اليمن

الخزان ” صافر”.. ورقة الحوثي لابتزاز العالم تنذر بكوارث هائلة

كشف المدير المالي لشركة “صافر” اليمنية لاستكشاف وإنتاج النفط، حميد حمدان، يوم الأربعاء 2 سبتمبر الجاري، عن بدء تسرب النفط من “الخزان العائم صافر”، بعد فشل جهود صيانته، موضحا أن فريق الشركة يحاول صيانة بعض التسربات بالإمكانات البسيطة المتاحة، مجددا الدعوة للأمم المتحدة للتدخل لإفراغ الخزان.

ولفت حادث انفجار شحنة ضحمة من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس الماضي، الانتباه مجددا إلى الخزان صافر الذي يمكن أن يتسبب في كارثة أسوأ بكثير في نتائجها وأضرارها عن تلك التي خلفها انفجار بيروت المروع، لكن المقلق هنا أن تأثيرات خزان “صافر” ستمتد لدول عديدة.


صورة توضحيه (1) لبدأ التسريب من الخزان صافر العائم


صورة توضيحيه (2) لبدأ التسريب من الخزان صافر

ورقة ابتزاز في يد ميليشيا الحوثي

تم بناء السفينة “صافر” في عام 1976 في اليابان، ولمدة 10 سنوات تقريبًا أبحرت في محيطات العالم كناقلة نفط. في عام 1987، تم تحويلها إلى منشأة تخزين ثابتة لشركة Safer Oil Company حيث تم نقلها إلى موقع بعيد عن الشاطئ على بعد 4.8 ميل بحري من ميناء عيسى قبالة الساحل اليمني و32 ميلا بحريا من مدينة الحديدة.

كانت صافر تستخدم كمحطة تصدير للنفط المنتج في مأرب عبر خط انبوب طوله ٤٣٩ كيلومترا، وهي تعد أكبر ميناء عائم في العالم لتخزين النفط بطول يبلغ 360 مترًا وعرض 70 مترًا، وسعة 3 ملايين برميل من النفط في 34 خزانًا بأحجام مختلفة. لكن منذ عام 2015، توقف التصدير لأن هذه المحطة تخضع لسيطرة المتمردين الحوثيين بينما تخضع حقول النفط لسيطرة الحكومة الشرعية.

وحاليا، تحمل السفينة على متنها 1.14 مليون برميل من النفط الخام موزعين على 34 حجرة تخزين، بقيمة تصل إلى 80 مليون دولار. وقد كان من المقرر استبدال الخزان صافر بمنشأة تخزين أرضية منذ سنوات، لكن المشروع لم يكتمل أبدًا.

وتعتبر قضية الخزان صافر صورة مصغرة من النزاع بين الحكومة اليمنية الشرعية وميليشيا الحوثي؛ فمنذ الانقلاب الذي نفذته ميليشيا أنصار الله الحوثية المدعومة من إيران في 21 يونيو 2014، عبر إجراءات أحادية من بينها حل البرلمان والاستيلاء على مؤسسات الحكومة، وسقوط العاصمة صنعاء ثم محافظات إب والبيضاء والحديدة تحت سيطرتهم، لم تجرِ أي عمليات صيانة للخزان العائم.

وتستغل ميليشيا الحوثي ومن ورائها إيران قضية الخزان صافر كورقة ابتزاز سياسي باعتبارها ميزة تكتيكية في وجه خصومهم، يُمكن استخدامها لاحقًا ضد المجتمع الدولي وقوات تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، فقد سبق وأن هدَّدت قياداتهم بإفراغ حمولة النفط في مياه البحر أو تفخيخ الناقلة وتفجيرها إذا ما حاولت قوات التحالف السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها. ويخشى الخبراء من أن تتعرض السفينة لهجوم من قِبل معتدِ يسعى لقلب ميزان القوى في المنطقة، بالنظر إلى أن الحوثيين حاولوا بالفعل تفجير العديد من ناقلات النفط التي كانت تمر عبر باب المندب والبحر الأحمر.

ويهدف الحوثي إلى تحقيق مصالح سياسية واقتصادية من وراء تلك المسألة، من أهمها؛ انسحاب القوات المشتركة من محافظة الحديدة، وفتح مطار صنعاء حتى يتمكنوا من نقل جرحاهم من المصابين وخروج الخبراء الإيرانيين واللبنانيين، ورفع العقوبات المفروضة على إيران، والحصول على قيمة بيع مليون برميل نفط من الخزان.


صورة توضح الوضع الحالي للخزان صافر

وحذرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في عديد من الرسائل بتاريخ 6 مارس 2018، و10 مايو 2019، و25 يونيو 2019، و23 نوفمبر 2019، و27 مايو 2020، وأخيرًا 1 يونيو 2020، من التآكل الواضح في الخزان ونقص الصيانة مما تسبب في تسرب المياه إلى وحدة التشغيل، داعية المجتمع الدولي إلى تمكين البعثة الأممية من الصعود على السفينة ومعاينتها وتقييمها.

وطالما وافقت الحكومة اليمنية على جميع المبادرات التي أوصت بها الأمم المتحدة للسماح بمعالجة المسألة. بينما عرقل المتمردون الحوثيون دخول بعثات الأمم المتحدة الفنية إلى الخزان العائم لإجراء عمليات الاستكشاف والتقييم والصيانة الدورية اللازمة له أكثر من مرة، غير مكترثين بحدوث أكبر كارثة تسريب نفطي في العالم تهدد بأزمات اقتصادية وبيئية وإنسانية لا طائل لها، وكان آخرها، اشتراط المتمردون حل المشكلة عبر طرف دولي ثالث محايد، في ظل رفضهم لدور الأمم المتحدة في اليمن.

في البداية، طلب الحوثيون من الأمم المتحدة المساعدة في بيع النفط المخزن، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق بسبب الخلافات بينهم وبين حكومة الرئيس الشرعي، عبد ربه منصور هادي، على استخدام الأموال الناتجة عن عملية البيع والتي تقدر بأكثر من 40 مليون دولار، حيث أراد الحوثي الحصول عليها لاستخدامها في دفع رواتب الموظفين على حد زعمهم، لكن حكومة هادي رفضت الاقتراح.

وأثيرت القضية مرة أخرى في اجتماع مجلس الأمن في يناير 2020، لكن لم يتم اتخاذ إجراء فعلي على الأرض للحيلولة دون وقوع الكارثة. ومع تصاعد الخطر، عقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة آخر التطورات في تلك المسألة في 15 يوليو الماضي، ودعا إلى استجابة عاجلة من قبل مليشيات الحوثي على النحو الذي يطلبه فريق التفتيش.

ولكون الميناء الذي يحوي الخزان العائم يتبع مدينة الحديدة، التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثي حتى الآن، فإن تلك القضية كانت وستكون خاضعة لأي ترتيبات سياسية أو عسكرية يتم التوصل إليها بين أطراف النزاع اليمني برعاية الأمم المتحدة أو أي طرف إقليمي كالمملكة العربية السعودية. وفي هذا، نص اتفاق ستوكهولم الموقع في السويد في ديسمبر 2019، على وقف إطلاق النار في الحديدة وانسحاب كافة القوات من المدينة والميناء وخضوع الأخير إلى قوات أممية، وهو ما كان سيعني تمكين بعثة الأمم المتحدة الفنية من الصعود إلى السفينة ومعاينتها، لكن انهيار الاتفاق قضي على تلك المحاولة في مهدها. ونظرًا للتعقيدات التي تطال محاولات تسوية الازمة سياسيًا، طالبت الحكومة اليمنية بفصل قضية صافر عن التدابير الأممية الأخرى في مواجهة الأزمة اليمينة.     

يذكر أنه يجب تفريغ الغازات المتفجرة التي تتراكم في صهاريج تخزين صافر بمرور الوقت بشكل دوري، فضلًا عن ضرورة طلاء جسمها الخارجي باستمرار، حيث تتسبب ملوحة مياه البحر في سرعة تآكل وصدأ جسم السفينة، ما يُفاقم خطر تعرضها للانفجار أو الغرق.

كارثة جيوسياسية واقتصادية وبيئية ضخمة

في حالة لم يتخذ إجراء استباقي لتفادي الأزمة المتوقعة، سيكون أمام الخزان صافر سيناريوهان لا ثالث لهما؛ إما انفجار الخزان نتيجة تراكم الغازات المتطايرة المنبعثة من النفط المخزن؛ حيث يتأكسد سطح الخام المعرض للهواء بمرور الوقت، وهي عملية تتفكك فيها جزيئات الزيت وتتحد مرة أخرى مع جزيئات في الهواء، ينتج عنه حرارة ومركب قابل للاشتعال، ولتحييد خطر هذا التفاعل الكيميائي عند تخزين النفط الخام، يجب تميل الخزان بانتظام للحفاظ على مستوى الأكسجين أقل من 11 في المائة، وحقن الغازات الخاملة في الهواء للتأكد من أن الأكسجين لا يتجاوز هذا المستوى من التركيز.

وفي وضع كهذا حتى ولو لم يحدث انفجار تلقائي، يُمكن أن تؤدي شرارة أو أعيرة نارية –عن قصد أو بدون- أو أي احتكاك مع سفينة أخرى إلى حدوث انفجار مدمر من شأنه تدمير المنشأة وما يحيط بها،

أما السيناريو الآخر، أن يتحلل جسم الخزان بفعل وجوده في الماء المالح ما يؤدي إلى واحدة من أكبر انسكابات النفط في العالم.

خريطة توضح موقع الخزان صافر:

ولسهولة تصور حجم الدمار الذي سوف ينتج عن وقوع حادث كهذا، يُمكن المقارنة بحوادث تسريب نفطي سابقة شهدتها المنطقة والعالم، والاطلاع عن قرب على ما خلفته من مشكلات. ومن أمثلة تلك الحوادث التي شهدتها المنطقة العربية، تسرب 11 مليون برميل من النفط الخام في مياه الخليج العربي بانتهاء حرب الخليج الثانية عام 1990، القتهم القوات العراقية عمدًا لمنع القوات الأمريكية من الهبوط على شواطئ الكويت، ونتج عنهم بقعة نفطية بعمق أربع بوصات تغطي حوالي 4000 ميل مربع، استمرت لسنوات بعد انتهاء الحرب. وقد أدى الدخان المتصاعد من الحرائق إلى اسوداد السماء في مناطق بعيدة مثل تركيا، انتجت أمطارًا سوداء دهنية في أجزاء من المنطقة، ما هدد بتسميم مياه الشرب وإلحاق الضرر بالمحاصيل، كما عانت الحياة الحيوانية والسمكية والنباتية والنظم البيئية في الخليج بشكل كبير.

حادث آخر هو تسريب إكسون فالديز في 24 مارس 1989، حينما جنحت ناقلة النفط العملاقة إكسون فالديز على جزيرة بليغ بساحل ألاسكا، وتسرب حوالي 260 برميل نفط على طول 1300 ميل من الساحل، وخلال أسابيع تأثر الخط الساحلي بطول 2000 كيلومتر في جنوب وسط ألاسكا بالنفط بدرجات متفاوتة، متسببًا في أضرار بالغة للثروة السمكية خاصة على محصول الرنجة والسالمون في مصائد الأسماك التجارية.

وأخيرًا، حادث تسرب النفط من الناقلة “إم. في واكاشيو”، في موريشيوس، يوم 8 أغسطس الماضي، حيث ارتطمت الناقلة المملوكة لشركة يابانية وترفع علم بنما، ومحملة بـ 3800 طن من النفط بشعب في بوانت ديسني، ما تسبب في تسرب مليون جالون من زيت الوقود المحرك الثقيل (حوالي 23.8 ألف برميل)، انتشر بشكل كبير على أكثر من 30 كيلومترًا، وسرعان ما وصل النفط إلى الشعب المرجانية والبحيرات والشواطئ الرملية البيضاء.

وعندما تعرف أن كمية النفط المخزنة في صافر تمثل أربعة أضعاف ما تم إطلاقه في كارثة إكسون فالديز، وقرابة 48 ضعفًا في حادثة موريشيوس، فإنه يُمكن تصور حجم الكارثة الجيوسياسية والاقتصادية والبيئية والإنسانية المُقبلة عليها الدول المطلة على البحر الأحمر حال انفجار الخزان أو تسريب محتواه، وهو ما يُمكن توضحيه كالتالي:

• مخاطر جيوستراتيجية:

تطل محافظة الحديدة التي تضم ميناء رأس عيسى على واحد من أهم المضائق العالمية، ألا وهو مضيق باب المندب، ويكتسب أهميته الاستراتيجية من كونه المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وقناة السويس، الذي أصبح الطريق الرئيسي للتجارة بين أوروبا وجنوب شرق آسيا بدلًا من طريق رأس الرجاء الصالح، وتتضاعف أهميته بالنظر إلى كونه ممرًا لقرابة 4 ملايين برميل نفط تنقل من مناطق الإنتاج في الخليج إلى مناطق الاستهلاك في أوروبا والولايات المتحدة، بما نسبته 30% من إجمالي نفط العالم. وبصفة عامة، يمر عبره نحو 25 ألف قطعة بحرية خلال العام، بما يوازي 7% من حركة الملاحة العالمية.

وبالتالي، يتضح حجم الضرر المحدق بالتجارة العالمية عامة، وتجارة النفط خاصة، من توقف حركة الملاحة عبر المضيق حال انسداده ببقعة نفط كبيرة ناجمة عن الخزان صافر.


خريطة توضيحية لمضيق باب المندب

ومن غير المستبعد تحرك بقعة النفط إلى مضيق هرمز الاستراتيجي بفعل تيارات المياه والرياح، مُحدثة أيضًا توقف لحركة الملاحة به. ويمر عبر المضيق حوالي 40% من إنتاج النفط العالمي (السعودية 88%، العراق 98%، الإمارات 99%)، و22% من الحبوب وخام الحديد والإسمنت، ويعتبر هو المنفذ البحري الوحيد للإمارات والبحرين والكويت وقطر والعراق. وتوقف عبور هذه الشحنات سيحدث أزمة بالتجارة العالمية.


خريطة توضيحية لمضيق هرمز

• مخاطر اقتصادية:

لا شك أن تلك الكارثة ستسفر عن أزمة اقتصادية عالمية، سيكون جوهرها ارتفاع أسعار النفط، وما يترتب عليه من تأثيرات على النمو العالمي وارتفاع التضخم وتضرر الدول الأوروبية والأسيوية التي تعتمد بدرجة كبيرة على استيراد النفط، بينما ستكون الدول المنتجة وبالأخص الخليجية وروسيا هم المستفيد الأكبر.  

أيضًا، سيفسر عن حادث بهذه الضخامة خسائر اقتصادية فادحة ستطول البلدان المطلة على البحر الاحمر، فمن المتوقع تدمير حوالي 850 ألف طن من الأسماك في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وتدمير المزارع السمكية ما سيؤثر على صناعة الصيد، إذ سيفقد 126 ألف صياد مصدر دخلهم، من بينهم 76 ألف صياد في محافظة الحديدة.

كما أن بقع النفط ستؤدي إلى تعطيل محطات تحلية المياه في المنطقة التي توفر مياه الشرب للدول المجاورة التي تعتمد على تحليه مياه البحر، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. ويوجد على شواطئ الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر العرب، أكثر من 290 محطة تحلية مياه؛ منها عشرات المحطات العملاقة، التي يتجاوز إنتاجها 100 مليون جالون في اليوم، وتنتج قرابة 4% من مجمل إنتاج محطات التحلية.

وسيكون للحادث المحتمل انعكاسات على الاقتصاد المصري، من جراء وقف حركة الملاحة بقناة السويس. وكانت القناة قد حققت إيرادات بلغت 5.9 مليار دولار في 2019، هي الأعلى في تاريخها.

أما في اليمن، فستؤدى الكارثة إلى تعقيد الأزمة الإنسانية التي يشهدها هذا البلد بالفعل منذ ما يقرب من 10 سنوات، إذ سيشهد مستوى من انعدام الأمن الغذائي أشد مما هو عليه الآن، ويرجع ذلك بالأساس إلى السحب الداكنة التي ستغطي أربعة في المائة من الأراضي الزراعية المنتجة في اليمن، مما يؤدي إلى تدمير المحاصيل، كذلك توقف واردات البلاد التجارية والإنسانية التي يدخل 70% منها عبر ميناء الحديدة، ما سيضاعف أسعار السلع والمواد الغذائية، فضلًا عن قطع المساعدات الإنسانية عن 7 ملايين شخص محتاج، وأيضًا رفع أسعار الوقود بشكل كبير. ويشهد اليمن مجاعة هي الأسوأ في التاريخ الحديث؛ إذ يُعاني أكثر من 3.3 مليون شخص من سوء التغذية الحاد يمثلون نحو 40% من عدد السكان،

• مخاطر بيئية:

من المعروف أن البحر الأحمر موطن لبعض اللافقاريات النادرة مثل الشعاب المرجانية و600 نوع من الأسماك. وفي حالة حدوث حادث نفطي بهذا الحجم، سيكون هناك تأثيرات شديدة على البيئة البحرية للبحر الأحمر، وعلى التنوع البيولوجي، تتمثل في نفوق 850 ألف كن من الأسماك واختفاء 300 نوع من الشعب المرجانية، واختناق 139 نوعًا من العوالق الحيوانية التي تعيش في المياه، وفقدان 115جزيرة يمنية لتنوعها البيولوجي.

وبسبب الأمواج والرياح، يمكن أن تنتشر الانسكابات النفطية الكبيرة لمئات الكيلومترات، بدءًا من اليمن وحتى قناة السويس عبر مضيق جوبال وخليج السويس وجنوبا عبر مضيق باب المضب وصولا حتى مضيق هرمز عبر بحر العرب.

كما أنه سيؤدي إلى خسارة وتدمير محمية جزيرة كمران الشمالية لقربها من السفينة وهي جزيرة غنية بأشجار القرم والمانجروف والشعاب المرجانية والعديد من أنواع الأسماك وأسماك القرش وواجهة سياحية مهمة للغوص ومركز صيد ممتاز. وعلى المدى البعيد ستتراكم السموم، في أنسجة اليرقات والكائنات الحية الدقيقة التي تعد مصدرًا غذائيًا أساسيًا للأسماك الكبيرة.

فضلًا عن أضرار جسيمة بالقاع، بسبب ترسب أجزاء الزيت الثقيل في أعماق البحار، وهو أمر له تأثير طويل المدى، وعملية معالجته صعبة ومعقدة ومكلفة.

بالإضافة إلى ذلك، سوف يتسبب في مخاطر صحية جسيمة على السكان في المنطقة بأسرها، حيث تتنبأ الدراسات الميدانية بتبخر ثلثي الكمية المتسربة من الخزان في مياه البحر خلال أيام عند حدوث التسرب، بالإضافة إلى الغازات المصاحبة التي ستنتشر في الهواء ويستنشقها السكان مسببة الكثير من المشاكل والأمراض في الجهاز التنفسي.

كذلك، من المتوقع أن تتسبب الكارثة في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة التصاعد الكثيف لأكاسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.

إجراءات احترازية

بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر والخليج العربي والمضائق الاستراتيجية المطلة عليهما، فإنه يجب على حكومات المنطقة وضع خطط لمواجهة أي تسريب نفطي محتمل، والتأكد أن لديها جميع المعدات اللازمة للتعامل مع نواتج الحادث، وإعداد تشريعات ولوائح بشأن السماح للسفن بالحركة في المياه المحيطة بالبحر الأحمر والقواعد المعقدة بشأن تعويض الانسكاب النفطي.

فضلًا عن تدريب شركات الإنقاذ المرتبطة بشركات الشحن على السيناريوهات الممكن وقوعها وكيفية التعاطي معها، وتفعيل آليات اتصال لتسريع وتسهيل عملية تدفق المعلومات بين الجهات المعنية ضمانًا لسرعة الاستجابة. كذلك، ضرورة الاستعانة بالأقمار الصناعية المتقدمة لرصد التغيرات على سطح المياه ومعرفة حجم واتجاه التسرب.

سيكون من المهم تحديد جهة ما أو تشكيل لجنة مركزية لإدارة التعامل مع أي حادث طارئ، حيث أربكت وسائل التواصل الاجتماعي استجابات الطوارئ، لذا فإن وجود جهة واحدة تتلقى منها وسائل الإعلام والعامة معلوماتها يساعد في بناء الثقة والشفافية وضمان متابعة جهود الاستجابة بطريقة حذرة ومنسقة.

ختامًا،

يمثل الخزان صافر قنبلة موقوتة عائمة، خاصة في ظل أن الصراع في اليمن طويل ومعقد، ولا تلوح له نهاية في الأفق، فحتى الآن لا تستطيع الحكومة الشرعية الوصول إلى السفينة، ما يجعل اليمن مرشحة لأن تحتل صدارة نشرات الأخبار العالمية في أي وقت، بوقوع كارثة تعادل في شدتها أضعاف كارثة انفجار مرفأ بيروت. لذا لابد من التدخل السريع ومحاولة الوصول إلى صيغة توافقية ما تسمح بالوصول إلى السفينة وتفريغها، ولن يكون ذلك إلا بالضغط على إيران في المقام الأول باعتبارها المحرك لميليشيا الحوثي.

وفي هذه الحالة، يُمكن تفريغ الخزان العائم إما عبر جره إلى الميناء، إذا كان صالح للإبحار، بحيث يمكن ضخ النفط الموجود على متنه، أو إذا تعذر سحبه فيمكن تفريغ النفط عبر فتح ثقب على أحد جانبيه المغمور تحت الماء ومد حبال منه إلى مراكب قريبة، بحيث تمتص الحمولة العالقة وملئ المراكب المجاورة بها.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى