السودانأفريقيا

“اتفاق السلام” في السودان… خُطى نحو الاستقرار

جري اليوم الاثنين المُوافق 31 أغسطس 2020 في جوبا، التوقيع رسميًا على اتفاق السلام بين الحكومة السودانية وأربع حركات مُسلحة بعد عشرة أشهر من مفاوضات شاقة بوساطة من حكومة جنوب السودان، بحضور كلٍ من الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي، ورئيس الوزراء “عبد الله حمدوك”، ووفد من الجبهة الثورية السودانية، ورئيس جنوب السودان “سلفاكير ميارديت”، والعديد من الوفود الأجنبية، وعدد من وزراء خارجية دول منظمة “الإيجاد”، ومسؤولين من الدول الصديقة للسودان.              

شملت الحركات المُسلحة التي وقعت على الاتفاق؛ حركة العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان- فصيل “ميني أركو مناوي”، والحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع شمال- فصيل “مالك عقار”، والحركات مُجتمعة تحت تحالف الجبهة الثورية السودانية. في حين لم تنضم حركتان للاتفاق؛ حركة تحرير السودان- فصيل “عبد الواحد نور”، والحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع شمال- فصيل “عبد العزيز الحلو”.              

بنود اتفاق السلام  

بدأت مفاوضات السلام في جوبا في نوفمبر2019 بين الحكومة الانتقالية وخمس مسارات للحركات المُسلحة؛ الشمال، الشرق، الوسط، دارفور، والمنطقتين ” النيل الأزرق وجنوب كردفان”، وتم التوقيع على إعلان جوبا للتفاوض مع هذه الحركات في سبتمبر2019، وكان من المُتوقع أن يتم التوصل إلى السلام خلال شهرين أو ثلاثة منذ ذلك الحين، ولكن سادت حالة من الجمود في ملف السلام وتَعثرت المحادثات في جوبا لأكثر من مرة نتيجة خلافات بين الحكومة والحركات المُسلحة من جهة، والجبهة الثورية وقوي الحرية والتغيير من ناحية أخرى، وعلاوة على ذلك التعقيدات في مسار دارفور وظروف جائحة “كورونا”.   

وعليه، وضعت الحكومة الانتقالية في السودان على رأس أولويتها التفاوض مع الحركات المُسلحة وصولًا إلى السلام في المناطق التي شهدت صراعات منذ سنوات خلال حكم الرئيس السابق “عمر البشير” الذي استمر ثلاثة عقود حتى الإطاحة به في إبريل 2019.                   

قام ممثلون لمختلف الأطراف بتوقيع الأحرف الأولى في جوبا على البروتوكولات الثمانية التي تشكل اتفاق السلام؛ الأمن وقضية الأرض والحواكير والعدالة الانتقالية والتعويضات وجبر الضرر وتنمية قطاع الرعاة وتقسيم الثروة وتقاسم السلطة وقضية النازحين واللاجئين، وعليه تتمثل أهم بنود الاتفاق فيما يلي: 

  • تمديد الفترة الانتقالية في السودان 39 شهرًا إضافيًا تبدأ من تاريخ توقيع الاتفاق من أول سبتمبر 2020، حيث بدأت الفترة الانتقالية في النصف الثاني من عام 2019 بعد أشهر قليلة من سقوط “البشير”.  
  • إنهاء عمليات دمج وتسريح القوات التابعة للحركات المُسلحة ضمن الترتيبات الأمنية من خلال تفكيك الحركات المُسلحة وانضمام مقاتليها إلى الجيش النظامي الذي سُيعاد تنظيمه ليكون مُمثلا لجميع مكونات الشعب السوداني يعكس التنوع في البلاد.   
  • تشكيل قوة مُشتركة لحماية المدنيين في إقليم دارفور.
  • إعطاء الحكم الذاتي لمنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بتقسيم موارد المنطقتين بنسبة 60% للسلطة الفيدرالية و40% للسلطة المحلية.
  • منح 25% من مقاعد مجلس الوزراء والمجلس التشريعي و3 في مجلس السيادة الانتقالي للجبهة الثورية. 

 أبعاد الاتفاق       

يكشف اهتمام الخرطوم البالغ باتفاق السلام خطوة مهمة على طريق تحقيق هدف القيادة الانتقالية في البلاد المُتمثل في حل الصراعات والحروب الأهلية، وبذلك اكتملت المهمة الأولي في الوثيقة الدستورية، حيث كان من المأمول الوصول إلى اتفاق سلام خلال ٦ أشهر، وما أُنجز من اتفاق سلام عمل إيجابي وخطوة متقدمة في اتجاه السلام الشامل، وتضمن قضايا مُرتبطة بالمشروع الوطني لم تُعالج من قبل لتحقيق دولة المواطنة والوصول إلى سودان جديد:            

  • تقديم حلول غير مُسبوقة لقضايا المنطقتين: أعطى الاتفاق للمنطقتين “النيل الأزرق وجنوب كردفان “، حق الحكم الذاتي والتشريع والحريات الدينية، وستُمنح 40% من الثروة المُنتجة بما في ذلك نفط غرب كردفان لمدة عشر سنوات. 
  • توسيع قاعدة المشاركة للقوى المدنية: يساهم الاتفاق في إصلاح وتطوير وتحديث القطاع الأمني من خلال الاستفادة من كافة الموارد البشرية للحركات المُسلحة وبناء جيش بعقيدة عسكرية جديدة.   
  • تعزيز أداء الحكومة في السلطة الانتقالية: سيعمل اتفاق السلام على تعزيز برامج التحول الديمقراطي المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية، والإعلان السياسي، وتقوية الشراكة بين القوى المدنية والعسكرية. 
  • إنهاء الحروب والاقتتال وتحقيق الاستقرار: باعتبار أن الحركات المُوقعة على الاتفاق موجودة في دارفور والنيل الأزرق ومنطقة جبال النوبة حتى تستطيع الحكومة الانتقالية تحقيق الاستقرار من خلال عودة النازحين واللاجئين، وفتح آفاق للتعاون الدولي مع السودان.          

تحديات اتفاق السلام 

برغم الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة السودانية مع الحركات المُسلحة إلا أنه اتفاق جزئي في عملية السلام وليس شاملًا، حيث لم تنضم حركتان للاتفاق؛ حركة تحرير السودان- فصيل “عبد الواحد نور”، والحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع شمال- فصيل “عبد العزيز الحلو”، ولا يزال الاتفاق بحاجة إلى مزيد من الضمانات الدولية والإقليمية لإنجاح ما تم الاتفاق عليه في منبر “جوبا”.                    

  كما يشكل انقسام الحركات المُسلحة في دارفور إلى أكثر من 80 حركة خلال السنوات الماضية عقبة أمام إمكانية صمود الاتفاق، والتخوف من تغير وجهات نظر الأطراف، حيث شهد السودان عددًا من اتفاقيات السلام منذ خمسينيات القرن الماضي، وكان بعض هذه الاتفاقيات هشًا وسط اتهامات مُتبادلة بين الطرفين، والآخر أدى إلى اندلاع الحروب خاصةً ما يتعلق بملكية الأراضي “الحواكير” في دارفور، بالإضافة إلى قضايا التنوع الثقافي، والديني، وقضايا تقاسم السلطة والثروة بين المركز والولايات، وتهميش بعض مناطق السودان، مثل اتفاقيات؛ أديس أبابا، الخرطوم، والسلام الشامل، أبوجا، والدوحة.    

وإجمالًا، يعتبر التوقيع على اتفاق السلام خطوة غير مُسبوقة لوساطة جنوب السودان، وستنعكس هذه الخطوة ليس على مناطق الحرب والاقتتال فقط، بل على السودان بشكل عام، ولذا يُعول على مدى الالتزام الكامل بما تم الاتفاق عليه في منبر جوبا.             

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى