الاقتصاد المصري

لماذا أنشأت مصر صندوقًا سياديًا؟

دخلت مصر مؤخرًا عصر الصناديق السيادية بالإعلان عن إنشاء صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية. والصناديق السيادية هي أحد الحلول غير التقليدية التي لجأت إليها الدول لتعظيم الاستفادة من مواردها المالية وثرواتها وأصولها غير المستغلة، حيث يوجد حاليًا 93 صندوقًا سياديًا في مختلف أنحاء العالم، يحتل الصندوق المصري المرتبة الـ40 من بينهم.

وتقوم فلسفة الصناديق السيادية عامةً على استغلال الوفورات والفوائض المالية الضخمة التي تنشأ في الدول التي تمتلك ثروات طبيعية هائلة أو دول تتمتع بعباءة مالية ضخمة، لكن الأمر يختلف بالنسبة للصندوق السيادي المصري الذي يقوم بالأساس على إدارة الأصول العقارية والأراضي غير المستغلة.

استطاع الصندوق منذ إنشائه في ضم أصول بقيمة 10 مليارات جنية، كان آخرها قرار الرئيس السيسي رقم 459 لسنة 2020 بضم مجمع التحرير ومباني المقر الإداري لوزارة الداخلية القـديم وأرض الحزب الوطني القديم وأرض ومباني القرية التعليمية الاستكشافية بمدينـة الـسادس مـن أكتـوبر وأرض ومباني القرية الكونية بمدينة السادس من أكتوبر، وأرض ومباني ملحق معهد ناصر بكورنيش شبرا مصر، وأرض حديقة الأندلس بطنطا إلى الصندوق. 

ويقوم الصندوق حاليًا بدراسة استغلال المجمع على ثلاثة محاور وهي دراسة مشاركة شركات للإدارة لبدء الاستثمار، والحوار مع عدد من المستثمرين في القطاع العقارى والسياحي، والحديث مع ثلاث مجموعات من الفنادق العالمية لوضع رؤية لتطوير المجمع. وهو يستهدف الاستحواذ على أصول بقيمة تتراوح بين 70 و80 مليار جنيه خلال الفترة القادمة.

الفكرة والتأسيس

بدأت فكرة إنشاء صندوق سيادي مصري عام 2017، لكنها كانت محصورة في استغلال الفوائض المالية فقط، لكن الفكرة تطورت إلى إنشاء كيان لإدارة كافة أصول الدولة غير المستغلة. وجدت الفكرة طريقها إلى أرض الواقع في أغسطس 2018، بإصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي القرار بقانون رقم 177 بشأن إنشاء صندوق مصر السيادي، ثم بإصدار رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي اللائحة التنفيذية للقانون والنظام الأساسي للصندوق في مارس 2019. 

وبهذا تكون مصر قد أنشأت أول صندوق سيادي برأسمال مرخص له 200 مليار جنية مصري، أي نحو 12.6 مليار دولار أمريكي، ورأسمال مصدر يبلغ 5 مليارات جنية، أي نحو 315 مليون دولار، يُسدد منه مليار جنيه من الخزانة العامة للدولة عند التأسيس، ويسدد الباقى وفقا لخطط فرص الاستثمار المقدمة من الصندوق خلال ثلاث سنوات من تاريخ التأسيس. ومن المتوقع أن يصل رأسمال الصندوق إلى تريليون جنيه خلال 3 سنوات.

اكتمل النصاب القانوني لإنشاء الصندوق بإعلان وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، في 23 مايو 2019، تشكيل أعضاء مجلس إدارته برئاسة وزيرة التخطيط، هالة السعيد، في منصب رئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي، وممثل عن كل من وزارة التخطيط ووزارة المالية ووزارة الاستثمار، وخمسة أعضاء مستقلين من ذوي الخبرة. على أن تكون مدة العضوية 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

وتتضمن اختصاصات مجلس إدارة الصندوق وضع الرؤية الاستراتيجية والسياسة الاستثمارية العامة للصندوق، واعتماد الهيكل التنظيمي والإداري له، وصلاحيات موظفيه، ومتابعة الأداء العام للصندوق، ومناقشة واعتماد الخطة الاستثمارية ومراقبة تنفيذها، والإشراف على أعمال المدير التنفيذي، وزيادة رأس المال.

أهداف الصندوق السيادي المصري

يأتي إنشاء الصندوق في إطار البحث عن مصادر غير تقليدية لتمويل خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت الدولة تنفيذها منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في 2014، وتشمل كافة القطاعات الحيوية من إسكان ونقل ومواصلات وتعليم وصحة وزراعة وصناعة، لذا كان الالتفات لأحد مصادر الثروة غير المستغلة ألا وهي الأصول غير المستغلة. ويُمكن رصد أهدافه على النحو التالي:

1. إدراة الأصول العامة للدولة: لعل هذا هو أحد أهم أهداف الصندوق السيادي المصري، حيث تمتلك الدولة العديد من الأصول غير المستغلة من أراضي ومبانٍ وشركات ومصانع ومخازن ومستودعات مملوكة للوزارات والمحافظات والهيئات والجهات التابعة لها وشركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام. فضلًا عن قرب انتقال عدد من مؤسسات الدولة إلى العاصمة الإدارية الجديدة تاركة وراءها العديد من المباني ذات القيمة المرتفعة التي تقدر بمليارات الجنيهات، ومنها مباني ذات طابع تاريخي.

ويتيح الصندوق استثمار تلك الثروة على النحو الذي يحقق المنفعة القصوى منها، ويكون التصرف فى الأصول المملوكة للصندوق أو الصناديق المملوكة له بالكامل بإحدى الصور الآتية: البيع، أو التأجير المنتهى بالتملك، أو الترخيص بالانتفاع، أو المشاركة كحصة عينية وذلك وفقا للقيمة السوقية، بغرض تحقيق عوائد مالية مستدامة في إطار مبدأ حسن إدارة واستغلال تلك الأصول والممتلكات.

وقد شكلت الحكومة عدة لجان لحصر الأصول غير المستغلة في مصر ضمت في عضويتها وزرات الأوقاف والإسكان والمالية والري وقطاع الأعمال العام والسياحة والتنمية المحلية والزراعة والتخطيط، أسفرت عن حصر 4800 أصل، منها 32 أصل سيتم نقل ملكيتهم للصندوق السيادى بعد استيفاء الإجراءات القانونية. ومن الجدير بالذكر أن هناك أصولا مصرية في عواصم أجنبية وتحديدًا في لندن وإسطنبول تقدر بمليارات الجنيهات، يُمكن ضمها للصندوق.

2. المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة: ويكون ذلك من خلال الاستخدام الأمثل للموارد العامة وفقًا لأفضل المعايير والقواعد الدولية، ورفع كفاءة البنية التحتية وتحفيز الاستثمار الخاص. وقد حدد القانون المهام المنوط بها الصندوق لبلوغ هذا الهدف، على النحو التالي:  

  • الاستثمار داخل وخارج البلاد مما يعظم من نصيب الفرد فى الثروة.
  • مشاركة القطاع الخاص المصري والعربي والأجنبي في تمويل المشروعات بمصر، لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد وتعظيم دوره في دفع النمو. 
  • توفير فرص استثمارية في أصول وقطاعات جديدة ومستحدثة لتكوين عنصر جذب للاقتصاد المصري.
  • شراء حصص تملكها شركات أجنبية عاملة على أرض مصر.
  • النشاط في سوق المال من خلال شراء أسهم فى الشركات لدى البورصة، وإصدار السندات وصكوك التمويل وغيرها من أدوات الدين.
  • الاقتراض والحصول على التسهيلات الائتمانية.  
  • الاستثمار فى القطاعات التى لا تجذب المستثمرين لكنها ضرورية لدى المواطن. 
  • إقراض أو ضمان صناديق الاستثمار والشركات التابعة.
  • شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.

ولكي يتمكن الصندوق من تحقيق الغرض من إنشائه على النحو الأمثل، يحق له تأسيس صناديق فرعية وشركات تابعة، سواء بمفرده أو بالشراكة مع الصناديق المصرية والعربية والأجنبية والبنوك والمؤسسات المالية والشركات المصرية والأجنبية أو الوزارات أو أية جهة عامة أخرى.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصندوق لا يزاحم القطاع الخاص أو الحكومي في مشروعاته، بل يهدف إلى خلق قيمة مضافة وتحقيق العائد، فإذا لم يتوافر في المشروع تحقيق القيمة المضافة يتم توجيه جهود الصندوق إلى شراكات أخرى.

3. التعاون مع الصناديق السيادية العربية والأجنبية والمؤسسات المالية: بما يحقق خطط الدولة للتنمية الاقتصادية، حيث أجرى الصندوق اتصالات مع الصناديق العربية لمعرفة أولوياتهم فى الاستثمار ومقارنتها بأولويات مصر لاختيار الاصول التى تتناسب مع هذه المشروعات، تمهيدًا للشراكة معها عندما تتاح الفرصة. وتعزز الشراكات مع الصناديق العربية والأجنبية من تدفق الأموال الأجنبية إلى السوق المصرية، ومن ثم تعزيز الاستثمارات الأجنبية في مصر.

4. تجاوز المعوقات البيروقراطية: ينص قانون إنشاء الصندوق على أنه يتمتع باستقلال مالي وإداري، وذمة مالية مستقلة عن الدولة، وهو ما يجعله بعيدًا عن دوائر البيروقراطية التي كبلت حركة الاقتصاد المصري خلال الفترة الأخيرة، في ظل فشلها في تشجيع الاستثمارات اﻷجنبية المتخوفة من هذه البيروقراطية، حيث إن العمل على تذليل أية عقبات تعوق الاستثمار يُعد جزءًا أصيلًا من مهام الصندوق، وهو ما سيجعله جاذبًا لكبار المستثمرين للمشاركة والاستثمار في الأصول غير المستغلة من خلال الصندوق.

أهمية الصندوق السيادي

إن أهمية الصندوق السيادي المصري لا تقتصر على المنافع الاقتصادية المباشرة التي ستحقق بواسطة استثمار أصوله وعوائدها، لكنه سيساهم في تحقيق عوائد مالية غير مباشرة تمثل فاتورة الفساد الناجم عن سوء استغلال موارد الدولة. وفي هذا الإطار تتحدد أهمية الصندوق على النحو التالي: 

1. مكافحة الفساد: يتيح الصندوق السيادي تداول الأصول والموارد بشكل مركزي ومن خلال رؤية قومية أوسع وبواسطة متخصصين، حيث يُتيح نقل الأصول غير المستغلة من جهة حكومية إلى أخرى تريد أن تتوسع وتحسن استغلالها، بما يضمن غلق الباب أمام عمليات التداول والتخصيص غير المشروعة، فكثيرًا ما تضبط الأجهزة الرقابية المصرية العديد من قضايا تخصيص أراضى وأصول مملوكة للدولة من مسؤولين إلى أقاربهم ومعارفهم بالأمر المباشر أو بالتحايل على القوانين.

2. الرقابة والشفافية: إذ يراقب أعمال الصندوق ويراجع حساباته مراقبا حسابات؛ أحدهما يتبع الجهاز المركزي للمحاسبات، والثاني معين من بين المحاسبين المقيدين لدى البنك المركزي أو هيئة الرقابة المالية بقرار من الجمعية العمومية بناءً على اقتراح مجلس الإدارة، حيث يرفعا تقارير للجنة يرأسها رئيس الوزراء، والتي تقوم بدورها برفع التقرير لرئيس الجمهورية.

وتخضع الصناديق الفرعية التابعة للصندوق السيادي للمراقبة من جانبه ولمراجعة من مراقب حسابات أو أكثر من المراقبين المقيدين بالبنك المركزي أو الهيئة العامة للرقابة المالية.

وقد أكسب هذا النظام الرقابي الصندوق ثقة دولية واسعة، تتضح في انضمامه إلى المنتدى الدولي للصناديق السيادية، الذي يشترط الالتزام بمعايير الإفصاح والشفافية، وهو أمر مهم لجذب المستثمرين إلى السوق المصرية، وعقد شراكات مع الصندوق من قبل صناديق استثمار محلية ودولية.

3. بلوغ الحوكمة المالية: حيث يخضع الصندوق لقوانين الرقابة المالية التي يحكمها مبدأ الشفافية، والتى تراقب إدارة هذه الأصول وحسن استغلالها. ختامًا، سيكون صندوق مصر السيادي مصدرًا  لتحقيق عوائد مالية للدولة، دون تحميل أعباء إضافية على الموازنة العامة، من حصيلة استثماراته ومساهماته في الشركات وفرص الاستثمار الأخرى، بما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر توفير فرص عمل جديدة للشباب وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، ومن ثم خفض معدلات البطالة والفقر. كما أنه يدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الدولة ويساهم في تخفيض عجز الموازنة وفي سد ديون الدولة من خلال مبادلة الديون بالأصل.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى