دول المشرق العربي

“الشام الجديد”.. تحالف عربي في مواجهة المشروعين التركي والإيراني

شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم الثلاثاء 25 أغسطس، في قمة ثلاثية بالعاصمة الأردنية عمَان، بحضور رئيس الوزراء العراقي، مصطفي الكاظمي، وملك الأردن، عبد الله الثاني. تطرقت القمة الثلاثية إلى مجمل القضايا الإقليمية؛ ففيما يتعلق بالأزمات الليبية والسورية واليمنية أكد القادة على ضرورة الحل السياسي بما يضمن الحفاظ على وحدة واستقلال الدول وسلامتها الإقليمية بعيدا عن التدخلات الخارجية. وفي القضية الفلسطينية، شدد القادة على مساندة الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه المشروعة في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود الرابع من يونيو عام 1976 وعاصمتها القدس الشرقية ووقف مخططات الضم الإسرائيلية وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية. 

وفي شان قضية سد النهضة، شددوا على ضرورة التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن على أساس القانون الدولي يحفظ حقوق ومصالح مصر والسودان المائية باعتبارهما دولتي المصب، مؤكدين أن الأمن المائي المصري هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي. وأكدوا على ضرورة وقف والتصدي للتدخلات الخارجية التي تزعزع الأمن العربي، ومحاربة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله.

“الشام الجديد”.. تكامل سياسي واقتصادي وأمني

تأتي القمة في إطار جهود حثيثة قائمة على رؤية استراتيجية شاملة لتأسيس تكامل سياسي اقتصادي تجاري أمني بين الدول الثلاث، مصر والعراق والأردن، قائم على الأهداف التنموية المشتركة، في إطار مشروع يُطلق عليه “الشام الجديد” أو “المشرق الجديد”، وهو المصطلح الذي كشف عنه الكاظمي في حوار مع صحيفة “واشنطن بوست” خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن. 

ويمكن اعتبار المشروع الوليد نواة للعمل العربي المشترك قد يساهم في إنهاء سياسة المحاور التي أضعفت الصف العربي وأنهكت الدول العربية في خلافات بينية، بعد فشل محاولات عديدة سابقة لإنشاء نسق تكاملي سياسي اقتصادي عسكري عربي، إذ سيكون المشروع على غرار الاتحاد الأوروبي تمثل فيه مصر الكتلة البشرية والعراق الكتلة النفطية والأردن رابط بينهما، وتقدر الكثافة السكانية للدول الأعضاء 150 مليون نسمة بإجمالي ناتج محلي يتجاوز 500 مليار دولار. 

وعلى الرغم من شمولية التحالف لمجمل مجالات التعاون، إلا أنه يرتكز في جوهره على التعاون الاقتصادي وفي مجال الطاقة عبر مدّ خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق إلى ميناء العقبة في الأردن ثم إلى مصر، في حين يستورد العراق الكهرباء من مصر والأردن، ويعمل على استقطاب الاستثمارات، فضلا عن تطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، والتعاون في قطاعات الصحة والبنية التحتية وإعادة الإعمار، وزيادة التبادل التجاري. 

خريطة توضح المسار المتوقع لخط الأنابيب العراقي 

أما على الصعيد السياسي، فيقوم التحالف على إيجاد آليه للاتفاق على حلول مشتركة لأزمات المنطقة تراعي المصالح والأمن القومي العربي، وهو ما يخلق صوتًا عربيًا مسموعًا في القضايا الإقليمية يقف في وجه اللاعبين غير العرب، ويضع حدًا للمشاريع التوسعية التي تستغل حالة الانفلات والضعف وانهيار المنظومة الأمنية العربية لخلق واقع جديد في المنطقة. 

وأمنيًا، يهدف التحالف إلى بلورة استراتيجية مشتركة لمواجهة كافة أشكال دعم وتمويل الإرهاب والقضاء على البيئة الحاضنة له، ومواجهة توفير الملاذات والمنابر الإعلامية للعناصر الإرهابية.

وتنبع قوة التحالف الناشئ من أن ضلعيه الأساسيين، هما مصر والعراق، اللذان قاما عليهما تاريخ المنطقة بشقيه القديم والحديث.

وفيما يتعلق بفتح العضوية أمام انضمام دول أخرى، فإن التحالف يرحب بأي جهد مخلص يسعى للحفاظ على الحقوق العربية وتحصين الأمن القومي العربي. وفي هذا الإطار، قد ترغب المملكة العربية السعودية في الانضمام إليه بما تمثله من ثقل اقتصادي ولتفادي التهديد الإيراني لسفنها الملاحية. وربما تنضم الإمارات أيضًا ضمن استراتيجيتها للتضييق على المشروع الإيراني-التركي في المنطقة عبر تقديم الدعم للحكومة والشعب اليمنيين، ومساندة الجيش الوطني الليبي: وأخيرًا توقيع اتفاقية لإقامة العلاقات مع إسرائيل. 

كذلك، من الدول المرشحة للانضمام دول شمال إفريقيا ذات الثقل كالمغرب والجزائر، وهو ما سيعطي عمقًا استراتيجيًا للتحالف. فضلًا عن أن تحالف يحمل اسم “الشام الجديد” سيكون من المفيد أن يضم مستقبلا كل من سوريا ولبنان، لكن بالنظر إلى هدفه المناهض للمشروعين الإيراني والتركي، لن يتحقق ذلك إلا بعد تخلص لبنان من سيطرة إيران عبر وكيلها حزب الله على عملية صنع القرار والخروج من الأزمتين السياسية والاقتصادية التي يعانيها، وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.

مشروع قديم متجدد

ترجع فكرة هذا التحالف الثلاثي إلى عهد رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، واستكملها رئيس الوزراء السابق، عادل عبد المهدي، عبر ما أُطلق عليه “آلية التعاون الثلاثي”، حيث عُقد في عهده اجتماعان؛ الأول في 24 مارس 2019 بالقاهرة، تبعه آخر في سبتمبر على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك، ثم جاء الكاظمي ليطور الفكرة إلى إنشاء تحالف تكاملي.

ويُعدُّ هذا التحالف تطويرًا لفكرة مجلس التعاون العربي الذي تأسس في 16 فبراير 1989 بمبادرة من الرئيس العراقي، صدام حسين، عقب حرب الخليج الأولى، وضم في حينها ثلاث دول إلى جانب العراق هي مصر والأردن واليمن الشمالي مع جعل عضوية مفتوحة أمام الدول الراغبة في الانضمام، ليكون نواة لتحقيق التنسيق العسكري والدفاعي والأمني والتكامل العربي بين الدول الأعضاء في كافة المجالات وبالأخص الاقتصادي عبر إقامة مشاريع مشتركة وتشجيع الاستثمارات وإقامة سوق مشتركة بين دوله تكون فيما بعد جزءًا من السوق العربية المشتركة. لكن أتت حرب الخليج الثانية عام 1990 لتكتب تاريخ النهاية للتحالف الناشئ بعدما انحازت القاهرة إلى الكويت في مواجهة الغزو العراقي، وتأييد لجنة الشؤون العربية والخارجية بمجلس الشورى المصري إلغاء اتفاقية تأسيس المجلس في فبراير 1994، وقبلها تصفية الأردن للمجلس في الأول من أغسطس 1992 بعد عامين كاملين من تجميد نشاطه. 

ليس هذا فقط، بل إن فكرة إنشاء تحالف يضم دول الشام ومصر، طرحها البنك الدولي في دراسة أعدها في مارس 2014، لكن التحالف المقترح قوامه 7 دول هم؛ مصر والعراق والأردن وسوريا وفلسطين ولبنان وتركيا، بمساحة جغرافية تبلغ 2.4 مليون كيلومتر مربع وأكثر من 250 مليون نسمة، للاستفادة من الطاقات التجارية والاقتصادية والسياحية والخدمية للدول الأعضاء. إلا أن هذه التركيبة تبدو غير واقعية من الناحية العملية في ظل وجود خلافات بينية بين الدول المقترحة واختلاف رؤيتهم لمهددات الأمن الإقليمي، وامتلاك تركيا مشروعًا توسعيًا استعماريًا في المنطقة دفعها للاعتداء على سوريا والعراق ومحاولة تهديد الأمن القومي المصري عبر دعم الإرهاب في ليبيا والتحرش بالمصالح المصرية في مياه شرق المتوسط، وهو ما يجعل وجودها في تحالف عربي مستحيلًا خاصة وأن أحد أهداف هذا التحالف مواجهة المشروع التركي.

وفي يونيو من العام الماضي 2019، طرحت وزارة الخارجية الإسرائيلية أيضًا فكرة إقامة تحالف عربي-إسرائيلي لربط  الخليج العربي بالبحر المتسوط، يضم إلى جانبها الأردن ودول الخليج والعراق في وقت لاحق، على أن تكون هي بوابة المنطقة نحو أوروبا والولايات المتحدة لحركة البضائع والأشخاص، أما الأردن فيكون مركز نقل إقليمي، ويرتبطوا بدول الخليج عبر شبكة من السكك الحديدية. ويحمل هذا المشروعين بعدين؛ الأول اقتصادي إذ سيساهم في تسهيل حركة التجارة وإنعاش اقتصادات الدول الأعضاء وزيادة حجم التجارة الإسرائيلية بنسبة 400%، أما الثاني فأمني إذ إنه يهدف لتجاوز مرور تجارة الخليج، وخاصة النفطية، عبر مضيق هرمز في إطار المساعي الدولية للتضييق على إيران لدفعها للإلتزام بتعهداتها بموجب الاتفاق النووي 2015، ويبدو أن هذا هو المحرك الأساسي للمشروع.  

مواجهة الأطماع الإقليمية

تتعرض المنطقة لأزمات حادة عصفت ببعض دولها، وجعلتها مرتعًا للتنظيمات الإرهابية المسلحة، ومع انغماس دول الإقليم في أزماتها الداخلية، وما تركته من فراغ على الساحة العربية، وجدت الدول الإقليمية صاحبة المشاريع التوسعية، وعلى رأسها إيران وتركيا، الفرصة سانحة للتمدد وخلق واقع جديد تكون هي جزءًا منه بما يحقق مصالحها وأطماعها التوسعية في المنطقة، ويضمن لها وجودًا دائمًا بها وتأثيرًا على عملية صنع القرار بها.  لذا فإن الحديث عن إنشاء تحالف عربي في هذا التوقيت، أمر جيد، فمثل هذه الترتيبات الإقليمية تخلق زخمًا عربيًا وتتيح التنسيق بشأن موقف عربي موحد لحل الأزمات الإقليمية بما يتوافق مع الرؤية والمصالح العربية ويضمن سيادة تلك الدول وحفظ وصون مقدراتها.

ويأتي الحديث عن مشروع “الشام الجديد” في وقت تشهد فيه المنطقة أزمات متعددة وتحولات كبرى، منها الصراع الأمريكي الإيراني مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل حيث تصر واشنطن على تمديد حظر الأسلحة على إيران، وتحول العراق إلى ساحة مواجهة بين واشطن وطهران. 

وتوقيع اتفاقية سلام بين الإمارات وإسرائيل هي الأولى في المنطقة العربية بعد الاتفاقيتين المصرية والأردنية. وتعرُض لبنان لأزمتين سياسية واقتصادية حادتين بعد حادث إنفجار مرفأ بيروت لتضاعف من أزماته الداخلية وتجعله عرضة بشكل أكبر للمطامع الإقليمية الإيرانية-التركية خاصة أن الأخيرة ترغب في السيطرة على الشمال للوصول إلى الثروات البحرية. وهزيمة تركيا في ليبيا وشرق المتوسط بعد إعلان حكومة السراج وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان.

ويمثل التحالف الناشئ مشروعًا عربيًا في مواجهة المشروعين الإيراني والتركي، وهي الخطوة العملية الأولى من نوعها التي تأخذ فيها مصر موقفًا واضحًا ضد إيران، بعد تصريح الرئيس السيسي بأن أمن الخليج من أمن مصر.

ويحظى المشروع بدعم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ووزير خارجيته، مايك بومبيو، حيث طرح الكاظمي المشروع عقب عودته من زيارة إلى الولايات المتحدة ومن المؤكد أن الفكرة طُرحت خلال اللقاءات مع المسؤولين الأمريكيين، حيث ترغب واشنطن في إبعاد العراق عن إيران التي تريد أن تضمها إلى محور روسيا الصين. 

وقد زاد التقارب العراقي-الصيني مؤخرًا حيث بدأت بغداد تصدير مئة ألف برميل من النفط الخام يوميًا إلى بكين منذ أكتوبر 2019 كثاني أكبر مورد للنفط لها. وتعتبر الصين من أكبر الشركاء التجاريين للعراق. وتنشط الشركات الصينية في حقول نفط الجنوب العراقية. كذلك ترغب بكين في الاستفادة من موقع العراق الاستراتيجي وضمها إلى مبادرة الحزام والطريق، والمساهمة في جهود إعادة الإعمار. 

كما تعززت العلاقات العراقية-الروسية حيث تتفق رؤية البلدين حيال القضايا الإقليمية وتدعم موسكو رغبة العراق في خروج القوات الأجنبية. كذلك يتعاون البلدان عسكريًا وتقنيًا ضمن جهود مكافحة الإرهاب، وقد زودت موسكو بغداد بأحدث طرازات الطائرات العسكرية، كالطائرة “سو-25″، والطائرات الهليكوبتر متعددة الأغراض “مي 28″ و”مي 35”. وتعمل شركات الطاقة الروسية “لوك أويل” و”غازبروم نفت” و”سيوزنيفتغاز” و”روس نفت” في حقول النفط الشمالية العراقية، 

كما أن التحالف يمثل تضييقًا على إيران، حيث إنه سيخلق ممرًا بديلًا لنقل النفط والغاز من الشام والخليج إلى أوروبا بعيدًا عن مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي يمر عبره ثلث تجارة العالم من الطاقة. ودائمًا ما تستخدم إيران مضيق هرمز  لابتزاز الولايات المتحدة من خلال التهديد بإغلاقه حال منعت واشنطن مرور النفط الإيراني عبره. وقد تورط الحرس الثوري الإيراني في العديد من حوادث استهداف السفن وتهديد حركة الملاحة بالمضيق خلال العام الماضي في إطار التصعيد مع الولايات المتحدة. 

ويتعزز هذا الممر في حالة انضمام دول الخيلج، وبالأخص السعودية، إلى التحالف، حيث سيمر النفط الخليجي عبره، بدلًا عن الممر التقليدي؛ خليج عقبة مرورا بخليج عُمان ومضيق هرمز وباب المندب فالبحر الأحمر وقناة السويس ومنها إلى أوروبا. وتسعى العراق إلى ضم السعودية إلى التحالف إذ من المتوقع أن يكون أحد المواضيع المطروحة على جدول المباحثات بين البلدين خلال الزيارة المقررة للكاظمي إلى السعودية في وقت لاحق.

كما يقلل التحالف من اعتماد العراق على إيران في الحصول على الكهرباء (تحصل منها على 3 آلاف جيجاوات يوميًا)، وتقليل التبادل التجاري معها الذي تجاوز 20 مليار دولار، وهو ما مكن طهران من التغلب على العقوبات الأمريكية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن أحد أسباب دعم الولايات المتحدة للمشروع، هي رغبتها في أبعاد الأردن عن سوريا، بعد أن زادت وتيرة التقارب بين البلدين في الفترة الأخيرة حيث رفعت عمّان التمثيل الدبلوماسي في سفارتها بدمشق إلى قائم بالأعمال بالإنابة في يناير 2019، وقبلها أعادت فتح المعبر الحدودي مع سوريا جابر-نصيب في أكتوبر 2018، كما أعربت عن استعدادها لمساعدة السوريين المتواجدين على أراضيها من أجل العودة لوطنهم، كذلك دعا رئيس مجلس النواب الأردني البرلمان السوري لمؤتمر اتحاد البرلمان العربي الذي عقد في عمّان في مارس 2019.

وفيما يتعلق بتركيا، فإن التحالف المنشود يوفر مسارًا للنفط العراقي إلى أوروبا بعيدًا عن تركيا، حيث يصل نفط الحقول الشمالية العراقية إلى أوروبا عبر ميناء جيهان التركي، لكن المسار الجديد يتيح نقل جزء من هذا الإنتاج إلى مصر، وهو ما يشكل ورقة ضغط على أنقرة يُمكن أن تستخدمها بغداد في مفاوضتها بشأن توقيع اتفاق ينظم ملء وتشغيل سد إليسوا الذي أقامته تركيا على نهر دجلة ما يهدد العراق بالعطش، ولا تزال الأزمة عالقة حتى الآن ولم تتوصل البلدان إلى اتفاق.

مصالح مشتركة 

يحقق التحالف المأمول منافع سياسية واقتصادية وأمنية بالجملة للدول الثلاث، وهو ما يتضح كتالي:

• مصر: سيعزز هذا التحالف من مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، حيث ستحصل مصر على النفط العراقي الخام عبر أنبوب يمتد من غرب بحيرة الثرثار شمالي غربي بغداد ويمر من محافظة الأنبار إلى ميناء العقبة الأردني على البحر الأحمر ومنه إلى سيناء بطول حوالي 1700 كيلومتر حتى الحدود المصرية (1000 كيلومتر داخل العراق و700 كيلومتر داخل الأردن)، لتقوم مصر بدورها بتكريره في المصافي المصرية ومن ثم تصديره إلى أوروبا. وتمتلك مصر 8 مصافي للنفط الخام وتعمل حاليا على تطوير 6 مصافي أخرى في السويس فضلا عن تطوير مينائي دمياط والسويس ليتمكنا من استقبال وتوريد الكميات المتوقع تدفقها. 

وقد بحثت مصر هذا المشروع للمرة الأولى في 2015، حيث وقع وزراء بترول مصر والأردن والعراق اتفاقًا مبدئيًا بهذا الخصوص نهاية العام. وتأمل مصر في الحصول على اتفاق مماثل مع الجانب الليبي وقد ناقشت الفكرة بالفعل مع قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، لكنها لم تتبلور حتى الآن إلى اتفاق ثنائي.

كذلك ستتمكن مصر من الاستفاد من تصدير الكهرباء إلى الأردن والعراق، حيث تسعى مصر التي حققت فائضًا في إنتاج الكهرباء بأكثر من 27 ألف جيجاوات نتيجة لمشروعات إنتاج الكهرباء التي أنجزتها خلال السنوات الست السابقة، إلى توقيع اتفاقيات للربط الكهربائي ضمن خطتها للتحول لمركز إقليمي للطاقة. وفي هذا الإطار، وقعت مصر مذكرتين تفاهم مع قبرص واليونان للربط الكهربائي من خلال كابلين بحريين بقوة ٢٠٠٠ ميجاوات سنويًا ليكونا بعد ذلك بوابة التصدير إلى أوروبا. كذلك وقعت مصر اتفاقية ربط كهربائي مع الأردن بقدرة 200 ميجاوات، وآخرى مع السودان بقدرة 50 ميجاوات يتم زيادتها بعد ذلك. وتسعى مصر حاليا لتوقيع اتفاقيت مماثلة مع المملكة العربية السعودية ولبنان.

أيضًا، يتيح هذا المشروع لمصر تنويع واردتها من النفط ويقلل من اعتمادها على عقود النفط قصيرة الأجل التي تعرضها للتذبذب في أسعار النفط، حيث سيؤمن النفط الخام لمصر بشكل مستمر. وقد بدأت مصر الحصول على النفط العراقي الخام في أبريل 2014 بواقع 12 مليون برميل سنويًا. 

وعلى الصعيد الاقتصادي، سيؤدي المشروع إلى تقليل فاتورة استيراد النفط حيث ستحصل مصر على النفط العراقي بأقل من ثمنه بـ16 دولارًا للبرميل، وفتح السوق العراقي والأردني أمام الصادرات المصرية، خاصة وأن معدل التبادل التجاري بين مصر من جهة والأردن والعراق من جهة أخرى أقل من المستوى المطلوب على الرغم من أن الميزان التجاري بينهم لصالح مصر.

وأمنيًا، سيساهم التحالف في سد المنافذ التي تتسلل منها العناصر الإرهابية إلى مصر من الناحية الاستراتيجية الشرقية، وسيتيح التنسيق الأمني بين الدول الثلاث لمنع الإرهاب من الدخول إلى مصر. 

• العراق: يسمح التحالف للعراق بالعودة إلى الحضن العربي وإعادة صياغة علاقاته الخارجية على أساس التوازن وبعيدًا عن سياسة المحاور، وهو توجه يعمل العراق عليه مؤخرًا، حيث يسعى إلى توطيد علاقاته بالدول العربية ودول الخليج.

ويضمن التحالف للعراق توفير جزءًا من احتياجاته من الكهرباء عن طريق مصر، حيث يعاني هذا البلد من أزمة طاقة حادة دائمًا ما تكون الدافع وراء اندلاع احتجاجات عنيفة في البلاد من وقت لآخر. ويحتاج العراق إلى 22 ألف جيجاوات من الكهرباء في حين أنه ينتج نحو 12 ألف جيجاوات فقط، ويستورد 3 آلاف أخرين.

وإلى جانب أزمة الكهرباء، يعاني العراق من أزمة بطالة حادة وارتفاع معدلات التضخم والفقر، لذلك سيفتح هذا المشروع بابًا أمامه لتدفق الاستثمارات المصرية في قطاعات متنوعة وخاصة الطاقة وإمكانية إقامة مدن صناعية وتجارية مشتركة، ما يوفر فرصًا للعمل وينقل خبرات مصر والأردن في مجالات الصناعة والتجارة إلى القطاع الخاص العراقي. كذلك سيجعل من الأردن ومصر سوقَا للمنتجات العراقية.

• الأردن: سيجعل هذا التحالف من الأردن مركزًا لوجيستيًا إقليميًا لتبادل النفط والكهرباء والبضائع ما يُعزز من مكانته الإقليمية التي أكتسبها أساسًا من دوره المحوري في القضية الفلسطينية.

كما سيقلل المشروع من فاتورة استيراد النفط حيث سيحصل عليه أيضًا بسعر أقل بنحو 16 دولارًا للبرميل. ومن الجدير بالذكر أن الأردن يحصل بالفعل على النفط العراقي بهذا الخصم في إطار مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في 5 فبراير 2019، والتي حصلت بموجبها عمّان على النفط الخام العراقي للمرة الأولى بواقع نحو 10 آلاف برميل يوميًا، تشكل 7% من حاجة البلاد للطاقة، وتوفر 160 دولار يوميًا تقريبا، أي نحو 4.8 مليون دولار شهريًا.  وهو ما سيساعد الأردن في الخروج من أزمته الاقتصادية الحادة التي ضاعفتها جائحة فيروس كورونا.

ختامًا، يحمل تحالف “الشام الجديد” فرصًا سياسية واقتصادية واعدة للدول الأعضاء سوف تنعكس بشكل أو بآخر على المنطقة العربية، إلا أنه لضمان نجاحه لابد من الاستفادة من تجارب مشروعات التكامل المماثلة السابقة وتفادي الأخطاء المتسببه في فشلها. ولعل أبرز المعطيات الواجب الانتباه إليها هو بناء توافق سياسي بشأن قضايا المنطقة بين دول التحالف. فوفقًا للمعلومات المتاحة يحاكي التحالف النموذج الأوروبي الذي قام على التعاون في الجانب الاقتصادي ثم انتقل إلى الجانب السياسي، لكن تجربة مجلس التعاون العربي تكشف أنه ما إن حدث خلاف سياسي بين الدول الأعضاء نتيجة عدم التشاور بشأن غزو الكويت، انهار التحالف ولم يتمكن من الحفاظ على مكتسباته الاقتصادية. 

ومن المتوقع أن يلقى التحالف رفض بعض الأطراف الإقليمية والعربية، كإيران وتركيا وقطر، لأنها لا تريد أن يكون هناك كتلة عربية قوية، لكن الرفض لا يكون مباشرة بل من خلال وكلائهم.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى