السد الإثيوبي

دلالات ودوافع تخفيض المساعدات الأمريكية لإثيوبيا

أعلنت الولايات المتحدة تعليق جزء من مساعداتها المالية لإثيوبيا ردا على قرار أديس أبابا بدء ملء خزان السد قبل التوصل لإتفاق مع مصر والسودان بشأن مشروع سد النهضة.

يأتي ذلك في الوقت الذي وصلت فيه محادثات السد برعاية الاتحاد الافريقي إلى طريق مسدود مرة ثانية، فهل يساعد قرار الادارة الامريكية بتخفيض المساعدات لإثيوبيا في حلحلة الموقف الإثيوبي المتعنت ودفعه نحو إبداء مرونة للتوصل لاتفاق عادل وملزم بين الدول الثلاث؟

تفاصيل قرار تخفيض المساعدات

وافق وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” على خطة لوقف جزء من المساعدات الأمريكية لإثيوبيا، والتي قد تؤثر على عشرات الملايين من الدولارات التي تقدم كمساعدات  إلى أديس أبابا، وتأتي هذه الخطوة كإجراء عقابي لإثيوبيا على قرار ملء سد النهضة بشكل منفرد دون التوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان، حيث إن البدء في ملء الخزان قبل تنفيذ تدابير السلامة اللازمة، يخلق مخاطر جسيمة على سكان دول المصب، كما أن استمرار إثيوبيا في ملء السد يقوّض الثقة في عملية المفاوضات، بحسب ما صرح به المتحدث بإسم وزارة الخارجية الأمريكية، الذي اتهم الحكومة الإثيوبية بعدم الوفاء بـ”التزاماتها” وانتظار مصير المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي قبل الشروع بأي خطوة عملية.

وقد جاء القرار بعد مناقشات في الكونجرس ومطالب من أعضاء بمجلس الشويخ الأميركي للإدارة الأميركية باتخاذ إجراءات مناسبة حول انتهاكات لحقوق الإنسان في إثيوبيا، وملاحقة المعارضة.

وبالرغم من أنه لم يتم الإعلان رسميًا بعد عن حجم المساعدات التي سيتم قطعها بالضبط ومجالاتها، إلا أن مسؤولين مطلعين أكدوا على أن حجم هذه المساعدات يصل إلى 130 مليون دولار، وستؤثرعلى برامج المساعدة المخصصة للأمن الإقليمي والمنافسة السياسية وبناء التوافق ومكافحة الإرهاب، بينما لن تتأثر البرامج الإنسانية مثل مكافحة فيروس كوفيد19، وفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز وبرنامج الغذاء مقابل السلام والمساعدة الدولية في حالات الكوارث والهجرة ومساعدة اللاجئين.

المصدر: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)  

يذكر أن الولايات المتحدة هي أكبر مانح للمساعدات الانسانية الثنائية لإثيوبيا، حيث بلغت تلك المساعدات عام 2019 حوالي 881مليون دولار، وفقًا للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ووصلت تلك المساعدات بين عامي 2017-2018 إلى حوالي 927 مليون دولار، بالاضافة إلى ذلك، على مدار العشرين عامًا الماضية، بلغت استثمارات الولايات المتحدة طويلة الأجل في إثيوبيا أكثر من 13 مليار دولار، ووصل التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 1.8مليار دولار عام 2018، فضلا عن المصالح السياسية الواسعة للولايات المتحدة مع إثيوبيا في المنطقة، وفي سياق متصل، وقعت الولايات المتحدة، في مايو 2020، من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، ووزارة المالية الفيدرالية اتفاقية شراكة تنموية جديدة بقيمة تزيد عن 230 مليون دولارمع أديس أبابا، مما يسلط الضوء على شراكة أمريكية طويلة الأمد مع إثيوبيا، ولكن يبدو أن المسؤولين الأمريكيين أصيبوا بالإحباط بسبب فشل واشنطن في التوسط لإبرام صفقة حول سد النهضة، في ظل تعنت إثيوبي، استكملته أديس أبابا بخطوة ملء السد منفردة قبل التوصل لإتفاق، والتي توّعد مسؤولون أمريكيون أنها لن تمر بدون عواقب، وساهمت التقارير التي تفيد بإنتهاكات الإدارة الإثيوبية الحالية لحقوق الانسان، وقمع المعارضة، في استخلاص هذا القرار، بعد خلاف داخلي في الادارة الأمريكية حوله.

حالة الإنقسام داخل الإدارة الامريكية بشأن تخفيض المساعدات

نشرت مجلة “فورين بوليسي الأربعاء  22يوليو، تقريرًا على موقعها الإلكتروني بعنوان: ترامب يفكر في وقف المساعدات لإثيوبيا بسبب السد المثير للجدل، يتناول الحديث حول وجود ارتباك وخلاف داخل الحكومة الأمريكية، بسبب سد النهضة، وتوضيحًا لحالة الارتباك داخل الحكومة الأمريكية، أوضح التقرير أنه على الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية تتعامل تقليديًا مع القضايا الدبلوماسية، فقد دفع ترامب وزير الخزانة “ستيفن منوشن” لقيادة جهود الوساطة، وأشار بعض المسؤولين الأمريكيين إلى أن ذلك أدى إلى تزايد الانقسامات بين الخزانة والدولة والارتباك في السفارات في أفريقيا حول كيفية تعامل واشنطن مع المفاوضات.

بينما رفض آخرون هذه الرواية، وأصروا على أن الجهتين (الخزانة والخارجية) كان التنسيق بينهما يتم بشكل وثيق. وقال المتحدث باسم وزارة الخزانة: “لقد عمل السكرتير “منوشين” والوزير “بومبيو” بتنسيق وثيق طوال هذه العملية، كما فعلت فرق الخزانة والخارجية”. تم إخبار فورين بوليسي بأن وزارة الخارجية شاركت في كل اجتماع حول هذه القضية منذ أن بدأت واشنطن في تسهيل المفاوضات من نوفمبر 2019 حتى فبراير2020.

وقال العديد من المسؤولين الأمريكيين، إن البعض في وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عارضوا وقف المساعدة لإثيوبيا، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالعلاقات المتوترة بالفعل بين أديس أبابا وواشنطن في مرحلة محفوفة بالمخاطر في التحول السياسي في إثيوبيا.

رد الفعل الإثيوبي حول القرار الأمريكي

جاء القرار الامريكي بتخفيض المساعدات لإثيوبيًا صادمًا لأديس أبابا، حيث لم يتوقع المسؤولون الإثيوبيون أن تتخذ الحكومة الامريكية أي قرار للضغط على الحليف الاستراتيجي لها في المنطقة، فالمصالح بينهما وعلاقاتهما الممتدة منذ عام1903 تحول دون حدوث ذلك، ولكن يبدو ان واشنطن كان لها رأي مختلف.

مع انتشار التقارير التي تتناول الخبر من مصادر مؤكدة، طالب المسؤولون الإثيوبيون الولايات المتحدة بتفسير قرار تخفيض المساعدات الإثيوبية، حيث قال “أيوب تيكالين”، وزير مالية الدولة الإثيوبي، لإذاعة “صوت أمريكا” إن الحكومة الإثيوبية طلبت من الولايات المتحدة تقديم تفسير كامل لخفض المساعدات، وقال: “لا نعتقد أن الولايات المتحدة قد فكرت في ذلك بعناية لأن الشراكة مع الولايات المتحدة وإثيوبيا متينة وقوية للغاية ولا تزال كذلك، نحن نعتبر هذا سوء فهم، لا نعتقد أن هذا سيستمر، يحدونا أمل كبير في أن يعيدوا النظر لأن إثيوبيا تفعل ما هو صواب تمامًا بكل معاني الكلمة من الناحية القانونية والأخلاقية أيضًا “.

كما غرّد سفير إثيوبيا لدى الولايات المتحدة “فيتسوم أريغا”، على حسابه الشخصي في “تويتر”، وقال بأن بلاده مصممة على استكمال السد، قائلا: “سنخرج إثيوبيا من الظلام”، وأضاف في تغريدة أخرى “لقد طلبنا منهم إعادة النظر ونحن ننتظر. نأمل ألا تتضرر العلاقات الدبلوماسية التي استمرت 117 عامًا بسبب قضية لا علاقة لها بالبلدين”، ونفى “فيتسوم” التقارير الإعلامية التي أفادت بأن التخفيضات ستبلغ 130 مليون دولار ووصفها بأنها مبالغ فيها.

أما رئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد”، فقام في وقت سابق، يوم25 أغسطس 2020، بلقاء وزير الخارجية الامريكي “بومبيو” أثناء زيارتهما للسودان التي جاءت في ذات التوقيت، ومن المرجح أن سد النهضة كان أحد ملفات النقاش التي دارت بين الطرفين، حيث حاول “أبي أحمد” كسب ود واشنطن مرة ثانية، بعد رفض إثيوبيا توقيع الاتفاق الذي كانت ترعاه واشنطن ممثلة في وزارة الخزانة بشأن سد النهضة الاثيوبي في فبراير2020، خاصة وأن “أبي أحمد” يدرك جيدًا ان “بومبيو” كان على توافق مع الموقف الإثيوبي في المفاوضات، على عكس وزير الخزانة الذي يرى “أبي” أنه كان يدعم الموقف المصري. وبالرغم من هذه المقابلة، وبعدها بأيام قليلة تم تأكيد التقارير المنشورة حول تخفيض المساعدات الأمريكية لإثيوبيا.

ولكن الجاذب للإنتباه في هذا الصدد هو إعلان إثيوبيا قبل أيام، استكمالها لمراحل ملء خزان السد، وتحديد موعد الملء الثاني بحلول موسم الإمطار في يوليو وأغسطس 2021، في إشارة إلى عدم رغبة إثيوبيا في الرضوخ لإرادة واشنطن وسط تأزم المفاوضات مع مصر والسودان، وهي إشارة موجهة للداخل الإثيوبي في الأساس، في محاولة لإعادة تقديم “ابي احمد” كـ “بطل قومي”، في ظل تعقُد المشهد السياسي الداخلي في إثيوبيا.

تداعيات القرار على مسار مفاوضات سد النهضة

يُعد التلويح الأمريكي بورقة وقف المساعدات “مؤشر إيجابي” لصالح الموقف المصري والسوداني في قضية سد النهضة، وداعم لموقفهما على المستوى الدولي، إلا أن تخفيض المساعدات الأمريكية بتلك القيمة قد لا يكون لها تأثير كبير من الناحية المالية على إثيوبيا، خاصة مع وجود مانحين آخرين، واستمرار تدفق باقي المساعدات، وإنما يكمن التأثير الحقيقي في الرسالة التي تحاول واشنطن إرسالها بشكل عملي إلى أديس أبابا والتي مفادها أنها غير راضية عما آلت إليه الأمور فيما يتعلق بمفاوضات سد النهضة، والتصرف الإثيوبي الأحادي، الذي يهدد عملية التفاوض برمتها، وقلقها المتزايد من ان يتسبب هذا النزاع في توترات مسلحة في المنطقة.

وهي الرسالة التي قد تحتمل أكثر من رد فعل من الجانب الإثيوبي، فقد يتقبلها الإثيوبيين، وتشهد الجولة التالية للمفاوضات المقرر عقدها في منتصف سبتمبر الجاري انفراجة وإحراز تقدم نحو الاتفاق المنشود، ولا يرجح هذا الخيار لأن ردود الأفعال الأولية للمسؤولين الإثيوبيين، ومكانة السد في الثقافة الإثيوبية، وعقد من المفاوضات والمماطلة، تؤكد ان إثيوبيا لن تلين بسهولة.

أما الخيار الثاني، فهو أن تستمر إثيوبيا في عملية التسويف والمماطلة، واستمرار الوضع على ما هو عليه دون إحراز أي تقدم في المفاوضات، وقد يذهب رد الفعل إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث سيؤدي القرار إلى إثارة غضب إثيوبيا، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، ودفعها أكثر لتوجيه المزيد من الاتهامات للولايات المتحدة بأنها وسيط غير نزيه في المفاوضات بين مصر والسودان واثيوبيا، واتخاذ مواقف أكثر تعنتًا.

وحذر السفير الأمريكي السابق لدى اثيوبيا ديفيد شين، من أن قطع المساعدات الأمريكية عن إثيوبيا، قد يؤدي إلى احتمالية استخدام الشتات الإثيوبي في أمريكا والذي يتعدى عددهم الـ 300ألف، كورقة ضغط مضادة، خاصة مع قرب الانتخابات الأمريكية، حيث أن المجتمعات الإثيوبية الأمريكية كبيرة في ولايات رئيسية مثل جورجيا وتكساس وفيرجينيا، ويمكن أن تؤثر على نتيجة انتخابات نوفمبر المقبل، على الرغم من اختلاف جزء كبير منهم سياسيًا مع “أبي أحمد”.

ختامًا، في ظل استمرار التعنت الإثيوبي وعجز الاتحاد الأفريقي عن إيجاد صيغة للتوافق بين الدول الثلاث، أقدمت الولايات المتحدة على إتخاذ خطوة ليست كبيرة لكنها هامة لتحريك المياه الراكده، من خلال إعلانها خفض المساعدات الأمريكية لإثيوبيا، وهي الخطوة التي ينبغي على الدبلوماسية المصرية أن تبني عليها، وتحاول كسب مزيد من الضغط الخارجي على إثيوبيا، لإرغامها على وقف تعنتها للوصول إلى اتفاق عادل وملزم للأطراف الثلاثة، حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.  

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هايدي الشافعي

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى