
هل تقف “الصفقة التركية” وراء اشتعال صراع الأجنحة داخل الإخوان؟
وصلت حالة التوتر والقلق داخل تنظيم الإخوان المسلمين إلى درجة الغليان بعد إعلان شباب الإخوان تمردهم على تعيين إبراهيم منير مرشدًا عامًا للجماعة عقب إعلان قوات الأمن المصرية إلقاء القبض على محمود عزت نائب المرشد العام ، فيما تحدثت مصادر من داخل التنظيم عن تورط أجهزة الأمن التركية في الوشاية بمكان اختباء محمود عزت ضمن ما طُرح باعتباره الصفقة التركية للتقارب مع مصر، مبديه استعدادها للتخلص من قيادات الجماعة الذين حملتهم عبء فشل التنظيم داخل مصر، والاستعداد إلى بداية مرحلة جديدة تقود فيها المخابرات التركية التنظيم بشكل كامل لتحقيق مصالحها.
لم تكن جماعة الإخوان متماسكة أو موحدة وراء هدف كما يدعي قادتها، بل كان من يتحكم فيها هم القيادات أصحاب المشروعات والمتحكمين في “بيزنس” الجماعة، وكانت لهم السطوة والقيادة حتى في وجود المرشد، وهو ما يفسر تحكم القياديين خيرت الشاطر ومحمود عزت في المرشد السابق مهدى عاكف ووقوفهم خلف تعيين محمد بديع مرشدًا جديدًا عام 2010، فيما عرف وقتها بتمكين الجناح القطبي ودعم التنظيم السري والذي اصطلح على تسميتهم بمليشيات الأزهر ثم التقدم بمرشح للرئاسة رغم رفض قيادات أخرى في الجماعة.
صراع الأجنحة
بعد القبض على قيادات الجماعة ومحاكمتهم داخل مصر وهروب عدد آخر إلى تركيا وقطر وبريطانيا انقسمت الجماعة على مستوى القيادة في الخارج وعلى مستوى التنظيم المحلي، وانقسم القرار بين محمود عزت الذي سيطر على الداخل ومحمود حسين أمين عام التنظيم بسيطرته على ما تبقى من الجماعة في الخارج، واتصاله بالتنظيم الدولي.
في عام 2014 أُعلن عن تأسيس مكتب إداري جديد للإخوان في الداخل بقيادة عزت ويعاونه محمد كمال ومحمد عبد الرحمن المرسي، وهما من القيادات الوسيطة في الجماعة ولديهما اقتراب من جيل الشباب، ويحظى كمال بدعم من يوسف القرضاوي وهو ما يجعله تحت سيطرة قطر بشكل مباشر.
وحاول عزت عبر تلك المجموعة إعادة بناء التنظيم في الداخل، ومنح المرسي صلاحيات القيام بهذا الدور، فيما أشرف كمال المؤمن تمامًا بضرورة القيام بعمليات عنف ضد أجهزة الدولة وأسس لذلك ما عُرف باسم اللجان النوعية التي تحولت بعد ذلك إلى تنظيمي حسم ولواء الثورة الموضوعين على قوائم التنظيمات الإرهابية بعدد من دول العالم.
وربما يتساءل الكثيرون عن سر انقلاب عصام تليمة سكرتير القرضاوي المقيم في تركيا على قيادات التنظيم، والحقيقة أن تليمة ينتمي لجناح كمال المدعوم من القرضاوي، والذي سعى للتخلص من كل حرس مكتب الإرشاد القديم، والذين حمّلهم الشباب مسؤولية ما حدث، وأن قرارتهم الكارثية كلفت التنظيم الكثير.
وسعى جناح كمال في عام 2015 إلى عزل حسين من موقعه، وهو ما استلزم خروج إبراهيم منير ليتحدث باسم التنظيم الدولي وينفى أي استبعاد لحسين، ثم شهدت نهاية العام صدور بيانات متضاربة واحدة باسم جناح كمال والأخرى باسم محمود حسين حول منهج عمل الجماعة، ليظهر الخلاف داخل الجماعة على السطح ليبدأ كل فرد داخل الجماعة في اختيار فريقه والدفاع عنه.
بطبيعة الحال لم يكن محمود عزت راضيًا عن تحركات جناح كمال ولا عن الدعم الذي يحصل عليه من القرضاوي والدوحة، وبدأ في التحرك لتقييد حركته بقطع الاتصال بينه وبين المجموعة المحيطة به، ثم التحدث مع داعميه ماديًا لوقف التمويل، لكن الأمر كان قد وصل إلى حد الصراع المفتوح بين الأجنحة، وهو ما دفع القرضاوي إلى طرح مبادرة عام 2016 لتوحيد الصف الثوري، ووقف الصراع بالدعوة لانتخابات داخلية وفقا لآخر لائحة للإخوان. إلا أن الحرس القديم والتنظيم الدولي رفضوا مبادرة القرضاوي لتخوفهم من خسارة مناصبهم التنظيمية لمصلحة جناح كمال.
فشل القرضاوي في دفع الحرس القديم إلى التنحي بالانتخابات لم يثنِ كمال عن طموحه في الاستيلاء على التنظيم بدعم من الدوحة ، فقد كان طموحه الشخصي أبعد من لعب دور الرجل الثاني مع عزت، خاصة وأنه كان يتحكم في الجناح المسلح للجماعة وهو ما رفضه عزت وحسين وإبراهيم منير الذي عينه محمود حسين نائب للمرشد دون صفة وانتهى الأمر بمقتل كمال في تبادل إطلاق النار بين كمال ورجال الأمن، ووقتها أصدر شباب الإخوان بيانًا حمّلوا فيه عزت القائم بأعمال المرشد ومحمود حسين الأمين العام، مسؤولية مقتل محمد كمال، باعتبار أنهم كانوا الخصم الأول له، متهمين كليهما بالوشاية، وطالب شباب الجماعة في بيانهم بعزلهم وعدم التعامل معهم وفضحهم.
وسرب جناح كمال عقب مقتله تسجيلًا صوتيًا له كان أعلن فيه تنحيه عن مسؤولية عضوية مكتب الإرشاد، ومن رئاسة اللجنة الإدارية العليا، بعد خلافه العنيف مع محمود عزت، القائم بأعمال مرشد الإخوان، ودعا لسرعة حل الخلافات الداخلية للجماعة.
التزام قيادة الجماعة بالصمت على ما حدث مع كمال وعدم صدور أي بيان لتأبينه وضع علامات استفهام لدى شباب الجماعة حول الصراع الداخلي الذي تعيشه الجماعة وقوة الجبهات المتنازعة، وأنهم على استعداد للتضحية بأي قيادة والوشاية بها لحسم الصراع لصالح الحرس القديم واستمرار تحكمهم بالجماعة.
اتهامات الفساد
اطلع شباب الجماعة على حجم الفساد المالي والإداري الذي ضرب التنظيم بشكل رأسي وأفقي، والحديث عن ابتلاع القيادات للتبرعات التي يجمعها التنظيم باسم أموال أسر المعتقلين وظهور علامات الثراء على محمود حسين أمين عام التنظيم والقريب من القيادة التركية.
واتهم شباب الجماعة محمود حسين بشراء عمارة بمليوني دولار، بالإضافة إلى سيارة BMW في تركيا وتحدث أمير بسام عضو مجلس شورى الإخوان في تسريب صوتي عن سرقة كل من محمود حسين، أمين عام التنظيم، وإبراهيم منير، القيادي بالتنظيم الدولي، وآخرين، لأموال «الجماعة» بعد حصولهم على تمويلات كبيرة كانت مخصّصة للتنظيم، إلا أنهم حولوها لحساباتهم الشخصية وأنهم اشتروا بها شققاً وعقارات بأسمائهم. فيما اشترى محمود حسين سيارة BMW يركبها بـ 100ألف دولار.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها على السطح حجم السرقات والاختلاسات الموجودة داخل «التنظيم»، فيما كانت الفضيحة المالية الثانية خاصة بالملف الإعلامي، وكشفها أحد قيادات الإخوان الإعلامية المُحرضة على العنف والإرهاب، وهو عمرو فراج، مؤسس شبكة «رصد»، الذي بث رسالة له عبر مواقع التواصل قال خلالها: «الفساد في الجماعة أصبح منتشراً بصورة كبيرة، وهناك فساد مالي واختلاسات، خاصة في الملف الإعلامي تجاوز كثيراً المليون دولار، كان الأولى والأجدر بها أهالي المسجونين من الجماعة، بينما يعربد آخرون في شوارع إسطنبول غير عابئين بتضحيات الكثيرين في مصر لأجل حفنة من الخونة أمثال محمود حسين والإبيارى ومنير ومن عاونهم ووافقهم.
إشارة فراج كانت تخص المتحكمين في التنظيم أو الجناح الآخر الذي يتحرك ما بين إسطنبول ولندن، وفيه إبراهيم منير أمين عام التنظيم الدولي للإخوان، والذى عينه محمود حسين قائمًا بأعمال نائب المرشد، ثم تولى منصب المرشد عقب القبض على محمود عزت وعمرة 83 عامًا وكان محكومًا عليه بالأشغال الشاقة 10 سنوات في قضية إحياء تنظيم الإخوان المسلمين عام 1965 تنظيم سيد قطب، وحصل على عفو عام من محمد مرسي حينما كان رئيسًا لمصر في 26 يوليو 2012 وهو لا يحظى بأي قبول لدى شباب الجماعة الذي أعلن التمرد عليه منذ اليوم الأول لظهوره مع التشكيك في إجراءات تولية منصبة ومحمود الإبياري، أحد مساعدي إبراهيم منير، وهو من يقوم بكتابة بيانات الإخوان خلال ال٧ سنوات الماضية وأخيرا محمد البحيري، أحد عناصر الحرس القديم ومحسوب على القطبيين، وكان مسؤولا عن نشاط تنظيم الإخوان في أفريقيا.
الدعم التركي
أعطى سقوط محمود عزت لجناح الشباب ذريعة جديدة للهجوم على جناح منير وحسين المدعوم من تركيا واتهامهم بأنهم وراء تسليمه وحسم معركة المرشد لصالح التنظيم الدولي بتعيين إبراهيم منير وبالتالي انتهاء التنظيم في مصر، وأن الجماعة أصبحت لعبة في يد تركيا تستخدمها لمجاملة الدولة المصرية والتقرب منها.
وتحدث عصام تليمة سكرتير القرضاوي بوضوح عن الاختراق والخيانة الموجودة في صفوف الجماعة وان إبراهيم منير اخد منصبه بغير حق وان القيادات الجديدة سواء محمود حسين أو إبراهيم منير يقومون بالتنكيل بأي صوت معارض لهم ناقلا عن القيادي الإخواني عمر مدحت الحداد أن أحد كوادر الجماعة وهو استاذ جامعي سابق يقوم ببيع شربات على باب أحد مولات مول إسطنبول بعدما تم فصله وطرده من سكنه في إسطنبول لمجرد اعتراضه على قرار لمحمود حسين مؤكدًا أن الانشقاق الذي تشهده الجماعة الآن اعنف من حقبة الستينات وقد يقضي على الجماعة.
فيما أكد بيان شباب الجماعة على موقع تليجرام رفضهم لتولى منير منصب المرشد وإدارة محمود حسين لإخوان الخارج وأن الجماعة فقدت أي تعاطف في الشارع المصري/ واتهم الحرس القديم بالخوف وأنه السبب في إخفاقات الجماعة لحرصهم على مكاسبهم الضيقة ومؤكدين أن القيادات الحالية لا تحظى بشرعية أو شعبية وغير معترف بها لدى شباب الجماعة.
وفى حديث سابق مع الجزيرة أقر إبراهيم منير بوجود خلافات داخل الجماعة، لكنه وصفها بالمحدودة، ملقيًا باللوم على بعض الأفراد فيها الذين يريدون تأسيس جماعة جديدة.
طرح منير لفرضية تأسيس جماعة جديدة ربما تكون جديرة بالتأمل وربما تظهر إذا ما توفر شكل من أشكال الدعم الخارجي لها إذا ما استمر الصراع الحالي وتفكيك هيكل الجماعة الحالية المستمدة قوتها من الدعم الذي تقدمه لها تركيا وقطر في مقابل تأسيس أخرى قد ينتقل إليها الدعم في حالة فشل الحرس القديم في وقف حالة الصراع، وربما نرى تصفيات داخلية من أجل وقف فكرة ظهور تنظيم جديد يمثل جناح الشباب الذي يتقدم خطوات في ظل خروج قيادات تاريخية من المعادلة بعد القبض على عزت ووفاة العريان.