
السفير الأمريكي بليبيا: “إعلان القاهرة” بشأن الأزمة الليبية فرصة جيدة للوصول لحل سلمي
عرض- محمد منصور
تستمر حثيثا، المساعي الدولية، خاصة الأمريكية، لحلحلة الوضع الحالي في ليبيا، خاصة في ظل التهديدات التركية نحو مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية، والموقف الثابت للجيش الوطني الليبي والأطراف الداعمة له، حيال ضرورة رحيل كافة القوات التركية والمرتزقة السوريين من الأراضي الليبية.
في هذا السياق، جاء اللقاء المهم بين كل من المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي، والسفير ريتشارد نورلاند، سفير الولايات المتحدة في ليبيا.
اللقاء تم في القاهرة، وتناول عددا كبيرا من النقاط المهمة، المتعلقة بالحلول المقترحة لوضع مدينة “سرت”، وكذلك ملف عوائد النفط، والميليشيات.
وألقى نورلاند الضوء على فحوى ما تم خلال هذا اللقاء، عبر حوار أجرته معه بوابة (الأهرام أونلاين) فيما يلي تفاصيل ما أدلى بها السفير نورلاند خلال هذا الحوار.
بشكل عام، يوضح السفير نورلاند، أن ذهنية واشنطن في هذه المرحلة، بشأن الملف الليبي، ترى ضرورة تراجع القوات المتواجهة قرب “سرت”، إلى مواقع أبعد، وإيجاد شكل من أشكال (الترتيبات الأمنية المحايدة)، لتنظيم الأوضاع في المنطقة التي تقع بين هذه القوات، ومن الأفكار المطروحة أمريكيا في هذا الشأن، انشاء منطقة منزوعة السلاح، حول مدينة “سرت”.
عرج نورلاند خلال هذا الحوار أيضاً، على ملفات أخرى مرتبطة بليبيا، مثل ملف الدور الروسي، الذي رأى السفير الأمريكي، أنه يجب أن يكون دورا ايجابيا، عوضا عن دعم “الجماعات المسلحة”، حسب تعبيره.
واعتبر أن المحاكم الدولية، والمنظمات الأممية، هي الوحيدة المخولة اتخاذ قرار، بشأن شرعية اتفاقيات التعاون بين حكومة الوفاق وتركيا، فيما يتعلق بشرق المتوسط والحدود البحرية.
السؤال الأول الذي تم توجيهه للسفير الأمريكي خلال هذا الحوار، كان حول آثار التدخل التركي، على الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، وأجاب السفير قائلا “بداية، دعني أقول إن زيارتي الحالية للقاهرة، تأتي ضمن سياق المحادثات الأخيرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذلك على ضوء المشاورات المستمرة بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير الخارجية سامح شكري. الفكرة الأساسية حالياً، هي إدامة عقد هذه المباحثات، بهدف إيجاد مناخ ملائم، قد يمكننا في النهاية، من الوصول إلى صيغة نستطيع من خلالها، إخراج كافة العناصر الأجنبية المسلحة من ليبيا”.
ثم جاء السفير على ذكر الأسس السياسية التي تبني عليها واشنطن مقاربتها للحل في ليبيا، فقال “واشنطن ترى في البعد السياسي لإعلان القاهرة، الصادر في السادس من يونيو الماضي، فرصة ستوفر حيزا بارزا، لظهور أصوات وآراء جديدة من الشرق الليبي، يمكن أن تنخرط مع حكومة الوفاق، في مباحثات ونقاشات، بهدف التوصل إلى حل سياسي ليبي – ليبي. واشنطن حالياً تأمل ان يكون هذا الإعلان، بداية لخطوات ثابتة وواضحة، لحلحلة الوضع حول سرت والجفرة، وكذلك إيجاد حل دائم لمسألة ضخ النفط، وآليات توريد وصرف عوائده، لأن هذه المسألة بالتحديد، تحمل طابعا أمنيا واقتصاديا بالغ الأهمية، والنجاح في هذا الملف سيكون بمثابة مساعدة كبيرة لليبيين كي يستعيدوا سيادتهم الكاملة. خلاصة النقاشات التي أجريتها في هذه الزيارة كانت مفيدة للغاية، لأنها تناولت معظم هذه الملفات السابق ذكرها”.
في معرض اجابته على السؤال الأول، تحدث السفير نورلاند عن التدخل التركي، فقال “لا شك أن التدخل التركي في ليبيا، أسفر عن بعض الجمود في الأزمة الليبية، على المستوى الميداني، فقد خلق هذا التدخل متغيرات جديدة، فهم منها الجميع انه لا يوجد حلول في ليبيا، سوى الحل السياسي.
وأضاف :”حكومة طرابلس أُجبرت على اللجوء إلى تركيا كي تدعمها عسكريا، بعد أن أوشكت قوات المشير حفتر على السيطرة عليها. رغم هذا، أرى انه لابد أن تكون هناك حدود واضحة لأي تدخل أجنبي في ليبيا، والآن التركيز هو على إيجاد آليات إنهاء هذه التدخلات، ومنع تفاقمها من جميع الأطراف، وهناك فرصة سانحة لتحقيق ذلك، بسبب جمود الموقف الميداني العسكري حالياً في ليبيا، ويجب أن نستغل هذه الفرصة بشكل عاجل، لأن أي مواجهة عسكرية بين القوات التركية من جهة، والقوى المساندة للمشير حفتر، ستؤدى إلى نتائج كارثية على ليبيا وجوارها”.
تناول السؤال الثاني الذي تضمنه هذا الحوار، ماهية الشروط المسبقة التي ترى واشنطن أنها أساسية للتوصل إلى حل سلمي نهائي للأزمة الليبية، وقال السفير نورلاند رداً على هذا السؤال “أولاً، يجب على كافة الأطراف الخارجية، إيقاف تدخلاتها الرامية إلى تأجيج الصراع العسكري على الأرض الليبية، خاصة الدول التي ترسل إلى المتقاتلين على الأرض، الذخائر والأسلحة والمرتزقة. إنهاء هذه التدخلات، وكذلك الإيفاء بكافة التفاصيل والالتزامات التي تضمنتها مخرجات مؤتمر برلين، ستكون جميعها إسهامات أساسية في الدفع باتجاه حل سلمي للأزمة”.
وقال :” الجزء الأخر من هذه المعادلة يتمثل من وجهة نظري، في ضرورة دعم الجميع، لكافة الأصوات والأطراف الوطنية في ليبيا، التي تستهدف إنهاء الصراع العسكري، وإعلاء الحل السياسي، وفي هذا الصدد، تم إثبات ايجابية ما صدر في إعلان القاهرة”.
بينما تناول السؤال الثالث الخطط الأمريكية حيال مدينة سرت، خاصة ما تردد حول رغبة واشنطن في إنشاء منطقة منزوعة السلاح فيها. رد السفير نورلاند على هذا السؤال بالقول “إحدى الأفكار التي نقترحها حول هذا الموضوع، هو التوصل إلى صيغة بخصوص وضع مدينة سرت، تكون فيها منزوعة السلاح، وواشنطن لم تكن الطرف الوحيد الذي أقترح ذلك، لكن إذا تيسر للولايات المتحدة، استخدام نفوذها وتأثيرها على الأطراف المختلفة، من أجل تطبيق هذا الحل، ستكون الإدارة الأمريكية جاهزة ومرحبة للشروع في تنفيذ هذا الاقتراح، الذي يستهدف بشكل أساسي، سحب الوحدات القتالية إلى مواضع متأخرة، وتجنيب مدينة سرت المخاطر التي ستنجم عن تجدد المعارك، وكذا مخاطر أن تصبح بمثابة شرارة اندلاع نزاع إقليمي واسع”.
السؤال التالي كان حول مدى اعتقاد واشنطن، أن المناقشات الحالية حول ليبيا، قد حققت تقدما ملموساً خلال الفترة الماضية. أجاب السفير “أرى حالياً أنه باتت لدينا فرصة لتعزيز وقف إطلاق النار الحالي، وتحويله إلى وقف دائم. لن أتحدث هنا حول ما اذا كنت متشائم أو متفائل بمستقبل النقاشات الحالية، لكني أرى أن الفرصة الموجودة في أيدينا حالياً، تحظى بدعم عدد كبير من الأطراف الإقليمية والدولية، وسنواصل العمل على استغلال الفرصة المتاحة، لأن البديل سيكون نشوب صراع إقليمي لا تحمد عقباه”.
وردا على سؤال عن مسألة توقيع الحكومة التركية، لاتفاقية حول المياه الاقتصادية الخالصة، مع حكومة الوفاق في طرابلس، تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا، وصولاً إلى الساحل الشمالي لليبيا، وما اذا كانت هذه الاتفاقية مقدمة لصفقة بين الجانبين، تتعهد فيها تركيا بحماية حكومة الوفاق، مقابل حصول أنقرة على النفط الليبي. أجاب السفير على هذا السؤال قائلاً “بغض النظر عن الأسباب المباشرة لتوقيع هذه الاتفاقية، فإن نتائجها وآليات تنفيذها، هو أمر يجب تحديده حصراً من جانب المحاكم والمؤسسات القانونية الدولية، وانا على قناعة أن كلا الجانبين يدركان هذا الأمر، وبالتالي أية خلافات ستنشأ من هذه الاتفاقية، يجب ان يتم نظرها أمام المحاكم الدولية”.
وفيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة من ردود فعل القاهرة أخيراً، على تحركات أنقرة وحكومة الوفاق، خاصة بعد رسم الرئيس عبد الفتاح السيسي لخط أحمر مرتبط بالأمن القومي المصري، ويربط ما بين مدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية. أجاب السفير نورلاند ” من الجلي أننا نحترم ونتفهم تصريحات الرئيس المصري في هذا السياق، لأنها تُظهر مخاطر التصعيد الميداني، والضرورة الملحة لإيجاد حلول بديلة لذلك. تناقشت خلال زيارتي الحالية مع عدد من المسئولين المصريين، وأكدوا لي على نقاط هامة، سبق وتتناولها الرئيس المصري، منها ان مصر لا ترى أي أفق لأي عمل عسكري في ليبيا، سواء كان من شرقها او من غربها، وأنها تعارض أية هجمات على العاصمة طرابلس. من وجهة نظري كسفير للولايات المتحدة في ليبيا، هذه التأكيدات من جانب الرئيس المصري، ستساهم بالقطع في بناء مزيد من الثقة المتبادلة حول الملف الليبي، وهذا سيكون له تأثير قوي، على مستقبل الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي في ليبيا”.
وحول موقف الولايات المتحدة من دعوة زعماء القبائل الليبية، مصر إلى التدخل العسكري في ليبيا. رد السفير على هذا السؤال قائلاً ” نحن ننظر إلى هذا من بنظرة أكبر وأشمل، ونحن ندعم كافة الجهود المبذولة للحد من التوترات الحالية، ونؤمن بالحاجة الملحة للتعاون بين الأمم المتحدة وجميع الأطراف، للتوصل إلى تسوية تفاوضية”.
وتناول السؤال الأخير، الدور الروسي في ليبيا، وموقف الولايات المتحدة من الوجود العسكري الروسي على الأراضي الليبية، خاصة ان ليبيا دولة غنية بالنفط، وشهدت لعقود نشاطاً مكثفاً لشركات النفط الغربية. رد السفير قائلا “روسيا لها مصالح اقتصادية مشروعة في ليبيا، مثلها في ذلك مثل أي دولة أخرى. ما يثير اندهاشنا، هو أن روسيا تسعى لحماية مصالحها، باستخدام مجموعات مسلحة مثل (فاغنر)، تجلب إلى ليبيا معدات عسكرية متطورة، ومنظومات قتالية، وتنفذ مهام لا تساعد بأي حال من الأحوال على تحقيق الاستقرار في ليبيا”.
وأضاف :” لقد لاحظنا خلال اليومين الماضيين، وبعد كارثة انفجار مرفأ بيروت، أن روسيا، من خلال وزارة خدمات الطوارئ، قدمت مساعدات انسانية عاجلة إلى الحكومة اللبنانية، بصورة جيدة للغاية، ومن وجهة نظرنا، سيكون من الجيد أن نرى تدخلاً روسياً مماثلاً في ليبيا، لا أن يكون التدخل بهدف إذكاء الصراع المسلح فيها”.
باحث أول بالمرصد المصري