تركيا

مديرية الشؤون الدينية.. كيف صنع أردوغان “طالبان التركية”؟

في مارس 1924 أصدر الرئيس التركي مصطفى كمال أتاتورك القانون رقم 429 بإنشاء “مديرية الشؤون الدينية” لتصبح مسؤولة عن إدارة الشؤون الدينية التي يفترض للدولة أن تديرها، وهي مديرية أشبه بوزارة الأوقاف في الدول العربية، إضافة إلى محاولتها التشبه بـ”مشيخة الأزهر” في مصر.

ومع وصول الإسلاميين للسلطة في أنقرة عام 2002، بدأت خطة استيلاء حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان على مديرية الشؤون الدينية، في نسخة تركية من محاولة نظام محمد مرسي لأخونة الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء في مصر.

وبحلول عام 2010، تحولت مديرية الشؤون الدينية “ديانت” إلى واحدة من اهم أدوات الإسلاميين الاتراك (العثمانيين الجدد) في السيطرة على المجتمع التركي ونشر أفكار الإسلام السياسي وفرضها على المجتمع التركي. وبدأت الأقلام الليبرالية في نقد المديرية الدينية التي تكرس ميزانيتها وجهودها لنشر المذهب/الإسلام الحنفي – بحسب وصف الليبراليين الاتراك – في تركيا غير مبالية بالتنوع الديني التركي، فإذا كان ثلث الأتراك يتبعون المذهب الحنفي فإن تركيا تضم 15 مليون علوي و3 ملايين شيعي ومليون نصيري يميزون أنفسهم عن العرب العلويين، بالإضافة إلى 15 مليون كردي يتبعون المذهب الشافعي وليس المدرسة الحنفية.

وبحلول عام 2015 تضاعفت ميزانية مديرية الشؤون الدينية أربع مرات عما كانت عليه قبل حكم أردوغان، لتصل إلى 2 مليار دولار سنويًا، بزيادة 40 % من مخصصات وزارة الداخلية في الميزانية التركية، وتساوي ميزانية وزارات الخارجية والطاقة والثقافة والسياحة مجتمعة!

وقبل ممارسات القمع التي مارسها أردوغان عقب أحداث 15 يوليو 2016، كان للصحافة التركية هامش من الحرية سمح برصد تخصيص سيارات فارهة ومسبح جاكوزي لرئيس المديرية الموالي لحزب أردوغان، الشيخ محمد جورمز الذي تولى رئاسة المديرية ما بين عامي 2010 و2017، وقد عينه أردوغان خلفًا للشيخ علي بارداق أوغلو الذي رفض عام 2010 قانون الغاء حظر الحجاب في تركيا.

وقام محمد جورمز بحركة تطهير واسعة داخل المديرية وتم فصل المئات من الأئمة الليبراليين أو الموالين لحركة الخدمة التابعة للزعيم فتح الله كولن، من اجل هيكلة المديرية لخدمة التوجه السني المحافظ الذي ميز الإسلام السياسي في تركيا رغم “صوفية” رجالاته.

كيف سيطرت تركيا على الجاليات المسلمة في الغرب؟

وإذا كانت المديرية تسيطر على 85 ألف مسجد داخل تركيا فهي تسيطر على 2000 مسجد خارج تركيا، وهذه المساجد التركية خارج تركيا ليست مجرد أماكن للصلاة بل هي مراكز دينية ودراسية استطاع النظام التركي أن يحولها إلى مراكز استخباراتية وسياسية تسعى إلى مصادرة الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا وامريكا وآسيا لصالح الإسلام السياسي التركي وتحويلهم إلى طابور خامس تركي.

كما أن سيطرة المديرية التركية على تلك المساجد وتعيين أئمة لها قد سمع لأنقرة أن تنشر شبكة من الأئمة في شتى دول العالم، إذ تحملت المساجد التركية في ألمانيا إلى كيان موحد هو “الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية” Türkisch-Islamische Union der Anstalt für Religion e.V كذا مركز ديانت في العاصمة الأمريكية واشنطن، أما في بلجيكا فإن 95 % من مساجد المملكة على الأقل تقع تحت سيطرة المؤسسة الدينية الإسلامية التركية في بلجيكا Fondation Religieuse islamique turque de Belgique وهى المسؤول الأول عن تنفيذ الجنازات الإسلامية في شتى مدن بلجيكا.

وتعمل المراكز والمدارس الإسلامية التركية خارج الأراضي التركية على نشر اللغة التركية والثقافة التركية والترويج للخلافة العثمانية ومشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والترويج للأفكار السياسية التركية المناهضة للأنظمة المصرية والسعودية وبعض الأنظمة التي تناصبها أنقرة العداء.

تحويل المسلمين إلى لوبي تركي في ألمانيا

“الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية” في ألمانيا تلقى تمويلات ثابتة من الحكومة الألمانية ما بين عامي 2012 و2018، رغم أن الاتحاد تابع للمديرية التركية التي تعتبر بدورها مؤسسة حكومية تركية وكافة عناصرها موظفين في الدولة التركية، وسمحت الحكومة الألمانية للاتحاد منذ تأسيسه في ألمانيا عام 1984 بتأسيس الجمعيات العامة التي بلغت 870 جمعية، قبل أن يعلن أردوغان عن خطة عام 2016 شملت تمويل بناء 900 مسجد جديد في ألمانيا.

ومع تأكد الحكومات الأوروبية من أن الجهود التركية ما هي إلا محاولة صناعة لوبي شعبي تركي داخل المجتمعات الأوروبية، أصدرت المخابرات الألمانية والفرنسية بحلول منتصف عام 2018 تحذيرات من تمادي المديرية التركية في التغلغل داخل المجتمعات الأوروبية، وأن دين الإسلام والجاليات العربية والمسلمة في الغرب أصبحت أشبه بطابور من العملاء لصالح “حزب أردوغان” بحسب التقارير الاستخباراتية، وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر صرامة من برلين حينما صك مصطلح “الانفصاليين الإسلاميين” لوصف نفوذ الإسلام السياسي وأجرى اتصالًا بالحكومة المصرية من أجل إيفاد أئمة من الأزهر الشريف بدلًا من أئمة المديرية التركية.

خطوة أخيرة لأخونة الجيش التركي

وفى 6 أغسطس 2020 أصدر أردوغان بصفته رئيسًا لتركيا قرارًا بتعيين عناصر من مديرية الشؤون الدينية داخل الجيش التركي، للقيام بمهام الوعظ الديني وتنظيم الأمور الدينية للجيش التركي بالإضافة إلى أن تلك العناصر سوف يحق لها الترقية داخل الجيش والحصول على رتب عسكرية والقيام بمهام عسكرية إذا ما تطلب الامر ذلك.

القرار يعتبر آخر خطوات العثمانيين الجدد لأسلمة/أخونة الجيش التركي ومصادرته لصالح مشروع الإسلام السياسي والتنظيم الدولي للإخوان بدلًا من أن يصبح جيش كل الأتراك الجمهورية التركية، وكانت الشؤون الدينية للجيش التركي في السابق تنظم عبر القيادة العامة للجيش التركي وعبر ضباط من داخل الجيش وليس عبر تعيين عناصر موالية لأردوغان داخل الجيش تحت مسمى أنهم أئمة في مديرية الشؤون الدينية، ومن ثم يصبح لديهم القدرة على الترقي وتولي مناصب قيادية ورتب عسكرية دون التخرج من الكليات العسكرية أو أداء الخدمة العسكرية أو تولي المناصب والرتب العسكرية من أسفل السلم إلى أعلاه كما جرت العادة في كافة المؤسسات العسكرية حول العالم وعبر التاريخ!

التقرب من باكستان وصناعة لوبي في الهند

وفى 13 أغسطس 2020 أصدرت وكالة zee news الهندية للأنباء تقريرًا عن المديرية التركية، أشارت إلى أن أسلوب المدارس التابعة لها شديد الشبه بالمدارس الدينية الباكستانية التي أخرجت حركة طالبان، وان مدارس المديرية التركية تواصلت مع زعماء الإسلام السياسي في الهند من أجل تشكيل ذراع تركية داخل الجمهورية الهندية.

وأشار التقرير إلى أن المديرية التركية لعبت دورًا مهمًا في تعزيز الدور التركي في باكستان، رغبة من الرئيس التركي في مناوئة النفوذ السعودي في إسلام أباد، إضافة إلى سعى أردوغان لتشكيل محور تركي باكستاني مناوئ للهند.

طالبان التركية كما أطلق عليها الهنود تعمل أيضًا داخل باكستان ولها العديد من المساجد التي بدأت ترث دور المدارس الدينية الباكستانية على ضوء السمعة السيئة التي حصدتها المدارس الباكستانية عقب قيام الملا محمد عمر إحدى رجالات هذه المدارس باختيار رجالاته وتلامذته منها وتأسيس حركة طالبان الأفغانية والباكستانية.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى