كورونا

على عتبات الزمن: لقاح كورونا يفتح لمكتشفه بوابة التاريخ

تسبب فيروس كورونا المستجد الذي نشأ في مدينة ووهان بالصين في حدوث فوضى في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى توقف الاقتصادات والشركات وأنشطة الحياة اليومية الأخرى. وللتخلص من هذا الوباء قام العديد من شركات التكنولوجيا الحيوية في جميع أنحاء العالم بتكثيف برامج اللقاحات لها، في مشهد أشبه ما يكون بحرب مستعرة للتوصل لتركيبة الحياة أولًا.

قومية اللقاح

يشير المراقبون إلى أن “القومية” المتعلقة باللقاحات هي بالفعل مصدر قلق حيث تتسابق البلدان لتأمين جرعات من اللقاحات المستقبلية بل ربما لاحتكارها في بعض الأحيان خصوصًا إذا توصلت إليها أمريكا أو الصين أولًا.

وبالطبع فإن حرب الوصول إلى اللقاح ليست بهدف الوقاية من كورونا فقط الذي هو قطعًا أحد أهم الأسباب، ولكن من المهم أيضًا تحقيق أهداف “جيوسياسية”، فالدولة التي تنتج أول لقاح آمن وفعال لن تكتسب حق التفاخر فقط، ولكن ستكتسب أيضًا مسارًا سريعًا لإعادة شعبها إلى العمل، وفي “عام الانتخابات” في الولايات المتحدة يمكن أن تكون احتمالية الوصول إلى لقاح أداة فعالة في الحملة الانتخابية. ولا شك أن استمرار إغلاق الاقتصاد سيؤدي إلى اضطرابات اجتماعية ويمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار اقتصادي يصب مباشرة في التوتر السياسي.

ويجادل العديد من العلماء بأن السباق هو الطريقة الخاطئة للتفكير في حل لوباء كورونا، خاصة وأن الاقتصاد العالمي من المرجح أن ينهار إذا استمر الفيروس في الانتشار، مع الوضع بالاعتبار أن جواز سفر أي لقاح إلى العالم هو البيانات التي تظهر أنه فعال وآمن، وليس الجهة التي اكتشفته.

كما أن الصراع حول الوصول “أولًا” قد لا يكون مجديًا لأن اللقاحات الأولى تكون وقائية بشكل جزئي، وغالبًا ما يتم استبدالها بمرور الوقت بلقاحات أكثر ديمومة.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\الرعاية الصحية\28870fdc-0ef3-476c-a2d4-d91550ddf612.jpg

جهود الاتحاد الأوروبي

التطعيم هو الوسيلة السريعة والفعالة لاكتساب المناعة ضد فيروس كورونا، لأن اللقاح يحتوي على عامل يشبه الكائنات الحية الدقيقة المسببة للمرض، والتي تتكون من السموم أو أجزاء من البروتينات السطحية من شكل ميت أو ضعيف من الميكروب.

وفي حين أن عملية إنشاء اللقاح تستغرق وقتًا طويلاً فإن العديد من الشركات الناشئة تستخدم خبراتها وقدراتها لإيجاد حلول تعتمد على التكنولوجيا وتطويرها أيضًا. وفي الوقت الحالي هناك العديد من اللقاحات قيد التطوير ضد COVID-19 في مراحل مختلفة، في هذا الصدد وفي أوروبا وحدها تتنافس سبعة شركات لإنتاج اللقاح.

  • شركة Osivax، فرنسا
  •  شركة Themis Bioscience، النمسا 
  •  شركة activerosomat، المملكة المتحدة 
  • شركة A Pharma مالمو، السويد 
  • شركة AstraZeneca المملكة المتحدة 
  • شركة Takis Biotech، إيطاليا 
  • GSK، المملكة المتحدة 

وعلى أي حال، فإن الاتحاد الأوروبي الذي يقود جهودًا ضخمة لضمان الوصول الواسع للقاحات التي أثبتت جدواها، لا يزال متأخرًا عن الولايات المتحدة والصين في توفير الأموال لتطوير اللقاحات. 

Source: Official and industrial releases

وقود الحرب في الصين

تمضي الصين قدمًا في السباق لتطوير لقاح للمساعدة في السيطرة على وباء COVID-19، مع اللقاح التجريبي Sinovac Biotech (SVA.O) من المقرر أن تملك الصين ثاني وثالث لقاح في العالم يدخل مرحلة الاختبار النهائية.

وفي الوقت الذي تتخلف فيه صناعة اللقاحات العالمية، جمعت الصين بين القطاعات الحكومية والعسكرية والخاصة في سعي لمكافحة المرض الذي أودى بحياة الكثيرين حول العالم.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\الرعاية الصحية\4fplQT4H.jpg

تعمل وحدة الأبحاث الطبية التابعة لجيش التحرير الشعبي والتي كانت قوة دافعة في جهود الصين لمكافحة الأمراض المعدية، مع الشركات الخاصة بما في ذلك CanSino (6185.HK) لتطوير لقاحات COVID-19. كما أن لدى جيش التحرير الشعبي عملية الموافقة الخاصة به على “العقاقير المطلوبة”.

وعلى أي حال فإن نجاح الصين في الحد من الإصابات بـ COVID-19 يجعل من الصعب إجراء تجارب لقاحات على نطاق واسع، وحتى الآن لم يوافق سوى عدد قليل من البلدان الأخرى على العمل مع بكين. بعد فضائح حول إخفائها معلومات سمحت بتفشي الوباء في العالم فضلًا عن أنها ستكون مطالبة بإثبات سلامة المعايير التي أنتجت على أساسها اللقاح، وهو ما يبدو صعبًا خصوصًا مع تأكيد وكالة الاستخبارات الأمريكية أن الفيروس القاتل يمكن أن يكون قد تسرب من أحد معامل ووهان “عن غير قصد” بسبب تدني مستويات الأمان.

وفي هذا الإطار أصدرت الصين قانونًا العام الماضي لتنظيم صناعة اللقاحات، مع فرض عقوبات أشد على بيع وتصنيع لقاحات مزيفة أو منخفضة الجودة مقارنة بمنتجات الأدوية الأخرى

وبعد انحسار الوباء في الصين، حولت بكين تركيزها إلى الخارج، لكن عددًا قليلاً فقط من الدول أبدت استعدادًا للتعاون – الإمارات العربية المتحدة وكندا والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك. بينما لم تُظهر الدول الأوروبية الكبرى ولا الولايات المتحدة اهتمامًا بلقاحات COVID-19 الصينية.

وبالنسبة للصين التي تسعى منذ سنوات لتضييق الفجوة البحثية الطبية الحيوية مع الولايات المتحدة، فإن تطوير لقاح أولًا يمكن أن يكون انتصارًا رمزيًا مهمًا وداعمًا للروح المعنوية المحلية وسط الركود.

اللقاح المعطل.. طريق الصين

تعتمد بكين بشكل أساسي على تقنية اللقاح المعطل -وهي تقنية معروفة جيدًا واستخدمت في صنع لقاحات ضد أمراض مثل الأنفلونزا والحصبة- وهو أمر يمكن أن يزيد من فرص نجاح إنتاج لقاح مضاد لكورونا المستجد.

وبشكل مغاير لذلك يستخدم العديد من المنافسين الغربيين تقنية جديدة تسمى messenger RNA والجدير بالذكر أنها لم تسفر من قبل عن نتائج مضمونة أو مؤكدة.

روسيا وقرصنة المعلومات

بعد مرور ثمانية أشهر على الجائحة تصاعد السباق الدولي للوقاية من الفيروس إلى مستوى جديد، ولكن أحدًا لم يكن يتخيل أن تصل الأمور إلى قرصنة المعلومات وامتهان روسيا للهجمات الإلكترونية بغية الوصول للقاح أولًا.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\الرعاية الصحية\115137.jpg

وفي الوقت الذي أنفقت خلاله أمريكا- الصين وأوروبا مليارات على أبحاث لتطوير لقاح لمواجهة كورونا المستجد، اختارت موسكو طريقًا آخر حيث اخترقت المخابرات الروسية مراكز الأبحاث الدولية لتطوير التطعيمات ضد Covid-19، مما يذكر بحقبة أفلام التجسس إبان الحرب الباردة. وقد نفى رئيس صندوق الثروة السيادية الروسي، اتهامات القرصنة، التي نفاها الكرملين أيضًا.

وفي نفس السياق قال “كيريل ديميترييف”، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، في مقابلة مع راديو تايمز “هذه القصة بأكملها هي محاولة لتشويه سمعة اللقاح الروسي من قبل بعض الأشخاص الذين يخشون نجاحه”. “لأن اللقاح الروسي من المحتمل أن يكون الأول في السوق ومن المحتمل أن يكون اللقاح الأكثر فعالية هناك”.

ورغم النفي الروسي لمحاولة قرصنة أية معلومات من أي جهة فقد قال المركز الوطني للأمن السيبراني في بريطانيا إن اللقاحات والقطاعات العلاجية في دول متعددة استهدفتها مجموعة تعرف باسم APT29، والتي أكد المركز الوطني أنها جزء “شبه مؤكد” من استخبارات الدولة الروسية. وهو ما أدرجته كندا لاحقًا في بياناتها أيضًا.

وحسب مراقبين فإن روسيا لم تستثمر في البنية التحتية العلمية التي من شأنها أن تسمح لها بتطوير اللقاحات بأسرع ما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين ودول أخرى.

ولطالما اعتبرت شركات ومؤسسات الرعاية الصحية أهدافًا رئيسية للهجمات الإلكترونية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنظمة الأمان الضعيفة التي تسهل اختراق الكثير من النقاط.

إلا أن الهجمات على مؤسسات الرعاية الصحية وعلوم الحياة قد ازدادت كثافتها خلال الوباء، حيث زادت نسبة الجريمة الإلكترونية في القطاع بنحو 300٪ منذ مايو، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وليست موسكو هي الجهة الوحيدة التي تحاول قرصنة المعلومات فيما يتعلق باللقاحات فهناك قراصنة يعملون أيضًا لحساب الحكومة الصينية لسرقة المعلومات حول اللقاح من الولايات المتحدة وذلك حسب مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة الأمن الداخلي.

وعلى الرغم من الجهود الروسية غير المشروعة فقد قال الرئيس التنفيذي لشركة Sanofi، بول هدسون، إن الأمريكيين سيحصلون على الأرجح على لقاح Covid-19 من الشركة الفرنسية قبل بقية العالم، لأن الولايات المتحدة كانت الأولى في تمويل أبحاثها.

وعلى الرغم من أن موسكو أعلنت الموافقة على لقاحها من قبل المنظمين الصحيين لديها، مما يجعله أول لقاح لفيروس كورونا في العالم يتم تسجيله، فقد لاقى الخبر انتقادات واسعة النطاق وقلقًا بشأن سلامته وفعاليته. ويقال إنه خضع فقط للمرحلة الأولى والثانية من التجارب السريرية السريعة على عدد محدود من الأشخاص ولم يتم نشر أي بيانات من هذه التجارب حتى الآن.  بينما أفادت وكالة أنباء انترفاكس الحكومية على لسان وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو إن المزاعم بأن اللقاح غير آمن لا أساس لها من الصحة وتحركها المنافسة.

واشنطن أخطأت ثم أصابت

فشلت الحكومة الأمريكية في حماية شعبها من ويلات COVID-19، حيث سجلت أرقامًا غير مسبوقة في أعداد الإصابات وأعداد الوفيات وقد أدت الموارد غير الكافية إلى تأخير الاختبارات بل وتأخير استلام نتائجها، ولكن الحكومة الفيدرالية عادت وأصابت عندما دعمت استراتيجية تطوير اللقاح بميزانية تم تقديرها بـ10 مليارات دولار. وذلك من خلال شركة Operation Warp Speed ​​وشركات التكنولوجيا الحيوية التي كرست ميزانيتها لإجراء أبحاث وتطوير وتصنيع الملايين من جرعات اللقاح بحلول نهاية العام.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Desktop\الرعاية الصحية\147-225117-imf-warns-risks-american-economy_700x400.jpg

وأثناء تمويل هذه الجهود للتوصل للقاح، رفضت الولايات المتحدة الانضمام إلى مرفق الوصول العالمي للقاحات التابع لمنظمة الصحة العالمية، وهي شراكة غير ربحية تهدف إلى تسريع تطوير اللقاح وضمان التوزيع العالمي العادل، ويأتي ذلك على خلفية انسحاب واشنطن من منظمة الصحة العالمية بعد ما قالت إنه كان محاولة من المنظمة الدولية للتواطؤ مع الصين.

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى