مكافحة الإرهاب

الحشد المستحيل.. خيارات الإخوان بعد الاجتماع الأول لمكتب الإرشاد برئاسة منير

ربما كان يجادل البعض بشأن طبيعة العلاقة بين أجنحة جماعة الإخوان بعد 2013 (إسطنبول – الدوحة – لندن) وبين شخصيات من أمثال المقاول الهارب محمد علي. بعض المحللين كان يراهن على توازي طرق تحرك كلا الطرفين وعدم ارتباطهما بشكل وثيق، سواء باتصالات متبادلة أو بتطابق في الرؤى والتوجهات السياسية. لكن أثبتت الوقائع خلال الأسابيع الماضية أن كلا الطرفين بات يتمترس بالآخر في محاولة لاستغلال تداعيات عدة تحديات تمر بها مصر حاليًا من أجل حشد ما يمكن حشده من المتظاهرين لعل هذه المرة ينجحون في قلب المعادلة المصرية التي أرساها الشعب والجيش في يونيو 2013.

إذا وضعنا جانبًا الظهور المستمر للمقاول الهارب في وسائل الإعلام المرتبطة بفرعي أنقرة والدوحة لجماعة الإخوان نستطيع أن نعتبر كشف المقاول عن تواصله هاتفيًا مع قائد التنظيم الدولي للجماعة إبراهيم منير الذي أصبح حاليًا قائمًا بمهام المرشد العام للجماعة بمثابة دليل واضح على حجم التنسيق بين الجانبين، ناهيك عن أن محمد علي تواصل مع عدة قياديين وكوادر في الجماعة منهم القيادي الهارب إلى تركيا ياسر العمدة.

هذا التنسيق يتضح بشكل أكبر من خلال قراءة ما بين سطور البيان الذي صدر اليوم عقب الاجتماع الأول لمكتب إرشاد الجماعة تحت رئاسة القائم الجديد بأعمال المرشد إبراهيم منير، فقد كان أغلب المتابعين لتطورات العلاقة بين القواعد الشبابية للجماعة المنحلة وبين قيادة الأمر الواقع للجماعة (إبراهيم منير – محمود حسين) كانوا يتوقعون أن يكون هذا البيان موجهًا إلى هذه القواعد لتهدئتها بعد البيانات المتكررة من جانبها التي أعلنت فيها بشكل واضح وقاطع رفضها للنهج الحالي الذي تنتهجه قيادة الجماعة وعدم رضاها عن قرار تولي إبراهيم منير لمنصب المرشد العام.

رأت بعض هذه القطاعات في هذا القرار بمثابة تدشين للخروج الكامل لقيادة الجماعة من مصر وتوطينها في أنقرة والدوحة وعواصم أخرى، وهذا يجعل هامش حرية اتخاذ القرار المتوفرة للجماعة وقيادتها شبه معدوم في ظل هيمنة أشخاص يأتمرون بشكل كلي بالأوامر التركية ويتحركون سياسيًا وميدانيًا بناء على رؤية وتوجهات حكومة حزب العدالة والتنمية.

فوجئ المتابعون لهذا الملف بإن البيان المنتظر غاب عن أي ذكر للأزمة الداخلية في الجماعة المنحلة، وهذ أزمة وصلت إلى حد تشظي الجماعة إلى عدة قطاعات أبرزها القطاع المؤيد لتوجهات رئيس اللجنة الإدارية السابق محمد كمال والقطاع المؤيد لنائب المرشد محمود حسين ولقائد التنظيم الدولي للجماعة إبراهيم منير. بدلًا من ذلك كان البيان بمثابة (نداء تعبوي) تخاطب فيه الحركة مناصريها من أجل الاستعداد لساعة صفر غير محددة وغير معلومة ينزلون فيها إلى الشوارع للتظاهر ضد الدولة المصرية. والمفارقة هنا أن البيان يخاطب مكاتب الحركة ومراكزها في الداخل المصري علمًا أن هذه المركز في مجملها معترضة بشكل كامل على طريقة إدارة شؤون الجماعة في مرحلة ما بعد مقتل القيادي محمد كمال.

البيان احتوى على ألفاظ وعبارات منسوبة إلى أحد القيادات التاريخية للجماعة سيد قطب، وهي إشارة لا تخطئها العين إلى التأثير الذي تركه الضلع الثالث (الغائب) في ثالوث سلطة الأمر الواقع المهيمنة على قرار جماعة الإخوان، وهو القائم السابق بأعمال المرشد العام للجماعة محمود عزت الذي تم اعتقاله الشهر الماضي في ضربة قوية مازالت آثارها بادية على ذهنية الجماعة وتحركاتها الحالية.

ذكر البيان بشكل صريح ما أسماه (قانون المخالفات) وزيادة (الأسعار) وكذا (الفشل في الملفات الخارجية)، وهو عزف متزامن ومتطابق من جانب الجماعة على نفس الأوتار التي يعزف عليها المقاول الهارب إلى الأراضي الإسبانية محمد علي حيث يريد كلا الجانبين استغلال حالة الجدل الراهنة في مصر بشأن هذا القانون، والقصور في تنفيذ خطة الدولة لمحاصرة العشوائيات والقضاء على المخالفات من أجل حشد أكبر عدد ممكن للتظاهر ضد الدولة يوم 20 سبتمبر القادم، مع أن وقائع السنوات الماضية أكدت أن قدرة كلا الجانبين على الحشد باتت معدومة، خاصة جماعة الإخوان التي كانت في حقب سابقة تمثل الطرف الوحيد في مصر القادر على الحشد المنظم للجماهير التي كان معظمها مخدوعًا بالخدمات الشعبية التي كانت تقدمها الجماعة إلى الشعب خلال فترة ما قبل ثورة يناير 2011.

جدير بالذكر هنا أن موقع العربي الحديث كان قد كشف سابقًا عن تنفيذ الجماعة لخطة منظمة تتضمن محاولة استقطاب الشباب المصري الناشط على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي من أجل دفعهم للمشاركة في أية دعوات مقبلة للتظاهر ضد الدولة، وأوردت مثالًا على ذلك وهو الصفحة المسماة (نسور الصعيد) التي كانت تنشر على فترات متباعدة منشورات مناهضة للدولة بعضها كان ممولًا كي يظهر لأكبر عدد من المتابعين على صفحات موقعي فيسبوك وتويتر، واتضح ان هذه الصفحة وغيرها من الصفحات كانت تدار من العاصمة القطرية والعاصمة التركية.

هذه الاستراتيجية مضافًا إليها الضخ الإعلامي المستمر من جانب القنوات التركية الناطقة بالعربية ووسائل الإعلام الناطقة بالعربية والإنجليزية التابعة لقطر باتت تمثل الوسيلة الوحيدة المتوفرة للجماعة المحظورة من أجل حشد ما يمكن حشده من محتجين ضد الدولة المصرية، وقد بات واضحًا ان هذه الاستراتيجية أثبتت فشلًا كبيرًا منذ عام 2016 وحتى الأن، خاصة بعد أن تمكنت الشرطة المصرية من لجم وإنهاء التهديدات الإخوانية النوعية التي تمثلت في المجموعات الإرهابية المسلحة مثل (حسم) و(لواء الثورة)، وتكللت هذه الجهود بتمكن الشرطة المصرية من القضاء على الأب الروحي لهذه المجموعات وهو الرئيس السابق للجنة الإدارية العليا التي تم تكليفها بإدارة شئون الجماعة عقب ثورة يونيو 2013.

إذًا بالنظر إلى ما تقدم هل فعلًا تستهدف الجماعة بدء حملة تصعيدية كبيرة ضد الدولة المصرية أن توجهاتها هذه مرتبطة بمآرب أخرى. الوقائع تشير إلى أن السبب الرئيسي وراء تلقف جماعة الإخوان لدعوة المقاول الهارب للتظاهر خلال الشهر الجاري يعود إلى أزمة القيادة والسيطرة التي تعانيها الجماعة في الوقت الحالي. فقد ارتأى الثنائي المسيطر على قرار الجماعة (إبراهيم منير – محمود حسين) أن السبيل الأمثل لكتم الأصوات المعارضة لنهجهما في إدارة الجماعة هو بتوجيه هذه الأصوات في اتجاه معركة أخرى يستنزفون فيها طاقاتهم، وبالتالي لا يمثلون خطرًا على متانة سيطرة هذا الثنائي على قرار الجماعة وأموالها.

ولكن حتى هذه الذهنية تواجه على الأرض مشاكل عدة فبالنظر إلى انعدام أي تأثير للجماعة على الأراضي المصرية؛ إذ فشلت الجماعة خلال السنوات الأخيرة في تنفيذ أية فعاليات ميدانية أيا كان نوعها. أصبحت قواعد الجماعة الشبابية داخل وخارج مصر متشككة بشكل أكبر من أي تشتيت في توجهات قيادة الجماعة الحالية ونزاهتها، وهذا يتعزز أكثر حين ينظرون إلى الأوضاع المزرية التي يعيشها شباب الإخوان المتواجدون في تركيا، ومعاناتهم في الحصول على السكن والعمل والجنسية.

وهي معاناة اتضح أن إبراهيم منير نفسه جزء منها، وكذلك فإن انكشاف وقائع الفساد المالي للقيادة الحالية للجماعة ومن أشهرها ما كشف عنه القيادي في الجماعة أمير بسام في يوليو 2019 حول اعتراف محمود حسين بشراء شقق في تركيا من أموال التبرعات التي يحصلون عليها لصالح جماعة الإخوان، وأنه قام بتسجيل هذه الشقق باسمه، وكذا شراء سيارة خاصة بقيمة 100 ألف يورو. هذه العوامل وغيرها تجعل قواعد الإخوان الشبابية تنظر بعين الريبة إلى أية تحركات أو بيانات من قيادتها تتجاهل الشروخ العميقة التي تعانيها الجماعة في بنيتها الاجتماعية والتنظيمية.

خلاصة القول إنه على الرغم من أن ملف مخالفات البناء قد يكون ملفًا محوريًا يمكن أن تجد فيه جماعة الإخوان بطريقة أو بأخرى ما تسوقه لجمهورها ومريديها على أنه سبب يدعو إلى الخروج على الدولة والسلطة في مصر، إلا أن ضعف قدرة الجماعة على الحشد وعدم وجود أرضية مؤيدة لها في الداخل المصري وكذا المشاكل الداخلية التي تعانيها الجماعة التي انقسمت إلى عدة كيانات تتصارع فيما بينها على تقاسم الموارد المالية والمكاسب، كلها عوامل تشير إلى أن مناورة منير الجديدة ربما لن تقنع أحدًا سواه.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى