
ما بعد المرأة الحديدية.. صراع خلافة ميركل يشعل ألمانيا
اشتعلت بورصة خلافة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، على ضوء استعداد الأحزاب الألمانية لتسمية مرشحها لمنصب المستشار الألماني صاحب الصلاحيات القيادية الفعلية في جمهورية ألمانيا الفيدرالية، بينما يتبقى لرئيس الدولة بعض الصلاحيات الضيقة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية والمؤسسة العسكرية.
وكانت ميركل قد شغلت منصبها أربع ولايات متتالية منذ عام 2005، وتنتهي ولايتها الرابعة في خريف 2021 عشية الانتخابات البرلمانية، وقد أعلنت في وقت سابق عدم سعيها للولاية الخامسة، بعد أن أصبح يُنظر لها عمليًا طيلة 16 عامًا باعتبارها زعيمة القارة الأوروبية. وقد ترأست الحزب المسيحي الديمقراطي، وصاغت تحالفًا قويًا مع حزب الاتحاد المسيحي البافاري الديموقراطي، ما مكن التحالف من الفوز بالانتخابات العامة أربع مرات متتالية، وإن احتاج إلى ائتلاف حكومي ثلاث مرات مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وفى الولاية الثانية تحالف المسيحي الديمقراطي مع الحزب الديموقراطي الحر.
ومن المقرر أن يسمي التحالف المسيحي الديمقراطي مرشحه للمستشارية، على ضوء انسحاب انجريت كرامب كارينباور وزيرة الدفاع من سباق الترشح في فبراير 2020 رغم شعبيتها الهائلة وسط أوساط اليمين المحافظ الألماني.
ويرجع السبب في انسحاب كارينباور إلى الضغوط الأوروبية والألمانية الهائلة التي جرت بحق الحزب المسيحي، بعد أن وافقت كارينباور ذات الأفكار القومية القريبة من أفكار البريطاني بوريس جونسون والأمريكي دونالد ترامب على أن يقوم الحزب المسيحي بالتنسيق مع حزب البديل الألماني في انتخابات ولاية ترونجن، بينما تعتبر أوروبا والدوائر الألمانية السياسية التقليدية حزب البديل الألماني منظمة يمينية متطرفة تمثل اليمين القومي الصاعد الذي ترفضه المؤسسات السياسية التقليدية في أوروبا.
وعلى ضوء قطع الطريق أمام النسخة الألمانية من ترامب في الترشح لخلافة ميركل، فإن تنحي كارينباور فتح الباب أمام انتخابات داخل الحزب المسيحي الديمقراطي خلال ديسمبر 2020، ويترشح لرئاسة الحزب وتاليًا منصب المستشار كلاً من:
1 – فريدريش ميرتس: المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الألمانية خمس مرات أعوام 1999، 2004، 2009، 2012، و2017، عضو سابق في البرلمان الألماني والبرلمان الأوروبي.
2 – أرمين لاشيت: رئيس وزراء ولاية نورث راين – وستفاليا منذ عام 2017، ويعتبر المرشح الأكثر قدرة على تولى رئاسة الحزب والمستشارية، كما أنه على اتصال جيد بحزب الخضر حال احتاج الدخول في ائتلاف وزاري.
3 – نوربرت روتجين: وزير البيئة وحماية الطبيعة الأسبق.
وحاول بعض أقطاب الحزب إقناع ماركوس زودر رئيس وزراء ولاية بافاريا في الترشح على ضوء شعبيته الجارفة في استطلاعات الرأي، ولكن الأخير فضل البقاء في الولاية الصناعية الأبرز وعدم العودة إلى مجتمع برلين.
وإذا كانت أوروبا وشبكات المصالح الدولية التي تدير العولمة عمليًا قد تدخلت في ألمانيا من أجل منع صعود اليمين القومي داخل الحزب المسيحي عبر إقصاء وزيرة الدفاع انجريت كرامب كارينبور، خوفًا من تحالف تاريخي بين ألمانيا وإدارة ترامب ضد الاتحاد الأوروبي، أو صعود لحزب البديل الألماني مع كارينباور ما يعني موجة جديدة من انتصار التيار القومي على التيار النيوليبرالي في القارة الأمريكية، فإن شبكات المصالح الغربية تدرك تململ الناخب الألماني من الحزب المسيحي، وحقيقة أن ميركل في ولاياتها الأربع لم تستطع حسم الانتخابات منفردة، وذهبت في المرات الأربع إلى وزارات ائتلافية.
وهكذا تتطلع أوروبا الى التحالف التاريخي القديم بين الحزب الاشتراكي وحزب الخضر، من أجل تشكيل وزارة ائتلافية عقب انتخابات 2021، أو الدخول في وزارة ائتلافية ثلاثية مع الحزب المسيحي إذا ما اقتضى الأمر.
وتسعى أوروبا إلى هيكلة الأحزاب اليسارية والخضر من أجل تأهيلها لمواجهة اليمين القومي الصاعد، وتحويل الصمود الباهت حيال التيار القومي إلى معركة صفرية بين اليسار الليبرالي المتحالف مع الخضر من جهة، ضد اليمين القومي الصاعد من جهة أخرى، لذا فإن دوائر العولمة تفضل أن يكون الخضر والاشتراكيون على رأس النظام الألماني عقب انتخابات 2021.
ولكن الحزب الاشتراكي لن يقبل بسهولة أن يلعب دور الشريك الثاني في الائتلاف الحكومي للمرة الرابعة في 16 عامًا، ما يشكل صعوبة بالنسبة لحزب الخضر في تشكيل وزارة ائتلافية مع الاشتراكيين، وأنه على الخضر الذهاب إلى “الائتلاف المستحيل” مع المسيحي المحافظ.
الحزب الاشتراكي الديمقراطي سمى أولاف شولتز مرشحًا لمنصب المستشار في 10 أغسطس 2020، الذي يشغل منصب نائب المستشار ووزير المالية في وزارة ميركل الائتلافية منذ مارس 2018، ويتضمن سجله رئاسة الحزب لبضعة أسابيع عام 2018 وتوليه منصب عمدة هامبورج، وعمل وزيرًا للعمل والشئون الاجتماعية.
ومع عدم وجود مرشح قوي لحزب الخضر أو الديموقراطي الحر لمنصب المستشار، فإن أوروبا تتخوف من تقدم جديد لحزب البديل الألماني وأن يمتلك القدرة على تسمية “المستشار الألماني”.
وتواجه النخبة الألمانية التقليدية المؤلفة من الحزب المسيحي والحزب الاشتراكي والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر، إضافة الى حزب اليسار، تحديات جمة في مرحلة ما بعد ميركل، انطلاقًا من انتخابات 2021، وتشمل ما يلي:
1 – فرملة صعود التيار القومي ممثلاً في حزب البديل من أجل ألمانيا “البديل الألماني”.
2 – تفكيك الكتلة الشعبية الرافضة لاستمرار ألمانيا في الاتحاد الأوروبي، والتي تدعو لاستفتاء للخروج الألماني من الاتحاد الأوروبي على غرار الخروج البريطاني.
3 – الحفاظ على الزعامة الألمانية للاتحاد الأوروبي على ضوء الزعامة الفرنسية الصاعدة، ومحاولات بعض دوائر العولمة لاستبدال زعامة ميركل بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
4 – تعديل نهج ميركل في استقبال قرابة 2 مليون لاجئ من دول ما سمي بالربيع العربي والحرب على الإرهاب، عبر معالجة سلبيات فتح أبواب ألمانيا لهذا الكم من اللاجئين.
5 – التصدي للتغلغل الروسي في أوروبا عبر الأحزاب القومية عبر دعم الخزينة الألمانية للحكومات النيوليبرالية أو المؤيدة للاتحاد الأوروبي، كذا التصدي للمد القومي القادم من حكومة اليمين القومي في النمسا أو التأثير الثقافي لصعود ترامب إلى البيت الأبيض في واشنطن.
باحث سياسي



