
التيار القطبي مازال مسيطرًا.. دلالات اختيار “إبراهيم منير” مرشدًا جديدًا للإخوان
تناول مقال سابق بعنوان (تحدي هيكيلى: من سيخلف “محمود عزت”) المرشحين المحتملين لقيادة جماعة الإخوان في أعقاب القبض على “محمود عزت”، وكان من بينهم “إبراهيم منير”، وذلك في ضوء ما تنص عليه لائحة جماعة الإخوان الداخلية؛ إذ تنص المواد 4 و5 من على “أن في حالة غياب المرشد العام خارج الجمهورية أو تعذر قيامه بمهامه لمرض أو لعذر طارئ يقوم نائبه الأول مقامه في جميع اختصاصاته”. كذلك “في حالة حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد لمهامه يحل محله نائبه الأول ثم الأقدم فالأقدم من النواب ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد”
وفي ضوء تلك المعطيات، نشر موقع “العربي الحديث” الجمعة الموافق 4 سبتمر بيانًا لجماعة الإخوان يُشير إلى اختيار “إبراهيم منير” كقائم بأعمال المرشد، وقد حَثّ البيان المكاتب الإدارية والشُعب التابعة للجماعة على مستوى الجمهورية باحتواء شباب الجماعة، وذلك في ضوء رفضهم لتصعيد “منير” كمرشدًا عامًا. ما يعكس حجم التصدعات الداخلية التي تمر بها جماعة الإخوان فى ضوء فقدان التنظيم لعدد كبير من قياداته. ومن ثَمّ، تسعى هذة الورقة إلى إلقاء الضوء على دور “إبراهيم منير” داخل الجماعة، مع استعراض دلالات تصعيده.
إبراهيم منير
هو الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان ونائب المرشد العام. من مواليد عام 1937، وانضم لجماعة الإخوان حينما كان عمره 16 عامًا. يُعد من ضمن المتهمين في قضية “تنظيم 65″، ذلك التنظيم الذي كان يهدف إلى اغتيال رجال الدولة وعلى رأسهم الرئيس الراحل” جمال عبد الناصر”، ونسف الكباري والمؤسسات، بالإضافة إلى التخطيط لنسف القناطر الخيرية.
وقد حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات، وعقب خروجه طلب اللجوء إلى بريطانيا، واستقر في لندن، وحصل على عضوية مكتب الإرشاد، وأشرف على موقع إعلامي خاص بالجماعة يسمى “رسالة” (الذي يعمل على نشر الأخبار الخاصة بالجماعة). كما تولى مسؤولية ترتيب اللقاءات بين قادة الإخوان في مصر والحكومات الأوروبية للترويج للجماعة.
وفي أعقاب أحداث 25 يناير لعام 2011، جمعت لقاءات بين “إبراهيم منير”، وعدد من القادة الإيرانيين في بريطانيا وتركيا، وهدفت تلك اللقاءات إلى حصول الجماعة على الدعم الإيراني لمساعدتها في تكوين ميليشيات تابعة لها على غرار الحرس الثوري، وذلك بهدف إحكام الإخوان السيطرة على مصر عبر توظيف تلك الميليشيات.
وعقب ثورة 30 يونيو والإطاحة بحكم الجماعة، تولى “منير” مسؤولية الإشراف على توفير الدعم المالي واللوجيستي للعناصر الإخوانية الهاربة من مصر وإيوائها في تركيا وماليزيا والسودان. كما تولى مساعدة “محمود حسين” (الأمين العام للجماعة والهارب لتركيا) في الإشراف على المشاريع الإقتصادية والمالية للتنظيم. وفي عام 2017، صدر حكم بإضافته على قوائم الإرهاب المصرية، واتُهم بالتخطيط لهجمات إرهابية
وقد اتبع “منير” نفس نهج “حسن البنا” القائم على التخلي عن شباب الجماعة، فكما صاغ الأخير عبارته الشهيرة” ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين” في أعقاب اغتيال “المستشار الخازندار” فى محاولة للتبرؤ من شباب الجماعة. اتبع الأول نفس النهج بجملته الشهيرة في نهاية عام2019 حيث قال” الجماعة لم تطلب من أتباعها الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم فى السجون، ومن أراد أن يتبرأ فليفعل”.
واستمرارًا لهذا النهج تنصل”منير” من حركتى “حسم”، و”لواء الثورة” (المسؤولتين عن تنفيذ عمليات إرهابية ضد رجال الجيش والشرطة ورموز الدولة المصرية) قائلًا: “أقسم بالله ما نعرفهم، وليست لنا بهم أية علاقة”، مضيفًا: “من يريد أن يأخذ غير هذا الطريق، فليس منا”، على حد قوله. غير أن من يتتبع استراتيجية جماعة الإخوان منذ تأسيسها حتى يومنا هذا، يرى أن العنف جزء لا يتجزأ من استراتيجية التنظيم في سبيل الوصول إلى السلطة، وتوظيف ذلك العنف عبر تنظيمات صغيرة، لكنها على كل حال هي أدوات في يد الجماعة.
وفي السنوات الأخيرة تعرض “منير” إلى انتقادات حادة، حيث وُجِهت إليه اتهامات تتعلق بالفساد والتزوير والاختلاس. وتبلورت هذة الانتقادات بإصدار مجموعة من شباب الإخوان في الآونة الأخيرة بيانًا بعنوان “هذا ما جناه منير وحسين”، نُشر على قناة الجماعة على موقع “تيليجرام”، وحمَل البيان كل من “ابراهيم منير” و”محمود حسين” مسؤولية ما وصلت إليه الجماعة من انقسامات حادة. وفي المقابل أوقف “منير”، تسهيلات منح شباب الجماعة الهاربين في تركيا الجنسية التركية، وذلك على إثر فضحهم الاختلاسات المالية التي قام بها خلال السنوات الماضية. ما تسبب بحالة غضب شديدة داخل صفوف شباب الجماعة، تصاعدت بإصدار الجماعة لقرار تصعيده كمرشد لها.
دلالات تصعيده
هناك جُملة من الدلالات المُتعلقة باختيار “إبراهيم منير” كمرشد جديد لجماعة الإخوان، ويُمكن إجمالها على النحو التالي:
أولًا: على الرغم من أن الفقة الكلاسيكي للجماعة يقتضي وجود من يتولى مسئولية ذلك المنصب في مصر. إلا أن الجماعة تعاطت مع ذلك الموقف باللجوء إلى “فقه الضرورة”، الذي يًعد أحد أهم أدوات الجماعة الفقهيه لتحقيق أهدافها. ويمكن القول إن انتقال قيادة الجماعة من الداخل إلى الخارج، يعُد سابقة من نوعها، ويؤكد حجم التحدي الذي تمر به، إذ إنها لا تملك قيادة داخل مصر، ما ينصرف إلى صعوبة هيكيله التنظيم داخل مركزه.
ثانيًا: يُشير تصعيد “إبرهيم منير” كمرشد عام للجماعة إلى استمرار سيطرة التيار القطبي على مقاليد الحكم في الجماعة، وتتبلور الأفكار القطبية حول جاهلية المجتمعات المعاصرة بما فيها المجتمعات الإسلامية، وتكفير الحكومات القائمة في بلاد المسلمين. ما يستوجب استخدام العنف لتطبيق الشريعة وإقامة الخلافة الإسلامية طبقًا للرؤية القطبية. ما يُؤكد أن جماعة الإخوان تُصر على الاستمرار في مسار العنف ولا تريد تعديله، حيث إن نهج العنف هو النهج المتبع لدى التيار القطبي وكل المنتمي إليه.
ثالثًا: يأتى تصعيد “منير” كدلالة واضحة على مدى تهميش الجماعة لشبابها، إذ أفادت تقارير عدة بعدم تعاونه مع شباب الجماعة الهاربين في تركيا، فلم يقدم أى مساعدة للشباب، سواء على الصعيد المعيشي، أو التعليمي، أو الطبي. الأمر الذي يؤكد على أن الشباب ليسوا إلا أداة في يد الجماعة لتحقيق أهدافها.
رابعًا: في ضوء المعطيات سالفة الذكر، من المُرجح أن تشهد الجماعة في الفترة المقبلة حالة من الانقسام وذلك في ضوءمحددين يتعلق أولهما بحالة عدم التوافق حول “إبراهيم منير”، وينصرف ثانيهما إلى وجود كيانين للجماعة في الخارج؛ كيان ينفذ أجندة الأتراك، وكيان ينفذ أجندة الإنجليز. الأمر الذي يُعيد للأذهان حالة الانقسام التي شهدتها الجماعة في ضوء تولى “محمود عزت” منصب القائم بالأعمال. حيث انقسمت الجماعة ما بين كتلتين؛ الأولى، كان يرأسها كل من “محمود عزت”، و”محمود حسين”، و “ابراهيم منير”. والثانية، كان يرأسها كل من “محمد كمال” (الذي قُتل لاحقًا في عام 2016)، و”محمد طه وهدان” (الذي سُجن لاحقًا عام 2015)، و “على بطيخ”.
مجمل القول، سعت الجماعة إلى سرعة الإعلان عن مرشدها الجديد بهدف إرسال رسائل طمئنه إلى الداعمين والممولين لها. كذا التأكيد على قدرتها على الصمود والاستمرار. إلا أن سرعة تحرك الجماعة لاينفي حجم التحديات والإشكاليات التي تمر بها على الصعيدين الحركي والتنظيمي، والتي من المُرجح أن تزداد بتنصيب “إبراهيم منير”، وذلك في ضوء رفض شباب الجماعة له.
باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع