تركيا

بلومبرج: استعراض عضلات تركيا في المتوسط لا يتعلق فقط بالغاز

عرض – أحمد السيد

في تقرير صادر عن وكالة “بلومبرج” بتاريخ 7 سبتمبر 2020، لـ “مارك تشامبيون” ذكر أن التوترات الواقعة في شرق البحر المتوسط لا تتعلق بالغاز فقط، بل برغبة تركيا في “استعراض عضلاتها” في شرق المتوسط. وأشار التقرير إلى أنه وفي الوقت الذي تُعيد فيه تركيا بناء قوتها البحرية وتتنافس على المياه المتنازع عليها، فإنها تدخل مرة أخرى في صراع مع أعدائها التاريخيين للغرب.

تركز الاهتمام الدولي على السباق على رواسب الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط الذي دفع ليس فقط تركيا، ولكن أيضًا قبرص ومصر واليونان وإسرائيل للمُطالبة بحقوقهم في أحد أكثر البحار ثراءً بالغاز الطبيعي. ومع ذلك، فإن جذور التوترات تبدو أعمق من ذلك بكثير.

أوضح التقرير أن التوترات الأخيرة كشفت عن حجم طموح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” – الذي يلاقي رفضًا خارجيًا في عدد من الدول – لبناء قوات بحرية، لتأكيد مصالح دولته كقوة إقليمية إسلامية على وجه التحديد، قادرة على التعامل “الند بالند” مع أوروبا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

Turkeys largest military exercise Sea Wolf (Denizkurdu) 2019

تمكنت تركيا من خلال اعتمادها على السفن السطحية والغواصات الجديدة المُنتجة محليًا، من نشر قوتها خارجيًا بنجاح فاجأ وأقلق في الوقت نفسه الدول الساحلية الأخرى. كما لفت التقرير إلى أن هناك فرقاطات أكبر في طور الإعداد، ومن المقرر أن تدخل حاملة طائرات يصل وزنها لـ 27 ألف طن الخدمة لدى البحرية التركية بحلول العام المقبل.

في السياق ذاته، قال “ريان جينغيراس” (Ryan Gingeras)، الأستاذ في إدارة شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا بكاليفورنيا ومتخصص في الشؤون البحرية التركية: “الأمر لا يتعلق فقط بغاز شرق المتوسط، فهناك مجموعة أكبر من القضايا الهامة، فتركيا ترى نفسها مُحاطة بمنافسين وخصوم عديدين ما سيدفعها لاستخدام القوة لتأكيد نفوذها، وإثبات أنها القوة الأعظم في شرق البحر الأبيض المتوسط” ورأي أن تركيا تستطيع القيام بذلك”.

سعي تركي نحو “الاستقلال الاستراتيجي”

وفقًا للتقرير، فإن تركيا تسعي لتحقيق ما تُسميه “الاستقلال الاستراتيجي” من خلال بنائها للسفن البحرية التركية والتوسع في صناعة الأسلحة محليًا بدءًا من السفن الحربية إلى المروحيات الهجومية إلى الطائرات بدون طيار. فأنقرة تسعى للاستقلال الاستراتيجي بعيدًا عن الموردين الغربيين، الذين تنظر إليهم على أنهم مُنافسون أكثر من كونهم شُركاء لها.

كان أردوغان قد أعلن في وقت سابق أن بلاده تنوي الامتناع بشكل تام عن استيراد منتجات الصناعات الدفاعية بحلول عام 2023، (الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية) مشيراً إلى أنه بحلول هذا العام ستطور بلاده منتجاتها الخاصة بهذه الصناعات. إلا أن الخبراء استبعدوا حدوث ذلك، قائلين إن الاقتصاد التركي يعاني من أزمة طاحنة قد تقوض طموحاته، هذا بالإضافة إلى تهديد الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على أنشطة تركيا في المنطقة.

انخراط تركي في قضايا الشرق الأوسط

على صعيد آخر، شق الجيش التركي طريقه إلى شمال سوريا، ليضمن مقعدًا على الطاولة في تطورات الأوضاع هناك. وفي ليبيا، ساعدت السفن الحربية التركية في إمداد ودعم حكومة الوفاق في طرابلس الليبية. 

كما تقوم الأساطيل البحرية التركية حاليًا بشكل روتيني بمرافقة السفن التي تجري عمليات المسح الزلزالي في منطقة شرق المتوسط، الأمر الذي يثير استفزاز دول المنطقة، وفي مقدمتها اليونان. وفي الشهر الماضي، نتج عن ذلك تصادم مع سفينة تابعة للبحرية اليونانية حيث وصلت العداوة بين العضوين في الناتو إلى أعلى مستوياتها منذ مواجهة عام 1996 بين البلدين حول جُزر “بحر إيجه”، الأمر الذي كاد أن يتسبب في نشوب حرب بينهما.

كما دعا أردوغان في خطاب ألقاه يوم السبت 26 أغسطس 2020 خلال فعالية لإحياء ذكرى نصر الأتراك السلاجقة العسكري على الإمبراطورية البيزنطية في “ملاذكرد” في القرن الحادي عشر، قائلاً “ستحصل تركيا على نصيبها العادل في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه والبحر الأسود”، وأضاف “إذا قلنا إننا سنفعل شيئاً، فسنفعله بالفعل، وسندفع ثمن ذلك”.

President of Turkey Recep Tayyip Erdogan in Turkey's Mus

وأضاف تقرير بلومبيرغ، أن أردوغان حذر اليونان بشكل مباشر من أنها ستُعاني “في ميدان المعركة” إذا لم تتوصل إلى تسوية دبلوماسية. ويبدو من غير الواضح كيف يمكن التعامل مع عدوانية أردوغان. وفي مقابلة مع بلومبرج قال “إبراهيم كالين” المتحدث باسم الرئاسة التركية، “إن تركيا تهدف إلى الضغط على الشركاء في منطقة المتوسط للنظر والتفاوض بشأن المصالح التركية في المنطقة التي تم تجاهلها لفترة طويلة”. ورغم أن استعراض تركيا لقوتها في المنطقة جذب الاهتمام الدولي إليها، فإنه ترك شعبها البالغ تعداده 83 مليون نسمة في شبه عزلة دولية.

توترات دولية على المتوسط

وفي الأسبوع الماضي أعربت البحرية التركية عن قلقها من اعتزام روسيا إجراء مناورة بحرية بالذخيرة الحية في البحر المتوسط في وقت لاحق من الشهر الجاري، قررت الولايات المتحدة رفع الحظر المفروض منذ عقود على تصدير السلاح إلى قبرص. وفي خطوة لاستعراض القوة نشرت فرنسا مقاتلاتها الحديثة من طراز “رافال” في إحدى القواعد الجوية بقبرص.

GREECE-TURKEY-DIPLOMACY-ARMY

عقيدة الوطن الأزرق التي ترسم أطماع أردوغان

أشار تقرير بلومبرج، إلى ما صرح به “جيم جوردنيز” (Cem Gurdeniz) الأميرال المُتقاعد والمدير السابق لتخطيط السياسات في البحرية التركية بأنه يُشارك أردوغان اعتقاده بأن المصالح الأساسية للولايات المتحدة وأوروبا الغربية تتعارض الآن مع مصالح تركيا.

وفي عام 2006 بلور “جوردنيز” عقيدة “الوطن الأزرق”((Blue Homeland التركية، وهي تحدد هدفا طموحًا للقيام من خلال الدبلوماسية والوسائل العسكرية القوية، بتحديد وتوسيع نطاق نفوذ تركيا في البحر المتوسط، وبحر إيجه، والبحر الأسود، مع تمكين الوصول إلى مصادر الطاقة والموارد الاقتصادية الأخرى. ويصف هذه الرؤية بأنها دعوة للدفاع عن حقوق تركيا البحرية، الأمر الذي لا تقبله اليونان، لأنه يضع مساحة كبيرة من الجُزر الخاصة بها تحت الهيمنة التركية.

هذا وتعتبر “أنقرة” أنها ووفقًا لخططها البحرية الحالية، فإنها ستتفوق على نظيرتها اليونانية، والتي اعتبرت لفترة طويلة القوة الأقوى في البحر. وردًا على ذلك قال المُتحدث باسم البحرية اليونانية إن وزارة الدفاع والبحرية لن تُعلق على هذا الأمر. 

هل تشُب حرب بين تركيا اليونان؟

ووفقًا لما جاء في تقرير بلومبيرغ، يرى “هوغو ديسيس” (Hugo Decis)، الباحث المتخصص في الشؤون البحرية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، أن أيا من هذه التطورات لن تجعل الحرب بين أنقرة وأثنيا حتمية، ولا حتى محتملة، لكن المخاطر المتصاعدة تتزايد.

واضاف “ديسيس”: “ما يجب أن يثير القلق حقاً هو تطوير تركيا آلية الأمر الواقع على غرار ما تفعله الصين” في إشارة إلى محاولة الصين فرض سيادتها، بحكم الأمر الواقع في بحر الصين الجنوبي.

+ posts

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

أحمد السيد

باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى