إيران

القدرات التسليحية النوعية لإيران في مواجهة فارق القوة

إن الطموحات والمصالح والأهداف الإيرانية ممتدة عبر التاريخ، ولا ترتبط بالثورة الخمينية أو بفترة حكم الشاه، وإنما هي مصالح وأهداف ثابتة وإن اختلفت الأدوات والأساليب لتحقيقها وفقًا لطبيعة النظام، ومتطلبات المرحلة التي يمر بها العالم والتطورات الإقليمية والدولية في كل مرحلة، وهو ما يعكس السعي الإيراني الدائم لإيجاد دور للدولة ومشاركتها في إدارة شئون الإقليم والعالم. 

قبل الثورة عام 1979 اعتمدت إيران على التحالف مع القوى الكبرى (الولايات المتحدة) أو حليفتها إسرائيل، في حين اعتمدت بعد الثورة على المذهبية الدينية (الشيعية) والقوة العسكرية المباشرة وغير المباشرة (من خلال شبكة من الوكلاء لها في دول الجوار الإقليمي). ورغم اعتماد إيران على القوة العسكرية وانخراطها في صراعات منذ عام 1979 فإنها تدرك عدم قدرتها على الفوز في مواجهة عسكرية مباشرة مع خصومها التقليديين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك فإنها تستهدف تطوير بعض القدرات النوعية واكتساب مزايا نسبية في الناحية العسكرية لتعويض فارق القدرة بينها وبين هؤلاء الخصوم. 

الاستراتيجية العسكرية الإيرانية

ترتكز الاستراتيجية الأمنية والعسكرية لجمهورية إيران الإسلامية على أربعة أهداف استراتيجية، الهدف الأول: ضمان استمرارية حكم رجال الدين من خلال القبول الشعبي لولاية الفقيه كأساس لمنصب المرشد الأعلى، ولذلك تحاول طهران السيطرة على الكثير من البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية المحلية وتعزيز تفسيرها للأيديولوجية الإسلامية. والهدف الثاني، هو الحفاظ على الاستقرار ضد التهديدات الداخلية والخارجية، ولهذا يستخدم النظام قدراته العسكرية والأمنية لمواجهة التهديدات الداخلية من حركات المعارضة السياسية والعرقية والجماعات الإرهابية، والقيام بالدفاع عن الأراضي الإيرانية، ومواجهة القوى الإقليمية والدولية التي يعتبرها النظام الحاكم خصما أو تهديدا محتملا لإيران، بالإضافة إلى دعم الحلفاء والشركاء لمواجهة التهديدات الإقليمية. أما الهدف الثالث، فهو تأمين موقع إيران كقوة إقليمية مهيمنة، إذ تطمح طهران إلى قيادة نظام إقليمي مستقر يكون لها فيه نفوذ مهيمن، ومن ثم تقدم إيران المساعدة العسكرية والمالية للحلفاء والوكلاء من أجل حماية مصالحها الإقليمية والضغط على خصومها. وأخيرًا، القوة الاقتصادية من خلال إصلاح القطاع المالي وجذب الاستثمار الأجنبي، وتحقيق التوازن بين الاستثمار الأجنبي والشراكات مع الدولة، وإعطاء الأولوية للاكتفاء الذاتي الاقتصادي.

ولتحقيق أهدافها توظف طهران مجموعة معقدة من القدرات العسكرية والأمنية، وتدمج بين القوة التقليدية وغير التقليدية، لتجنب المواجهة المباشرة بتوظيف كل من الحرب النفسية والدعاية وتحقيق عمق استراتيجي من خلال وكلائها وانتشارهم لتعزيز القدرة على الردع. يقود الحرس الثوري الإسلامي عرض القوة الإيرانية من خلال شبكة معقدة من الشركاء والوكلاء المتشددين. والشكل التالي يوضح أماكن انتشار وكلاء إيران الذين تعتمد عليهم في تحقيق الردع:

وعلى الرغم من الانكشاف النسبي الذي يواجهه نظام الملالي بعد التحديات الكبرى التي تواجهها إيران اقتصاديًا وسياسيًا بعد تأثير العقوبات الأمريكية عليها منذ عام 2017 (بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1)، ثم تداعيات جائحة كوفيد-19، رغم هذا فإنه من غير المرجح أن تتغير هذه الإستراتيجية بشكل كبير على المدى القريب. 

مبدأ إيران “الردع النشط”

خلال العقدين الماضيين، غيرت إيران تدريجيًا تفكيرها العسكري ونهجها في الحرب على أساس صراعات القرن الحادي والعشرين في الشرق الأوسط. لقد طورت عقيدتها العسكرية لمواجهة الجيوش الغربية المتقدمة تقنيًا، بهدف رفع التكاليف البشرية والمالية لخصم محتمل لردع أي هجوم. سعت إيران إلى بناء قواتها المسلحة ذات القدرات المتخصصة التي تؤكد على التكتيكات غير المتكافئة التي تهدف إلى استغلال نقاط الضعف المتصورة لعدائها، مثل النفور من الخسائر والإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا.

في عام 2016، دعا خامنئي الجيش لأول مرة إلى تعزيز قدراته الهجومية بالإضافة إلى القدرات الدفاعية. ومنذ ذلك الحين أشار المسؤولون العسكريون إلى حاجة إيران إلى زيادة الاستثمار في القدرات والمهام الهجومية، مثل القوة الجوية القتالية والحفاظ على الوجود المتقدم، وهي مناطق أهملتها تقليديًا. 

يصف القادة الإيرانيون في كثير من الأحيان عدم الاستقرار في الشرق الأوسط بأنه يتطلب استراتيجية من “الردع النشط”، والتي تنطوي على التدخل في النزاعات الإقليمية لمواجهة تهديدات الأمن القومي قبل أن تعرض الوطن للخطر. يعتمد الردع النشط عند إيران إلى حد كبير على ثلاث قدرات أساسية: الصواريخ الباليستية القادرة على شن ضربات بعيدة المدى، والسعي للحصول على سلاح نووي، وتحديث الصناعة العسكرية الإيرانية. 

ويظهر هذا التوجه من الإنفاق الدفاعي الإيراني أدخلت إيران زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي من عام 2014 إلى عام 201، ثم انخفاضًا فيه عام 2019، كنتاج لإعادة فرض عقوبات النفط والبنوك الأمريكية، وخفض قيمة العملة الإيرانية وسوء الإدارة الاقتصادية المزمنة. وقد بلغت ميزانية الدفاع الرسمية لإيران لعام 2019 حوالي 20.7 مليار دولار، أي ما يقرب من 3.8 % من الناتج المحلي الإجمالي، كما أقرها مجلس النواب الإيراني.

وجدير بالذكر أن طهران لديها مجموعة متنوعة من مصادر التمويل خارج الميزانية، مما يجعل من الصعب تقدير الحجم الحقيقي ونطاق الإنفاق الدفاعي الإيراني بدقة. حيث يمكن للمرشد الأعلى أن يأذن بالتحويلات إلى منظمات الدفاع والأمن من صندوق التنمية الوطنية، صندوق احتياطي إيران، علاوة على ذلك، يدير الحرس الثوري الإيراني العديد من الشركات الخاصة، كما يمكن للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس أيضًا كسب دخل إضافي من خلال التهريب والأنشطة غير المشروعة الأخرى في المنطقة.

يشمل هذا المجموع تمويل المكونات الرئيسية لجهاز الأمن الإيراني، بما في ذلك الحرس الثوري الإيراني (تم تخصيص 29% من ميزانية الدفاع للحرس الثوري في هذا العام)، وقدّمت إيران أكثر من 16 مليار دولار للنظام السوري وحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية والحوثيين والجماعات الفلسطينية. ويتضح هذا من الشكلين التاليين:




القدرة الصاروخية الباليستية

إيران تتجه نحو تطوير قدراتها الصاروخية لعدة أسباب، أهمها: رؤية النظام الإيراني لدول الجوار والولايات المتحدة وأوروبا كتهديدات محتملة له، وهي الرؤية التي تطورت في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران ونمط تعاطي المجتمع الدولي معها. وكذلك محدودية قدرة إيران على التحديث العسكري ذاتيًا دفعتها لذات الاتجاه؛ حيث تشغل برامج الصواريخ الإيرانية حيزًا كبيرًا من تركيز طهران على الحرب غير المتكافئة -مع تدني حجم وارداتها من السلاح- وعدم تمكنها من إنتاج معظم الأسلحة الرئيسية المتقدمة، في الوقت الذي يشهد فيه الإقليم عمليات ضخمة لنقل أسلحة جديدة من الولايات المتحدة وأوروبا إلى دول المنطقة.

وتشير التقديرات أنه خلال الفترة من 2008 الى 2015 بلغ حجم الانفاق الإيراني على واردات السلاح نحو 900 مليون دولار أمريكي في مقابل حجم إنفاق دول مجلس التعاون الخليجي قرابة 162.5 مليار دولار في الفترة ذاتها. ما يعكس الفارق الكبير في حجم القدرات التسليحية المحدثة لدى دول الخليج والنظم غير المطورة لدى إيران، خاصة مع الاختلال البين في ميزان القدرات الجوية لصالح دول الخليج بما يدفع إيران لتحديث قدراتها الصاروخية، هذه القدرة التي يمكن توضيحها في النقاط التالية:

  • تمتلك إيران أكبر ترسانة للصواريخ الباليستية وأكثرها تنوعًا في الشرق الأوسط، مع مخزون كبير من الصواريخ الباليستية قريبة المدى (CRBMs) والصواريخ البالستية قصيرة المدى (SRBMs) والصواريخ البالستية متوسطة المدى (MRBMs). يمكنها ضرب أهداف في جميع أنحاء المنطقة حتى 2000 كيلومتر من حدود إيران، حتى إسرائيل وجنوب شرق أوروبا. 
  • القوة الصاروخية الإيرانية – قيادة الغدير الصاروخية (AGMC)، تقع تحت سيطرة القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني. يجري المركز الميكانيكي التابع لها بشكل دوري تدريبات على المستوى الوطني عالية النشر لإظهار قدرات واستعداد القوة، غالبًا كجزء من سلسلة التدريبات للحرس الثوري الإيراني. وعلى الرغم من أن القادة الإيرانيين يؤكدون على الاعتماد على الذات، إلا أن إيران تواصل الاعتماد على الموردين الأجانب للمكونات والتكنولوجيا الحاسمة.
  • القذائف قصيرة المدى: تعتمد الصواريخ الباليستية قصيرة المدى التي تعمل بالوقود السائل في إيران سلسلة صواريخ شهاب-1 و2 وقيام-1 على تقنية سكود. يبلغ مدى صاروخ قيام -1 750 كيلومترًا على الأقل. وقد زودت إيران الحوثيين في اليمن بصواريخ قيام 1 بعيدة المدى، تم إطلاق هذه الصواريخ في الغالب على الرياض وقد وصل مداها إلى أكثر من 900 كيلومتر.
  • كما تنتمي للصواريخ قصيرة المدى كل من الصاروخ زلزال ومداه 250 كيلومتر، والصاروخ فاتح 110 ومداه 300 كيلومتر، وفاتح 313 بمدى يصل إلى 500 كيلومتر. أعلنت إيران أيضًا عن عدة أنواع من هذه الصواريخ تم تكوينها باستخدام تقنيات مختلفة، بما في ذلك التوجيه الكهروضوئي والمضاد للإشعاع، مما يجعلها قادرة على استهداف السفن. ويقال إن مدى هذه الأنظمة – التي تشمل خليج فارس وحورمز 1 وهرمز 2 – يبلغ حوالي 300 كيلومتر. 

في سبتمبر 2016، كشفت إيران النقاب عن صاروخ ذو الفقار الجديد، وهو صاروخ باليستي قصير المدى (CRBM) يعمل بالوقود الصلب وصواريخ باليستية قصيرة المدى (SRBM) يتكون بشكل أساسي من العديد من المتغيرات من عائلة صواريخ فاتح 110. يصل مدى معظم هذه الأنظمة إلى حوالي 300 كيلومتر، لكن نظام إيران الحبيبي يبلغ مداها 700 كيلومتر. 

D:\Downloads\download.jpg
  • الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، أشهرها الصاروخ شهاب -3 الذي يعمل بالوقود السائل هو الدعامة الرئيسية لقوة MRBM الإيرانية. قامت إيران بتعديل صاروخ شهاب3، الذي يعتمد على صاروخ نو دونغ الكوري الشمالي نو دونج، لتوسيع نطاقه وفعاليته، مع قدرة أكبر على الوصول إلى الأهداف على مسافة حوالي 1500، وهو قادر على حما رأس متفجر بزن 1800 كيلوجرام كيلومتر. في عام 2015. ونماذج مطورة منه مثل”خرمشهر” الذي يصل مداه إلى 2000 كيلومتر ويحمل رؤوسا متعددة. والصاروخ عماد الذي يصل مداه إلى 2700كيلومتر بهامش خطأ في دقة التصويب 10 متر. ويمكن استعراض بعض صور هذه الصواريخ فيما يلي:
D:\Downloads\Shahab-3_Missle_by_YPA.IR_02_(cropped).jpg

شهاب-3 

D:\Downloads\download (1).jpg

خرمشهر

  • صواريخ كروز الهجوم الأرضي، في عام 2012، أعلنت إيران عن تطوير أول صاروخ كروز للهجوم الأرضي (LACM)، يسمى مشكاة. في عام 2015، عرضت إيران ما أطلقت عليه اسم سومار، وهو نظام يتم إطلاقه من الأرض ويبدو أنه يعتمد على الصاروخ الروسي AS-15. تزعم إيران أن صواريخ سومار يبلغ مداها 2000 كيلومتر، ويمكنها أن تزود إيران بقدرات ضربات دقيقة تصل إلى نطاقات متوسطة المدى التي قد تزيد من تعقيد الدفاعات الصاروخية. 

والشكل التالي يوضح الأمدية المختلفة التي يمكن أن تصل إليها أهم أجزاء منظومة الصواريخ الإيرانية:

  • أطلقت إيران عام 2008، مركبات إطلاق فضائية متعددة المراحل (SLVs) والتي يمكن أن تساعد إيران أيضًا في تطوير صواريخ باليستية طويلة المدى؛ لأنها طائرات تستخدم تقنيات مماثلة بطبيعتها. وقد أطلقت أيضًا صاروخ Simorgh SLV الأكبر على مرحلتين والذي يعمل بالوقود السائل، والذي تم تصميمه لحمل الأقمار الصناعية إلى المدار ويمكن أيضًا أن يكون بمثابة قاعدة اختبار لتطوير تقنيات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. 
  • واهتمت إيران بالصواريخ البحرية بشكل خاص والتي تمكنها من تهديد الملاحة في الخليج العربي ومضيق هرمز، والتي يمكن أن تهدد ممرات ملاحية ومضايق بحرية أخرى عند حصول وكلاء إيران عليها. ومن أهم هذه الصواريخ: “الخليج الفارسي” وهو فرط صوتي ويصل مداه إلى 300 كيلومتر. والصاروخ “حزت” الذي لديه قدرة على التخفي من الرادار وتصل سرعته إلى 100م/ ثانية. والطوربيدات البحرية بها أهمية كبيرة في تعزيز القدرة البحرية النوعية لإيران مثل طوربيد533 الذي يصل مداه إلى 22 كيلومتر وقادر على حمل رأس متفجر بوزن 300كيلوجرام. والصورة التالية  توضح مقرات قيادة البحرية الإيرانية ومناطق انتشارها التي تعكس اعتماد ايران بشكل اساسي على القوة البحرية لتفعيل قدرتها على الردع.

السعي للحصول على القدرة النووية

امتلاك القدرات النووية هدف استراتيجي لإيران يعظم من مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، ويمنحها الثقة والجرأة في التعامل مع القوى الغربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن هناك منظورًا آخر لحرص إيران على امتلاك التكنولوجيا النووية وهو توفير مصادر بديلة للطاقة النفطية بما يساهم في دعم التنمية الصناعية والاقتصادية، فضلاً عن إعطائها بعدًا تقنيًا تنفرد به في المنطقة بما يزيد من وضعيتها في الإقليم ويتيح لها فرصة تصدير هذه التكنولوجيا في مرحلة مقبلة.

في عام 2015، وافقت طهران على الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1، التي وضعت قيودًا على برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات. على الرغم من أن إيران شهدت بعض التحسن في اقتصادها وزيادة مقابلة في الإنفاق الحكومي، بما في ذلك ميزانية الدفاع، إلا أن فوائد الاندماج في الاقتصاد العالمي التي توقعتها طهران والشعب الإيراني بعد خطة العمل الشاملة المشتركة لم تتحقق بالكامل. 

ففي مايو 2018، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق، واتخذت اجراءات عقابية على إيران لإجبارها على إعادة التفاوض حول برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي، مما دفع إيران للتصعيد والقيام باجراءات مضادة، والتي تضمنت التجاوز التدريجي لبعض الحدود المتعلقة بالمجال النووي المنصوص عليها في خطة العمل المشتركة الشاملة، والقيام بأعمال بحرية استفزازية وهجمات حربية غير تقليدية ضد حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها.  وما زالت إيران على انتهاكاتها للاتفاق والتسويف فيه للضغط على الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي، وفي انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة.

تحديث الصناعة العسكرية الإيرانية

أنشأت إيران صناعة دفاعية محلية قادرة على تطوير وإنتاج فئات مختارة من أنظمة الأسلحة، والحفاظ على الأنظمة القديمة، وتعديل منصات الجيل الأقدم، والهندسة العكسية للتكنولوجيا التي تم الاستيلاء عليها لتلبية المتطلبات العسكرية الإيرانية.

يبالغ المسؤولون الإيرانيون ووسائل الإعلام الرسمية في قدرات الصناعات الدفاعية الإيرانية، ويؤكدون على اكتفاء إيران الذاتي في الإنتاج العسكري في مواجهة العقوبات الدولية، وتعد هذه المبالغة جزءا من استراتيجية الردع النشط التي تتبعها إيران. لكن هذا لا ينفي أن لديها برامج محدثة لصناعتها الدفاعية، ومن أبرزها:

  • صناعتها في قطاع الصواريخ، والتي سبقت الإشارة إلى أهم الصواريخ في المنظومة الصاروخية، حيث تعمل إيران محليًا على تطوير وإنتاج صواريخ باليستية قصيرة المدى تعمل بالوقود السائل والوقود الصلب، وتستمر في تحسين مدى أنظمة الصواريخ الخاصة بها، وقدرتها على الفتك، ودقتها. وتقوم إيران بنشر عدد متزايد من الصواريخ الباليستية المضادة، وتطوير القدرات التقنية التي يمكن أن تمكنها من إنتاج صاروخ باليستي عابر للقارات. ولعل أحدثها محاولة إنتاج جيل جديد من الصواريخ البحرية، وتم اجراء تجربة عليها في يونيو 2020 في خليج عُمان، والتجارب أجريت على صواريخ قصيرة المدة وبعيدة المدى، وقد دمرت الاهداف المحددة لها على بعد 280 كلم، ويمكن زيادة مداها إلى مسافة أكبر.
  • تهدف البرامج البحرية الإيرانية في المقام الأول إلى ردع الخصوم عن العمل بالقرب من المياه الإقليمية الإيرانية. على هذا النحو، تركز جهود التحديث البحري في طهران على تزويد الحرس الثوري الإيراني بمنصات وأسلحة فتاكة بشكل متزايد – بما في ذلك الألغام والطوربيدات المتقدمة والغواصات الصغيرة ومراكب الهجوم السريع والصواريخ المضادة للسفن على متن السفن والشاطئ – والتي تزيد من تعقيد حرية الملاحة في جميع أنحاء سواحل إيران. على الرغم من أن التركيز أقل إلى حد ما، إلا أن طهران تهدف أيضًا إلى إنشاء قوة بحرية استراتيجية بعيدة المدى. تعد منظمة الصناعات البحرية والشركات التابعة لها المنتجين المحليين الأساسيين للمنصات البحرية لكل من الأسطول الإيراني. تبني هذه الصناعات مجموعة واسعة من القوارب الصغيرة عالية السرعة المجهزة بالبنادق والصواريخ والصواريخ بشكل أساسي للحرس الثوري الإيراني، قامت إيران ببناء مخزون من مئات القوارب الصغيرة، وتواصل طهران الاستثمار في إنتاج منصات أسرع وأكثر قدرة مسلحة بأسلحة ومعدات أكثر تطورًا.

بدأت إيران الإنتاج المحلي للغواصات بعد تلقي غواصة من فئة Yono من كوريا الشمالية في عام 2004 ومنذ ذلك الحين، طورت إيران غواصة ساحلية أكبر من فئة فتح، وكانت أول غواصة قامت بها شبكة إيرين في فبراير 2019. كما تنتج إيران أيضًا مجموعة متنوعة من أنظمة الأسلحة البحرية، بما في ذلك صواريخ جو-سطح والألغام والطوربيدات. 

  • تواصل إيران تحسين نظام الدفاع الجوي المتكامل (IADS)، الذي يتركز حول طهران والمواقع النووية، مع رادارات المراقبة الجوية الجديدة، وأنظمة الدفاع الجوي ونظم القيادة والسيطرة؛ وقد أعلنت طهران عن العديد من أنظمة الدفاع الجوي المطورة محليًا، والتي تتضمن صواريخ سام ورادارات جديدة، بما في ذلك ثالث متوسط إلى بعيد المدى من خرداد، وصياد -2 متوسط المدى، وصياد 3 بعيد المدى. 
  • أما في مجال القوات الجوية فإن إيران غير قادرة على إنتاج طائرات قتالية كاملة، لكنها أنشأت قدرة قوية للحفاظ عليها وتحديثها. فقد أظهرت إيران قدرتها على إصلاح طائرات النقل والطائرات القتالية الثابتة الجناحين، بما في ذلك الطائرات الأمريكية الصنع F-4 و F-5 و F-14 و C-130 والروسية Su-24 و MiG-29. إيران قادرة على نحو مماثل على صيانة وإصلاح أسطول طائرات الهليكوبتر، مثل الروسية Mi-17. تستخدم إيران مزيجًا من المكونات المحلية والأجنبية وتسعى إلى تحديث الطائرات من خلال شراء التقنيات الأجنبية. تهدف إيران إلى أن تكون قادرة على إنتاج طائرة نفاثة حديثة ولكنها غير قادرة على القيام بذلك دون مساعدة أجنبية كبيرة. لقد عرضت إيران ما تزعم أنه طائرات مقاتلة محلية.
  • وسعت إيران بثبات مخزونها المحلي من الطائرات بدون طيار من خلال تطوير وإنتاج مجموعة واسعة من منصات الطائرات بدون طيار الفتاكة وغير الفتاكة، حيث عكست إيران هندسة العديد من هذه الأنظمة استنادًا إلى الطائرات بدون طيار الغربية التي تم الاستيلاء عليها. يمكن تسليح بعض منصات إيران الحديثة بدون طيار مثل شاهد129 ومهاجر 6، وهي قادرة على تنفيذ ضربات دقيقة جو-أرض بذخائر صغيرة موجهة. وعلى الرغم من التقدم في تصنيع الطائرات بدون طيار، لا تزال إيران تعتمد على المحركات والمكونات الغربية المصنعة لدعم إنتاج الطائرات بدون طيار، كما تعمل إيران على تطوير محرك محلي للطائرات بدون طيار لكنها تعاني من مشاكل الجودة.

وختاما، إن برنامج الصواريخ النووية الإيرانية يمثل تهديد محتمل للدول التي تعتبرها إيران خصما ومنافسا، وتسعى هذه الدول لتحجيم هذا التهديد الإيراني في الإقليم. وهو ما أشار إليه قرار مجلس الامن رقم (2231) بتاريخ (2015)، والذي يثير إشكالية حول التزام طهران بالقرار الأممي الذي ينص على “تجميد إيران تطوير واختبار الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية لمدة 8 سنوات”، وهو ما تتحايل عليه بإعلان أن برنامجها الصاروخي والتجارب التي تجريها مخصصة لأغراض دفاعية، وترفض أن يكون ذلك انتهاكا للقرارات الأممية. 

وقد سعت الولايات المتحدة إلى تمديد حظر السلاح المفروض على إيران من خلال مجلس الأمن في 14 أغسطس 2020، لكن لم تتحقق هذه المساعي. ولذلك قامت الولايات المتحدة بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن لانتهاك إيران للتعهدات المنصوص عليها في الاتفاق النووي عام2015، وذلك وفقا لآلية “الزناد” المعروفة باسم “سناب باك”، والتي تتيح للدول الأعضاء بإعادة تطبيق جميع العقوبات الدولية على إيران من جانب واحد بعد أن تم رفعها كجزء من الاتفاق النووي المبرم، ولن يتضح جدوى هذه الآلية إلا في شهر سبتمبر المقبل أي بعد 30 يوما من تقديم الشكوى إلى مجلس الأمن في 20 أغسطس.

والأمل المنعقد على إدراك بقية الدول المشاركة في الاتفاق والاعضاء الدائمين في مجلس الأمن مدى التهديد الذي تمثله إيران على استقرار وأمن الإقليم، وتمديد حظر التسليح المفروض عليها لعل ذلك يحد من التهديد الذي تمثله هي ووكلائها المختلفين في المنطقة.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى