
زيارة الكاظمي إلى واشنطن.. الدوافع والنتائج
يشهد العراق أزمات متعددة على المستوى الصحي والاقتصادي وكذلك الأمني من حيث ارتفاع الإصابة بفيروس كوفيد-19، وانهيار أسعار النفط، واستمرار تنظيم داعش في شن هجمات وزعزعة الاستقرار فى العراق، بالإضافة إلى أن العراق هو ساحة للتنافس ما بين الولايات المتحدة وإيران، ومع مجيء الكاظمي في مايو 2020 كان التعويل على حكومته في إحداث تقدم وفرض سيادة الدولة العراقية دون تدخل أي من الأطراف الخارجية، ويسعى الكاظمي إلى تحقيق ذلك، لكن مازالت هناك بعض التحديات التي تواجهه، وقد قام الكاظمي بزيارة إلى الولايات المتحدة في إطار الحوار الاستراتيجي القائم بين الدولتين، وهو ما سيتم التركيز عليه هنا من حيث الدوافع والنتائج والتحديات.
دوافع الزيارة
تعد زيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 أغسطس الجاري هي الأولى منذ تشكيل الحكومة في مايو 2020 وفقا لدعوة رسمية بهدف مناقشة وضع القوات الأمريكية في العراق، والمساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة إلى العراق لمواجهة الإرهاب. وتأتى الزيارة لتحقيق أهداف الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين الدولتين الذي بدأ في يونيو 2020، وفقًا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي2008[1]. بالإضافة إلى التعاون في مجالات الأمن والطاقة والصحة وعلى رأسها ملف أزمة جائحة كورونا والاقتصاد والاستثمار[2].
ويعد الوفد الذي كان مرافقًا له في زيارته للولايات المتحدة وفدًا وزاريًا كبيرًا ومتخصصًا، فبجانب وزير الخارجية فؤاد حسين الذي غادر مبكرًا إلى واشنطن في 16 أغسطس الجاري للترتيب للزيارة، ضم الوفد وزير الدفاع جمعة عناد سعدون، ووزير النفط إحسان عبد الجبار إسماعيل، ووزيرة الهجرة ايفان جابرو، ووزير الكهرباء ماجد مهدي حنتوش.
ويبدو من خلال خلفية أعضاء الوفد أن الحكومة العراقية تستهدف بحث مختلف جوانب العلاقات مع الإدارة الأمريكية خلال الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين الدولتين، والتي انطلقت في 19 أغسطس الجاري قبيل لقاء الكاظمي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اليوم التالي. أيضًا ضم الوفد الذي ترأسه الكاظمي مسؤولين أكراد، وذلك من أجل منح ثقل للحوار العراقي-الأمريكي، خاصةً وأن إقليم كردستان أسس علاقات وثيقة مع واشنطن، وهو أمر قد يعزز المكاسب العراقية الممكنة من تلك المباحثات.
جدير بالذكر أن الوفد الكردي المشارك يترأسه فوزي هريري كممثل لإقليم كردستان ورئيس ديوان رئاسة الإقليم، بالإضافة إلى 4 ممثلين آخرين عن الإقليم. وبحسب مسؤول ملف العلاقات الخارجية في رئاسة إقليم كردستان فلاح مصطفى، فمن المقرر أن يلعب وفد إقليم كردستان دورًا مهمًا ضمن الوفد العراقي خلال الزيارة[3].
نتائج الزيارة
عكس البيان الختامي الصادر عن وزارة الخارجية العراقية في 19 أغسطس إثر لقاء وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بنظيره الأمريكي “مايك بومبيو” التقارب مع الولايات المتحدة بوصفها حليفًا قويًا للعراق ورفض التدخل الإيراني في شؤون العراق، والتعاون مع إيران في إطار المصلحة المشتركة السياسية والاقتصادية والثقافية، وقد حققت الزيارة عدة نتائج[4]:
- على المستوى الاقتصادي: وقعت حكومة العراق في إطار التعاون في قطاع الطاقة اتفاقيات للطاقة المستدامة مع شركات أمريكية، من ضمنها شركة جنرال إلكتريك، هانيويل يو أو بي، وستيلار إنيرجي، بالإضافة إلى مذكرات تفاهم مع شيفرون للتقنيات النفطية وبيكر هيوز، أيضا تقديم الولايات المتحدة دعم مالي للعراق يقدر بـ 204 مليون دولار، فضلا عن التعاون في مجالات الحكومة الإلكترونية وإصلاحات القطاع المالي وشراكات القطاع الخاص لتعزيز التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والعراق. ومن المقرر عقد اجتماع لمجلس اتفاقية إطار التجارة والاستثمار TIFA في وقت لاحق من هذا العام. بالإضافة إلى التنسيق المشترك بين الحكومتين لمواصلة التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي وهيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي بشأن توصيلات الكهرباء في العراق ودول مجلس التعاون الخليجي واستثمار الطاقة، كما رحبت الولايات المتحدة بالتقدم الحاصل في المحادثات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان فيما يتعلق بموضوعي الميزانية والطاقة.
- على المستوى الأمني: الاتفاق على استمرار التعاون بين قوات الأمن العراقية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لهزيمة داعش، والتزام العراق بتوفير الحماية لأفراد التحالف الدولي والمنشآت الدبلوماسية في العراق بالإضافة إلى الاتفاق على مغادرة بعض القواعد العسكرية العراقيةـ، وخفض القوات القتالية في العراق على أن يتم الاتفاق على إدارة التوقيتات في محادثات أخرى.
- على المستوى السياسي: دعم الولايات المتحدة للعراق في إجراء انتخابات نيابية مبكرة.
- على المستوى الثقافي والتعليمي: تعزيز التعليم العالي من خلال التعاون مع الجامعات الأمريكية في العراق من خلال برنامج فولبرايت، ومن خلال مبادرة شراكة التعليم العالي للسفارة الأمريكية، بالإضافة إلى الاتفاق حول إعادة القطع الأثرية العراقية التي وصلت الولايات المتحدة بشكل غير قانوني إلى مكانها الصحيح في العراق.
تحديات أمام الكاظمي
رغم مساعي الكاظمي إلى محاولة إحداث توازن في علاقات العراق الخارجية، إلا أن هناك ضغوطًا تُفرض عليه وتحديات تعرقل ذلك منها:
- رفض الوجود الأمريكي في العراق: تعول المليشيات المسلحة على أن يكون إخراج القوات الأمريكية من العراق هو الهدف الأول الذي يحققه الكاظمي من الزيارة[5]، وهو ما جاء في بيان بعض الفصائل المسلحة في العراق في 20 أغسطس تعقيبًا على زيارة الكاظمي، واعتبار عدم تضمين الزيارة قرار إخراج القوات الأمريكية هو اعتداء على سيادة العراق، مما جعلها تندد باستهداف المصالح الأمريكية من قبل المقاومة العراقية[6].
- الاستهداف المتواصل للمصالح الأمريكية بالعراق: آخرها سقوط صاروخين من نوع كاتيوشا في 15 أغسطس الجاري داخل معسكر التاجي شمال بغداد والذي يضم قوات أمريكية، وكذلك استهداف رتلين للتحالف الدولي ضد داعش الذي تقوده الولايات المتحدة في اليوم نفسه في محافظتي البصرة وذي قار. كما سقطت ثلاثة صواريخ كاتيوشا قبل ذلك بيومين على قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين والتي تضم كذلك قوات أمريكية. وتم استهداف رتل للشركات المتعاقدة مع قوات التحالف الدولي أيضاً في 14 أغسطس الجاري في محافظة الديوانية[7].
- رفض الولايات المتحدة للجماعات المسلحة في العراق: تعول الولايات المتحدة على إحكام سيطرة الحكومة العراقية على الجماعات المسلحة واستبدالها بالشرطة المحلية[8]، وعلى قدرة الكاظمي في مواجهة الأهداف الإيرانية والتي ترغب في تعزيز مناطق نفوذها في العراق[9].
في الختام: يمكن القول إن تحقيق نتائج الزيارة مرهون بقدرة الكاظمي على فرض سيطرته على الدولة، ومواجهة الفساد والميليشيات المسلحة المدعومة من إيران، وقدرته على تحقيق الاستقرار الداخلي والتقدم الاقتصادي الحقيقي.
المصادر:
[1] إبراهيم صالح، الكاظمي يغادر إلى واشنطن في أول زيارة للولايات المتحدة، الأناضول،18 أغسطس 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 19 أغسطس 2020.
[2] رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي يزور الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع المقبل، موقع رئاسة الوزراء العراقى،8 أغسطس 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 19 أغسطس 2020.
[3] إشكاليات قائمة: تحديات الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة،20 أغسطس 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 21 أغسطس 2020.
[4] وزير الخارجيّة: العراق سيُوقّع مع واشنطن مُذكّرات تعاون وتفاهم في مجالات مُتعدّدة، موقع وزارة الخارجية العراقية، 20 أغسطس 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 21 أغسطس 2020.
– البيان الختامي، موقع وزارة الخارجية العراقية،19 أغسطس 2020، متاح على الرابط: تاريخ الدخول 21 أغسطس 2020.
[5] مصطفى الكاظمي: هل زيارة رئيس وزراء العراق إلى الولايات المتحدة للاستماع إلى إملاءات واشنطن؟، بي بي سي عربي، 18 أغسطس 2020، متاح على الرابط: https://bbc.in/318ekgF تاريخ الدخول 19 أغسطس 2020.
[6] فصائل عراقية مسلحة تعلق على زيارة الكاظمي لواشنطن وتطبيع الإمارات، روسيا اليوم،20أغسطس 2020،متاح على الرابط: تاريخ الدخول 21 أغسطس 2020.
[7] إشكاليات قائمة: تحديات الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي، مرجع سبق ذكره.
[8] Secretary Michael R. Pompeo and Iraqi Foreign Minister Fuad Hussein at a Press Availability, us. Department of state,19 August 2020, available at: accessed on 21 August 2020.
[9] Munqith Dagher, Barbara A. Leaf, and Bilal Wahab, The New U.S.-Iraq Strategic Dialogue: Expert Views from Both Sides, the Washington institute for near east policy,18 June 2020, available at: accessed on 21 August 2020.
باحث ببرنامج العلاقات الدولية



