
صيد الصقر.. عملية نوعية تصيب الإخوان في مقتل
وجهت أجهزة الأمن المصرية ضربة موجعة (28 أغسطس) لجماعة الإخوان والتنظيم الدولي وذلك في أعقاب القبض على القيادي الإخواني الهارب “محمود عزت” القائم بأعمال المرشد ومسcول التنظيم الدولي، وتُعدُّ هذه العملية والتي أُطلق عليها “صيد الصقر” مدخلًا مهمًا يمكن أن يكشف في المستقبل القريب ما يمكن أن تكون عليه الجماعة فيما هو قادم نظرًا لمكانة “عزت” ودوره المحوري داخل التنظيم.
وقد كشفت عملية القبض على “عزت” أنه لم يكن خارج مصر، كما أشاعت الجماعة وعناصرها من قبل، وهو أمر كان متوقعًا نظرًا لأنه لم يظهر -منذ فض اعتصام رابعة- في أية احتفالية أو تجمع خاص بالإخوان في الخارج، على خلاف غيره من العناصر الإرهابية الفارة والتي ظهرت في عدد من المناسبات.
وفي هذا السياق يمكننا الوقوف على أبرز الرسائل والتداعيات التي يمكن أن تنتج عن نجاح الأجهزة الأمنية في القبض على القيادي الإخواني محمود عزت، وذلك فيما يلي:
الأب الروحي للعمل المسلح
يتمتع “محمود عزت” بمكانة بارزة داخل جماعة الإخوان المسلمين، فهو من الجيل التاريخي للجماعة وأحد الأعضاء المؤثرين في الحرس القديم، حيث نشأ “عزت” وارتبط بالإخوان فكريًا وتنظيميًا في وقت مبكر من حياته حتى انضم لصفوف الجماعة بعد نحو 18 عامًا من ميلاده، وبعد الانتظام في صفوف الجماعة بثلاثة أعوام تم اعتقاله عام 1965 على خلفية القضية الشهيرة آنذاك والتي عرفت بتنظيم (65)، والتي انتهت إلى الحكم على “سيد قطب” ونحو 6 آخرين من قيادات الاخوان بالإعدام، في حين قضى “عزت” نحو 10 سنوات داخل السجن على إثر هذه القضية. وتعتبر هذه القضية والتي عمل الإخوان من خلالها على استهداف عدد من الشخصيات البارزة بهدف قلب نظام الحكم وإشاعة الفوضى وزعزعة الاستقرار البداية الأولى لاعتناق “عزت” للعنف فكرًا وحركة.
وفي أعقاب خروجه من السجن، ونظرًا لسماته الشخصية وقدراته الفائقة تم اختياره وهو في السابعة والثلاثين من عمره ليصبح عضوًا بمكتب الأرشاد وذلك في عام 1981، وقد تأثر بأفكار سيد قطب بحيث أصبح فيما بعد أحد قيادات الجناح القطبي وصقوره داخل الجماعة. وقد انعكس ذلك على أفكاره في مرحلة ما بعد 30 يونيو حيث بدأت الجماعة في انتهاج العنف والعمل المسلح وذلك عبر أسانيد وتفسيرات قد وضعها “عزت” حدد من خلالها أسلوب إدارة الجماعة، وهو ما تم الإشارة إليه في كتاب “فقه المقاومة الشعبية” الصادر عام 2015، والذي حمل إمضاء “بابا محمود” وقد أشارت كافة التحليلات أن هذا التوقيع لمحمود عزت.
وقد كان هذا الكتاب بمثابة مرحلة جديدة من الإرهاب الإخواني بنسخته الدموية وأدواته العنيفة وهو ما أسفر عن ميلاد عدد من التنظيمات والجماعات المسلحة مثل “حسم” و “لواء الثورة” و”المقاومة الشعبية” وغيرها من الخلايا الإخوانية المسلحة التي اتخذت من أفكار “محمود عزت” و”محمد كمال” مسارًا للعنف المسلح، ومن ثم البدء في استهداف مؤسسات الدولة وأجهزة الأمن والقضاء والإعلام على إثر الإطاحة بالإخوان المسلمين في ثورة 30 يونيو.
ويُعدُّ “عزت” من العناصر الإرهابية المطلوبة في الداخل والخارج، حيث تم وضعه ضمن قوائم الإرهاب التي أعدها الرباعي العربي، كما تورط في عدد من العمليات الإرهابية يأتي في مقدمتها اغتيال النائب العام الأسبق “هشام بركات” وكذلك حادث اغتيال اللواء “عادل رجائي” واللواء “وائل طاحون”. كما صدر بحقه حكمان بالإعدام في قضية التخابر مع دول خارجية وكذلك اقتحام الحدود الشرقية، علاوة على حكمين بالمؤبد، ومن المتوقع أن تكشف التحقيقات معه عن تورطه في أعمال إرهابية أخرى.
رسائل وتداعيات
ثمة رسائل وتداعيات يمكن الوقوف عليها على خلفية سقوط “محمود عزت” في أيدي الأجهزة الأمنية، الأمر الذي يمكن تحديده فيما يلي:
أولًا: تأتي عملية القبض على “محمود عزت” لتدل على مدى يقظة الأجهزة الأمنية وقدراتها المستمرة والمتواصلة على توجيه ضربات موجعة وناجزة للعناصر الإرهابية، حيث نجحت الدولة ومؤسساتها في تطويق الظاهرة الإرهابية وتحجيمها في السنوات الأخيرة، إذ تراجعت الاعمال الإرهابية بشكل كبير وملحوظ منذ عام 2014 وحتى الآن، حيث تم تسجيل نحو 222 عملية في عام 2014، مقابل 199 عملية عام 2016 ونحو 50 عملية عام 2017 وما يقرب من 8 عمليات عام 2018 لينتهي عام 2019 بتنفيذ عمليتين.
على صعيد آخر نجحت الأجهزة الأمنية من القبض على عدد من القيادات الإخوانية والعناصر الإرهابية طيلة السنوات الماضية، وهو ما مثل ضربات متتالية ومؤثرة لهذه الجماعة ساهمت في إضعافها وتحجيم نفوذها بكافة الأشكال والوسائل.
ثانيًا: تحمل عملية القبض على “عزت” رسالة مهمة للعناصر الإرهابية في الداخل والخارج فحواها أن اليد الطولى والبقاء للدولة ومؤسساتها مهما تعاظمت قدرات الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وأن رصد واستهداف العناصر الإرهابية هدف استراتيجي لا يمكن للدولة أن تتخلى عنه؛ نظرًا لما ارتكبته هذه العناصر من إرهاب وجرائم في حق الوطن ومؤسساته، فعلى الرغم من قدرة “محمود عزت” على الاختباء والتخفي والعمل السري إلا أن أجهزة الأمن نجحت في رصد مكانه وتتبعه ومن ثم القبض عليه، كما تحمل العملية رسالة للخارج والعناصر الهاربة على قدرة أجهزة الدولة في تحقيق مثل تلك الضربات النوعية وملاحقتهم.
ففي أوقات لاحقة نجحت الأجهزة الأمنية في القبض على ” هشام عشماوي” رغم هروبه خارج مصر وقيامه بممارسة الإرهاب في ليبيا بعد تأسيسه لتنظيم “المرابطون”، ما يعني أن يد الدولة المصرية وأجهزتها الأمنية قادرة على ملاحقة العناصر الإرهابية في الداخل والخارج.
من ناحية أخرى يمكن الوقوف على جملة من التداعيات التي قد تنتج عن القبض على محمود عزت وذلك فيما يلي:
- مزيد من الارتباك، العملية بمثابة ضربة قاصمة لجماعة الإخوان نظرًا لرمزية وقدرة “عزت” لما يتمتع به من سمات وصفات شخصية تمكن من خلالها من إدارة وتوجية الجماعة، فضلًا عن دوره المحوري في قمة الهرم التنظيمي للجماعة، باعتباره العقل المدبر ومهندس كافة التحركات الحالية داخل التنظيم سواء ما يتعلق باستراتيجية العمل أو أدوات الحركة، وقد يصيب القبض على “عزت” الجماعة بهزة كبيرة قد تحتاج لوقت أطول لاستعادة توازنها. ويمكن أن تمتد تأثيرات العملية لأبعد من ذلك خاصة أنها تأتي في وقت تعاني فيه الجماعة من انقسامات وخلافات شديدة بين أجنحتها وتياراتها المختلفة خاصة تلك الصراع المحتدم بين مكتب الإخوان في لندن ومكتب اسطنبول.
- خلافات حول التمويل والإدارة، لعب عزت دورًا محوريًا في تلقي وجمع التمويل الخاص بالجماعة حيث تمكن عبر السنوات الماضية من إدارة أموال الجماعة وتلقي الدعم والتمويل من الدول الراعية والجهات الممولة للجماعة بهدف تنفيذ أجندتها ومخططها الرامي إلى زعزعة استقرار الدولة، ما يعني أن هذه العملية قد تؤدي إلى تجفيف منابع التمويل، أو على أقل تقدير قد تؤدي إلى تصاعد الخلاف الدائر حول التمويل وإدارة الأموال داخل الجماعة.
- فضح اسرار الجماعة، يمثل “عزت” كنزًا حقيقيًا وصندوق أسود يمكن أن تستغله الأجهة الأمنية في حصد مزيد من المعلومات حول مخططات الجماعة واستراتيجتها، وما كنت تخطط له، ومن ثم القدرة على مواجهة تحركات وخطط الجماعة المستقبلية.
- زيادة النشاط الالكتروني للجماعة، كشف بيان الداخلية أن “عزت” كان يدير اللجان الالكترونية للجماعة والتي تتولى إدارة حرب الشائعات وإعداد الأخبار المفبركة، وعليه فمن التوقع أن تزداد الحملة الإلكترونية الموجهة ضد الدولة المصرية من الداخل والخارج، إذ قد تعمل الجماعة على استخدام الوسائل الالكترونية في التشكيك في انجازات الدولة وإثارة البلبلة والعمل على إحباط الرأي العام عبر خلق قصص وحكايات مفبركة ومن خلال نشر مزيد من الشائعات في محاولة للنيل من الدولة المصرية.
في الأخير، تعتبر عملية القبض على “عزت” باعتباره الرجل الحديدي ومهندس كافة التحركات والتريبات المتعلقة بالإخوان من حيث الإدارة والتوجية والقيادة تحولًا نوعيًا قد يؤثر على مجمل تفاعلات التنظيم وتماسكه الداخلي، كما قد يؤدي إلى احتدام الصراع حول الموارد والتمويل ومن ثم القيادة، ما قد يؤدي إلى انفراط عقد التنظيم خاصة في ظل غياب القيادة المؤثرة وعدم وجود أية عناصر تملك ذات المقومات التي كان يملكها محمود عزت.
باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع