مكافحة الإرهاب

مركز أوروبي: قطر مولت ترسانة حزب الله من خلال أسواق الذهب في أوغندا

منذ نهاية إبريل الماضي صنفت ألمانيا “حزب الله” اللبناني منظمة إرهابية، وحظرت أنشطته وشنت حملات أمنية في عدد من المدن الألمانية ضد أنشطة الحزب ومنظمات ومكاتب يُعتقد في صِلاتها بالحزب. وفي هذه الأثناء أعلن متحدث باسم وزارة الداخلية الألمانية تأكيد حظر حزب الله كمنظمة إرهابية ومنع جميع نشاطاته في البلاد.

يأتي الحظر الألماني لنشاطات حزب الله واعتباره منظمة إرهابية، بعدما طالب البرلمان الألماني “بوندستاغ” حكومة المستشارة أنغيلا ميركل بالحظر الكامل، وإقراره ذلك في مذكرة قدمها البرلمان في ديسمبر 2019، ووافقت عليها الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم في ألمانيا. 

وطوال الخمسة أشهر الممتدة من ديسمبر 2019، وصولاً لأبريل 2020، تعاطت الاستخبارات الألمانية الداخلية مع نشاطات حزب الله بصورة مغايرة عما سبق، جراء حيازتها معلومات استخباراتية تفصيلية عن أنشطة الحزب السرية على الأراضي الألمانية، فعلي سبيل المثال، عثرت أجهزة الأمن الألمانية علي كميات من مادة “نترات الأمونيوم” بأحد المخازن جنوبي ألمانيا في إبريل الماضي وكانت علي صلة بنشاطات الحزب، علاوة على ورود معلومات استخباراتية أخري لجهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية تضمنت تفاصيل حول نشاط عدد من رجال الأعمال اللبنانيين، ساهموا في غسيل ونقل أموال للحزب، إلى حسابات بنكية ألمانية، تم استخدامها في تمويل أنشطة الحزب في ألمانيا.

النشاطات المشبوهة والسرية لحزب الله اللبناني في ألمانيا، كانت طي التداول في أروقة جهاز الاستخبارات الداخلية، إلى أن بدأت الصحف الألمانية وعدة قنوات “دي تسايت – برلينر تسايتونج – شتيرن” وقناة فوكس نيوز الأمريكية سلسلة من التحقيقات الصحفية، كشفت عن دور السفير القطري في بروكسيل وحلف شمال الأطلسي “عبد الرحمن بن محمد سليمان الخليفي” في دعم أنشطة حزب الله في ألمانيا والسعي للتغطية على دور قطر العميق في دعم الحزب بالمال والسلاح. 

استندت الصحف الألمانية وقناة فوكس نيوز الأمريكية في تقاريرهم التي تحدثت عن طبيعة الدور القطري في دعم أنشطة حزب الله؛ على معلومات قدمها عميل سابق لأحد أجهزة الاستخبارات الغربية كان قد عمل لسنوات في قطر ونجح في تحقيق اختراق كبير تمكن على إثره من الحصول على معلومات موثقة تكشف عن الدعم الكبير الذي تقدمه الأسرة الحاكمة في قطر وكبار المسؤولين القطريين لحزب الله، فمن غسيل الأموال وتحويلات بمئات الملايين من الدولارات لحسابات بنكية تابعة للحزب، وصولاً للوقوف وراء إنجاز صفقات تسليحية له عبر وسطاء وعناصر من شبكات الجريمة المنظمة في شرق أوروبا. 

وكشفت الوثائق التي تحققت منها القناة الأمريكية، عن محاولة الخليفي، دفع مبلغ 750 ألف يورو لـ “جيسون جي”، بهدف إخفاء دور النظام القطري في إمداد حزب الله بالأموال والأسلحة.

وقال “جيسون جي” في أغسطس الماضي لقناة فوكس نيوز “هدفي هو إيقاف قطر عن دعم النشاط الإرهابي”، مؤكدا أنه “يجب إزالة التفاحة الفاسدة من السلة”، في إشارة إلى الدور الهدام الذي تلعبه الدوحة في النظام الدولي. 

أما صحيفة “دي تسايت” الألمانية المرموقة، كشفت أن شركة علاقات عامة ألمانية “wmp eurocom” بذلت جهودا للوساطة بين حكومة قطر، وجيسون جي للتوصل لاتفاق صمت وتسوية الأمر، ورتبت بالفعل شركة العلاقات الألمانية 6 اجتماعات بين جيسون جي، و “الخليفي” سفير قطر في بروكسل.

لكن الاجتماعات الست باءت بالفشل رغم تقديم الدوحة لعروض مالية كبيرة لـ “جيسون جي ” وصلت لـ 750 ألف يورو ومنصب كبير في قطر بهدف إخفاء دور قطر في دعم حزب الله اللبناني بالأموال والأسلحة. 

وشمل ملف الوثائق طبقاً للصحيفة الألمانية معلومات عن صفقة سلاح اشترتها شركة قطرية من أوروبا الشرقية، لصالح حزب الله، وأموال جمعتها منظمتان قطريتان تعملان تحت غطاء العمل الخيري، لصالح الميلشيات اللبنانية، وبمعرفة عناصر من العائلة المالكة القطرية ومسؤولين حكوميين.

التفاصيل تعود للواجهة.. وإفريقيا مصدر التمويل

يبدوا أن ملف العميل “جيسون جي” قد حوي الكثير من المعلومات والتفاصيل التي تحصلت عليها الأجهزة الاستخباراتية الألمانية والصحف الكبرى في ألمانيا وكذا قناة فوكس نيوز الأمريكية. بدورها مراكز التفكير الأوروبية كانت حاضرة في هذا الملف الشائك والمعقد، حيث تناول مركز تفكير نمساوي”Mena Watch“، لتفاصيل الانخراط القطري في دعم حزب الله بالسلاح، واستند المركز النمساوي في تناوله علي المعلومات الموثقة التي قدمها العميل “جيسون جي”.

حيث كشف المركز النمساوي أن قطر مولت شحنات أسلحة لحزب الله قادمة شرق أوروبا واستخدمت في تمويلها شحنات الذهب عبر إفريقيا.

والجديد في كشف المركز النمساوي ومعلومات العميل الاستخباراتي “جيسون جي”، هو طريقة التمويل المعقدة، وشحن وإيصال الأسلحة لحزب الله اللبناني، علاوة على ورود اسم جديد بارز ضمن الشخصيات النافذة في قطر والمؤسسات الدولية والمتورطة في تمويل الحزب وشراء الأسلحة له عبر وكلاء ووسطاء وعناصر من شبكات الجريمة المنظمة.

من هذه الأسماء القطرية الجديدة، “دحلان الحمد”، نائب رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى، وهو مسؤول ألعاب القوى في قطر. ومسؤول كذلك عن إدارة تلك العمليات الخاصة بإيصال المال والسلاح لحزب الله.

وفقا لمعلومات الملف الذي اطلع عليه المركز النمساوي، فإن “دحلان” قد استخدم الذهب من أوغندا لتمويل شحنات هذه الأسلحة.

وتفادياً لتتبع مصادر التمويل لشحنات الأسلحة، يقول المركز النمساوي أن حلقة “الذهب مقابل السلاح” كانت مخططاً متقناً في عام 2017، لشراء أسلحة من صربيا وإيصالها لحزب الله عبر مرفأ بيروت الذي يسيطر عليه الحزب، وذلك من خلال شبكة من مسؤولي الاستخبارات السابقين في شمال مقدونيا.

ويشير تقرير المركز النمساوي أن الأسلحة تم وسمها بملصقات “سلع فولاذية محلية”، وعمل الوسطاء في البلقان مع المسؤولين القطريين البارزين ومنهم “الدحلان” لضمان نقل الأسلحة في مسار يمر بميناء “سالونيك اليوناني” ثم إلى مرفأ بيروت الذي يقع تحت سيطرة ميليشيا حزب الله.

كما قدمت الجمارك المقدونية الشمالية وثائق شحن مزورة تحت إشراف رئيس سابق لجهاز المخابرات في البلاد.

أما طريقة دفع المستحقات، فيقول المركز النمساوي طبقاً للمعلومات الموثقة التي اطلع عليها، أن مدفوعات الأسلحة تم توجيهها إلى الشركات الصربية عبر قبرص في شكل ذهب قدمه تجار المعادن الثمينة في أوغندا. وجاءت أموال الذهب في نهاية المطاف من المنظمات الخيرية التي تتخذ من قطر مقراً لها والتي تخضع لسيطرة كبار الشخصيات في البلاد. استخدمت الجمعيات الخيرية البنوك الرائد في قطر لإجراء المعاملات.

ويؤكد المركز النمساوي، أنه “بعلم المسؤولين الحكوميين البارزين في قطر، تم جمع التبرعات من قبل الجمعيات الخيرية في الدوحة”، وفقًا للملف، “قبل كل شيء، قدمت الجمعيات الخيرية القطرية “الشيخ عيد” و”المؤسسة التعليمية”؛ 500 مليون دولار إلى حزب الله في عام 2020 وحده”.

مازالت تتكشف أبعاد الشبكات والارتباطات المعقدة بين قطر وتنظيم حزب الله اللبناني، فبالرغم من عداء الاثنين في سوريا، إذ تدعم قطر التنظيمات المسلحة المناوئة للحكومة السورية ومؤسساتها العسكرية والأمنية، فيما يدعم حزب الله الحكومة السورية وينخرط عسكرياً في الدفاع عنها في العديد من الجبهات. يبرز ذلك التناقض أبعاد الدور المزدوج لقطر في أزمات المنطقة والذي فاقم من إطالة امد الصراعات وحالات عدم الاستقرار وكذا النشاطات الإرهابية بالمنطقة. فلم يعد الأمر مقتصراً على نشاطات مشبوهة بالمنطقة العربية بل امتد من أوروبا وصولاً للعمق الإفريقي ضمن معاملات مالية مشبوهة تذهب صوب شرق أوروبا لجلب شحنات من الأسلحة لميليشيا تجاهر الدوحة بالعداء لها إعلامياً وميدانياً.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى