يوم استقباله لمجموعة من قيادات حماس على اعتبار أنهم يعقدون اجتماعات مع منظمة مصنفه إرهابيًا؛ فالحصار موجود في كل اتجاه، وقطر تجد في الإعلام نوعًا من المتنفس لتضليل متابعيها وخداعهم بقدرتها على مواجهة الحصار، بينما الواقع على الأرض يقول إنها محاصرة، ومصر تتقدم وتنجح في تحالفاتها الاستراتيجية، وتكسب مساحات على الأرض وتنجح في إدارة ملفاتها الإقليمية في ليبيا وسد النهضة ومكافحة الإرهاب والتحالفات مع دول الساحل والصحراء.
إغلاق الأنفاق
احتوى الفيلم على اتهامات مبطنة لعمليات القوات المسلحة بإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع غزة وإغلاق أنفاق التهريب وربط ذلك بأوهام محاصرة غزة، وعلق عليها اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بالتأكيد أن الاهتمام الأول لمصر ينصب على حماية حدودها الشرقية من أية عمليات تهريب أو تسلل أو غيرها من العمليات التي تؤثر على أمنها القومي. لافتا إلى أن إغلاق مصر للأنفاق بينها وبين قطاع غزة هو عمل سيادي مصري لا يمكن لأحد أيًا كان أن يحول بينها وبين الحفاظ على استقرار البلاد.
وأضاف أن الأنفاق كانت تمثل المجال الحيوي للجماعات الإرهابية من أجل تنفيذ عملياتها في سيناء، واستخدام هذه الانفاق كأساس لهذه العمليات، موضحًا أن أية إجراءات تتخذها مصر في سيناء تتم على أرض مصرية وغير مسموح لأي طرف أن يعارض ما تقوم به باعتباره أحد أعمال السيادة من أجل الحفاظ على أمن واستقرار مصر.
وشدد اللواء الدويري على أن وضوح دعم مصر للقضية الفلسطينية على مدار كل مراحلها ويتخطى أية قضايا أخرى أن مصر تعارض السياسات والإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب؛ لأنها تؤدي إلى عدم استقرار المنطقة كلها، أما السلطة الفلسطينية فتتخذ موقفًا معتدلًا وتنادي بالمقاومة الشعبية السلمية حتى لا تفقد تأييد المجتمع الدولي.
وأشار إلى أن مصر وهي تدافع عن أمنها تتحرك بكل وضوح وقوة ولا تتحرك في الخفاء، مشيرًا إلى أن إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرًا عن الخط الأحمر لمصر في منطقتي سرت/ الجفرة، خير دليل على ذلك، وإقامة مصر لأية قواعد عسكرية على أرضها تهدف لحماية الأمن القومي المصري الذي تستطيع قواتنا المسلحة الدفاع عنه بقوة دون الحاجة إلى تحالفات أو محاور مع أية دول أخري.
وأوضح نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن مصر ستواصل بذل كل جهودها لحماية أمنها القومي في الداخل والخارج، ولن تنظر في ذلك إلا لمصالحها، ولن تقف عند كلمات زائفة من هنا أو هناك.
تشويه الدور المصري
ورأت الدكتورة دلال محمود مديرة برنامج الأمن وقضايا الدفاع بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن الإعلام القطري يعبر عن رؤية محور إقليمي مناهض لمصر، وهي تسعى لتقليل أي إنجاز تقوم به مصر من بعد 2013، وتشويه سعيها لامتلاك القوة مثل إنشاء القواعد البحرية الداعمة لخطة الردع المصرية. ويسعى ذلك المحور دائمًا لتشويه الدور المصري المساند للقضية الفلسطينية في عيون الفلسطينيين وخاصه أهل غزة؛ إذ تصور مصر كقوة معادية تحاصر سكان القطاع بشكل يمهد بعد ذلك لرفض الدور المصري في المصالحة الفلسطينية.
وعن تشويه الفيلم لعملية تأمين مصر لحدودها مع قطاع غزة أشارت الدكتورة دلال محمود إلى أن القناة القطرية تحاول تشويه قيام مصر بإجراءات مكافحة الإرهاب على حدودها مع القطاع بإغلاق الأنفاق، وتصور أنها إجراءات تستهدف خنق الفلسطينيين.
وأوضحت أن تلميحات الفيلم حول قاعدة برنيس وحضور الشيخ محمد بن زايد لافتتاحها محاولة فاشلة لتشوية دور القاعدة العسكري المهم في البحر الأحمر؛ فهي قاعدة مصرية خالصه تم إنشاؤها بقرار سيادي مصري خالص، وليس هناك ما يمنع أن تتعاون مصر عسكريًا مع أي دولة. كما اعتاد الرئيس عبد الفتاح السيسي على تكريم القادة العرب بدعوتهم لحضور المناسبات الوطنية، مشيرة إلى أن العلاقة قوية بين مصر والإمارات والسعودية، وهناك حرص من الدول الثلاثة على تجنب الخلافات وتكامل أدوارهم لمواجهة المشروعات الخارجية المعادية.
وردت الدكتورة دلال محمود على مسألة محاولة استبدال دور مصر التاريخي في القضية الفلسطينية قائلة إنه لا يمكن لقطر أو تركيا استبدال دور مصر في القضية الفلسطينية، ومصر لديها قبول لدى السلطة الفلسطينية، أما حماس فهي ليست طرفًا في أي مفاوضات، وما تقدمه قطر وإيران من أموال لن يتساوى مع تجذر مصر في واقع ووجدان الشعب الفلسطيني، لافته إلى أن ايران تدعم حماس، وتركيا حليف استراتيجي لإسرائيل، وتمارس قطر دبلوماسية الشيكات؛ تدفع ليكون لها أدوار أكبر من حجمها، ولا يمكنهم مجتمعين إزاحة الدور المصري في القضية الفلسطينية.
وأشارت إلى أنهم يحاولون إبعاد مصر عن المشهد بالحديث عن حصار غزة للضغط على السلطة الفلسطينية واستكمال عزلها لتكون حماس هي البديل. ومصر تقف حجر عثرة أمام ذلك السيناريو بتقديمها الدعم الكامل للسلطة الفلسطينية التي يمثلها الرئيس محمود عباس أبو مازن باعتباره الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
إقليم مشتعل
رأى أحمد عليبة رئيس وحدة التسلح بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن قاعدة برنيس تمثل أمنًا قوميًا مصريًا وإقليميًا ودوليًا، وهو أحد مظاهر قوة مصر العسكرية التي تحتل المرتبة التاسعة عالميًا، ومن الطبيعي أن يكون لديها خطة لبناء قواعد عسكرية، فهي تمتلك أقوى جيش في المنطقة ويحتاج إلى تنمية قدراته لحماية مصر من آثار صراعات في إقليم مشتعل منذ أكثر من 10 سنوات سواء في اليمن أو القرن الأفريقي، وكلها نقاط اشتعال تفرض على مصر امتلاك القدرة على الردع تجاه أي تهديد قادم من تلك المناطق على مصر أو على أمن البحر الأحمر.
وأشار عليبة إلى أن الفيلم يحتوي على اعتراف واضح وكامل من قيادات حماس بالضلوع في عمليات تهريب السلاح إلى ميليشيات مسلحة إرهابية دفعت مصر ثمنًا باهظًا لوجودها في سيناء، واستخدامها لأنفاق التهريب ووصول تلك الأسلحة إلى يد الجماعات الإرهابية العابرة للحدود بسبب قطاع غزة، بخلاف ضلوع تلك العناصر في أعمال التجارة غير المشروعة، والتي وصلت إلى مليارات الدولارات وبالتالي هناك جملة من المهددات بسبب وجود تلك الأنفاق تفرض على مصر إغلاقها وإنشاء منطقة عازلة تقيها من خطر تلك المجموعات الإرهابية.
وأوضح أن الفيلم يعكس حقدًا قطريًا واضحًا من تنامي قوة مصر الإقليمية وتنميتها لقدرتها العسكرية، بينما تقوم قطر وتركيا بدعم مليشيات في الصومال وليبيا وتستضيف ممثلين لحركة طالبان على أراضيها، وتتعرض لاتهامات مثبته بدعم الإرهاب.
وأكد عليبة أن مصر دولة محورية وحريصة على الاستقرار الإقليمي، ومواجهة تلك التهديدات جزء من مكافحة الإرهاب ويأتي ضمن المهام المنوط بها مصر لمواجهة أي مظهر من مظاهر عدم الاستقرار الإقليمي.