تعليق خطوط الطيران البريطانية رحلاتها إلى القاهرة بين ذرائع الوهم وافتعال الأزمات
قرار مفاجئ اتخذته شركة الطيران البريطانية بريتيش إيرويز
“British Airways” مساء أمس السبت بتعليق رحلاتها إلى القاهرة لمدة سبعة أيام “كإجراء احترازي لإجراء المزيد من التقييم الأمني في مصر”، وهو ما أرجعته وزارة الخارجية البريطانية في بيان لها إلى أن “هناك خطرا متزايدا من الإرهاب ضد الطيران”.
قرار الشركة البريطانية أتبعه قرار من شركة لوفتهانزا الألمانية في اليوم ذاته، بتعليق الرحلات إلى القاهرة لمدة يوم واحد، وعزت لوفتهانزا قرارها إلى أن سلامة عملائها هي الأولوية الأولى بالنسبة لها، وأنها لن تُسير أي رحلة مالم تكن مطمئنة بشكل كامل بشأن أمنها، وأن هذا التعليق سيستمر ريثما يُجرى المزيد من التقييم، ولكن الشرّكة سُرعان ما تراجعت في قرارها بعد سويعات من اتخاذه، وأعلنت استئناف الرحلات مجددًا.
كما أن العديد من شركات الطيران الإنجليزية مازالت تُسيّر رحلاتها إلى القاهرة بشكل طبيعي، مثل شركة توماس كوك، وشركة إيزي جيت، هذا بالإضافة إلى الرحلات التي تُسيّرها شركة مصر للطيران التي قامت بتكبير طرازات الطائرات المتجهة إلى لندن، وستسير رحلة إضافية إلى لندن ليصبح إجمالي عددها الرحلات 3؛ لاستيعاب أي عدد من الركاب المتضررين من تعليق رحلات الخطوط البريطانية إلى القاهرة.
بريطانيا تغرد وحدها
القرار البريطاني بتعليق الرحلات إلى القاهرة، كان مسارا أحاديا، إذ إن مختلف شركات الطيران العالمية مازالت رحلاتها سارية من وإلى القاهرة بشكل طبيعي للغاية، ومنها شركة إير فرانس “Air France” التي صرّح المتحدث باسمها بأن القرار البريطاني لن يؤثر على مسار رحلاتها إلى القاهرة بأي شكل من الأشكال، وشركة طيران الإمارات التي أعلنت أنها تتابع الوضع في القاهرة عن كثب وعلى اتصال بسلطات الطيران المصرية، مع استمرار رحلاتها إلى القاهرة كما هي.
وذلك مثلما كان استمرار قرار بريطانيا بتعليق رحلاتها إلى شرم الشيخ، حتى الآن مسارًا أحاديًا، فعلى الرغم من آراء وقرارات الوفود الأمنية متعددة الجنسيات التي زارت المطار، وأقرت جميعها بجودة الإجراءات الأمنية المُتبعة، لم ترجع بريطانيا في قرارها، رغم انتفاء أسبابه، وقيام أكثر البلدان التي اتخذت مثل هذا القرار بإلغاء قراراتها، واستئناف الرحلات، وآخرها إسبانيا.
المطارات المصرية آمنة
تطبق كافة المطارات المصرية معايير عالمية في مجال أمن المطارات، وتُراجَع هذه الإجراءات الأمنية بشكل منتظم من قبل سلطة الطيران المدني المصري والمؤسسات العالمية وفرق تقييم مشتركة، بالإضافة إلى الشركات المتخصصة في ذلك، ومنها شركة “كونترول ريسكس” البريطانية التي وقعت مع الحكومة المصرية اتفاقًا في ديسمبر 2015 لتقييم الإجراءات الأمنية في جميع المطارات المصرية، وضمان توافق أمن المطارات المصرية مع أرقى المعايير العالمية.
الإقرار بسلامة المطارات المصرية واحترافية إجراءات الأمن بها، لم يكن بشهادة مصرية فقط، بل بشهادات دولية كذلك، إذ نجحت شركة ميناء القاهرة الجوي في اجتياز أعمال المراجعة التي قامت بها الشركة السويسرية العالمية “SGS” الجهة المانحة لشهادات المطابقة الدولية الأيزو، في ديسمبر 2018.
روسيا التي سقطت طائرتها في شرم الشيخ أشاد وزيرها للنقل مكسيم سوكولوف في سبتمبر عام 2017 بالإجراءات الأمنية في مطار القاهرة، مشيرًا إلى أن “الخبراء الروس يُقيّمون إيجابيًا الإجراءات والتجهيزات الأمنية في المطار، وأن مصر أنجزت عملًا كبيرًا في هذا الاتجاه”.
ولا أدل على سلامة المطارات المصرية وأمنها، أكثر من الآلاف الذين توافدوا على مصر خلال الشهر المنصرم لحضور مباريات بطولة كأس الأمم الأفريقية التي أقيمت في أربع محافظات، وشهد الجميع للقاهرة بحسن التنظيم وحفاوة الاستقبال.
وتحرص مصر دائما على أمن وسلامة مستخدمي المطارات على مستوى الجمهورية ويؤكد ذلك التطوير المستمر لمنشآت مختلف المطارات المصرية التي تخصص الدولة جزءا من موازنتها لتطويرها فيما يتفق مع المعايير العالمية لأمن وسلامة مستخدمي المنافذ الجوية في مصر.
وتحرص شركة مصر للطيران على أمن وسلامة كل ركابها من خلال الفحوصات الدورية على أسطول طائرات مصر للطيران كما تحرص على أمن المعلومات الشخصية للمسافرين عن طريق تحديث منظومة الأمن الإلكتروني أو ما يعرف ب) fair (wall لحماية بيانات المستخدمين الذين يتواصلون و يحجزون رحلاتهم عبر الموقع الإلكتروني المخصص لمصر للطيران فلم يذكر أن وجدت حالة اختراق أو سرقة بيانات لركاب مصر للطيران على عكس الخطوط الملكية البريطانية التي تعرضت مؤخراً لعملية قرصنة تم من خلالها تسريب معلومات شخصية خطيرة كأرقام الحسابات البنكية والكروت البنكية التي يستخدمها الركاب لدفع حجز رحلاتهم من خلال اختراق موقع الشركة الإلكتروني على الأنترنت.
وفرض مكتب مفوضية المعلومات البريطاني التابع لمجلس العموم غرامة قياسية في الثامن من الشهر الجاري بمقدار 183 مليون جنيه إسترليني على شركة الخطوط الجوية الملكية البريطانية بسبب تسريب هذه المعلومات الحساسة عن عملائها كما وقدمت الشركة على لسان رئيسها الحالي أليكس كروز اعتذارا لركابها عن أي ضرر لحق بهم جراء تسريب معلوماتهم الخاصة.
الاستخبارات ولعبة المعلومات
لا يمكن تحديد السبب وراء الحادث قبل التحقيق، قاعدة متفق عليها، ولكن بريطانيا لا تعترف بها، فبعدما سقطت الطائرة الروسية في شرم الشيخ عام 2015 لم تجرؤ أي دولة على القول بإن الطائرة سقطت بفعل عمل إرهابي، حتى وزير النقل الروسي قال إنه لا يوجد دليل على وجود عمل إرهابي خلف سقوط الطائرة الروسية، ولكنّ بريطانيا رأت عكس ذلك، وقالت بعد يومين من الحادث إن الطائرة “ربما تكون قد أسقطت جراء انفجار عبوة ناسفة”.
وقائع كثيرة تثير الشكوك حول المعلومات الاستخباراتية البريطانية بشأن العمليات الإرهابية، فمسؤولون بريطانيون وجّهوا تحذيرات نقلتها صحيفة ديلي ستار البريطانية في 2 يونيو 2019، من خطر حدوث هجمات إرهابية محتملة من تنظيم داعش في تونس، هذا الصيف، وبالفعل وفي 27 من الشهر ذاته أعلنت وزارة الداخلية التونسية مقتل رجل أمن وإصابة 5 آخرين و3 مدنيين، في تفجيرين انتحاريين، وقعا وسط العاصمة تونس.
وقبل ذلك التاريخ بثلاثة أشهر، وتحديدًا في 24 مارس 2019، حذرت وزارة الخارجية البريطانية رعاياها من السفر إلى المغرب بسبب خطر التعرض لحادث إرهابي أو الخطف على يد جماعات إرهابية، وبالفعل أعلنت الشرطة المغربية، يوم 25 يونيو، تفكيك خلية إرهابية مكونة من أربعة أفراد موالين لتنظيم داعش، واكتشاف بقايا مواد كيماوية ومعدات تم استعمالها لتحضير مواد متفجرة.
من الناقلات إلى الطائرات
أزمة كبيرة تعيشها بريطانيا منذ مطلع الشهر الجاري مع إقدام قواتها على احتجاز ناقلة نفط إيرانية في جبل طارق، وما تبع ذلك من تهديدات إيرانية بضرورة احتجاز ناقلة بريطانية ردا على ذلك، وهو ما تحقق يوم الجمعة الماضي، بإعلان الحرس الثوري الإيراني مصادرة ناقلة نفط بريطانية تحمل 23 بحّارًا في مضيق هرمز، بدعوى عدم التزامها بقوانين الملاحة.
ومع العجز البريطاني عن الرد والتصعيد ضد إيران وحرسها الثوري، في ظل حرب الناقلات المستعرة في الوقت الراهن، لم يسع بريطانيا سوى إعلان هذا التعليق لرحلاتها مع القاهرة “لاحترازات أمنية”، و”تصاعد التهديدات الإرهابية للطيران”، لنقل الأحداث إلى خانة أخرى تصرف بها أنظار الرأي العام العالمي عن الناقلات وحربها، فالأمن أسهل معادلة يمكن تحريكها بالظن.