
دلالات “تسريبات جنوب السرة” في الكويت
انتشر في الأيام الماضية على منصة تويتر للتواصل الاجتماعي حساب يدعى “جنوب السرة”، نشر تسريبات بالصوت والصورة تظهر قيام ضباط في جهاز أمني تابع لوزارة الداخلية الكويتية، بالحديث عن عمليات تجسّس تمّت عبر مواقع التواصل الاجتماعي استهدفت مواطنين وشخصيات عامة، مما أثار موجة غضب في الداخل الكويتي، وقد أثار ذلك تساؤلات بشأن ما هي تداعيات ودلالات هذه التسريبات في هذا التوقيت.
تداعيات تسريبات “تسجيلات الداخلية الكويتية”
1- استياء الرأي العام في الكويت
أثارت مقاطع الفيديو المسربة لضباط في أجهزة أمنية ردود فعل ساخطة في الكويت عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، عبّروا من خلالها عن استيائهم الشديد من سياسة المراقبة والتجسس التي يقوم بها جهاز أمن الدولة في الكويت.
دفع السخط الشعبي وزير الداخلية الكويتي ونائب رئيس الوزراء، “أنس الصالح” للرد عبر سلسلة تغريدات نشرها عبر حسابه الرسمي على موقع ” توتير”، أوضح فيها حقيقة هذه التسريبات والتي تعود لسنة 2018، هو ما يتعلق في الصندوق الماليزي، وهي قضية عٌرفت داخل الكويت باسم “الصندوق الماليزي”، كأحد أكبر قضايا الفساد وغسيل الأموال في تاريخ الكويت الحديث، والمتهم فيها أحد الشخصيات الكبيرة في الكويت.
والجدير بالذكر أن، قضية صندوق الماليزي ترتبط بالقضية الأم في ماليزيا، عندما أعلنت السلطات الماليزية عام 2018 اعتقال رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق على خلفية قضايا فساد كبيرة، وقد اتضحت هذه القضية في الكويت عندما رفع أحد البنوك الكويتية بلاغًا إلى وحدة التحريات المالية على خلفية تحويل مصرفي بقيمة 17 مليون دينار (55 مليون دولار) لصالح حساب مرتبط بقضية الصندوق الماليزي الأم.
وفيما يتعلق بالتنصت والتجسس على حسابات المواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي، قد أكد وزير الداخلية الكويتي أنه مخالفة جسيمة للدستور، كما قام بإجراء تحقيق عاجل بشأن تسجيلات 2018 ومحاسبة كل من يثبت تورطه، كما تم تشكيل لجان تحقيق وتم تحويل الملف إلى كل من ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد ووحدة التحريات، وبناءً على التحقيقات الأولية تم إيقاف مدير عام أمن الدولة ومدير إدارة غسيل الأموال السابق وعدد من الضباط.
2- الاستجوابات البرلمانية
ناقش مجلس الأمة في جلسته الثلاثاء الماضي 18 أغسطس استجواب النائب “شعيب المويزري” إلى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية “أنس الصالح”، وتقدم 10 نواب بطلب لطرح الثقة في الوزير، وقد تقرر أن يكون التصويت على الطلب في جلسة الأربعاء 26 أغسطس.
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لوزير الداخلية الكويتي على خلفية قضية التسريبات، فقد تم تجديد الثقة في وزير الداخلية في جلسة الأربعاء، وأظهرت نتيجة التصويت بالمجلس على طلب طرح الثقة رفض 35 نائبًا للطلب، وموافقة 13 نائبًا عليه من إجمالي 48 نائبًا شاركوا بالجلسة.
3- تدخل من نائب الأمير وولي عهد الكويت
ثارت قضية التسريبات في وقت حساس، وفى ظل غياب أمير دولة الكويت الشيخ “صباح الأحمد الجابر عن البلاد، والذي سافر لاستكمال العلاج بالولايات المتحدة الأمريكية يوليو الماضي، ونظرًا لتصاعد الغضب على خلفية الفيديوهات المسربة، ما استدعى تدخل نائب الأمير وولي العهد الكويتي “نواف الأحمد الجابر الصباح” للتعليق على قضية التسريبات، بهدف احتواء الغضب المتصاعد، والحفاظ على استقرار الكويت.
ركز نائب الأمير وولي عهد الكويت، الاحد الماضي 23 أغسطس، في كلمته على التأكيد على أسس محددة أبرزها محاربة الفساد، وعقاب المخطئ على خلفية قضية التسريبات، وأنه ليس هناك من هو فوق القانون بمن فيهم أبناء الأسرة الحاكمة، والثقة في مؤسسات الدولة، وأن خطأ أفراد في المؤسسة الأمنية، لا يعني أن تتحمل المؤسسة بكاملها مسؤولية ذلك الخطأ، والرفض القاطع والحازم لإثارة الفتنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
دلالات التسريبات
إن قيام حساب على موقع تويتر، يحمل عنوان “جنوب السرة”، لا يُعرف له هوية حقيقية، وقيامه بنشر فيديوهات داخل جهاز أمنى كويتي، بدرجة نقاء صوت وصورة واضحة، هو ما يعنى بأن هناك فيديوهات أخرى يمتلكها هذا الحساب، وبإمكان الجهة التي تحتفظ بهذه التسجيلات بثها في الوقت المناسب، وإذا كانت هذه الفيديوهات المسربة تعود لعام 2018، وقد تم الكشف عنها في عام 2020، بالتالي كل ما دار داخل الجهاز الأمني الكويتي، وما يتعلق من أمور حساسة مسجلة سواء لدى جهة داخل الكويت أو جهات خارجية.
الأمر الجدير بالبحث هو من هي الجهة التي قامت بالفعل بهذه التسجيلات ومصلحتها في بثها عبر منصة تواصل اجتماعي تحظى بمتابعة كبيرة في الكويت، وقد ذهب البعض للزعم بأن هذه التسريبات تعكس صراعًا خفيًا بين أجنحة في السلطة، تمتلك أوراقًا ضد بعضها البعض منها تلك التسجيلات، فوفق افتتاحية نشرتها صحيفة “القبس الكويتية”، فإن “التسريبات تعكس صراعًا بين أبناء الأسرة الحاكمة غير المحسوم على السلطة“، واصفة قضية التسجيلات بأنها ” تصفية حسابات غير مسبوقة في الصراع السلطوي القادم”. وفي هذا السياق ذهب البعض للتأكيد أن هذه التسريبات الأخيرة كانت رد لرفض الكويت التطبيع مع إسرائيل.
وختاماً لما سبق، يمكن القول إن الإجراءات العاجلة التي اتخذها نائب أمير الكويت من شانها أن تؤدي إلى إخماد الفتنة التي كادت تهدد استقرار الكويت، وأرسل من خلالها رسائل للداخل الكويتي تعكس توجّهًا نحو الصرامة في المحاسبة وتطبيق القوانين، خاصة في التوقيت السياسي الحرج بعد العارض الصحي الذي ألم بأمير البلاد وسفره إلى الولايات المتحدة.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية