
تسرب الإرهاب.. كيف يهدد الوضع في غرب ليبيا تونس؟
بعد يومين من منح حكومة “المشيشي” في تونس الثقة، وسط آمال بإنهاء أشهُر من حالة عدم الاستقرار السياسي وكذا تراجع نمو الاقتصاد الذي انخفض لـ 21% جراء تداعيات فيروس كورونا تعرضت البلاد لحادث إرهابي في السادس من الشهر الجاري، أعاد للواجهة التحديات والتهديدات الأمنية الآخذة في التصاعد التي تقع على كاهل الدولة التونسية. إذ أعلنت وزارة الداخلية التونسية مقتل عنصر تابع للحرس الوطني وإصابة آخر إثر تعرضهما لعملية دهس بواسطة ثلاثة إرهابيين في ولاية سوسة شرقي البلاد.
وتابعت وزارة الداخلية في بيانها، أنها تولت تمشيط مكان العملية وطوقت الإرهابيين وقامت بتصفيتهم بعد تبادل لإطلاق النار. كما سارع تنظيم “داعش” الإرهابي لتبني العملية ليطل التنظيم برأسه من جديد على المشهد السياسي والأمني في تونس، ليفتح تساؤلات كثيرة حول دلالات ودوافع الهجمة الأخيرة، وكذا مستقبل تونس السياسي.
مشهد سياسي مضطرب
يكابد المشهد السياسي التونسي في العقد الأخير العديد من تحديات عدم الاستقرار النسبي الذي بات سمة النظام السياسي فيها، حيث تعاقبت على تونس 6 حكومات منذ العام 2011، (حمدي الجبالي ديسمبر 2011 – على العريض مارس 2013 – مهدي جمعة 2014 – الحبيب الصيد فبراير 2015 – يوسف الشاهد 2016 – إلياس الفخفاخ فبراير 2020). وكان التباين الأيديولوجي والسياسي بين مكونات هذه الحكومات باعثًا نحو عدم الاستقرار، وفشل تلك الحكومات في التعاطي مع الأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تُنه استقالة رئيس الحكومة التونسية، إلياس الفخفاخ، في يوليو الماضي، الأزمة السياسية في تونس بل مثّلت نقطة تحوّل جديدة. وكان الفخفاخ قد أقال الوزراء الستة المنتمين لحركة النهضة، في مؤشر على الخلافات العميقة بين الطرفين، حيث قدمت “النهضة” لائحة لوم لسحب الثقة من رئيس الحكومة.
وبعد استقالة حكومة “الفخفاخ” بأسبوعين، صوت البرلمان التونسي في جلسةِ سبقها حراك في الشارع التونسي؛ على سحب الثقة من رئيس البرلمان “راشد الغنوشي”. وشهدت جلسة البرلمان التي طرحت خلالها لائحة سحب الثقة توترًا كبيرًا بين مختلف القوى البرلمانية. وأخفقت محاولة المعارضة التونسية لسحب الثقة حيث لم يؤيد لائحة سحب الثقة سوى سبعة وتسعين نائبًا، فيما كانت تحتاج إلى دعم مئة وتسعة نواب.
ودعم اللائحة تكتل برلماني من سبعة أحزاب معارضة، جراء علاقة “الغنوشي” الوطيدة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، علاوة على اتهامات بتقديم دعم لوجيستي لتركيا في ليبيا، وفتح فضاءاتها لتمكين طرف سياسي من دعم لوجيستي على حساب بقية الأطراف السياسية. فضلًا عن اتهامات بالعمل وفق مصالح وأجندات أنقرة بالمنطقة.
بيد أن الاضطراب السياسي الذي تكابد تداعيته تونس تزامن مع مخاطر أخرى تختمر على الجانب الآخر من الحدود، باتجاه ليبيا، وما فاقم من ذلك، طبيعة الانخراط العسكري التركي غرب البلاد وعلى مقربة من الحدود التونسية الليبية.
عناصر “داعش” التونسيين.. شبح يطل برأسه من جديد قباله الحدود
جاء الانخراط العسكري التركي في ليبيا مغايرًا لمثيله في شمال “سوريا – العراق”، فعلى الرغم من استمرار اعتماد تركيا على الميلشيات المسلحة تعمل كجيوش مصغرة تتصدر الصفوف الأولي، وتقوم بأعمال التطهير والتصفية الميدانية، والتمهيد للقوات التركية النظامية بالتقدم بأقل خسائر ممكنة في البيئات شديدة الخطورة؛ جاء الانخراط التركي في ليبيا ليؤسس لأكبر عملية إعادة تموضع وانتشار للتنظيمات المسلحة شهدتها الظاهرة الإرهابية في ثوبها الجديد العابر للحدود.
حيث تمكنت تركيا في أقل من ستة أشهر من نقل أكثر من 16 ألف مرتزق سوري للجيوب العسكرية غرب ليبيا، واستخدمت أنقرة في عمليات النقل، جسرًا جويًا وبحريًا، قوامه الطائرات العسكرية والمدنية وسفن الشحن التجاري.
فضلًا عن توريد السلاح لميليشيات حكومة الوفاق التي تُدار من قِبل أشخاص مدرجين على قوائم الإرهاب الدولي.
مكّن الدعم التركي اللامحدود لميليشيات حكومة الوفاق من خلق توازن قوي بالغرب الليبي، تمكنت على إثره الميلشيات وتحت الدعم والإسناد التركي من الطائرات المسيرة والفرقاطات البحرية، من استعادة السيطرة علي بعض المناطق التي فقدتها خلال حملة الجيش الليبي لتحرير العاصمة طرابلس “طوفان الكرامة”. لكن تلك المجموعات الميليشياوية وقفت خلف خط “سرت – الجفرة” بنحو 100 كلم، بعد الإعلان المصري في يونيو الماضي.
وعلى الرغم من هدوء الجبهات نسبيًا منذ ثلاثة أشهر مضت مقارنة بديناميكيات الوضع الميداني مطلع العام الجاري، إلا أن أخطار “تكديس” عناصر المرتزقة خلف في الغرب الليبي تفاقمت بعدما لجأت أنقرة لنقل عناصر “قيادية” من تنظيمي القاعدة وداعش وسط صفوف مرتزقة ألوية “سليمان شاه – السلطان مراد – احرار الشرقية – الحمزات”.
هذا من جهة، ومن جهة اخري نقلت تركيا نحو 2500 عنصر من تنظيم “داعش” للغرب ليبيا من أصحاب الجنسية التونسية. وذلك ضمن إجمالي الـ 16 ألفًا من المرتزقة الموجودين حاليًا بمدن وبلدات غرب ليبيا. ما أثار القلق داخل السلطات الأمنية التونسية التي لم تخفِ هي الأخرى تخوفاتها من التطورات الوضع الميداني قبالة حدودها وأقامت قبل أربعة سنوات “ساتر ترابي” بطول الحدود مع ليبيا، بُغية منع تسلسل العناصر الإرهابية بالداخل التونسي، والاستجابة السريعة لما قد يطرأ من مستجدات بالصراع الليبي.
ورغم إنشائه للساتر الترابي اختبر الجيش التونسي نحو أربعة محاولات لتسلل عناصر إرهابية قادمة من الحدود الليبية صوب تونس، وكانت محاولات التسلل تتم بواسطة عربات الدفع الرباعي. حيث تصدى الجيش التونسي لأربع سيارات اجتازت الحدود من ليبيا في يوليو من العام 2016، وفي يونيو من العام 2017. وكانت آخر المحاولات بعد ساعات من العملية الإرهابية الأخيرة في “سوسة” شرقي البلاد. قالت وزارة الدفاع التونسية، إن وحداتها العسكرية أطلقت النار على 3 سيارات مشبوهة قادمة من ليبيا اخترقت الحدود بعد مطاردتها، وتمكنت من توقيف اثنين منها، فيما لاذت السيارة الثالثة بالفرار.
وتلقي هذه الحوادث بالضوء على أحد أهم التحديات التي تواجه السلطات التونسية، التي تنظر بتوجس إلى الأوضاع المضطربة في ليبيا، وتخشى من تداعياتها على الأمن القومي. وما يعزز ذلك التوجس أن تونس كانت من أكبر البلاد العربية تصديرًا للعناصر التي التحقت بتنظيم داعش الإرهابي، فوفق دراسة أعدها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وصل عدد التوانسة الذين التحقوا بتنظيم “داعش” لـ2900 عنصر، قُتِل منهم 552 حتي مارس 2018، وهو ما يتسق ما صرح به الناطق الرسيم باسم الإدارة العامة للأمن الوطني “وليد حكيمة” بأن عدد التوانسة الذين توجهوا إلي بؤر التوتر الخارجية هو 2929.
وبالرغم من انتهاء المعارك الكبرى في الميدان السوري والعراقي، -عدا معارك جيب إدلب العسكري– إلا أن المكون التونسي من تنظيم داعش لم يتم تصفيته بالكامل، ما يثير الشكوك حول إعادة “تدوير” هذه العناصر ضمن الكيانات المشكلة حديثاً في الشمال الغربي السوري، وخاصة احرار الشرقية، التي تورطت في قتل الناشطة الكردية “هيرفين خلف”.
ويتعاظم قلق السلطات الأمنية في تونس من الوضع الميداني بالجوار الليبي، لاسيما بعد تأكيد العميد مختار بن نصر رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في العام الماضي بأن السلطات التونسية منعت نحو 17 ألف شخص من مغادرة البلاد كانوا يعتزمون الذهاب لمناطق وبؤر القتال في المنطقة. ما يضع المؤسسات العسكرية والأمنية التونسية أمام ضغط كبير لضبط الموقف على الحدود الليبية وبالداخل التونسي، حيث بات واضحًا ان استمرار الجسر الجوي والبحري التركي الذي يغذي الغرب الليبي بعناصر إرهابية شديدة الخطورة مسلحة بحزمة تسليحية قد تفوق ما يملكه عناصر حرس الحدود التونسي، فضلًا عن اقتتال الميليشيات المسلحة الليبية وضعف القبضة الأمنية المركزية لحكومة الوفاق في سائر مناطق الغرب، ما قد يفضي باحتمالات خروج “وكلاء” أنقرة عن الخطوط المرسومة لهم وظيفيًا، وخاصة في ظل ترتيب أوراق حكومة الوفاق واستبعادِ للبعض دون الآخر في الهياكل السياسية والعسكرية؛ إبان بزوغ آفاق تسوية سياسية جديدة تدور رحاها في المملكة المغربية.