مصر

النقل في مصر.. يتخطى تطوير البنية التحتية إلى ترسيخ مبدأ التنمية المستدامة

يُعدُّ قطاع النقل والمواصلات في مصر أحد أهم القطاعات الخدمية والحيوية المهمة بالدولة، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا ومباشرًا بكافة القطاعات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية، وتعد شبكات النقل العصب الرئيسي الذي تقوم على أساسه برامج التنمية؛ إذ تتأثر اقتصاديات الدول ومعدلات النمو بها بكفاءة شبكات ووسائل النقل البري والبحري والنهري والجوي. ولعلنا لاحظنا جميعًا مدى التطور الحادث في هذا القطاع مؤخرًا، والذي جاء آخره منتصف شهرأغسطس 2020 عندما شهد الرئيس السيسي افتتاح الجزء الثانى من المرحلة الرابعة من الخط الثالث لمترو الأنفاق والذي يمتد من محطة النزهة حتى محطة عدلى منصور بطول 7.8 كم. محطة عدلي منصور ستمثل نهاية الخط الثالث للمترو، وهي عبارة عن 4 محطات: مترو أنفاق وقطار مكهرب وشاتل باص وسكة حديد، ويجاور محطة عدلى منصور ورشة الخط الثالث للمترو والتي تبلغ مساحتها 65 فدانًا، وتعد أكبر ورشة في الشرق الأوسط وأفريقيا لصيانة قطارات المترو.

إن ما تنشده رؤية وزارة النقل تتخطى مجرد نقل الركاب والبضائع إلى المشاركة الفاعلة في ترسيخ مفهوم التنمية المستدامة للدولة لتحقيق التوازن بين المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية من خلال المساهمة الفعالة فى تنمية قطاعات الدولة المختلفة، وتحسين خدمات التجارة الخارجية من صادرات وواردات وتنمية تجارة الترانزيت والخدمات اللوجيستية والتنمية السياحية والصناعية والتجارية، وبما له من مردود إيجابي على الاقتصاد القومي وحل مشكلة البطالة وتشغيل شباب الخريجين، وكذلك توفير وتكامل شبكات ووسائل النقل المختلفة لخدمة متطلبات خطة التنمية الشاملة التي تتبناها الدولة.

استراتيجية قطاع النقل

تقوم مصر بتنفيذ استراتيجية متكاملة لتطوير منظومة النقل من خلال خطة واضحة تشمل كافة قطاعـات النقل (الطرق والكباري – السكك الحديدية – مترو الأنفاق – النقل البحري – النقل النهري – الموانئ الجافة واللوجستيات – والنقل الجوي) هذه الاستراتيجية تتفق مع رؤية التنمية المستدامة بالدولة حتى عام 2030، وتحقق الترابط والتكامل فيما بينها، مع وضع آليات محددة ودقيقة لمتابعة تنفيذها بالشكل الصحيح 

اهتمام الدولة بكافة مجالات قطاع النقل والمواصلات والطرق ضرورة قصوى ليس فقط لتحقيق التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة، وإنما لمواكبة التحديات الناجمة عن الزيادة السكانية، وضرورة وجود منظومة متكاملة تحقق للمواطن كافة عناصر الأمان والراحة، فضلًا عن توفير الوقت، إلى جانب جذب مزيد من الاستثمارات وتحسين مناخ الاستثمار نتيجة لتوافر مقومات البنية التحتية اللازمة.

أهم محاور الاستراتيجية

المنظومة المرجوة من قطاع النقل في مصر تعتمد في محاورها ليس فقط على تطوير وسائل النقل المختلفة أو الطرق والكباري والسكك الحديدية، وإنما أيضًا تطوير ورفع كفاءة العنصر البشري باعتباره الركيزة الأساسية في تطوير وتحديث مرافق النقل، من خلال تطوير مراكز وبرامج التدريب المتخصصة وتطوير الوضع المؤسسي والتشريعي لمسايرة التطورات الحديثة لإدارة منظومة النقل، وفقاً لتوجهات الدولة الاقتصادية والاجتماعية، والتوسع في وسائل النقل لربط مصر بمحيطها الإقليمي والدولي من خلال تطوير الموانئ البحرية، وطرق الربط البرى والسككى مع الدول الأفريقية والعربية المجاورة، وتطوير عناصر منظومة النقل بإدخال نظم النقل الحديثة لمسايرة التطور العالمي في مجالات النقل بالحاويات والنقل متعدد الوسائط وخدمات المراكز اللوجيستية والمواني الجافة، والأخذ بأنظمة النقل الذكية في مجالات النقل المختلفة وكذلك اتباع سياسات تمويلية غير تقليدية لتمويل مشروعات النقل.  ولربما أشرنا إلى بعض هذه المحاور التي استطاعت في فترة قصيرة إحداث فارقًا ملحوظًا في منظومة النقل في مصر ومنها: 

  • المشروع القومي للسكك الحديدية: يهدف مشروع إعادة هيكلة الهيئة القومية لسكك حديد مصر إلى تحسين فاعلية وكفاءة خدمات السكة الحديد وضمان سلامتها من خلال قيام الهيئة بالاستثمار في تحديث نظم الإشارات وتجديد خطوط السكك الحديدية، وتطوير المحطات والمزلقانات، وتحديث ممارسات الإدارة والتشغيل لديها؛ من أجل زيادة استجابة قطاع السكك الحديدية لتلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز السلامة المالية للجهة المنفذة للمشروع والوفاء بالتزاماتها الاقتصادية. فضلا عن عقد توريد 1300 عربة جديدة و6 قطارات كاملة، وأكثر من 140 عربة بضائع، خلاف 100 جرار جديد، بتكلفة مليارات الجنيهات.
  • مشروع مترو الأنفاق: تم وضع خطة متكاملة لتطوير مترو الأنفاق في خطيه الأول والثاني، والذي يعتبر عصب النقل البري في القاهرة؛ إذ يعمل مترو الأنفاق على نقل ما يزيد عن 3.6 مليون راكب يوميًا، فضلا عن كونه الوسيلة الأسرع والأرخص في مصر، فتم تطوير المحطات واستيراد عربات جديدة، فضلا عن القطارات الجديدة المكيفة، وتركيب ٨٥٠ بوابة تذاكر تعمل بالتقنية المزدوجة (التذكرة المغناطيسية – الكارت الذكي). بالإضافة إلى الخط الثالث للمترو والذي سيصبح أطول خط مترو فى الشرق الأوسط يصل طوله إلى 48 كيلو متر، وسيعمل على ربط جميع مناطق القاهرة ببعضها تيسيرا على المواطن 
  • القطــــار الكهربــــائي: (مديــنة الســلام – العـــاشر من رمضــــان – العــــاصمة الإداريــــة الجديـــدة)، تم التعاقد على تنفيذ خط القطار الكهربائي بطول 70 كم وعدد 14 محطة بتكلفة 1,2 مليار دولار، وتم البدء في أعمال تحويلات المرافق المتعارضة. يساهم المشروع في الربط بين القاهرة والمدن العمرانية الجديدة شرق القاهرة، وخدمة العاصمة الإدارية الجديدة بوسيلة نقل سريعة وآمنة.
  • القطار السريع (العلمين – العين السخنة): المشروع هو أول قطار سريع وأول قطار عرضى فى مصر بتكلفة 7-8 مليار دولار بخلاف تكلفة 30 قطار ستعمل على المسار الجديد، وتشمل مسارات المشروع ثلاثة مسارات: الأول: يربط العاصمة الإدارية بمدينة 6 أكتوبر بطول 122 كيلو مترًا. الثاني: يربط مدينة 6 أكتوبر بالعلمين ولهذا المسار بديلان الأول: بطول 221 كيلو مترا، بحيث يكون موازيًا لطريق وادي النطرون العلمين مرورًا بمطار برج العرب بطول 99 كيلو مترًا. الثالث: يصل طوله إلى 244 كيلو مترًا في مدينة برج العرب وتتفرع منه وصلة للإسكندرية بطول 46 كم، والقطاع الثالث للمشروع يربط العاصمة الإدارية بميناء العين السخنة بطول 92 كيلو مترًا.
  • تطوير وسائل النقل العام: تُعدُّ منظومة النقل الجماعي من أهم المرافق الحيوية التي يعتمد عليها ملايين المواطنين كوسيلة نقل يومية سواء في نطاق القاهرة الكبرى، أو في باقي محافظات مصر، وفي القاهرة الكبرى ترتبط ثلاث محافظات (القاهرة والجيزة والقليوبية) ببعضها، وتنقل ما يقرب من 2 مليون راكب يوميا من كل المحطات في القاهرة الكبرى، وتعد وسيلة مهمة ولا غني عنها لمعظم المواطنين. يضم أسطول هيئة النقل العام في عام 2018 نحو 3 آلاف أتوبيس، بالإضافة إلى وجود 17 شركة نقل جماعي خاصة تضم 1200 ميني باص، وتمتد خدمات أسطول الهيئة إلى 360 خط أتوبيس في القاهرة الكبرى، ويبلغ طول خطوط الأتوبيسات 8 آلاف كيلو متر، وتم تكثيف العمل لـ 18 ساعة يوميًا، حتى يمكن تقليل الزمن بين كل أتوبيس وآخر، إلى جانب التركيز على المدن الجديدة كما تم توفير 3 خطوط بمدينة بدر كل خط يضم 10 أتوبيسات، وكذلك الدفع بـ 3 خطوط لمدينتي الشروق والعبور، وأيضًا تم توفير خطين لمدينة 15 مايو، وخط لمدينة بنها. وشملت منظومة النقل الجماعي بعض أساليب النقل الذكي مثل الأتوبيس الذكي، والأتوبيس متعدد الطوابق، ومشروع مواصلات مصر وأتوبيسات الغاز الصديقة للبيئة، وكذلك المركبات الكهربية، في محاولة لتامين وسائل نقل أمنة ومريحة وصديقة للبيئة أيضا 
  • مشروعات الطرق والكباري: يستهدف المشروع القومي للطرق تحسين ورفع كفاءة ما هو قائم من الطرق، وإنشاء أخرى جديدة للعمل على تسيير حركة التنقلات وسهولتها، والربط بين المحافظات، وقد تم تنفيذ 39 طريقًا على مرحلتين، نفذت وزارات النقل والدفاع والإسكان 4500 كم بالمرحلتين الأولى والثانية من المشروع القومي للطرق بتكلفة 75 مليار جنيه، وقامت وزارة النقل بتنفيذ 1000 كم منها بتكلفة 19 مليار جنيه، كما تم إنشاء وازدواج وتطوير شبكة الطرق الحالية بإجمالي أطوال 5000 كيلومتر وتكلفة 15 مليار جنيه.

كما شملت الخطة تنفيذ ما يقرب من 250 كوبري أعلى مزلقانات السكك الحديدية وعند تقاطعات الطرق الرئيسية بتكلفة إجمالية 30 مليار جنيه، فضلا عن تنفيذ 12 محورا على النيل، ومن أبرز هذه المحاور محور روض الفرج، والذي يعد أحد أهم مشروعات شبكة الطرق والكباري العملاقة، لما يمثله من أهمية كبرى في ربط شمال وشرق القاهرة والقليوبية والطريق الدائري بمناطق غرب القاهرة عند طريق مصر الإسكندرية الصحراوي ومدينتي السادس من أكتوبر والشيخ زايد وصولاً إلى مطروح والعلمين دون المرور بقلب القاهرة. وتم تسجيل كوبري “تحيا مصر” بموسوعة الأرقام القياسية جينيس بفضل عرضه الذي وصل إلى أكثر من 67 مترًا، وبه اتجاهين، في كل اتجاه ست حارات مرورية بطول 540 مترًا، وطوله بلغ 600 كيلو متر.

مؤشرات مهمة

تظهر أهمية المشروعات القومية للنقل والمواصلات وكذلك مشروعات تحسين الطرق من خلال بعدين رئيسين: الأول، تحسين مستوى معيشة المواطن وتوفير سبل للراحة والأمان في حياته اليومية، من الناحية الاجتماعية، وكذلك تطوير البنية التحتية للدولة وتوفير آليات جاذبة للاستثمارات، والمساعدة على تحقيق خطة التنمية الاقتصادية التي تسعى إليها مصر. أما البعد الثاني فهو تحسين صورة مصر في المؤشرات الدولية لتعكس مدى التقدم الذي شهدته البلاد من 2014 إلى الآن. 

هناك مؤشرات يمكن النظر إليها لتشير إلى مدى انعكاس مشروعات الطرق التي نفذتها الدولة على ترتيب مصر العالمي في مؤشر جودة الطرق خلال الفترة من 2014 حتى 2019, حيث تقدمت مصر 90 مركزًا لتصل للمركز 28 عام 2019، مقارنة بالمركز 45 عام 2018, والمركز 75 عام 2017, والمركز 107 عام 2016, والمركز 110 عام 2015, والمركز 118 عام 2014, وذلك وفقاً لتقارير التنافسية العالمية.

كذلك تأثيراتها على معدلات الحوادث خلال الفترة من 2014 حتى 2018، حيث انخفض عدد الحوادث خلال الفترة المشار إليها بنسبة 41,1%، لتصل إلى 8480 حادثًا عام 2018، مقارنة بـ 14403 حوادث عام 2014. كما انخفض عدد الوفيات أيضًا خلال الفترة المشار إليها بنسبة 50,5%، لتصل إلى 3087 متوفٍ عام 2018، مقارنة بـ 6236 متوفٍ عام 2014، وأخيرًا انخفض كذلك عدد الإصابات خلال الفترة المشار إليها بنسبة 51,1%، ليصل إلى 11803 مصاباً عام 2018، مقارنة ب 24154 مصاباً عام 2014.

وتقدمت مصر 26 مركزًا في مؤشر التنافسية العالمي خلال الفترة 2014 حتى 2019 لتصل للمركز 93، والذي يشير إلى تطورها في مؤشرات هامة أخري مثل البنية التحتية الذي جاءت به في المركز 52 بدلا من المركز 114 في عام 2014، وكفاءة النقل كان الترتيب 59 عام 2014 وفي عام 2018 وصل الترتيب 43، فضلًا عن تقدمها 8 مراكز في مؤشر جودة خدمة القطارات لتحتل المركز 50 عام 2019، مقارنة بالمركز 58 عام 2018.

أخيرًا: يمكننا القول إن الاهتمام بتنويع وسائل النقل والمواصلات والوصول بها إلى منظومة حديثة، سريعة وآمنة تربط بين أطراف الدولة، عبر شبكة متطورة من الطرق والكباري والمحاور هي استراتيجية قومية للنهوض بالدولة في كافة المجالات الحيوية التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على حياة المواطن وتحسين اقتصاد الدولة.

شكل (1): عدد حوادث الطرق في الفترة 2014-2018

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

شكل (2): الخسائر البشرية جراء حوادث السيارات في الفترة 2014-2018

المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

المصادر: 

  1. https://www.capmas.gov.eg/Pages/Publications.aspx?page_id=5104&Year=22997
  2. https://sis.gov.eg/Story/157735?lang=ar
  3. https://egy-map.com/search
+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

أمل اسماعيل

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى