مقالات رأي

جلال نصار يكتب : المواجهة المؤجلة : أجواء “الحرب الباردة” بين واشنطن وبكين… وأين يقف العرب؟

إن المتابع لتطور العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في العقدين الأخيرين يرى بوضوح أن هناك على الأرض “حرب باردة” تتصاعد وتيرتها على كل الجبهات؛ تزداد سخونتها سياسيًا وإعلاميًا؛ وأدواتها تجارية/اقتصادية؛ وعلى جانبيها وفى الظلال الممتدة تنافس في مجال التسليح دون حدوث صدام عسكري يجر العالم إلى مواجهة بين قوتين نوويتين قد تؤدي إلى السيناريو الكارثي “نهاية العالم”. ورغم تأرجح مواقف وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأسباب اقتصادية أو دعائية إلا أن العامل الذي يهدئ قليلا من حدوث هذا السيناريو الكارثي هو الاستراتيجية الصينية التي تتحرك حتى في قمة انزعاجها وغضبها وفق نهج يميل إلى تأجيل أي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة في قلب العالم، بل حتى في المجال الحيوي الصيني في آسيا إلى مرحلة تالية تحددها بكين ولا تترك لواشنطن قرار تحديد موعدها.

تنافس أم عداء؟

إن التحليل العام لكل الأزمات والصراعات يشير إلى أن غالبية العلاقات الدولية المعاصرة تندرج تحت بند التنافس أكثر من كونها عداء مباشر خاصة على مستوى الشعوب حتى وإن كان هناك تعارض في المصالح بين الحكومات، والصين من الدول التي تتحرك بوعي على الساحة الدولية بحيث لا تصل بعلاقاتها إلى حد العداء وتتعامل اقتصاديًا وسياسيًا وتبقى على القنوات مفتوحة تتدفق فيها المصالح كي لا تجد نفسها وهى في سبيلها لاستكمال تجربتها التنموية بلا جسور مع الدول والثقافات والأسواق والموارد الطبيعية والخامات وتحكمها عقيدة راسخة وفهم لقاعدة تحكم العلاقات الدولية على مر العصور بأن أعداء الأمس قد يصبحون أصدقاء اليوم وخصوم اليوم قد يتحولون إلى أصدقاء المستقبل؛ كما تدرك بكين  أن بعضًا من المنافسين والأعداء يريدون لها ولشعبها العزلة والنفي الاختياري من الساحة وأن تحرم القدرة على المناورة والحركة والتمدد وحتى تصبح كيانًا جامدًا يتآكل ذاتيًا بمرور الوقت وتراكم الأزمات؛ ولعل الحملات الدعائية التي شنت على الصين أثناء أزمة كورونا كانت أكبر دليل على محاولات عزل وحصار الصين.

على الجانب الآخر يرى بعض المراقبين والدوائر القريبة من إدارة ترامب أنه على استعداد لفعل أى شيء من أجل الفوز في الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر المقبل وقد بدا بعض الشك يساور ترامب في إمكانية فوزه الساحق على منافسه من الحزب الديموقراطي جو بايدن ولكن الأمر تعدى مسألة المعركة الشخصية إلى ما يمثله نجاح أو خسارة ترامب على مستقبل وخطط ومشروع الحزب الجمهوري في مواجهة الحزب الديموقراطي بكل ما يمثله من تهديد وأجندة مغايرة تمامًا لخطط وطموحات الجمهوريين، وهو أمر يراه المراقبون إشارة إلى إمكانية تجاوز كل الخطوط الحمراء والعودة إلى سيناريوهات نقل المعركة إلى ساحات خارجية ومواجهات مع قوى ودول وجماعات تصل إلى حد الصراعات المسلحة أو التلويح بها على عكس ما يردده البعض من أن أي رئيس أمريكي يتجنب الدخول في صراعات مسلحة خلال السنة الأخيرة لإعادة انتخابه كي لا يستنزف رصيده وتتدهور مؤشرات اقتصاده حتى أن البعض من هؤلاء كما أشارت مجلة “بوليتكو” الأمريكية يرون أن واشنطن تعيش مرحلة “حرب باردة جديدة” مع بكين وكانت مقدماتها الاستعانة بخدمات ستيفن بانون الذي رشح فى بداية فترة ترامب مستشارًا للأمن القومي وكان أول تصريحاته بعد العودة للدائرة القريبة أن: “للرئيس ترامب خطة حرب متكاملة لمواجهة الحزب الشيوعي الصيني أولاً ثم إسقاطه”. وأن  هذه الخطة وفقًا لكلام بانون أعدت من قبل ما أسماه “مجلس حرب” يضم ما وصفهم بـ “فرسان نهاية العالم الأربعة”؛ وهم: مستشار الأمن القومي الحالي روبرت اوبراين، ورئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والمدعي العام ويليام بار؛ وهو ما يشير إلى إحتمال مواجهة نووية مع قوة نووية أخرى تؤدي إلى نهاية العالم وفقًا لوصف “الفرسان الأربعة” وهو من وجهة النظر العملية والواقعية سيناريو تصعيدي يتم الترويج له علانية كدعاية انتخابية تنفي ما ورد فى مذكرات جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق من فضيحة طلب الرئيس الأمريكى من نظيره الصينى شى جين بينج الدعم فى الانتخابات المقبلة؛ حيث يروي بولتون فى مذكراته عن لقاء حدث على هامش قمة العشرين في 2019م، بين الرئيس الأمريكي ونظيره الصيني وفيه التمس ترامب من بينج المساعدة حتى يفوز في الانتخابات القادمة؛ وذكر له أن شراء الصين فول الصويا من المزارعين الأمريكيين ستقوي حظوظه الانتخابية… ويرد الرئيس الصينى أنه يتطلع للعمل معه لست سنوات مقبلة…

الاستراتيجيات الصغرى:

نشرت مؤسسة راند RAND الأمريكية للأبحاث في يوليو الماضي تقريرًا تحت عنوان “استراتيجية الصين الكبرى ” يوثق ويحلل المشروع الذي قدمه نائب رئيس أركان الجيش الأمريكي بعنوان “المنافسة الأمريكية الصينية طويلة الأجل”. استهدف المشروع المذكور مساعدة الجيش الأمريكي على فهم القدرات النسبية للجيشين الأمريكي والصيني فى السنوات الخمسة وثلاثين القادمة، ويؤكد على أن بكين لا تمتلك استراتيجية كبرى أو خطط وطنية تؤدي إلى صدام عسكري مباشر مع الولايات المتحدة. أشار التقرير إلى دخول البلدين في منافسة طويلة الأمد نابعة من احتمالية عدم انسحاب أي منهما من الشؤون العالمية في المستقبل المنظور، ولأن كل بلد ينظر إلى الآخر كمنافس مهم، ويشكك بقوة في أفعال ونوايا الآخر. ووصف التقرير حالة التنافس التي لا تصل إلى حد الصدام بين البلدين: “قد يكون التنافس عبارة عن نزاعات متعددة وخلافات مستمرة والتهديد باستخدام القوة، ويمكن للدول المتنافسة أن تتعاون في كثير من الأحيان في المسائل ذات الاهتمام المشترك، أي أنه لا يؤدي حتمًا للحرب رغم وجود التنافس”.

ويلقي التقرير الضوء على الاستراتيجيات الصغرى للصين التي تشمل خططًا خمسية تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار الداخلي والتماسك الاجتماعي؛ وتعزيز السيطرة المركزية للمؤسسات المدنية للحزب الشيوعي الصيني؛ وتعزيز الدبلوماسية الفعالة؛ والحفاظ على النمو الاقتصادي والازدهار؛ وتعزيز جهود العلوم والتكنولوجيا؛ ورفع مستوى وتحسين الفعالية القتالية لجيش التحرير الشعبي

في تحليل لوكالة بلومبرج عن مستقبل العلاقات الأمريكية-الصينية كتب الخبير الأمريكي ديفيد فيكلنج “أن إلقاء نظرة على العلاقات المتوترة للصين مع دول أخرى، يظهر أن بكين تعتمد على الواقعية السياسية أكثر مما تركز على “الذات”، مستبعدًا بذلك مواجهة عسكرية. وذكًر أنه بعد ثلاث سنوات من الحرب التجارية بين البلدين، فإن قيمة الاستثمارات الأمريكية في الصين خلال 2019م، توازي استثمارات عام 2005م، بقيمة 14 مليار دولار سنويًا”. المفارقة هو أن التطور الاقتصادي الهائل للصين خلال العقود الثلاثة الماضية تم بمباركة أمريكية. فقد أيد الأمريكيون انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001م. كما وضعت الشركات الأمريكية الصين فى قلب سلاسل إنتاج الاقتصاد العالمى. وكانت واشنطن تراهن فى ذلك على تكامل النموذجين الاقتصاديين، إلا أن ذلك لم يتحقق بالشكل الذي كانت ترجوه. ما كتبه فيكلنج وغيره يدرك جيدًا خطر المواجهة العسكرية بين الصين والولايات المتحدة الذي يتصاعد رغم أن أيا من الجانبين لا يريد الحرب. بينما يرى البعض أن الصراع بين واشنطن وبكين ليس حربًا باردة جديدة، كل ما هناك هو أن الصين تستخدم بذكاء ضعف القوة الأمريكية المتذبذبة.

 مسرح العمليات المحتمل:

ورغم المؤشرات التى تستبعد المواجهة العسكرية إلا أن هناك عدد من الخبراء يراها وشيكة نتيجة لتصاعد وتيرة “الحرب الباردة” وزيادة التوتر لأسباب بعضها موسمية يتعلق بالانتخابات الأمريكية، وبعضها ذات طابع هيكلي جيواستراتيجي مع تنامي قوة الصين وتراجع الولايات المتحدة، جعل احتمال نشوب صدام مسلح بين الطرفين مسألة واردة وغير مستبعدة؛ فعلى سبيل المثال فإن تقديرات خبراء الاستراتيجية العسكرية في الصين تذهب إلى أنه في حال اختارت الولايات المتحدة مواجهة مسلحة مع الصين، فإن مسرح العمليات المحتمل سيكون حول تايوان أو في بحر الصين الجنوبي.

نشرت وكالة “رويترز” في مايو الماضي تقريرًا عن الصين وصفته بأنه سري يحتوي على سيناريو المواجهة بين القوتين العظميين وبأن الأمر يتصاعد داخل دوائر صنع القرار الصيني، حيث حذر التقرير من موجة عداء غير مسبوقة في أعقاب جائحة كورونا، عداء من شأنه أن يؤسس لحرب باردة جديدة وربما مواجهة عسكرية في المستقبل. “رويترز” نقلت عن مطّلعين على التقرير الذي أعدّته وزارة أمن الدولة الصينية، أن “المشاعر العالمية المناهضة للصين وصلت أعلى مستوياتها منذ حملة ميدان تيانانمين عام 1989م”. التقرير نصح الصين بالاستعداد “لمواجهة عسكريّة بين القوتين العالميتين في أسوأ سيناريو”. وأكد التقرير أن واشنطن تسعى لإضعاف مكانة الحزب الشيوعي الحاكم من خلال تقويض ثقة الصينيين فيه وفرض حزمة عقوبات، تشمل حظرًا على نقل التكنولوجيا وبيع الأسلحة.

في عام 2013م، حدد باحثو العلوم العسكرية الصينيون  فى “الكتاب الأبيض للدفاع” الأنواع الأربعة المختلفة للصراعات التى يجب على بكين الاستعداد لمواجهتها في المستقبل، وهي: حرب دفاعية واسعة النطاق وعالية الكثافة ضد دولة مهيمنة تحاول إبطاء أو إنهاء صعود الصين؛ حرب واسعة النطاق نسبيًا وعالية الكثافة ضد الانفصاليين ضد قوات استقلال تايوان؛ العمليات المضادة للدفاع عن النفس على نطاق متوسط إلى صغير ومتوسط إلى منخفض الكثافة فى حالة النزاعات الإقليمية أو إذا امتد عدم الاستقرار الداخلى للجيران عبر الحدود الصينية؛ عمليات صغيرة الحجم ومنخفضة الحدة تهدف إلى مواجهة الهجمات الإرهابية والحفاظ على الاستقرار.

في يونيو 2005م، كتب روبرت كابلن مقالاً في مجلة (ذى أتلانتيك) بعنوان “كيف سنحارب الصين؟” قال فيه إن السباق العسكري بين الولايات المتحدة والصين سوف يكون السمة التي تميز القرن الواحد والعشرين، وأن الصين سوف تكون خصمًا أشد قوة بكثير عما كانت عليه روسيا. ثم عاد كابلن ليذكر العالم بما حذر منه في بداية 2019م، بمجلة (فورين بوليسي) الأمريكية. أهمية مقالات كابلن تحديدًا تكمن في أنها تتابع بدقة العلاقة بين الثوابت والمتغيرات، في العلاقات بين الجغرافيا وبين النفوذ السياسي والقوة العسكرية، وما يربط بينها جميعًا من فكر سياسي ودبلوماسية، لذا سنجد أن الصراع الحالي بين الولايات المتحدة والصين، سوف تحسمه قدرة أي من الطرفين على امتلاك ناصية القوة فى البحار.

يقول كابلن إن الولايات المتحدة منذ فجر قوتها كدولة مستقلة، اعتبرت منطقة الكاريبي بوابتها إلى العالم، ومنفذها لتحقيق النفوذ في النصف الغربي من الكرة الأرضية، بدءأ من أمريكا اللاتينية حتى بلدان شرق آسيا والمحيط الهادي. وبدون سيطرتها على جزر الكاريبي والممرات البحرية إلى جزر وبلدان المحيط الهادى وشرق آسيا، ما كانت الولايات المتحدة لتستطيع أن تبني قوتها الإقتصادية ونفوذها في القرن التاسع عشر؛ فنفوذها في هذه المناطق سابق على نفوذها في أوروبا الغربية وبقية أنحاء العالم. ولولا قوتها ونفوذها في منطقة الكاريبي والمحيط الهادي ما كان نفوذها في المحيط الأطلنطي وأوروبا والشرق الأوسط، وهو النفوذ الذي تجسد بقوة خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، إلى الدرجة التي لعبت فيها دور الممول للتنمية وإعادة البناء لأوروبا الغربية من خلال خطة مارشال، ودور الحامى العسكري ضد احتمالات التوسع السوفييتى بعد الحرب، من خلال حلف الأطلنطي ومجموعة القواعد العسكرية التي أقامتها في أوروبا الغربية وحول العالم. ويمكننا القول بأن الولايات المتحدة ظهرت على العالم كقوة بحرية بالأساس، وما تزال أكبر وأقوى القوى البحرية، وأكثرها قدرة على الانتشار والمناورة في كل بحار ومحيطات العالم، بما لها من أساطيل وحاملات طائرات تزيد عن كل مايملكه العالم.

أما الصين فإنها على العكس تمامًا؛ فهي أضعف ما تكون كقوة بحرية، إذ أن القوة الصينية على مر التاريخ وحتى القرن العشرين كانت قوة برية، تعطي ظهرها للبحار والمحيطات التي تطل عليها، وتعتمد اعتمادًا أساسيًا على المنعة العسكرية التي تحصل عليها من اتساع مساحتها وتنوع تضاريسها. أما الآن فإنها تتحول بسرعة وبقوة من مجرد قوة برية منكفئة على داخلها، إلى قوة بحرية وفضائية من طراز عالمي رفيع، بالدرجة التي تؤهلها للمنافسة على النفوذ فى العالم.

التكنولوجيا العسكرية:

وفقًا لكل التقديرات والتقارير المنشورة لا يزال الأمريكيون متفوقون في مجال التكنولوجيا العسكرية على الصين، من حيث التسلح والتكنولوجيا، رغم الجهود التي تبذلها بكين لتطوير قدراتها. ويشير تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” لعام 2019م، إلى سباق عالمي غير مسبوق نحو التسلح والإنفاق العسكرى. وتتقدم الولايات المتحدة على الصين، إذ زادت نفقاتها العسكرية بنسبة 5.3٪ إلى 732 مليار دولار مقارنة بعام 2018م، وهو ما يمثل 38٪ من مجموع الإنفاق العالمي، تتبعها الصين بـ 261 مليار دولار، بزيادة قدرها 5.1٪ على أساس سنوي.

على جانب آخر؛ تشير دراسة أعدها “مركز دراسات الولايات المتحدة” في جامعة سيدني الأسترالية، صدرت في 2019م، إلى تراجع قوة الجيش الأمريكي في آسيا، وأنه لم يعد فى موقع يسمح له بمواجهة الصين. وأكدت الدراسة أن الجيش الصيني يمكنه القضاء على القواعد الأمريكية في آسيا بصواريخه في غضون ساعات قليلة. الدراسة خلصت إلى أن “الصين أنشأت ترسانة مثيرة من الصواريخ الدقيقة وأنظمة الدفاع الأخرى، مما يقوض الهيمنة العسكرية الأمريكية في المنطقة”. وقالت إن جميع المنشآت العسكرية الأمريكية وتلك التابعة لحلفائها في غرب المحيط الهادئ “في مرمى الهجمات الصاروخية الصينية الدقيقة خلال الساعات الأولى لأي صراع مسلح”.

وتقول مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية: “إذا اندلعت حرب بحرية بين الأسطولين الأمريكي والصيني في غرب المحيط الهادئ، فإنه من الممكن أن تخسر أمريكا تلك الحرب”، مشيرة إلى أن قدرة الصين على تعويض أي خسائر في سفنها الحربية ستكون أسرع من قدرة الأسطول الأمريكي”.

كما يجب الأخذ في الاعتبار تطور القدرات العسكرية الصينية منذ العام 1996م، وحتى 2017م، فمنذ أزمة صواريخ مضيق تايوان 1996/1997م، تضاعف عدد الصواريخ البالستية القصيرة المدى من بضعة صواريخ إلى نحو 1400 صاروخ، بالإضافة إلى تضاؤل نسبة الخطأ فى إصابة الهدف من مئات الأمتار إلى أقل من خمسة، وتستطيع تلك الصواريخ إصابة القاعدة الجوية “كادينا” فى أوكيناوا، مما يعني -في حالة حدوث حرب-أن تضطر الطائرات الأمريكية إلى قطع مسافات طويلة للاشتباك مع القوات الصينية. “لتقليل الفجوة بين القوات الجوية الصينية والأمريكية، استبدلت بكين نصف مقاتلاتها بمقاتلات الجيل الرابع، مما يمثل صعوبة كبيرة للدفاع عن تايوان، وعدم قدرة الطائرات الأمريكية على السيطرة، وفقدان السيادة الجوية” ورغم أن قدرات القوات الأمريكية تمكنها من السيطرة مع امتداد الحرب، فإن القوات البحرية الأمريكية ستبقى مكشوفة أمام القوة الجوية الصينية لفترة محددة أثناء الحرب. كما تطورت قوات الدفاع الجوي والساحلي الصينية من عدة بطاريات صواريخ بدائية عام 1996م، إلى أنظمة دفاعية متكاملة، وازدياد ذلك بحلول العام 2019م، بدمج مقاتلات الجيل الرابع مع طائرات الإنذار المبكر، ومدى ما يطرحه ذلك من صعوبات أمام قدرة الولايات المتحدة على اختراق الأراضي الصينية. مع تزايد خطورة اختراق المجال الصيني، توفر ذخائر الهجوم المباشر المشترك وأسلحة المواجهة ذات المدى الطويل والموجودة حاليًا؛ بعض المزايا للولايات المتحدة في الفناء الخلفي للصين. وكانت محاكاة الهجوم على القواعد الجوية الصينية الأربعين بالمقاتلات من تايوان دون التزود بالوقود، قد أظهرت أن القدرة على غلق ممرات الإقلاع في هذه القواعد قد تضاءلت من ثماني ساعات عام 1996م، حتى ثلاثة أيام عام 2010م، وتوقعات بثبات ذلك حتى العام 2017م، مما يعني ضرورة تطوير أداء الأسلحة والذخائر السابق ذكرها.

على جانب القدرات المعلوماتية والنووية يقيم الباحثون قدرة كلا البلدين على تحمل الضربة النووية الأولى، ومع تحسن القدرات الصينية النووية بصورة مطردة وإدخال الصواريخ الجديدة العابرة للقارات إلى الخدمة ونشر الغواصات القادرة على إطلاق الصواريخ البالستية، فإن الصين لا تملك القدرة على حرمان الولايات المتحدة من امتصاص الضربة الأولى وتوجيه ضربة ثانية لبكين، فرغم كل شيء تتفوق أمريكا على الصين في عدد الرؤوس النووية بنسبة 13 إلى 1.

أين يقف العرب؟

مرت الدول العربية من المحيط إلى الخليج بتجربة الحرب الباردة (1947-1991م) بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي؛ وجرب البعض منها المعسكر الغربي بينما أختبر البعض الأخر المعسكر الشرقي وخرج الطرفان بدروس قاسية حين لم يتمكن أي منهما من بناء قدراته الشاملة بصورة تحقق له عوامل الاستقرار والتنمية والنهوض الشامل وظلت كل التجارب ناقصة وتعمقت الخلافات وزادت عوامل الضعف العربي وتعقدت القضايا الرئيسية وهو ما يجعلنا نحاول أن نطرح رؤية تجنبنا تكرار ذات السيناريو والوصول لذات النتائج فى عدد من النقاط الهامة:

ـ قبل أن تتخذ أي من الدول العربية موقفًا منحازًا يجب أن تخضع حساباتها لصالح ميزان القوة العربي الجمعي؛ إذ لابد من إيجاد منظومة تبنى على نظرية أمن قومي لها أسس ومرتكزات وموقف من كل التحديات تحدد فيها المصلحة العليا لتلك المنظومة وتحدد سياساتها الدفاعية والتسليحية ومسارح العمليات المحتملة ونظم التدريب والإمداد والتنسيق وتوفير بنية معلوماتية وتكنولوجية متطورة لهذا النظام.

   على الدول العربية أن تدرك قبل الانحياز لطرف أن تراعي وجود ثلاثة مشروعات إقليمية برعاية قوى دولية؛ أولها: المشروع الإيراني ومصالحه مع الصين وروسيا وبعض الدول الغربية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا؛ ثانيها: المشروع التركي العثماني بعلاقاته مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية المسلحة فى المنطقة ومصالحه مع الولايات المتحدة وروسيا وعلاقته بإسرائيل؛ ثالثها: المشروع الصهيونى المضاد فى كل مفرداته لمنظومة الأمن العربي والمدعوم من واشنطن والحلفاء الغربيين وعدد غير قليل من دول العالم ويقوم على نظرية أمن قوية تمكنها من تجاوز كل الخطوط الحمراء في المنطقة.

    يجب أن يزيد الاهتمام بوضع استراتيجية تضمن أمن مسارح العمليات البحرية حول المضايق والممرات والجزر فى منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي والبحر الأحمر والبحر المتوسط ومضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس وخليج العقبة حيث يتركز التهديد المباشر للمصالح والثروات والتجارة العربية البينية ومع العالم الخارجي.

    يجب في مرحلة بناء القدرة والقوة الاهتمام بالأطراف مثل: الصومال وجيبوتي وموريتانيا والسودان واليمن والمناطق ذات الأغلبية الكردية في شمالي العراق وسوريا وألا تترك فريسة للقواعد والتواجد العسكري الخارجي وأصبحت تشكل خطرًا على قلب المنظومة العربية.

مراجعة كل الاتفاقيات التجارية والتسليحية بحيث تكون متوازنة وأيضًا تنويع مصادر التسليح والذخيرة وعقود الصيانة والتدريب المشترك فى كل المجالات وأن نبقي على كل الخيارات مفتوحة ولا نتعرض في أي وقت للأزمات والحصار حتى لو وقعت الواقعة وحدث “السيناريو الكارثي” والصدام المدمر بين القوى الكبرى.

 ميزان القوة بين الولايات المتحدة والصين:

     يحتل الجيش الأمريكي المرتبة الأولى عالميًا بين أقوى 138 جيشًا في العالم، بينما يحتل الجيش الصيني المرتبة الثالثة عالميًا، بحسب موقع”جلوبال فاير بور” الأمريكي، الذي أورد مقارنة بالأرقام بين الجيشين، وفقًا لإحصائيات 2020م.

    الدولتان تمتلكان أسلحة نوويةيمكن إطلاقها من البر والبحر والجو (الثالوث النووي) إلا أن القوة النووية لكليهما لا يتم احتسابها ضمن تصنيف قوة الجيوش.

    تمتلك الدولتان مساحات جغرافية هائلة إضافة إلى تعداد سكاني ضخم، فبينما تتجاوز مساحة الصين 9.5 مليون كم مربع، فإن مساحة الولايات المتحدة الأمريكية تتجاوز 9.8 مليون كم مربع.

    عدد سكان الصين نحو 1.4 مليار نسمة بينهم 752 مليون شخص يمثلون قوة بشرية متاحة للعمل، وعدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية نحو 329 مليون نسمة بينهم 144 مليون نسمة يمثلون قوة بشرية متاحة للعمل.

    يصلح للخدمة العسكرية فى الصين أكثر من 621 مليون شخص ويصل إلى سن التجنيد سنويًا أكثر من 19 مليون شاب، وفى الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 119 مليون شخص، ويصل إلى سن التجنيد سنويًا أكثر من 4 ملايين شخص.

    تتكون القوة العاملة للجيش الصيني من 2.1 مليون جندي، و510 آلاف جندى فى قوة الاحتياط، مقابل 1.4 مليون جندى و860 ألف جندى فى قوة الاحتياط التابعة للجيش الأمريكي.

    تصل ميزانية دفاع الجيش الصيني إلى 237 مليار دولار، ولديه احتياطي من العملات الأجنبية يتجاوز 3.2 تريليون، مقابل، 750 مليار دولار ميزانية الجيش الأمريكي، بينما يصل الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية فى أمريكا إلى أكثر من 123.3 مليار دولار.

    يمتلك الجيش الصيني 3210 طائرة حربية مقابل أكثر من 13 ألف طائرة يملكها الجيش الأمريكي.

    تضم القوة الجوية للجيش الصيني 1232 مقاتلة، و371 طائرة هجومية، و224 طائرة نقل عسكري، و314 طائرة تدريب، و111 طائرة مهام خاصة، إضافة إلى 911 مروحية بينها 281 مروحية هجومية. بينما تضم القوة الجوية للجيش الأمريكي أكثر من 2000 مقاتلة و715 طائرة هجومية، و945 طائرة شحن عسكري، وأكثر من 2600 طائرة تدريب، و742 طائرة للمهام الخاصة، وأكثر من 5700 مروحية، بينها 967 مروحية هجومية.

    تضم القوة البرية للجيش الصيني 3500 دبابة و33 ألف مدرعة، و3800 مدفع ذاتي الحركة، و3600 مدفع ميداني، و2650 راجمة صواريخ. بينما تضم القوة البرية للجيش الأمريكي أكثر من 6200 دبابة، وأكثر من 39 ألف مدرعة، و1400 مدفع ذاتي الحركة، وأكثر من 2700 مدفع ميداني، ونحو 1300 راجمة صواريخ.

    يمتلك الأسطول الصيني 777 قطعة بحرية مقابل 490 سفينة للجيش الأمريكي. تضم قوة الأسطولالصيني حاملتي طائرات، و74 غواصة، و36 مدمرة، و52 فرقاطة، و50 كورفيت، و220 سفينة دورية، و29 كاسحة ألغام بحرية. بينما يمتلك الأسطول الأمريكي 20 حاملة طائرات، و66 غواصة، و91 مدمرة، و19 كورفيت، و13 سفينة دورية، و11 كاسحة ألغام بحرية، ولا يمتلك فرقاطات.

    تمتلك الصين 507 مطارات، وأكثر من 4600 سفينة تجارية، و22 ميناء بحرى، وقوى عاملة تتجاوز 800 مليون شخص، وشبكة طرق تتجاوز 3.8 مليون كيلومترًا، وشبكة سكك حديدية طولها 86 ألف مترًا، وهو ما يجعلها قوة دعم لوجيستي هائلة، توفر للجيش الصيني غطاءً كبيرًا للدعم والإمداد والتموينفي وقت الحرب برًا وبحرًا وجوًا. بينما تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 13500 مطار، ونحو 3700 سفينة تجارية، و35 ميناء بحري، وقوى عاملة تتجاوز 160 ألف شخص، وشبكة طرق تتجاوز 6.5 مليون كيلومترًا، إضافة إلى السكك الحديدية التي يصل طولها إلى أكثر من 224 ألف كيلومترًا.

تنتج الصين نحو 3.8 مليون برميل نفط يوميًا، لكنها تستهلك 13.5 مليون برميل يوميًا، بينما تنتج الولايات المتحدة الأمريكية 9.3 مليون برميل نفط يوميًا، وتستهلك 20 مليون برميل فى اليوم.

نقلا عن مجلة “اراء حول الخليج”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى