
د. علي الدين هلال يكتب: ثلاثية القاهرة بغداد عمان
في 21 أُغسطس 2020، انعقدت قمة ثلاثية في عَمان جمعت بين الرئيس المصري، ورئيس الوزراء العراقي، والملك الأردني بهدف التشاور بينهم حول القضايا الراهنة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وأبرزها التدخلات الخارجية في شئون الدول العربية، وتسوية القضية الفلسطينية وفقا للقرارات الدولية التي أكدت مبدأ الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتُجاري بين الدول الثلاث.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها قادة الدول الثلاث، فقد اجتمعوا من قبل مرتين الأولى في القاهرة في مارس 2019، والثانية في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المُتحدة في سبتمبر من نفس العام
تنبعُ أهمية هذا اللقاء من مكانة الدول الثلاث ودورها في المنطقة. فهي تشمل مصرُ بثقلها السُكاني والعسكري واستقرارها السياسي وحركة سياستها الخارجية النشطة. والعراق بحُكم موارده الاقتصادية والنفطية الكبيرة، وموقعه الاستراتيجي على حدود الوطن العربي وجواره لكل من إيران وتركيا، والذي أصبح في فترة حُكم الرئيس ترامب ساحًة للتجاذب والصراع بين أمريكا وإيران. والأردن بحُكم موقعه في قلب المشرق العربي وامتلاكه لحدو مع سوريا والعراق ولُبنان والسعودية والضفة الغريية وإسرائبل ارتباطه المباشر بتطورات القضية الفلسطينية، وتأثيرات الضغوط الإسرائيلية عليه. والدول الثلاث حصلت على استقلالها القانوني في وقت مُبكر نسبيًا مُقارنة ببقية الدول العربية. فاستقلت مصر عام 1923، والعراق عام 1932، وإمارة شرق الأردن عام 1946 ثُم أصبحت المملكة الأردنية الهاشمية عام 1952. وجميعها من الدول المُؤسسة لجامعة الدول العربية. والأهم من هذا كله، أن هذه الدول أسست فيما بينها- مع اليمن- “مجلس التعاون العربي” في فبراير 1989.
كانت العلاقة بين مصر من ناحية والأردن والعراق من ناحية ثانية إحدى العناصر الأساسية في سياسة مصر العربية عمومًا أو تجاه المشرق العربي. مرت علاقات مصر بالبلدين بفترات من التوتر والعداء وأُخرى من التعاون والتحالف. كان التوتر في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي بسبب تحالف العراق مع بريطانيا وتركيا وإيران وباكستان وانشاء “حلف بغداد” في الوقت الذي أصرت فيه مصر على أن أمن المنطقة العربية ينبعُ من داخلها ويتحقق بأدي أبنائها، وبسبب ازدياد النفوذ الشيوعي في العراق في عهد عبد الكريم قاسم، وبسبب الخلاف على اتفاقية كامب ديفيد وتصدُر عراق صدام حسين للمُعسكر المُعادي للسياسة المصرية، وغزوه للكويت أغسطس 1990. وكان التعاون في فترات مُختلفة بسبب ثورة العراق في عام 1958، ودخول مصر والعراق وسوريا في مفاوضات لإنشاء اتحاد ثلاثي عام 1963. ثُم تبلور في الدعم العسكري والأمني المصري للعراق طوال سنوات الحرب العراقية الإيرانية (1880-1888) والذي توجه قيام مجلس التعاون العربي في1989، وخلال تلك السنوات، سافر ملايين المصريين للعمل في العراق. وبالنسبة للأردن، فقد سعى في أغلب الأحيان لاتباع سياسة متوازنة والحفاظ على علاقاته مع مُختلف الأطراف.
والمصالح المُتبادلة بين هذه الدول كثيرة ومُتعددة. فمصرُ لديها تجربة اقتصادية فريدة في السنوات الأخيرة استطاعت بها تعبئة مواردها الداخلية واقتحام مشاكل كانت تبدو عصية، وطورت قُدرات تقنية وإدارية وصناعية يُمكن أن تستفيد منها العراق والأردن، وهناك الربط الكهربي بين مصر والأردن. والذي يمكن أن يمتد إلى العراق، وبالفعل فقد أبرمت وزارة الكهرباء العراقية في الشهر الماضي اتفاقية مع شركة جنرال الكتريك الأمريكية لتنفيذ الربط مع الأردن، والتعاون المصري العراق في مجال النفط، وأن الأردن يمثل أحد أهم المنافذ البرية والبحرية للعراق. فالعراق الذي تبلغ مساحته 437 ألف كيلومتر مُربع هو دولة حبيسة ليس لها منافذ مائية إلا حدودها البحرية في الخليج العربي وشط العرب والتي يبلغ طولها 57 كيلومتر فقط. والتعاون بين الدول الثلاث في مجال البناء وإعادة الإعمار.
وجاء توقيت انعقاد هذه القمة ليزيد من أهميتها فقد انعقدت في أعقاب الزيارة الناجحة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن، والاتفاق على انسحاب تدريجي وإعادة تموضع للقوات الأمريكية في العراق. وأعقبها في 27 أغسطس زيارة وزير الخارجية السعودي لبغداد لتطوير التعاون بين البلدين.
العراق يتجه نحو العودة إلى إطاره العربي وأن يُطور علاقاته مع كُل الدول العربية. وسوف يترتب على ذلك، دعم استقرار العراق وتماسكُه الداخلي، وكذلك دعم الموقف العربي. لذلك، فإن من الأرجح أن تتدخل تلك الدول لإضعاف هذا التوجه العراقي من الاستمرار والحيلولة دون استمراره.
ثلاثية القاهرة وبغداد وعمان هي أحد الملامح الإيجابية في تطور العلاقات العربية العربية وهي ليست موجهة ضد أحد وإنما جُهدُ هدفه الاستقرار والتنمية في المنطقة العربية والشرق الأوسط.
نقلا عن صحيفة “الأهرام”


