دول المشرق العربي

زيارة ماكرون إلى لبنان.. الدوافع والنتائج

يتسم التحرك الفرنسي تجاه لبنان بالتحرك النشط من خلال عدد من الزيارات المتتالية التي قام بها المسؤولين الفرنسيين إلى لبنان، حيث تعددت الزيارات ما بين زيارة وزير الخارجية جان ايف لودريان في يوليو الماضي ثم زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الأولى أعقاب إنفجار مرفأ بيروت، ثم زيارة وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي في منتصف أغسطس، وأعقبتها زيارة وزير الشئون السياحية جان باتيست لوموين وأخيرا الزيارة الثانية للرئيس إيمانويل ماكرون في 31 أغسطس 2020، والتي تعكس مدى الاهتمام الفرنسي بمواجهة الأزمة اللبنانية.

استجابة سريعة

عكس التحرك الفرنسي بالوقوف إلى جانب لبنان فيما بعد الانفجار الذي وقع في 4 أغسطس 2020، الأهمية التي تحظى بها لبنان بالنسبة لفرنسا، حيث سارعت فرنسا بتقديم الدعم اللازم لمواجهة الكارثة التي شهدها لبنان عقب وقوع الانفجار من خلال التعبير عن دعمها لمطالب المحتجين فيما يتعلق بتأسيس عقد اجتماعي جديد قائم على المواطنة بدلا من الطائفية التي أدت إلى الوضع المتردي في لبنان.

فكانت فرنسا أولى الدول الأوروبية التي أدانت تفجيرات مرفأ بيروت وأعلنت دعمها الكامل للشعب اللبناني في مواجهة الأزمة وتجلى ذلك في تصريحات وزير الخارجية لودريان لوسائل إعلام فرنسية قائلا ” ما حدث في لبنان كارثة كبرى أصابت بلدًا شقيقًا، لبنان بمثابة العائلة لفرنسا التي تشاطره الحداد والمعاناة في الشدائد الأصدقاء يكونون هنا ونحن هنا”.

لذا بادرت فرنسا بإرسال 3 طائرات لمساعدة بيروت في عمليات البحث والإنقاذ للضحايا في مناطق التفجير، كما شملت الطائرات عيادة طبية متحركة بإمكانها معالجة 500 جريح.

ليس هذا فحسب بل قام الرئيس إيمانويل ماكرون بزيارته الأولى إلى لبنان والتي لم تقتصر فقط على اللقاءات الرسمية بل قام بزيارة المناطق المنكوبة التي تضررت من الانفجار وتواصل مباشرة مع المتضررين واحتضنهم، معلنا أمام المواطنين أن أموال المساعدات ستذهب للمتضررين مباشرة وليس للحكومة.

بالإضافة إلى أن فرنسا قادت تنسيق المساعدات الدولية الموجهة للبنان، وهو ما انعكس في مؤتمر باريس لدعم لبنان الذي عقد في 9 أغسطس بمبادرة من فرنسا والأمم المتحدة من أجل تحريك مساعدة طارئة للبنان، ونتج عنه تعهد الدول والمنظمات المشاركة فيه بتقديم نحو 253 مليون يورو على المدى القصير لمساعدة الشعب اللبناني، ودعا المشاركون بالمؤتمر السلطات اللبنانية إلى البدء سريعًا بالإصلاحات.

وقد حظيت هذه التحركات الفرنسية بترحيب من قبل الشعب اللبناني الأمر الذي جعل بعض النشطاء بتدشين حملة توقيعات للمطالبة بعودة الانتداب الفرنسي إلى بلادهم، وتخليصهم مما وصفوه بـ الفساد والأحزاب[1].

وتشير هذه التحركات السريعة لفرنسا لمواجهة أزمة مرفأ بيروت والدعم الذي قدمته والشروط التي وضعتها من حيث ذهاب المساعدات للشعب وليس للحكومات بالإضافة إلى تحميل الرئيس الفرنسي المسؤولين اللبنانيين مسؤولية الأزمة في لبنان وضرورة سرعة قيامهم بالإصلاحات المطلوبة في لبنان. إلى حجم النفوذ القوي الذي تتمتع به فرنسا في لبنان وعزمها على تعزيز الدور الفرنسي هناك، حيث تبنت فرنسا مبادرة تنسيق المساعدات الدولية الموجهة للبنان، بل وتفويض الدول والمنظمات الدولية لها في تأمين وصول هذه المساعدات لمستحقيها، بالإضافة إلى استطاعة ماكرون كسب تأييد الشعب اللبناني.

دوافع الزيارة الثانية

تأتى زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى لبنان في 31 أغسطس 2020 للمرة الثانية حيث سبقها الزيارة الأولى بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس وهدفت الزيارة الثانية إلى معاينة المساعدات الإنسانية التي وعد بها بعد عقد مؤتمر دولي في فرنسا في 9 أغسطس لتنظيم المساعدات تحت إشراف الأمم المتحدة. بالإضافة إلى النظر في تنسيق المساعدات الصحية في ظل أزمة كوفيد 19 من خلال زيارته لمستشفى الحريري، ومتابعة برامج المساعدة في التعليم وإعادة البناء في لبنان.

وتتزامن الزيارة مع ذكرى الاحتفال بمئوية لبنان الكبير[2]، وقد رافق الرئيس الفرنسى وفد كبير من الوزراء والدبلوماسيين وعلى رأسهم وزير الخارجية جان ايف لودريان، ووزير التضامن والصحة اوليفييه فيران، والسفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه. وقام الرئيس ماكرون بزيارة الفنانة اللبنانية فيروز ومنحها وسام جوقة الشرف الفرنسي كما أهدته الفنانة فيروز لوحة فنية[3]، بالإضافة إلى قيامه بزراعة شجرة أرز في محمية أرز زجاج بشمال بيروت فى إشارة لبداية لبنان جديدة.

وقد تزامنت الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي مع تكليف مصطفى أديب وهو سفير لبنان فى ألمانيا برئاسة الحكومة القادمة، وربما تصريحات ماكرون خلال زيارته الأولى وتواصله مع القيادات السياسية هى التي دفعت إلى سرعة اختيار من يرأس الحكومة القادمة، ويظل الدعم الفرنسي وكذلك الدولي إلى لبنان بحسب تصريحات ماكرون مرهون بالتزام الطبقة السياسية الحاكمة بتنفيذ الإصلاحات ومواجهة الفساد داخل الدولة، وقد عبرت كلمات ماكرون عن الامتناع عن تقديم المساعدات في حال عدم الالتزام بهذه بالإصلاحات[4]، لاسيما ما يتعلق بمراجعة حسابات البنك المركزي في لبنان، وإجراء الانتخابات البرلمانية. قائلا ” إذا يأمل لبنان في الحصول على المساعدات الدولية، يجب على القادة السياسيين إجراء إصلاحات حقيقية”[5]

نتائج الزيارة

في إطار القمة اللبنانية الفرنسية التي عقدت في قصر بعبدا ضمن برنامج زيارة ماكرون تم التوصل إلى عدد من النتائج والتي تم التأكيد عليها من قبل الرئيس ميشال عون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومنها:

سرعة تشكيل الحكومة الجديدة وتجاوب القيادات اللبنانية في مسار تشكيل الحكومة لتنفيذ الإصلاحات ومكافحة الفساد ومواجهة الخلل في القطاع المصرفي، بالإضافة إلى دعوة الرئيس ميشال عون لإطلاق حوار وطني، وأن يكون الأول من سبتمبر 2020 محطة انطلاق لبنان جديد، بالإضافة إلى التأكيد على مدنية الدولة وأن المواطن هو الملك وليس زعماء الطوائف.

وقدم ماكرون دعمه للمساهمة المباشرة في عقد لقاء مخصص للبحث في حاجات لبنان ضمن خطة النهوض الاقتصادية تشارك فيه دول عدة على أن يكون دعم لبنان القاسم المشترك فيما بينها، وتقرر عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان في منتصف أكتوبر القادم.

بالإضافة إلى أن ماكرون قدم فرنسا بوصفها الحارس الأمني للبنان فيما يتعلق بقدرتها على تأمين الأجواء الدولية الملائمة لمساعدة لبنان على البقاء على خصوصيته، وعزمه على تنفيذ الالتزامات المعلنة في مؤتمر سيدر الذي تعهد فيه المجتمع الدولي بمساعدة لبنان في أبريل 2018 بشرط إجراء الإصلاحات، إذا طالب بإصلاحات هيكلية للاقتصاد اللبناني وللقطاع المالي والبنكي.

فضلا عن الدور الذى قامت به فرنسا في إزالة اثار الانفجار من خلال مشاركة الوحدات الفرنسية بالتعاون مع الجيش اللبناني في تنظيف المرفأ وتنفيذ اعمال إغاثة نتيجة قوة الانفجار والخسائر البشرية التي نتجت عنه ولا سيما الدور الإنساني الذي لعبته القوة الفرنسية التي أرسلت الى بيروت في السفينة الحربية le tonnerre      [6].

ختاما يمكن القول إن تحرك فرنسا في الملف اللبناني وسرعة الاستجابة لمواجهة الأزمة تعكس المتابعة الفرنسية الدقيقة للملف وقدرتها على تعاطيها مع مواجهة الأزمة، بالإضافة إلى الرغبة الفرنسية في إخراج لبنان من حالة العزلة السياسية والدولية التي فرضت عليه نتيجة دور حزب الله الذراع الإيرانى المهيمن على الساحة اللبنانية، بالإضافة إلى تحجيم الدور التركي في شرق المتوسط.

المصادر:


[1] باسم راشد،” دوافع التحركات الفرنسية في لبنان بعد انفجار بيروت”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات، 11 أغسطس 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 2 سبتمبر 2020.

[2] الرئيس الفرنسي حطَّ مساء في مطار رفيق الحريري حيث كان الرئيس عون في استقباله، رئاسة الجمهورية اللبنانية، 31 أغسطس 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 2 سبتمبر 2020.

[3] أهدى وساما لفيروز.. ماكرون يزور بيروت مجددا، العربية الحدث، 31 أغسطس 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 3 سبتمبر 2020.

[4] Ishaan Tharoor, The limits of Macron’s influence in Lebanon, the Washington post, 2 September 2020, available at: https://wapo.st/31WftZj accessed on 3 September 2020.

[5] Macron visits Lebanon in high-stakes reform drive ,the times of isreael,1September 2020,available at: accessed on 3 September 2020.

[6] قمة لبنانية – فرنسية في قصر بعبدا في ذكرى مئوية لبنان الكبير، رئاسة الجمهورية اللبنانية، 2 سبتمبر 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 2 سبتمبر 2020.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

رحاب الزيادي

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى