
بين “العلمانية والبراجماتية” … مستقبل مؤسسة “ولاية الفقيه” بعد خامنئي
في الوقت الذي تتمتع فيه مؤسسة “ولاية الفقيه”، أو “بيت رهبرى” بالفارسية، في إيران بمزايا ونفوذ اقتصادي ضخم وسلطات سياسية وعسكرية مطلقة وعليا؛ طبقاً للنظرية التي قامت عليها الجمهورية الإيرانية عام 1979 وطبقاً للدستور نفسِه الذي جرت الموافقة عليه في العام ذاته وتعديلاته عام 1989 قبل وفاة آية الله الخميني مؤسس النظام الحالي، يبدو أن وضع هذه المؤسسة خلال السنوات المقبلة سيتعرض لتغييرات مع رحيل المرشد الحالي آية الله خامنئي ذي الـ 81 عاماً والمريض بالسرطان.
فمن ناحية لا تلقى النظرية إجماعاً من المراجع الشيعية سواء في داخل إيران أو خارجها في النجف العراقية أو لبنان، وباتت عملياً غيرَ مرحّب بها من قِبل نسبة واسعة من المواطنين الإيرانيين، وغيرهم في الخارج، في ظل المشكلات والقضايا التي فشل النظام الممثل والمتبنّي لها في مواجهتها على مدار عشرات الأعوام الماضية. ومن ناحية أخرى، يشهد الداخلُ الإيراني تغييراتٍ تشير إلى إن مؤسسة “بيت رهبرى” بعد وفاة خامنئي لا يُعتقد أنها ستكون بهذه القوة التي كانت عليها قبلها.
ولاية الفقيه: النفوذ الاقتصادي والقيادة السياسية الدينية
ينص الدستور الإيراني(1) في مادته الخامسة أنه في زمان غيبة الإمام الثامن “محمد بن الحسن بن علي المهدي”، حسب اعتقاد الشيعة الاثني عشرية، فإن قيادة البلاد سياسياً وإمامتَها دينياً يُعهَد بها إلى “الولي الفقيه”. وعلى هذا الأساس، جاءت المادة 110 من الدستور الإيراني لتؤكد على صلاحيات الولي الفقيه (رهبر)، وأبرزها ما يلي:
- تحديد السياسات العامة للنظام الإيراني بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
- قيادة القوات المسلحة، وإعلان السلم والحرب وتعبئة القوات العسكرية.
- تعيين وعزل فقهاء مجلس الخبراء، أكبر مسؤول في السلطة القضائية، رئيس الأركان المشتركة، قائد الحرس الثوري، وكبار قادة الجيش النظامي.
- عزل رئيس الجمهورية “أخذاً في الحسبان مصالح الدولة”.
ويمكن للولي الفقيه أن يُفوّض بعضاً من سلطاته إلى شخص آخر. ويضيف الدستور الإيراني في مادته الـ 111 أن عزل المرشد الأعلى يكون في حالة عجزه عن القيام بمهامه أو نتيجة فقدانِه واحدة من الصفات التي يجب أن يتمتع بها ومن بينها العدل والتقوى وامتلاك القدرة الكافية للقيادة. وطبقاً لهذا، فإن الولي الفقيه (المرشد الأعلى) يتمتع بالسلطة العليا في إيران، وليس فقط ذلك بل “المطلقة” حسبما تم إضافتها بعد وفاة الخميني عام 1989، لتصبح سلطتُه على هذا النحو دينية وسياسية.
وعلى الرغم من عدم وجود نفوذ اقتصادي ومالي كبير لمؤسسة ولاية الفقيه في عهد الخميني بسبب الظروف والبيئة السياسية الناشئة آنذاك، إلا أن الوضع اختلف في الوقت الحالي بداية من تسعينيات القرن الماضي. فقد توسّعت القدرات المالية والاقتصادية لها بشكل كبير، إلى جانب السياسية، وباتت تسيطر على عدد من كبرى المؤسسات الاقتصادية العاملة في إيران، والتي تُقدر أصولُها بمليارات الدولارات الأمريكية، وتتبع في الواقع إلى علي خامنئي مباشرة.
وأبرز هذه المؤسسات:
- مؤسسة ”المستضعفين”:
تأسست عام 1979، وتُعد حالياً ثاني أكبر كيانٍ اقتصادي في إيران بعد شركة النفط الوطنية (NIOC) كما تعد أحد أذرع الولي الفقيه الاقتصادية وتمتلك حوالي 200 مصنع وعشرات الشركات المالية. أعلن رئيسُها “برويز فتاح” مؤخراً أن إيراداتها وصلت إلى حوالي 2.5 مليار دولار خلال نهاية السنة الإيرانية في مارس 2020.(2)
- مؤسسة “آستان قدس رضوى”:
ويُطلَقُ عليها العتبة الرضوية لأنها تشرف على قبر الإمام الثامن لدى الشيعة الاثنى عشرية وهو “علي بن موسى الرضا” وما يحيط ويلحق به من مساجدَ ومكتبة وغيرهما، بالإضافة إلى عشرات الشركات والمؤسسات العاملة في مجال العلاج الطبي، أعمال الإعمار، المال، الزراعة والغذاء، الدواء، وصناعة السجّاد. وتقع في مدينة مشهد المعروفة في محافظة خراسان الرضوية شرقيّ إيران.(3)
وليست هناك مبالغة إن قلنا إن هذه المؤسسة تُعد من أكبر المؤسسات المماثلة في العالم كله، فلدى ممتلكاتها في إيران 320 ألف مستأجر، وتُقدّر القيمة التقريبية للمؤسسة وحدها، باستثناء ممتلكاتها الأخرى، بحوالي 20 مليار دولار.(4) ويزور هذا المكان ما يصل إلى 20 مليون شخص سنوياً، ما يعني على الأقل أن دخولها في العام الواحد ما لا يقل عن 200 مليون دولار أمريكي.(5)
- “ اللجنة التنفيذية لتوصيات الإمام”:
تأسست عام 1989 للسيطرة على الأموال والعقارات التي تركها أصحابُها بعد اندلاع الثورة الإيرانية ومنهم مقربون من الأسرة الملكية الإيرانية السابقة. وقدّرت وكالة رويترز منذ سنوات الأصول المالية التي تسيطر عليها “ستاد” بحوالي 95 مليار دولار. ويدير خامنئي شخصياً هذه المؤسسة.(6) وتحصّلت هذه الهيئة من خلال السيطرة على العقارات على مليارات الدولارات، كما أنها تملك حصصاً كبيرة في بعض البنوك وشركات الاتصالات الإيرانية، ولديها شركة قابضة عملاقة.
إذاً يمكننا القول إن مؤسسة ولاية الفقيه باتت من أغنى مثيلاتها في العالم كله، وبات خامنئي ربما أغنى رجل في العالم أو على الأقل من أكثرهم ثراءً، فإذا كانت التقارير الدولية تشير إلى أن الرئيس التنفيذي لشركة أمازون دوت كوم، جيف بيزوس، لا يزال على قائمة أثرى أثرياء العالم بثروة تبلغ حوالي 117.2 مليار دولار، فإن السفارة الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد قدّرت ثروة خامنئي في منشور لها على صفحتها بالفيس بوك في شهر أبريل 2019 بحوالي 200 مليار دولار، ما يعني أن خامنئي أثرى شخص في العالم وأقوى رجلٍ في إيران.(7)
تحدياتٌ جدّية تواجه مؤسسة “ولاية الفقيه” بعد رحيل خامنئي
كان مقر إقامة الخميني في إيرانَ قبل وفاته يُسمّى بـ “بیت المرجعية” إضافة إلى كونه مقرا للقيادة السياسة. وعندما جاء خامنئي إلى الحكم عام 1989، بات مقرُه يُطلق عليه “بيت رهبرى” أي منزل القيادة. يعني ذلك أن الخميني كان يتمتع بـ”زعامة” دينية وسياسية أما خامنئي، فإنه على الرغم من عدم بلوغه المرتبة العلمية للخميني قبل تتنصيبه مرشداً، إلا أنه تولى القيادة وأصبح قائداً وليس زعيماً، وهناك فرقُ بينهما. فقد واجه خامنئي منذ اليوم الأول لتوليه القيادة في إيران موجة من المعارضة الدينية السياسية، فالرجل لم مرجعاً دينياً، وواجه معارضة شديدة آنذاك من كثيرين من أركان النظام كان أبرزهم رجل الدين البارز ومن كان سيحل محل الخميني “آية الله علي منتظري” (1922-2009)، إلا أن أشخاصاً أمثال رفسنجاني ساعدوه على الوصول لمنصبه الذي يتقلّده اليوم.
وعمل خامنئي، بما أنه قائدٌ وليس زعيماً، على تجميع السلطات في يديه وتولية المخلصين له بسبب اهتزاز مكانته الدينية السياسية، فعمل على تقوية علاقاته بالحرس الثوري والمؤسسات الأمنية وسيطر عليها بإحكامٍ، كما أنه جعل منصب رئيس الجمهورية مجرد منصب يميل أن يكون شرفياً منه إلى أن يكون حقيقياً ذا سلطة نافذة. وهكذا، نجح خامنئي في أن يكون لمؤسسة ولاية الفقيه اليد الطولى داخل إيران بعد رحيل الخميني، إلا أن العديد من المستجدات والعوامل الداخلية وحتى الخارجية لا تبشر باستمرار هذا النفوذ القوى بعد رحيل المرشد الحالي على خامنئي، وهو ما نتطرق إليه فيما يلي:
- علمنة النظام الإيراني بعد خامنئي:
بعد أن لاحظنا أن درجة “الزعامة” داخل النظام الإيراني بعد رحيل الخميني تراجعت وحلت القيادةُ محلها، ومعها يُتوقع ألا يأتي زعيمٌ ثانٍ للنظام الإيراني الحالي بعد الخميني، حيث إنه لن يولد مرتين، فدرجات الزعامة تقل وستقل كذلك درجات القيادة في النظام الإيراني مستقبلاً بعد وفاة خامنئي. فإذا قلنا إن خامنئي ليس زعيماً، فانه في جميع الأحوال قائد إيران الحالي يُختلف عليه أو يُتُفق معه داخلها أو خارجها. وبناءً على ذلك، فإن المرشد القادم في الغالب لن يكون في نفس درجة قيادة خامنئي، ما سيجبره على التبعية لقوى أخرى داخلية، وذلك للعوامل التالية:
- رحيل الجيل الأول من الثوار المؤدلجين:
إذا كانت درجة الزعامة والقيادة تتراجع في المستوى الأول من المسؤولين الحقيقيين النافذين في النظام الإيراني الحالي، فإن أحد أسباب ذلك هو رحيل الجيل الأول من الثوار الإيرانيين المؤدلجين ثورياً ودينياً، والذين خاضوا حرب الثماني سنوات مع العراق (1980-1988). فقيادة الصف الأول في إيران تغيرت خلال السنوات الماضية، بدءاً من رحيل آية الله منتظري عام 2009، برغم اختلافاته مع النظام في بعض التوجهات، إلى رفسنجاني 2017 وقاسم سليماني 2020، الذراع العسكري المتشدد للنظام. ومع وفاة خامنئي، سيكتمل رحيل أغلب مؤسسي النظام الإيراني، والذين رافقوا الخميني عن قرب وتأثروا به.
- توق المجتمع الإيراني للانفتاح ورفض أيديولوجية النظام:
وإلى جانب رحيل الجيل الأول المعتنق لفكر الخميني أو ما يُعرف بـ “خط الإمام”، فإن المجتمع الإيراني نفسه شهد تغييراتٍ جذرية حقيقية خلال السنوات الأخيرة؛ بفعل الانفتاح والتطور التكنولوجي الذي يغزو العالم. فقد صرنا نشهد جيلاً جديداً من الشباب الإيراني يتوق للفكر الليبرالي المتحرر وليس لأفكار الجيل المؤسس. هذا الجيل بات يؤرق الشارع الإيراني، ويؤرق مؤسسات الدولة نفسها، ولن يجد النظام الإيراني مفراً من الاستجابة له ولمطالبه أو لبعضها خلال السنوات المقبلة.
بل إن الأكثر جذباً للانتباه، هو ما قامت به مؤسسة استطلاع للرأي إيرانية تقيم في هولندا من استقصاءٍ بشأن التحولات الدينية خلال السنوات الماضية في إيران والتي أظهرت أن أكثر من 50% من الإيرانيين تحولوا بشكلٍ أو بآخرَ خلال الفترة الماضية من التدين إلى الإلحاد،(8) ما يعني رفضاً باتاً لخط النظام الديني في إيران. ويقول المشهد السياسي المحلي في إيران، الذي يشهد كذلك انفجارات احتجاجية كل عام خاصة منذ انتخابات الرئاسة عام 2009، إن قادة النظام الإيراني سوف يستجيبون لهذه التحولات المجتمعية بصيغة أو بأخرى؛ حفاظاً منهم على استمرار النظام نفسه، فيمكنهم السماح ببعض الحريات المجتمعية بدرجة كبيرة أو صغيرة، وإلا سيتعرضون لضغط هائل من الجيل الحالي والأجيال المقبلة، كما لا ينبغي أن ننسى أن النظام الإيراني أثبت فشلاً في تحقيق معدلات نمو اقتصادية حقيقية، كما أدت سياساتُه الخارجية إلى خنق إيران.
- معارضة دينية وسياسية لنظرية ولاية الفقيه:
ومن زاوية أخرى، يتعرض النظام الإيراني ونظريته القائم عليها لانتقادات عدة من كثيرٍ من رجال الدين وبعض الحوزات الدينية “العلمانية” داخل إيران وخارجها. فكثيرون من رجال الدين الشيعة لا يتقبّلون نظرية الخميني التي تخلط الدين بالسياسة، من بينهم رجل الدين العراقي البارز علي السيستاني وريث زعيم حوزة النجف الأسبق أبو القاسم الخوئي (1899-1992) أحد أبرز معارضي نظرية ولاية الفقيه، كما أن قسماً من الحوزة الدينية في إيران لا يؤمن بالنظرية ويدعو إلى “فقه الانتظار”، بمعنى عدم الخلط بين الدين والسياسة وانتظار “المعصوم”. ومع ذلك، فإن هذه الاتجاهات لا تؤمن مائة بالمئة بالنظرية العلمانية الحديثة، ولكنها تؤمن ببعض توجهاتها.(9)
وهذه القوى ليست وليدة الوقت الحاضر، حيث إن نظرية الولي الفقيه طوّرها الخميني بالأساس لتصبح سياسية بامتياز بعد أن كان سلفه لا يحبذون الاتجاه إلى السياسة والخوض فيها، منذ القرن السابع الميلادي وحتى ظهوره. ولذلك، فإن نظرية ولاية الفقيه على الطريقة الخمينية ربما تلقى تغييراً مع مرور الزمن واستمرار عدم قبولها من قِبل كثيرين من رجال الدين والحوزات العلمية إلى جانب الشعب الإيراني.
- الولايات المتحدة ومرشد أقل راديكالية:
ودولياً، تنظر الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى خليفة خامنئي على أنه سيكون “مُحرِّكاً”، وليس المحرك، مهماً في اتجاه التقليل من حدة راديكالية النظام الإيراني واتجاهه أكثر إلى الانفتاح على الغرب. فخامنئي في جميع الأحوال يُعد من جيل مؤسسي النظام، وحتى إن كان هو نفسه شخصية غير راديكالية، إلا أنه مُجبَر في الوقت الحالي على تبني هذه المواقف في الداخل والخارج؛ لعدم وقوع اختلافات أو نزاعات كبيرة بينه وبين متشددي النظام. وبناءً على ذلك، من المتوقع أن يكون المرشد الإيراني القادم أكثر ضعفاً من خامنئي، على الأقل في إيامه الأولى، وأكثر انفتاحاً وأقل راديكالية، ليس ذلك إلا استجابة للمتغيرات، من بينها تعاظم نفوذ الحرس الثوري.
- الحرس الثوري ومؤسسة ولاية الفقيه:
ومن ناحية أخرى، فمن المؤكد أن الحرس الثوري سوف يلعب دوراً مركزياً في اختيار المرشد القادم وكذلك في السيطرة عليه هذه المرة. فالحرس الثوري يُعد القوة الأولى والضاربة في إيران، حتى من الجانب الاقتصادي، ذلك الحرس سوف يضطر بعد وفاة خامنئي والمصاعب الجمة التي تواجهها إيران اليوم إلى الاتجاه أكثرَ نحو إقامة “ثنائية قطبية” مع القوى المدنية والمجتمعية في إيران وكذلك إلى الانفتاح النسبي مع القوى الخارجية؛ حيث إنه سيجد نفسه يحمل التركة كاملة بعد وفاة خامنئي، حتى وإن حاول المتشددون الظهور بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.
ومن المؤكد أن هذه القوى لا تتبنى بشكل أو آخر التوجه الرسمي للنظام، وتسعى لمزيد من الانفتاح والحرية، وسيضطر الحرس على الأقل بعد الأيام الأولى لوفاة خامنئي من تطويعها أو التعاون معها بهدف ضمان سير الدولة، ذلك لأن وفاة خامنئي سوف تنتج نظاماً جديداً يكون الحرس الثوري محوره الأول، كما أن وفاة خامنئي ستعني رحيل معظم الجيل الأول ممن شاركوا الخميني ورافقوه.
وينبغي التوضيح هنا أن علمنة النظام الإيراني لا تعني هذا المفهوم بشكل كلي، بل يُقصد منها توجهه مجبراً نحو مزيد من الانفتاح “الحذر” سواء محلياً أو خارجياً بعد خامنئي، تبعاً للظروف والمستجدات، كما تعني توجهه نحو التعامل ببراجماتية نسبية مع مختلف القضايا، أي أنها لا تعني تحوله بشكل كلي نحو تبني الاتجاه العلماني.
ب- مرشد براجماتي:
إزاء هذه التطورات، سيضطر المرشد الإيراني القادم تلقائياً إلى تقليل النزعة الراديكالية في التعامل مع المواقف الداخلية والخارجية حتى ولو لمدة قصيرة، وسيتجه أكثر نحو البراجماتية في التعامل مع القضايا المحلية كالحرية والخارجية كالعلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فالتبعية النسبية للمرشد القادم للحرس، الذي من المتوقع أن يتعامل بطريقة براجماتية مستقبلاً، ستجعل سلطات المرشد الحقيقية في يد الحرس وليس مؤسسة ولاية الفقيه، كما قيل سابقاً، على الأقل في الفترات الأولى.
وإزاء تطورات الموقف بعد وفاة خامنئي، سيضطر المرشد إلى تبني مواقف براجماتية أقل حدة. فتاريخ خامنئي نفسه، الذي يُحسب على المتشددين، يشير إلى تبنيه مواقف براجماتية حركية تجاه عدد من المواقف من بينها الملف النووي حينما تم التوصل إلى الاتفاق النووي مع القوى الكبرى عام 2015، وذلك برغم معرضته الظاهرية له، حيث ينبغي التأكيد على أنه لولا موافقته الضمنية لما تم الاتفاق أصلاً.
ج- أموال “ولاية الفقيه” بعد خامنئي:
إذا كانت ممتلكات مؤسسة ولاية الفقيه، التي سبق ذكر بعضها، يسيطر عليها خامنئي نفسه وتدرَ عليه وعلى أسرته مليارات الدولارات، فإنه من المتوقع أن يسيطر الحرس الثوري جزئياً على بعض هذه المؤسسات بعد وفاة خامنئي وأن ينتقل جزءٌ منها إلى المرشد القادم، وكذلك أن تنتقل بعضٌ من هذه الأموال إلى ورثة خامنئي وأولاده مصطفى ومجتبى، أحد المرشحين لخلافة والده.
ويعتمد هذا الأمر جزئياً على طبيعة العلاقة بين الحرس الثوري والمرشد المقبل، كما تعتمد كذلك جميع هذه الأمور التي تم التطرق إليها على طبيعة علاقات المرشد بالفواعل السياسية داخل إيران وطبيعة شخصيته ومدى سيطرته. ولكن مهما كانت قوته، فإن المرشد الإيراني القادم لن يكون كما كان سلفُه خامنئي أو من قبله الخميني؛ وذلك بعد أن بات الحرس الثوري يلعب الدور الرئيسي في السياسة الداخلية والخارجية لإيران. فإيران 1979 ليست كإيران 1989 والأخيرة ليست كالوقت الحالي؛ في ظل التغيرات الدولية والإقليمية والمحلية.
استنتاج
خلاصة القول هو إن مؤسسة “ولاية الفقيه” كهيئة لها اليد العليا في إيران، وليس النظرية على وجه الخصوص، سوف تتعرض حتماً بعد وفاة خامنئي إلى تغييرات سياسية من حيث قدرتها على الاستمرار في الإمساك بكل صغيرة وكبيرة في إيران، وذلك لصالح الحرس الثوري. وستضطر هذه المؤسسة للتعامل بشكل أكثر براجماتية مستقبلاً مع الملفات الداخلية والخارجية؛ وذلك كله طبقاً للتغيرات والضغوطات الداخلية والخارجية. ويعني ذلك بشكل عام بروز دورٍ أكبر وأكثر اتساعاً للحرس الثوري على حساب مؤسسة ولاية الفقيه. والجدير بالذكر كذلك هو أن الحرس نفسه لن سوف يشهد تطورات، فمن المتوقع أن يتغير تدريجياً ليؤسس نظاماً جديداً بعد وفاة خامنئي يعتمد بشكل أكبر على محوريته وقائده في حسم القضايا داخلياً وخارجياً. وفي النهاية، ينبغي التأكيد على أن نسبية هذه التغييرات تعمتد بشكل كلي على مدى قوة هذه التغييرات وصداها محلياً في إيران وعلى الساحة الدولية.
المصادر والمراجع:
- قانون اساسی جمهوری اسلامی ایران.
- 2- صالح حميد، “مؤسسة المستضعفين التابعة لخامنئي تكسب 2.5 مليار دولار“، العربية، 27 يوليو 2020.
- 3- “مجلس آستان قدس را موظف به پرداخت مالیات در سال آینده کرد“، دویچه وله، 23 فبراير 2019.
- 4- علي رجب، “العتبة الرضوية.. الباب السري لتمويل إرهاب نظام خامنئي“، المرجع، 9 نوفمبر 2019.
- جمشيد اسدى، “آستان قدس رضوی؛ داراییهای پیچیده، حسابرسی ناروشن“، راديو فردا، 24 فبراير 2019.
- 6- “تکنیک های رایج و عجیب حکومت ایران برای مصادره اموال شهروندانش“، ايران واير، 16 أكتوبر 2015.
- 7- “به بهانه تحریم خامنهای توسط آمریکا؛ رهبری که با ادعای سادهزیستی، مالک امپراتوری ۹۵ میلیارد دلاری است“، صداى آمريكا، 24 يونيو 2019.
- 8- علي عاطف، “قراءة في دراسة هولندية عن زيادة نسبة الإلحاد في إيران“، المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، 29 أغسطس 2020.
- 9- محمد السيد الصياد، “العلمانية والحوزة: تحوُّلات التديُّن الإيراني.. دراسة في مقاربات التيَّارات العلمانية وتأثيرها على الدولة“، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 2 يناير 2019.
باحث بالمرصد المصري