
حريق موريا.. مقدمة لحتمية إصلاح سياسة اللجوء الأوروبية
على مدار الأيام الماضية أصبحت جزيرة ليسبوس على جمرة من النار بعد اندلاع حريق بمخيم موريا ليلتهم المنشأة الأكبر من نوعها في اليونان. وعلى إثر الحريق تعرض آلاف اللاجئين للتشرد، فتحول المخيم من مجرد مكان للإقامة المؤقتة إلى شاهد على معاناة اللاجئين وسياسة الدول الأوروبية تجاههم على مدار السنوات الأخيرة.
الجدير بالذكر أن مخيم موريا الواقع في شرق الجزيرة اليونانية ليسبوس والذي لا يبعد عن الشواطئ التركية سوى 15 كلم يُعّد أكبر مخيم للاجئين في أوروبا. أُقيم لاحتضان 3 آلاف لاجئ، لكنه ضم قرابة 13 ألف لاجئ، أي ما يتجاوز ستة أضعاف قدرته الاستيعابية. وكانت اليونان قد خفضت بمساعدة الاتحاد الأوروبي عدد قاطني المخيم من 25 ألفًا إلى 13 ألفًا خلال الأشهر الستة الماضية، بحسب ما صرحت به مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية “يلفا جوهانسون”.
تاريخ موريا الأسود
أُقيم المخيم في أكتوبر 2015 وذلك لاحتضان اللاجئين لفترة قصيرة تماشيًا مع الاتفاقية التي أُبرمت بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في مارس 2016، للحد من تدفق المهاجرين على أوروبا، مقابل امتيازات مالية وسياسية لتركيا.
وكان أحد الجوانب الأساسية للاتفاقية هو ترتيب مبادلة للاجئين بين أوروبا وتركيا، ومعاينة اللاجئين الذين يصلون إلى الجزر اليونانية من قِبل سلطات اللجوء اليونانية والتي تقررما إذا ما كان اللاجئ يفي بمعايير اللجوء أم لا، حيث يشمل ذلك إثبات حالة “الاستضعاف” و”الاحتياج” التي يمر بها. ويتم نقل المهاجرين الذين يستوفون المعايير إلى المدن اليونانية، حيث يتم البت في طلبات لجوئهم.
وبما أن اغلب اللاجئين الذين يصلون إلى الجزر اليونانية معرضون للخطر، ووفقا لهذا التقييم فمن الطبيعي أن تٌرفض طلبات بعض الذين فشلوا في إثبات ضعفهم وحاجتهم، مما يعني أنه وبحسب الاتفاقية فإن تركيا المسؤولة عن منح أو رفض طلب اللجوء لهؤلاء الذين تم رفضهم.
إلا أنه بعد محاولة الانقلاب في تركيا في عام 2016، تم استدعاء الضباط الأتراك الذين تم إرسالهم إلى جزر بحر إيجة بموجب الاتفاق؛ مما أدى إلى وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الذين تُركوا “عالقين” في الجزر اليونانية وليس لديهم الحق في الذهاب إلى مركز اليونان، ويخشون أيضًا العودة إلى تركيا التي لن تعاود استقبالهم في حال وصولهم إليها.
ماذا حدث في موريا؟
في التاسع من سبتمبر 2020، اندلعت حرائق في عدة مواقع من مخيم اللاجئين موريا في آن واحد، والذي فسره الكثيرون بوجود شبهة تعمد في إضرام تلك الحرائق من قِبل السكان المحليين للجزيرة بسبب رفضهم وجود مخيمات مكتظة في جزيرتهم، خاصة مع ثبوت حالات مصابة بفيروس كوفيد-19 داخل المخيمات.
ويرجح تلك النظرية تكرار حوادث الحرائق في مخيم موريا خلال الأعوام السابقة. كان آخرها في سبتمبر 2019 والذي راح ضحيته امرأة ورضيعها، علاوة على طلب سكان الجزيرة نفسها الأيام الماضية تعزيز تواجد الشرطة لمنع اللاجئين من الدخول إلى قرى الجزيرة، حتى أنهم قاموا بقطع الطرق على السلطات اليونانية لمنعهم من بدء بناء مخيمات جديدة لهؤلاء اللاجئين المشردين في العراء على الطريق الفاصل بين المخيم ومدينة ميتيليني، عاصمة الجزيرة.
تحذيرات مسبقة
حذرت منظمة “أطباء بلا حدود” في مارس الماضي، من انتشار فيروس “كورونا” بشكل سريع في مخيمات اللاجئين بالجزر اليونانية، نظرًا لتوفر البيئة المساعدة على ذلك من اكتظاظ اللاجئين وندرة الموارد وصعوبة توفير سبل الوقاية. وأوضحت المنظمة في بيانها أن الازدحام الشديد في مخيمات الجزر اليونانية إلى جانب غياب شروط النظافة والخدمات الصحية، كلها عوامل تهيئ لانتشار الفيروس هناك. دللت على بيانها بوجود صنبور مياه واحد لنحو 1300 شخص في بعض الأماكن بمخيم “موريا”، وإقامة عشرة أشخاص على الأقل في خيمة واحدة.
هذا وقد أعلنت المنظمة على حسابها على تويتر عقب حريق موريا، بأن أطباءها غير قادرين على دخول عيادة بالقرب من المخيم، حيث أغلق السكان المحليون الطريق المؤدية إلى المخيم. وأضافت “يغلق السكان المحليون الطريق ويمنعوننا من الوصول إلى الأشخاص الذين لا يزالون في المخيم المدمر ومنشآتنا الطبية“، مشيرة إلى أن هذا الأمر “غير مقبول“.
تحركات عقب الحريق
دعت رئيسة اليونان “كاتيرين سكالاروبولو” عقب الحادث الاتحاد الأوروبي “إلى عدم غض الطرف، باعتبار أن اللاجئين والهجرة هي مشكلة أوروبية في المقام الأول“.
علي إثر تلك الدعوة أعلن الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” عن وجود توجه لدى كل من فرنسا وألمانيا لاستقبال عدد من اللاجئين الموجودين على جزيرة موريا اليونانية، كما أعلن وزير الداخلية الألماني “هورست زيهوفر” الجمعة 11 سبتمبر أن عشر دول من الاتحاد الأوروبي من بينها ألمانيا بالإضافة إلى سويسرا أعلنت حتى الآن استعدادها لاستقبال 400 لاجئ فقط من القاصرين لا يرافقهم ذويهم من البالغين، موضحًا أن كلًا من ألمانيا وفرنسا ستتكفل بما بين 100 و150 من هؤلاء الأطفال، أما هولندا فقد تعهدت بالفعل بقبول 50 طفلًا بينما ستستقبل فنلندا 11 طفلًا.
ماذا بعد موريا؟
توجد العديد من المؤشرات المقلقة والتي توحي بأنه لا توجد أي نوايا في الأفق لإصلاح سياسات اللجوء الأوروبية تجاه آلاف المشردين من مخيم موريا وغيرها من مخيمات اللاجئين الأخرى، منها: الخلافات حول مسألة توزيع طالبي اللجوء في أنحاء الاتحاد الأوروبي عامة، ورفض دول مثل بولندا والمجر وتشيكيا وسلوفاكيا القبول الإجباري للاجئين، وهو ما يمثل حجر عثرة في طريق الإصلاح.
هذا بجانب إلقاء التهم وتحميل المسؤولية وتجزئتها بين أطراف الاتحاد الأوروبي ما ينتج عنها ضياع القضية، وهو ما تمثل في أزمة موريا الأخيرة من تصريح رئيسة اليونان “كاتيرين سكالاروبولو” بأن مسؤولية اللاجئين في المخيمات اليونانية تقع على عاتق الاتحاد الأوروبي، وتصريح وزير الداخلية الألماني “هورست زيهوفر” بأن الاعتماد على ألمانيا وحدها في تعديل سياسة اللجوء الأوروبية غير مجدٍ ولن يتم الوصول من خلاله إلى حل أوروبي مشترك.
وعلى الرغم من تصاعد وتيرة المظاهرات لعدة آلاف في برلين ومدن ألمانية أخرى مطالبين ألمانيا والاتحاد الأوروبي باستقبال اللاجئين من المخيم المدمر إلا أن هذا الحراك لم يسفر إلا عن الاتفاق بين العشر دول أوروبية لقبول 400 قاصر فقط من المخيم المدمر، وهو ما يمثل إخفاقًا مستمرًا في إدارة أزمة اللاجئين من قِبل الاتحاد الأوروبي.
باحثة ببرنامج السياسات العامة