
معهد أوروبي: هل ستصبح “بيلاروس” أوكرانيا؟
عرض – آية عبد العزيز
نشر المعهد السويدي للشئون الدولية تحليلًا حول تطور الأوضاع في بيلاروس، في سبتمبر 2020، لـ للباحث “أندرياس أوملاند” هو زميل مشارك في برنامج روسيا وأوراسيا في المعهد السويدي. موضحًا أن تاريخ وسياسة بيلاروس وأوكرانيا يختلف ما بعد الاتحاد السوفيتي اختلافًا كبيرًا. ويمكن أن يؤدي التحول البيلاروسي الحالي إلى نتائج مماثلة لنتائج ثورة 2018 المخملية في أرمينيا، بدلاً من نتائج ثورة الكرامة 2013-2014 في أوكرانيا.
وفقًا لـ “أوملاند” تعد أوكرانيا وبيلاروس من أقرب دول أوروبا ثقافيًا من حيث لغاتهما السلافية الشرقية، والكنائس المسيحية الأرثوذكسية الرئيسية، ومكانتهما بين روسيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، فإن الأوكرانيين والبيلاروسيين، بوصفهما شعوب ما بعد الاستعمار، ويختلفون اختلافًا جوهريًا عن الروس في فترة ما بعد الإمبريالية الجديدة والذين تتشابه طموحاتهم الدولية جزئيًا مع طموحات الأتراك والصينيين اليوم.
كما أن الأوكرانيين البيلاروسيين -على عكس العديد من الروس أو المجريين أو الصرب- أشخاص مشبعون إقليمياً. بالرغم من التشابه بين أوكرانيا وبيلاروس إنهم لديهم بعض الاختلافات فـ “بيلاروس ليست أوكرانيا!”.
الخلافات بين بيلاروس وأوكرانيا
كشف التقرير أن بيلاروس تتمتع بتاريخ ما قبل الاتحاد السوفيتي، ، وما بعد الاتحاد السوفيتي، يختلف عن أوكرانيا وتتمثل أبرز ملامحه على النحو التالي:
- ضعف القومية البيلاروسية خلال الفترة القيصرية مقارنتها بالتحرر الأوكراني والوسطية العرقية وهو اختلاف لا يزال ساريًا حتى اليوم.
- كان الشتات البيلاروسي خلال الحرب الباردة أقل تنظيمًا ونشاطًا من مجتمعات المهاجرين الأوكرانيين الأكثر وضوحًا في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
- شاركت “مينسك” – على عكس الدولة الأوكرانية – في العديد من المخططات التنظيمية الإمبريالية الجديدة المختلفة لروسيا بعد عام 1991.
- كانت بيلاروس مؤسسًا مشاركًا للمنظمتين الرئيسيتين اللتين تجمعان معًا موسكو المهيمنة على أراضي الإمبراطوريتين القيصرية والسوفيتية السابقة اليوم.
- أصبحت “مينسك” عضوًا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) التي تسيطر عليه روسيا. وعضوًا مؤسسًا في الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي (EEU) الذي تم التوقيع على معاهدته الثلاثية الأولية من قبل موسكو ومينسك وأستانا في خضم تصعيد الكرملين لحربه المختلطة ضد أوكرانيا، في 29 مايو 2014.
- وقعت “مينسك” في 8 ديسمبر 1999 – بعد ثماني سنوات بالضبط من إبرام اتفاقيات بيلوفيج التي حلت الاتحاد السوفيتي – معاهدة تأسيس دولة اتحاد مع روسيا.
أما أوكرانيا؛
- فكانت ذات توجه غربي مؤيدة لأوروبا، وأعلنت عن رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كهدفًا رسميًا في عام 1998.
- وثق البرلمان الأوكراني هدف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في قانون الأمن القومي الأوكراني في عام 2003، وفي الدستور الأوكراني في عام 2019.
- أبرمت اتفاقية شراكة مع بروكسل في عام 2014، تمهيدًا نحو العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.
استكمل الباحث أن أقرب نظير لما بعد الاتحاد السوفيتي لقضية بيلاروس هو أرمينيا التي تبدو متشابهة من حيث صلاتها بروسيا والتاريخ الحديث. فهم أعضاء في منظمة اتفاقية الأمن الجماعي، الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، وكذلك مرتبطة اقتصاديًا بروسيا. في حين أن مينسك هي الشريك الأقرب لموسكو في شرق ووسط أوروبا، فيما تعد أرمينيا أكثر الدول الموالية لروسيا في جنوب القوقاز.
وفي عام 2018، شهدت أرمينيا انتفاضة انتخابية لا تختلف عن انتفاضة بيلاروس في عام 2020. مثل الاحتجاجات الأخيرة في بيلاروس، لم يكن للثورة الأرمنية المخملية أبعاد جيوسياسية، وأدت فقط إلى استبدال سياسي من الطراز القديم بآخر جديد، بقيادة “نيكول باشينيان” تتبع مسارًا إصلاحيًا داخليًا ومحافظًا خارجيًا على العلاقات الوثيقة مع موسكو مع إعادة تشكيل نظام سياسي مُتحجر هو ما يتوقعه ويقصده مجلس التنسيق للمعارضة البيلاروسية. ويبدو أن التطور المستقر نسبيًا في أرمينيا منذ تغيير السلطة في عام 2018 هو المستقبل المتوقع لبيلاروس بعد رحيل “لوكاشينكا”.
لماذا قد يختلف الانتقال في بيلاروس عن الانتقال في أرمينيا
وفقًا للباحث قد لا تكون الأمور سهلة كما يبدو للوهلة الأولى بالنسبة لمستقبل تغيير النظام البيلاروسي، ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب تتجسد أبرزها في أن:
- موقف الإمبريالية الروسية تجاه القومية البيلاروسية أكثر تعقيدًا من موقف موسكو نسبيًا.
- علاقة الهيمنة والعميل مع يريفان تُمكن أرمينيا من أن تقوم بثورة مخملية تحت شعارات الفخر الوطني والكرامة والحرية دون إثارة مشاعر أكبر في موسكو، طالما أن يريفان لم تكن لديها خطط لمغادرة الاتحاد الاقتصادي الأوروبي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي.
- استخدام الرموز والخطابات الإثنو قومية في بيلاروس في عام 2020، أكثر إزعاجًا للقوميين الإمبرياليين في روسيا من احتفالات الأرمن ببلدهم القومي في عام 2018.
- · تمتع القومية البيلاروسية ببعد أوروبي أكثر وضوحًا وهي أقرب جغرافيًا إلى جوهر أوروبا من القومية الأرمنية.
- · ميل المواطن البيلاروسي الذي يعرّف نفسه على أنه من أصل عرقي أو سياسي بيلاروسي بدلاً من المصطلحات السلافية الشرقية الشاملة إلى أن يرى شعب بيلاروس، قبل كل شيء، ينتمي إلى أوروبا.
- الطموح الجيوسياسي للكرملين فيما يتعلق بالدول السلافية الشرقية يختلف عن ذلك المتعلق بشعب جنوب القوقاز – وهو درس تعلمه الأوكرانيون منذ عام 2014.
- أثارت الاحتجاجات المناهضة للوكاشينكا حالة من الجدل حول العلاقات بين الدولة والمجتمع في بيلاروس، ومستقبل الاتحاد مع روسيا.
- تجلى تعبير المتظاهرون عن سيادة الأمة السياسية البيلاروسية بعلم وطني وليس الراية الرسمية للدولة وعليه فإن المتظاهرين اليوم أكثر راديكالية من الثوار الأوكرانيين في عامي 2004 و2013-2014 الذين استخدموا العلم الوطني الأوكراني الرسمي.
- تُكمن المشكلة المفاهيمية الثانية في أوجه التشابه بين الأنظمة السياسية والاقتصاديات التي وضعها لوكاشينكا وبوتين.
- في المقابل يعد تحالف يريفان مع موسكو هو تحالف جيوسياسي أكثر منه جيو-اقتصادي على عكس مينسك؛ حيث ينخرط الجانبين في نزاع إقليمي مع باكو حول منطقة ناجورنو كاراباخ الأذربيجانية.
ختامًا؛ بيلاروس ليست أوكرانيا ولا أرمينيا. بالرغم من ذلك لابد على مينسك أن تنتهج مسارا تصالحيا مع المتظاهرين، حتى لا تتجه نحو عدم الاستقرار الذي قد ينعكس بشكل سلبي على دول أوروبا الشرقية. وقد يتعين على بيلاروس ما بعد الثورة، من وجهة نظر الكرملين، الخضوع لدولة اتحاد تسيطر عليها روسيا وقبول انتمائها إلى أوراسيا بدلاً من أوروبا. إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الاعتدال الأكبر للمتظاهرين البيلاروسيين مقارنة بالثوار الأوكرانيين قد لا يكون ذا عواقب تذكر بالنسبة لموسكو. وربما تكون أفضل فرصة لبيلاروس ما بعد لوكاشينكا لتجنب مصير مشابه لمصير أوكرانيا ما بعد يانوكوفيتش هي تحول سياسي كبير في روسيا. لن يتم استبدال بوتين فحسب، بل يجب أيضًا استبدال النظام المحلي وعقيدته الخارجية.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية