القضية الفلسطينية

كيف تم توظيف العلاقات الإسرائيلية القطرية لإضعاف القضية الفلسطينية؟

منذ منتصف التسعينيات ارتبطت قطر بعلاقات وثيقة مع إسرائيل خلافًا لباقي دول الخليج، فمنذ تولي الأمير السابق حمد بن خليفة الحكم عقب انقلابه على والده الشيخ خليفة آل ثاني تطورت العلاقات بين كلا الدولتين، ففي عام 1996 افتتح رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك شيمون بيريز مكتبًا تجاريًا إسرائيليًا في الدوحة؛ لخدمة المصالح الإسرائيلية، يحوز رئيسه على رتبة سفير في الخارجية الإسرائيلية، ثم توالت اللقاءات بين المسؤولين القطريين والإسرائيليين، وبشكل عام، بدأ الارتباط بين الطرفين من خلال المصالح الاقتصادية والإعلامية، وتطور لتوقيع اتفاقيات أمنية وصفقات تسليح وبيع غاز قطري لإسرائيل.

شبكة مرسال قطر בטוויטר: "تبادل مصالح .. #كاريكاتير الفنان ...

وقد نجحت إسرائيل في استغلال التودد القطري لها وحاجة قطر في توطيد التقارب حتى تتمكن من لعب دور فاعل في المنطقة العربية عن طريق إسرائيل، خاصة في ظل افتقارها لأي من الإمكانيات التي تؤهلها لذلك؛ فتم تحريك قطر لإضعاف القضية الفلسطينية والإبقاء على الانقسام الفلسطيني من خلال الدعم القطري لحركة حماس، فاعتبرت قطر بمثابة ذراع إسرائيل في المنطقة العربية، ومن ثم أثر ذلك على تقوية الموقف الفلسطيني، في حين استمرت قطر في دعمها الظاهري للقضية الفلسطينية خلافًا لكافة مواقفها، ويمكن توضيح تأثير العلاقات بين كل من قطر على إسرائيل على القضية الفلسطينية من خلال الآتي:

قطر.. كدولة وظيفية لإسرائيل

في أعقاب حرب غزة عام 2014، وما ترتب عليها من دمار استدعى إعادة إعمار ضخمة، أدركت إسرائيل أن الأزمة الإنسانية في غزة تشكل تهديدًا لها ويمكن أن تشعل حربًا أخرى، وجدت حليفًا في ‏قطر التي قدمت أكثر من مليار دولار من المساعدات قطاع غزة المحاصر‎.‎ وفي الوقت ذاته، رأى الحكام القطريون فرصة لتولي دور وساطة حاسم بين إسرائيل وحماس، لذلك عملت قطر على توطيد علاقاتها مع الولايات المتحدة، وهو ما قبلته إسرائيل رغم ترددها في البداية، لكن ساهمت مخاوف إسرائيل من إحكام إيران قبضتها على الفصائل في غزة، في تأييد موقف قطر،  وساهمت المصالح المشتركة إلى خلق شراكة إستراتيجية غير متوقعة بين البلدين.

وفي السياق ذاته، كشف “سامي ريفيل”، المدير السابق لمكتب مصالح إسرائيل في الدوحة الكثير من التفاصيل عن العلاقات القطرية الإسرائيلية الوثيقة في كتاب بعنوان “قطر وإسرائيل ملف العلاقات السرية”، موضحًا أن السبب الرئيسي لتصاعد دور قطر يعود إلى الدور المناط بها كصندوق بريد نشيط لخدمة تل أبيب، مشيرًا إلى قيام قطر بتشجيع العديد من الدول العربية ولاسيما دول المغرب العربي على الانفتاح على إسرائيل لدواعٍ اقتصادية علنية وأمنية سرية.

مسؤول صهیونی رفیع یسلط الأضواء على ملف العلاقات السریة بین قطر و ...

وأكد مؤلف الكتاب الذي عمل مديرًا لمكتب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية في الدوحة أن المساعدة التي حظي بها من مسؤولين قطريين كبار وشركات قطرية كبرى مكنته من تجاوز الصعوبات أمام نسج العلاقات القطرية الإسرائيلية، وأوضح “ريفيل” أن قطر دخلت من باب القواعد العسكرية الأمريكية؛ لتقيم إحدى أقوى العلاقات الإسرائيلية مع دولة عربية، حيث انبرى حكامها باتجاه علاقة مفتوحة مع إسرائيل على كل المستويات من الاقتصاد إلى الأمن مرورًا بالأدوار السرية.

وفي إطار العلاقات الوثيقة بين الدولتين، صرح السفير القطري محمد العمادي لوكالة “رويترز” في عام 2018 تصريحًا أوضح فيه كيف تدار علاقات بلاده مع تل أبيب، عندما قال إنه زار إسرائيل 20 مرة منذ 2014، وأكد أنها كانت سرية في السابق، لكنها لم تعد على هذا النحو الآن، حيث لم تكن العلاقات بين البلدين سرًا، وإنما تخفيها وتظهرها قطر بحسب مصالحها مع الولايات المتحدة الأمريكية.

الدوحة وتعزيز الانقسام الفلسطيني

ساهمت قطر بشكل رئيس في تعزيز الانقسام الفلسطيني، ففي الوقت الذ تقدّم قطر نفسها على أنها واحدة من أكثر الدول الداعمة لقطاع غزة والممول التاريخي للمشاريع الإغاثية في القطاع المحتل، يتضح أن الدوحة ومن خلال هذه المساعدات تهدف إلى مساعدة حركة حماس من جهة، وتقديم خدمة لإسرائيل من جهة أخرى، فما تقوم به من دعم لحركة حماس ضد فتح والمنظمات الأخرى فضلًا عن دعمها للفصائل الإرهابية المسلحة في كافة أنحاء المنطقة كل ذلك يخدم بالأساس الأجندة الإسرائيلية.

وبالنسبة لإسرائيل، فقد اتبعت سياسة تسمح لتلقي حماس المزيد من الدعم، ويأتي ذلك في إطار تحولها من تبني نهج الإضرار الاستراتيجي بالقدرات المالية للحركة إلى تبني سياسة تسهيل ‏المدفوعات لحماس كجزء من الجهود المبذولة لمنع الهجمات ضد إسرائيل والحفاظ على الهدوء على حدود ‏غزة‎.‎

وقد تعددت أشكال الدعم القطري لحماس، إذ تنفّذ اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة عشرات المشاريع الحيوية والمهمة في القطاع، إضافة لتوزيع مساعدات مالية شهرية مخصصة لإغاثة الفقراء. وقد برز الدور القطرى في قطاع غزة عقب سيطرة حركة حماس على الحكم فى القطاع عام 2006، ودعمت قطر الحركة الفلسطنية بشكل كبير مما رسخ الانقسام مع السلطة الفلسطينية بشكل بين حركتي حماس وفتح، وهو ما أدى لتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية عقب الحروب التي تعرضت لها غزة منذ عام 2008. ليس ذلك فحسب، بل تكشف الأرقام المقدمة إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية ‏عن أن قطر حوّلت في الأعوام من 2012 إلى 2018 أكثر من 1.1 مليار دولار إلى قطاع غزة، بموافقة إسرائيل.‏

جدير بالذكر أن المنحة القطرية لقطاع غزة تقدّر بـ 30 مليون دولار شهريًا، وتغطّى نحو 109 آلاف أسرة، إضافة إلى دفعها جزءًا من ثمن الوقود لكهرباء القطاع، وفي الوقت الذي تشكر فيه حركة حماس دولة قطر على دعمها، تشدد السلطة الفلسطينية على أن تدفق المال القطري إلى غزة يشكل دعما لحركة حماس وليس مساعدة ‏لأهالي القطاع المحاصر منذ 2006، وهو وضع يراه نتنياهو مفيدا بالنسبة لإسرائيل.‏

وفي فبراير الماضي، كشف موقع “الرسالة” التابع لحركة حماس عن تفاصيل لقاء جرى يوم الجمعة بين قائد حماس في غزة يحيى السنوار والسفير القطري محمد العمادي، وأشار إلى أن قطر أرسلت 12 مليون دولار عبر إسرائيل لحركة حماس لتوزع حسب الاتفاق مع الجانب القطري. كما ناقش الطرفان سبل تحسين الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، والعمل على تقديم مزيد من التسهيلات لأهل القطاع، كذلك تم نقاش خط الغاز الخاص بمحطة الكهرباء.

إسرائيل ومحاصرة حماس عبر الدوحة

لا شك أن إسرائيل تستخدم قطر في التأثير على تحركات حركة حماس، وأن سماحها بالدعم القطري لحماس مشروط بمدى الرضا الإسرائيلي عن أداء الحركة؛ وقد ظهر ذلك جليًا مؤخرًا عندما أبلغت إسرائيل حركة حماس عن طريق السلطات القطرية بتاريخ 14 أغسطس،  بأنها لن تسمح بوصول الدفعات الشهرية النقدية طالما يستمر إطلاق
“الألعاب الحارقة” باتجاه بلداتها الجنوبية، وهو ما نشرته صحيفة هآرتس، حيث أكدت أن رئيس الموساد، يوسي كوهن، هو الذي نقل الرسالة خلال زيارته الأخيرة إلى الدوحة قبل أيام، وأكدت إسرائيل في هذه الرسالة أنها، وبعد أن كانت تشجع قطر على دفع 30 مليون دولار لحماس شهريًا، طيلة السنتين الماضيتين، قررت وقف هذه المساعدة بسبب إطلاق مئات البالونات الحارقة، التي تسببت في الشهر الحالي وحده بإحراق أكثر من 1000 دونم من الحقول في إسرائيل.

ونقلت صحيفة هآرتس، عن مسؤول في تل أبيب قوله إن حماس لم تعد تكتفي بهذا المبلغ، وتحاول الضغط لتحصيل المزيد مثل التقدم في مفاوضات التهدئة، وصفقة تبادل أسرى، وتنفيذ مشاريع في البنية التحتية المدنية تشمل الكهرباء والماء والصرف الصحي.

وأوردت الصحيفة أن حماس تعاني ضغطًا مزدوجًا، أي من قبل إسرائيل وقطر في الآن نفسه، نظرا إلى تراجع الدعم المالي من الدوحة، وإصرار وزير الدفاع الإسرائيلي على ربط أي تخفيف للقيود على غزة بإطلاق سراح أسرى إسرائيليين.

تعاون الموساد مع قطر

وفي سياق الدور الإسرائيلي في دعم قطر لحماس، دخل الموساد على خط الأزمة في قطاع غزة، للمرة الثانية خلال شهور، وطلب من قطر ‏الاستمرار في إرسال الأموال إلى القطاع، في سبيل نزع فتيل التصعيد الحالي‎.‎ وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية “كان” إن رئيس جهاز الموساد، يوسي كوهين، أجرى ‏مباحثات ‏مع كبار المسؤولين في قطر على ضوء التصعيد الأخير في قطاع غزة، للتأكد من أن قطر ستستمر ‏في إرسال ‏الأموال إلى القطاع الذي كان يفترض أن ينتهي الشهر المقبل‎.‎ وقد دفع كوهين في اتجاه استمرار القطريين في تحويل الأموال بعد سبتمبر، ‏وهو ‏موعد يفترض أن تنتهي معه المنحة القطرية التي مددت سابقًا لعدة شهور بتدخل آخر من الموساد. ‏وكان ‏لجهاز الموساد إسهام واضح في تحويل الأموال القطرية إلى قطاع غزة منذ بداية الأزمة.

ويُعد قُرب انتهاء المنحة القطرية واحدًا من الأسباب التي دفعت حركة حماس لتصعيد ميداني في ‏الأيام ‏الأخيرة، في محاولة للضغط على إسرائيل من أجل إدخال تسهيلات متفق عليها سابقًا. وكانت المنحة قد ‏انتهت ‏في مارس، لكن كوهين نفسه زار قطر في فبراير وطلب تمديدها، فمُددت ستة أشهر‎.‎

وكشف وزير الدفاع الإسرائيلي السابق ورئيس حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان، آنذاك، أن ‏رئيس ‏الوزراء بنيامين نتنياهو أوفد رئيس الموساد يوسي كوهين، وقائد المنطقة الجنوبية في الجيش إلى ‏قطر، في فبراير الماضي، ‏ليطلبا من الدوحة دعما ماليا شهريا لحماس بـ15 مليون دولار.

هذا وقد كثفت الحركة مؤخرًا، من إطلاق البالونات الحارقة، وسُجل في إسرائيل اندلاع حرائق كبيرة ‏في مستوطنات غلاف القطاع. وأفادت القناة 13 العبرية بأن حرائق كبيرة سُجلت في مستوطنات زيكيم، ‏ونتيف هعتسرا، والمجلس الإقليمي بشاطئ عسقلان، كما اندلع حريق كبير في “كيبوتس ياد مردخاي”.‏

دعم متبادل

خلال الأزمة بين قطر والدول العربية ظهر الانحياز الإسرائيلي لصالح قطر ضد الدول العربية، وخرج وزير الجيش الإسرائيلي السابق موشيه يعالون، معلقًا: “إنه لم يعد هناك تحالف عربي ضدنا وهذا انقلاب عربي جديد”، وقال أيضًا إن الأمر الرئيسي الذي يميز قطر يعود إلى الدور التي تلعبه كجسر بينها وبين إسرائيل، ملمحًا إلى المساعي الكبيرة التي بذلتها قطر لإقناع الدول العربية لفتح علاقات مع الدولة الإسرائيلية تحت مسميات تجارية علنية وسرية.

فضلًا عن ذلك، فقد سبق ووقفت إسرائيل ضد تشريع تقدم به في الكونجرس الأمريكي كان من شأنه أن يصنف قطر كدولة “راعية ‏للإرهاب”، ولكن دافعت دولة إسرائيل عن قطر بسبب كونها تستخدم نفوذها من أجل تأكيد تعاون جميع ‏الأطراف بما يخدم مخطط “صفقة القرن” لصالح الاحتلال الإسرائيلي‎.‎

وعلى الجانب الآخر، وفضلًا عن التعاون الوثيق في كاقة المجالات بين كل من قطر وإسرائيل، فقد كشفت تسيبي ليفني رئيسة حزب الحركة الإسرائيلي من قبل عن قيام الدوحة بتمويل الحملة الانتخابية لرئيس ‏الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2009، وبحسب القناة الاسرائيلية الأولى قالت ليفني إن قطر قدمت مبلغ 3 ‏ملايين دولار لدعم حملة نتنياهو الانتخابية، فيما حصل حزب اسرائيل بيتنا بقيادة حليف نتنياهو أفيجدور ‏ليبرمان على مبلغ مليونين ونصف المليون دولار. ذلك فضلًا عن مشاركة الخطوط القطرية في عمليات استجلاب اليهود من أرجاء العالم إلى فلسطين، ففي العام 2013 نقل 60 يهوديًا من اليمن إلى إسرائيل عبر الدوحة في عملية أشرفت عليها تل أبيب تهدف لنقل 400 شخص هم من تبقى من الطائفة اليهودية في اليمن، ضاربة بعرض الحائط كل شعاراتها لدعم القضية الفلسطينية.

وختامًا، فإن العلاقات القطرية الإسرائيلية تمثل سببًا رئيسيًا في إضعاف الموقف الفلسطيني واستمرار الانقسام الفلسطيني، ولا شك أن تلك العلاقة تخدم إسرائيل في الأساس وتساعدها في تنفيذ أهدافها، سواء على المستوى الداخل الفلسطيني، أو على مستوى القضية الفلسطينية بشكل عام؛ وفي نفس الوقت تساعد قطر في لعب دور على المستوى الإقليمي في ظل افتقارها لأي مقومات تؤهلها للعب دور إقليمي فاعل؛ لذا فقد وهبت نفسها منذ عشرات السنين لتنفيذ الأجندة الإسرائيلية والأمريكية بغرض إضعاف القضية وتشتيت وحدة الصف الفلسطيني.

المصادر:

  1. https://www.ynetnews.com/article/Hk8jZVrVU
  2. https://rb.gy/6e78jl
  3. https://www.haaretz.com/middle-east-news/.premium-with-qatar-cutting-aid-to-gaza-the-next-hamas-israel-conflict-is-about-to-begin-1.9063736
  4.  https://rb.gy/tjg4ez
  5. https://rb.gy/sb5ckz
  6. https://rb.gy/4851hi
  7. https://rb.gy/g8beq5
  8. https://www.eremnews.com/news/arab-world/gcc/2181290
  9. https://rb.gy/rxwdqh
  10. https://www.elbalad.news/3316840
  11. https://www.maaal.com/archives/20180305/104173
  12. https://www.alhadath.ps/article/126249/%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%86%D8%A7-%D9%85%D8%B9-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%AA-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9
  13. https://www.eremnews.com/news/arab-world/gcc/2181290
  14. https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2017-09-11-1.3043940
  15. http://elsada.net/50294/
+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى