مصر

انعكاسات التعاون في مجالات تصدير الطاقة على تعزيز مكانة مصر الإقليمية

فرضت مصر نفسها كرقم مهم في معادلة الطاقة الدولية، وفاعلًا قويًا في استراتيجيات الأحلاف السياسية والاقتصادية التي تمحورت حول الطاقة في المنطقة؛ إذ لعبت العوامل الجيوسياسية، والاستراتيجية التي تبنتها مصر نحو التحول إلى مركز إقليمي للطاقة دورًا مهمًا في تعزيز مكانة القاهرة في الإقليم على المستويين السياسي والاقتصادي، استغلالًا للاكتشافات الجديدة للثروات النفطية في المنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط، ومشروعات إنتاج الكهرباء التي أوصلت مصر إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والتوجه نحو التصدير.

أشكال التعاون في مجال الطاقة

تبنت مصر استراتيجية ​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​ للتحول إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول البترول والغاز بعد الاكتشافات الغازية الكبيرة في منطقتها الاقتصادية الخالصة بالبحر المتوسط، وأهمها حقل ظهر الذي يبلغ إجمالي احتياطيه من الغاز نحو 30 تريليون قدم مكعب، فضلًا عن التوسع في إنشاء محطات إنتاج الكهرباء ولا سيّما محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما منح مصر فائضًا كبيرًا في الكهرباء المنتجة. عملت القاهرة على أن تكون هذه الطاقة نواة للتعاون مع دول المنطقة والعالم، وذلك في عدة مسارات:

1 – منتدى غاز شرق المتوسط

أسست مصر وإيطاليا واليونان وقبرص والأردن وإسرائيل وفلسطين (يناير 2019) منتدى غاز شرق المتوسط في القاهرة بهدف دعم جهود الدول الأعضاء في الاستفادة من احتياطاتهم واستخدام البنية التحتية وبناء بنية جديدة، وذلك بهدف تأمين احتياجاتهم من الطاقة لصالح رفاهية شعوبهم، مع إنشاء سوق غاز إقليمي يخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية. وهو المنتدى الذي طلبت كل من الولايات المتحدة وفرنسا الانضمام إليه.

2 – مصر كمرتكز لتصدير الغاز

استراتيجية مصر لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة لم تعتمد فقط على ما تملكه من احتياطات مؤكدة من الغاز الطبيعي، وإنما تهدف إلى أن تكون القاهرة مُرتكزًا لاستقبال الغاز الطبيعي من دول المنطقة، ومن ثم تسييله عبر محطتي الإسالة في دمياط وإدكو وإعادة تصديره إلى أوروبا. وفي سبيل ذلك وقعت مصر عدة اتفاقيات لاستيراد الغاز الطبيعي.

أ – مذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي

وقعت مصر والاتحاد الأوروبي (أبريل 2018) مذكرة تفاهم للشراكة الاستراتيجية في مجال الطاقة، لتعزيز التعاون الثنائي بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، والمساهمة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي في تعزيز وتأمين وتنويع إمدادات الطاقة.

ب – اتفاق خط أنابيب مع قبرص

وقّعت مصر اتفاقًا مع قبرص (سبتمبر 2018) بشأن مشروع إقامة خط أنابيب بحري مباشر، من أجل نقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي، إلى محطات الإسالة بمصر وإعادة تصديره إلى الأسواق المختلفة، وهو ما يسهم مساهمة إيجابية في تأمين إمدادات الغاز للاتحاد الأوروبي. ومن المقرر أن تصل الطاقة الاستيعابية لهذا الخط إلى 700 مليون قدم مكعب سنويًا، على أن تكون بداية تشغيله بحلول 2024.

ج – تسييل الغاز الإسرائيلي

بدأت مصر (يناير 2020) استقبال الغاز الطبيعي من حقلي تمار وليفياثان البحريين في إسرائيل وفق اتفاق موقع بين الجانبين (فبراير 2018)؛ وذلك لتسييل الغاز وإعادة تصديره إلى أوروبا.

3 – مشروعات الربط الكهربائي

تبنت مصر استراتيجية عاجلة لإنتاج الكهرباء عبر إنشاء محطات جديدة وتحديث المحطات القديمة، ووصل إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في مصر نحو 56 ألف ميجا وات، بفائض نحو 22 ألف ميجا وات. ولذلك كان التوجه المصري نحو تعظيم مشروعات الربط الكهربائي مع دول الجوار ضمن الاستراتيجية الهادفة إلى أن تكون مصر مركزًا إقليميًا للطاقة، مع تعظيم قدرات مشروعات الربط القائمة.

وترتبط مصر الآن مع كل من فلسطين والأردن والسعودية والسودان والعراق وليبيا وقبرص واليونان بمشروعات ربط كهربائي. وتفتح بعض هذه المشروعات أبوابًا أخرى لتصدير الطاقة المصرية إلى أوروبا وأفريقيا؛ إذ وقعت مصر ممثلة في الشركة القابضة لكهرباء مصر (فبراير 2018) مذكرة تفاهم مع شركة إفريقيا إنترناشيونال يوروب القبرصية؛ لإجراء دراسة تتضمن جدوى تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين مصر وقبرص واليونان، بهدف الربط الكهربائي الأوروبي الأفريقي بين مصر وقبرص واليونان من خلال جزيرة كريت، وتم توقيع اتفاق التعاون بين الجانبين (مايو 2019). وكذلك فإن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسودان والذي تصل سعته 300 ميجا وات، بخط يبلغ طوله 176 كيلو متر، سيسمح لمصر بالربط مع باقي الدول الأفريقية.

الانعكاسات السياسية لمشروعات التعاون

بخلاف الآثار الاقتصادية المهمة لهذه المشروعات التعاونية التي انخرطت فيها مصر مع عدد من الدول في مجال الطاقة، فإن لهذه المشروعات انعكاسات سياسية تسهم في تعزيز مكانة مصر على الصعيدين الإقليمي والدولي:

1 – امتلاك عناصر القوة الشاملة

يُعدُّ امتلاك الموارد الاقتصادية والثروات والقدرة على استخدامها عنصرًا مهمًا من عناصر ومعايير حساب القوة الشاملة للدولة. وبقدر ما تمتلكه مصر من قدرات سياسية وعسكرية في مؤشر قوتها الصلبة، فضلًا عن عناصر قوتها الناعمة، فإن القوة الاقتصادية تُكمل لدى مصر معايير القوة الشاملة، خاصة وأن التعاون في مجالات الطاقة يسمح للبلاد التأثير والسيطرة على الفاعلين والأحداث.

ونجد أن دولًا كثيرة اعتمدت في تأثيرها في المحيطين الإقليمي والدولي على قوتها الاقتصادية فحسب، ومن ثم فإن علاقات التعاون التي أسست لها مصر اعتمادًا على قوتها الاقتصادية كمركز إقليمي للطاقة تُضاف إلى نفوذها السياسي وثقلها العسكري لتصبح لاعبًا مؤثرًا في المسرح الجيوسياسي العالمي.

2 – تعزيز المكانة عربيًا

مشروعات التعاون في مجال الطاقة بين مصر ومحيطها العربي والإقليمي تتعدى أهدافها المكاسب الاقتصادية المتبادلة وتعزيز التعاون الاقتصادي بين مصر والبلدان العربية والإقليمية، إذ تقع المصالح السياسية في قلب هذه الأهداف. فتسهم مشروعات الربط الكهربائي بين مصر والعديد من الدول العربية في خلق نفوذ فاعل لمصر في هذه الدول، وترسيخ مكانة مصر كقائد للأمة العربية.

وفي الوقت الذي تواجه فيه الدول العربية مشروعات إقليمية تهدف إلى السيطرة عليها وانتزاع ثرواتها ومقدرات شعوبها، تبزغ فيه آفاق جديدة لتحالف عربي نواته مصر يقف في وجه هذه المشروعات، ويرتكز بشكل أساسي على التعاون الاقتصادي، ومن ذلك ما ألمح له رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي باسم “الشام الجديد” أو “المشرق الجديد” كتحالف سياسي واقتصادي بين مصر والأردن والعراق، اعتمادًا على الربط الكهربائي بين الدول الثلاث في مقابل إمداد العراق لكل من مصر والأردن بالنفط بأسعار منافسة.  تكليلًا للتعاون الاستراتيجي بين الدول الثلاث الذي بدأ (مارس 2019).

3 – تعزيز المكانة أفريقيًا

أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي (ديسمبر 2019) استعداد مصر لتوفير الطاقة الكهربائية إلى القارة الأفريقية بأسعار منافسة ومخفضة بنصف ثمن تكلفة إنتاج الكهرباء في أفريقيا والذي يصل إلى 14 سنتاً/ك.وات. في ظل ما تعانيه الدول الأفريقية من نقص في إنتاج الكهرباء وارتفاع تكلفة الإنتاج. 

ومن هنا تأتي أهمية مشروعات الربط الكهربائي مع السودان لتصدير الطاقة الكهربائية إلى أفريقيا بأسعار مخفضة، فالسياسة دائمًا تتبع الاقتصاد، ومن ثم ترسيخ النفوذ المصري في القارة السمراء والذي بدأ الاهتمام به منذ عام 2014 وتكلل في رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي عام 2019 بعد تعليق عضويتها في الاتحاد عقب ثورة 30 يونيو.

4 – الشريك الأهم لأوروبا

تصب الكثير من الاتفاقات التي وقعتها مصر مع عدد من الدول في اتجاه تصدير الطاقة سواء الغاز الطبيعي أو الكهرباء إلى أوروبا، مما يؤكد واقع أن القاهرة الشريك الأهم للقارة الأوروبية في المنطقة. فبخلاف التنسيق المصري الأوروبي الكبير في الملفات كافة، ولا سيّما فيما يخص ليبيا وشرق المتوسط، تبرز أهمية التعاون الاقتصادي بين مصر والبلدان الأوروبية في ترسيخ كون مصر الضامن الأهم لأمن أوروبا بالحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، واعتمادًا على أهمية مصر كمورد للطاقة إلى القارة الأوروبية، ونقطة ارتكاز لغاز دول المنطقة.

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى