
القواعد العسكرية المصرية.. هدف استراتيجي تستهدفه شائعات الإعلام المُعادي
واجهت مصر منذ ثورة 30 يونيو حملة مغرضة من عدد من الدول وعلى رأسهم تركيا وقطر للنيل من الدولة المصرية ومؤسساتها خاصة أن تلك الدول كانت قد وضعت رهانها على جماعة الإخوان المسلمين وقدمت لها كافة أشكال وسبل الدعم للبقاء في السلطة. وقد اعتادت هذه الدول عبر أذرعها الإعلامية على تشويه صورة مصر وما تقوم به من إنجازات ونجاحات في كافة الملفات وعلى مختلف الأصعدة.
وقد جاءت المحطة الأخيرة في حملة التشويه من خلال تحقيق قام به برنامج ” ما خفي أعظم” الذي يذاع على قناة الجزيرة بعنوان ” الصفقة والسلاح” والذي قدم طرحًا لا يحمل سوى الإفك والتدليس حول أن الغرض الأساسي لافتتاح وتدشين قاعدة برنيس البحرية قطع أي امداد عن المقاومة في غزة. دون أن يلتفت القائمين على هذا المحتوى لدور مصر التاريخي تجاه الشعب والقضية الفلسطينية.
وترتيبًا على ما سبق، بات من الضروري محاولة البحث عن إجابة لتساؤل جوهري يدور حول جدوى تدشين مصر للقواعد العسكرية؟ وما أهمية قاعدة برنيس؟ وذلك فيما يلي:
التشويه نهج إخواني لن يُجدي نفعًا
يبدو أن حالة التخبط والانقسام وما وصلت إليه الأوضاع داخل جماعة الإخوان المسلمين بفعل الضربات المتلاحقة التي يتعرض لها التنظيم، وما ظهر مؤخرًا من انقسامات وصراع بين مختلف الاجنحة داخل الجماعة على القيادة والثروة ساهمت في تحريك اللجان الالكترونية وتنشيط الأذرع الإعلامية ضد الدولة المصرية بهدف نشر الشائعات واثارة البلبلة بهدف لفت الانتباه عن الوضع المتأزم الذي تعيشه الجماعة حاليًا.
ويمكن قراءة ما جاء في الفيلم على اعتبار أنه جزء من الحرب النفسية التي تقودها جماعة الإخوان من خلال منصاتها الإعلامية والالكترونية التي تستهدف تزوير الحقائق ونشر الأكاذيب والنيل من ثقة المواطن في دولته وتحركاتها وذلك عبر نشر مجموعة من الشائعات التي ترى فيها الجماعة أنها وسيلة مناسبة يمكن من خلالها تحقيق عدد من المكاسب.
وما يدل على أن هذا النهج يعتبر ضمن استراتيجية الجماعة ما أشار إليه الرئيس” عبد الفتاح السيسي” عام 2018 في حفل تخريج أحد دفعات الكليات العسكرية، حيث ركز الرئيس ” آنذاك” على خطورة الشائعات باعتبارها أداة لتفجير الدول من الداخل، من خلال ضخ مزيد من الاحباط ومن ثم فقدان الأمل ثم تحريك الشعوب لتفجير أوطانها، وشدد الرئيس وقتها على أنه تم رصد ما يقرب من 21 ألف شائعة خلال 3 شهور، وهو ما يعني أن هذا النهج من التشكيك والشائعات ليس بالجديد بل هو بمثابة استراتيجية ومخطط تعمل عليها الجماعة عبر اذرعها المختلفة.
من ناحية أخرى، يأتي هذا الفيلم في إطار محاولة الجماعة لصناعة ما يمكن وصفه ” بالقنابل المنطقية” والتي تقوم بالأساس على استخدام السلاح المعلوماتي والإعلامي في خلق رواية صحيحة في اجزائها إلا أنها تحمل مزيد من المغالطات والافتراءات في مجملها. ويمكن الاستدلال على هذا المنطق من خلال ما أُثير اثناء اجراء مصر للمناورة العسكرية حسم 2020 في الاتجاه الاستراتيجي الغربي، حيث بدأت أذرع الجماعة الإعلامية بمحاولة اثارة البلبلة والعمل على تصدير رواية مضللة حول لمن الأولوية؟ التهديدات القادمة من ليبيا أم اثيوبيا، وذلك بهدف التشكيك في تحركات مصر، حيث سعت الجماعة وقتها للترويج لان مصر لا تعطي وزنًا ولا أهمية لقضية المياه وتتجاهل تعنت اثيوبيا وهو ما يتنافى مع المجهودات والتحركات التي تتخذها مصر في مواجهة كافة التهديدات والتحديات المحيطة بها والتي تتعامل معها على ذات القدر من الأهمية والجدية
قاعدة برنيس جزء من استراتيجية متكاملة
عملت الدولة المصرية في أعقاب ثورة 30 يونيو على تعزيز وبناء قوه شاملة تستهدف تثبيت اركان الدولة وتعزيز القدرات المصرية في كافة المجالات والقطاعات ضمن الاستراتيجية المصرية 2030. وقد كان تطوير وتحديث القوات المسلحة المصرية جزءً مهمًا من تلك الاستراتيجية، نظرًا لان قوة الجيوش وقدراتها الدفاعية والهجومية تعتبر حائط الصد الأول والحصن المنيع ضد أية تهديدات يمكن أن تتعرض لها الدولة.
وقد اتخذ هذا التطوير والتحديث عددًا من الاشكال والصور سواء ما يتعلق بتنويع مصادر السلاح أو العمل على توطين الصناعات العسكرية ورفع الكفاءة القتالية لعناصر القوات المسلحة، وصولًا لتنمية وتحديث البنية التحتية، وقد اتضح ذلك بصورة أساسية في تدشين عدد من القواعد العسكرية وفي مقدمتها قاعدة محمد نجيب وقاعدة برنيس.
وتعتبر قاعدة برنيس التي اٌقيمت على مساحة 150 ألف فدان والواقعة بالقرب من الحدود الجنوبية شرقي مدينة اسوان، ذات أهمية استراتيجية وجيوسياسية كبيرة، حيث تساهم القاعدة باعتبارها أكبر القواعد العسكرية في تحقيق عدد من الأهداف: أولًا، حماية وتأمين السواحل المصرية الجنوبية وحماية الاستثمارات الاقتصادية والثروات الطبيعية. ثانيًا، تأمين الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس ومضيق باب المندب. ثالثًا: تعتبر القاعدة نقطة تمركز أساسية ومحور للانطلاق تجاه منطقة القرن الافريقي كون تلك المنطقة تُعد مجالًا للتنافس والنفوذ لعدد من القوى الإقليمية المعادية لمصر. رابعًا: تدخل قاعدة برنيس ضمن نمط إعادة الانتشار والارتكاز على عدد من الجبهات والميادين الاستراتيجية لمصر ما يمثل مرحلة جديدة من تغيير مستوى التخطيط والعمليات للقوات المسلحة وهو ما اتضح في تأسيس مجموعة من القواعد العسكرية على غرار قاعدة ” محمد نجيب” على المحور الغربي لمصر والتي تأسست عام 2017، كما تعتزم مصر تدشين قاعدة في الشمال ” قاعدة شرق بورسعيد” والتي تقع في المدخل الشمالي لقناة السويس على البحر المتوسط ما يضمن تأمين وتعزيز قدرات مصر في حماية الثروات الطبيعية التي ظهرت في أعقاب اكتشاف حقل ظهر 2015، ناهيك عن تأمين الحلم المصري في التحول لمركز إقليمي للطاقة. على ذات المنوال تعمل مصر على تأمين الجانب الغربي من خلال العمل على تأسيس قاعدة ” جرجوب” غرب مطروح. وتعد هذه القواعد بجانب القواعد المصرية سواء في رأس التين أو أبو قير وغيرها ضمن مقومات القوة الشاملة للدولة المصرية.
في الأخير،
يمكن القول إن تدشين قاعدة برنيس يدخل ضمن مخطط استراتيجي مصري يستهدف بالأساس تحديث وتطوير القدرات العسكرية المصرية ولا يمكن بأي شكل من الاشكال أن يدخل ضمن ما تعلنه القنوات والمنصات المعادية للدولة المصرية، خاصة وأن القيادة السياسية حملت على عاتقها تعزيز قدرة الردع ومجابهة التحديات التي تحيط بالدولة ومن ثم الحفاظ على أمنها القومي والإبقاء على مؤسسات الدولة بعيدًا عن الوقوع في فخ اسقاط وافشال الدول، خاصة وأن التجربة العربية في اعقاب احداث 2011 تؤكد على حقيقة واضحة وهي أن سقوط الجيوش يعني بضرورة سقوط الدول.
كما أن تدشين القواعد العسكرية وتحديثها يأتي لمجابهة المخاطر التي باتت تهدد مصر من كافة الاتجاهات، ففي الغرب نجد المشروع التركي ومحاولاته المستمرة للنيل من استقرار مصر وتهديد أمنها القومي سواء من خلال التدخل العسكري في ليبيا أو عبر الاستمرار في نقل المرتزقة ومحاولة فرض أمر واقع وتثبيت الوجود العسكري في ليبيا عبر تدشين قواعد عسكرية. كما ظهر في الاتجاه الجنوبي المشروع الاثيوبي الرامي لتهديد مصر والنيل من حقوقها التاريخية في مياه النيل، ناهيك عن مساعي تركي الدائمة للتسلل لتلك المنطقة خاصة القرن الافريقي، وقد كانت محاولات تركيا لتدشين قاعدة عسكرية في سواكن الليبية دليلًا واضحًا على حجم التهديدات التي يمكن أن تواجه مصر لولا هذه التحركات التي قامت بها الدولة.
من ناحية أخرى تدخل منطقة شرق المتوسط وما بها من ثروات ومصالح مصرية ضمن دائرة الأمن القومي المصري التي تستدعي الحفاظ عليها وتأمينها. كل هذه الأمور والمشاهد تجعلنا أمام حقيقة واحدة تقوم على مبدأ الضرورة والحتمية فيما يتعلق بتدشين وتأسيس القواعد العسكرية والتحديث الشامل للمنظومة العسكرية المصرية.
باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع



