
توماس فريدمان في نيويورك تايمز:الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.. زلزال جيوسياسي يضرب الشرق الأوسط
عرض – مروة عبد الحليم
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مقالاً للكاتب “توماس فريدمان” وصف فيه اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، والذى تم الإعلان عنه أمس الخميس برعاية الولايات المتحدة، بالزلزال الجيوسياسي بالمعنى الإيجابي، وستمتد آثاره عبر المنطقة.
ذكر الكاتب إلى أنه ولمرة واحدة سيتفق مع الرئيس ترامب فى استخدام صفته المفضلة “هائل”، فالاتفاق الذى توسطت فيه إدارة ترامب لتأسيس الإمارات علاقات تطبيع كاملة مع إسرائيل مقابل توقفها عن أي ضم لأجزاء من الضفة الغربية هو بالضبط كما وصفه ترامب فى تغريدته بالإنجاز الهائل.
ولكن هذا الاتفاق ليس بحجم ذهاب الرئيس الأسبق أنور السادات إلى القدس، فلا شيئ يمكن أن يضاهي اللحظة الأولى للانفتاح بين العرب والإسرائيليين، وليس كمصافحة ياسر عرفات لإسحاق رابين فى البيت الأبيض، فلا شىء يمكن أن يضاهى أول لحظة مصالحة عامة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وقال الكاتب، أن الاتفاق ستمتد آثاره إلى كل الأطراف المؤثرة في المنطقة، سواء المؤيدون للولايات المتحدة أو المؤيدون للإسلام المعتدل أو المؤيدين لإنهاء الصراع مع إسرئيل والذين سيستفيدون بشكل أكبر، فى حين أن المؤيدين لإيران والمعارضين لأمريكا والمؤيدين لصراع الإسلاميين الدائم مع إسرائيل سيصبحون أكثر عزلة. فالاتفاق بمثابة “زلزال جيوسياسي“.
ديناميات الصفقة
كانت خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط التي وضعها صهره “جاريد كوشنر” بمثابة نواة للاتفاق الحالي. فقد دعت خطة كوشنر إلى تحقيق سلام بين إسرائيل وفلسطين، وضم إسرائيل 30 % من أراضي الضفة الغربية، في مقابل حصول الفلسطينيين على دولة منزوعة السلاح. لكن الجانب الفلسطيني رفض الصفقة بشكل قاطع ووصفها بغير العادلة. ومع ذلك أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” المضي قدماً في تنفيذ الخطة وبسط السيادة على أجزاء من الضفة الغربية بحلول الأول من يوليو.
وتابع الكاتب، لم ينجح الأمر، لأن كوشنر، الذي كان يصغى بانتظام لمصر والأردن ودول الخليج أكدوا أن الضم الإسرائيلي أحادي الجانب سيكون بمثابة فشل كامل للصفقة بالنسبة لهم . وأوضح إيتامار رابينوفيتش، أحد مؤرخي الشرق الأوسط البارزين في إسرائيل والسفير السابق في واشنطن، أن ما فعله ترامب وكوشنر والأمير محمد بن زايد -الزعيم الفعلي للإمارات- ونتنياهو هو تحويل الليمون إلى عصير.
وقد بدأت العملية بعد أن نشر سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، رسالة بالعبرية في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في يونيو حذر فيها مباشرة من أن ضم إسرائيل للضفة الغربية سيقوض التقدم السري الذي أحرزته إسرائيل مع دول الخليج. .
وأشار الكاتب، كانت الإمارات تفكر بشكل جدي في إقامة علاقات دبلوماسية متنوعة مع إسرائيل، والمناقشات حول وقف خطة الضم أوجدت إطاراً قد يُنظر إليه على أنه الحصول على مكاسب للفلسطينيين مقابل تطبيعها مع إسرائيل.
ويقول الكاتب الإسرائيلى “أرى شافيت” أن نتنياهو يشبه نيكسون في الاتجاه المعاكس، وفعل كل ما في وسعه لاسترضاء القوى اليمينية في إسرائيل – بأشياء لامعة مثل الضم – حتى يقفوا إلى جانبه في محاكمته في قضايا متعلقة بالفساد. ولكن بهذه الصفقة فقد فعل نتنياهو كما فعل نيكسون مع الصين. وتخلى عن حلفائه الأيديولوجيين وهم المستوطنون الذين دعموه لأنهم اعتقدوا أنه سينفذ خطة الضم. وبالتالي فإن هذا الاتفاق سيجبر نتنياهو أن يكون أكثر اعتمادًا على الوسط ويمين الوسط في الفترة القادمة.
وفيما يتعلق بالسلطة الفلسطينية، بقيادة محمود عباس، فقد أشار الكاتب، أن فلسطين كانت تعتقد أن دول الخليج لن تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، قبل الوصول إلى إقامة دولة حسب مواصفات السلطة. لكن الصفقة التي تم توقيعها ستجبر أبو مازن للعودة إلى طاولة المفاوضات.
وقدم الكاتب نصيحة لعباس قال فيها “عد إلى طاولة المفاوضات الآن وقل إنك تنظر إلى خطة ترامب على أنها “أرضية” وليست “سقفًا” لتطلعات الفلسطينيين. ستجد الكثير من الدعم من ترامب والأوروبيين والعرب لا يزال لديك نفوذ. لا يزال يتعين على إسرائيل التعامل معك، بغض النظر عما يحدث مع الإمارات وإسرائيل”.
على جانب آخر، أوضح الكاتب أن هذه الصفقة ستشجع دول الخليج الأخرى (البحرين وعمان وقطر والكويت والمملكة العربية السعودية) وجميعها لديها تعاملات تجارية واستخباراتية سرية وعلنية مع إسرائيل، على أن تحذو حذو الإمارات. وتخرج بعلاقاتها السرية مع إسرائيل إلى العلن حتى لا تترك الإمارات وحدها تتمتع بالجمع بين رأسمالها والتكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة في كل المجالات، وتصبح هي وإسرائيل الأكثر قوة وازدهاراً بالشرق الأوسط.
أبرز الفائزين والخاسرين
أشار المقال، إلى أن هناك أطرافا فائزة وخاسرة من هذا الاتفاق وأن أبرز الفائزين هم:
- الملك عبد الله ملك الأردن، والذي كان يخشى أن تؤدي خطة الضم الإسرائيلية إلى تنشيط الجهود لتحويل الأردن إلى دولة فلسطينية، وبالتالي نزع الاتفاق فتيل التهديد الذي كان يشكله الضم بالنسبة للأردن
- الجالية اليهودية الأمريكية، لأنه لو أن اسرائيل ضمت جزءاً من الضفة الغربية لكانت هذه الجالية في أميركا انقسمت، بين دعاة ضم متشددين ومناهضين للضم. وبالتالي أنهى الاتفاق كارثة كانت تلوح في الأفق.
- جو بايدن، ففي حال فوز بايدن، إذا فلن يكون هناك قلق بشأن قضية الضم الشائكة، وسيكون لديه تحالف أقوى مؤيد للولايات المتحدة في المنطقة للتعامل معه.
أما أكبر الخاسرين الجيوسياسيين وفقاً للمقال فهم، إيران وكل وكلائها: حزب الله والميليشيات العراقية والرئيس السوري بشار الأسد وحماس والجهاد الإسلامي والحوثيين في اليمن وتركيا. وذلك لعدة أسباب. وحتى الآن، حافظت الإمارات على توازن دقيق بين إيران وإسرائيل، وهي لا تتطلع إلى استفزاز إيران، والتعامل مع إسرائيل في الخفاء.
ويرى الكاتب أن هذه الصفقة تحوي رسالة ضمنية هي أنه: “لدينا الآن إسرائيل إلى جانبنا لذلك لا تعبثوا معنا”. قد يكون الضرر الهائل الذي ألحقته إسرائيل بإيران من خلال الحرب الإلكترونية الواضحة في الأشهر الأخيرة قد وفر للإمارات المزيد من الجو المريح للقيام بهذه الصفقة.
ولكن هناك رسالة أخرى أعمق وذات أثر نفسي أكبر، حيث تبدو الإمارات كما لو أنها تقول للإيرانيين وجميع وكلائهم: هناك بالفعل تحالفان في المنطقة اليوم أولئك الذين يريدون السماح للمستقبل بدفن الماضي، وأولئك الذين يريدون ترك الماضي يستمر في دفن المستقبل. والإمارات تتولى زمام الأول، وتترك إيران لتكون زعيمة الثانية.
على جانب أخر، أوضح الكاتب أنه عندما اغتالت إدارة ترامب قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني في يناير الماضي ، كتبت عمودًا أقول فيه إن أمريكا قتلت للتو “أغبى رجل في إيران”. فقد كان هدف إيران في المنطقة هو توظيف العرب وغيرهم من الشيعة لمحاربة العرب السنة في العراق ولبنان واليمن وسوريا لإبراز قوة إيران. وكانت نتيجة ذلك تحول هذه الدول إلى دول فشل. وهذا هو السبب في أن الكثير من اللبنانيين يلومونها وحزب الله على سوء إدارة بلادهم الذي أدى إلى الانفجار المدمر الأسبوع الماضي في مرفأ بيروت.
لقد تابعت الشرق الأوسط لفترة طويلة جدًا حتى أكتب الجملة التالية: “لن تعود المنطقة كما كانت مرة أخرى”. بسبب قوى الطائفية والقبلية والفساد ومناهضة التعددية. لكن هناك تيارات أخرى شباب وشابات سئموا اللعبة القديمة، والمعارك القديمة، والجروح القديمة تتأجج مرارًا وتكرارًا. يمكنك أن تراهم يتظاهرون في جميع أنحاء شوارع بيروت الأسبوع الماضي مطالبين بالحكم الرشيد.
وأختتم كاتب المقال بالإشارة إلى أن الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل والولايات المتحدة أظهرت يوم الخميس، أن الماضي لا يتعين عليه دائمًا دفن المستقبل، وأن الكارهين والمفرقين لا يتعين عليهم دائمًا الفوز. وأتمنى أن يحدث هذا الاتفاق رياح عاصفة من التغيير تنتشر في جميع أنحاء المنطقة.